المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(حرف السين المهملة) - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر - جـ ٢

[المحبي]

الفصل: ‌(حرف السين المهملة)

(فسقى ثراك سَحَابَة قدسية

تهمى عَلَيْك برحمة وَسَلام)

وَلم يبْق إِبْرَاهِيم باشا بعده إِلَّا أَيَّامًا قَليلَة حَتَّى وَقع بَينه وَبَين عَسَاكِر مصر فَقَتَلُوهُ وحملوا رَأسه على رمح وطوفوا بِهِ مصر كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته وعوقب بذلك على الجراءة على قتلة صَاحب التَّرْجَمَة الله أعلم

زين العابدين بن محيي الدّين بن ولي الدّين بن جمال الدّين يُوسُف بن زَكَرِيَّا أبي يحيى بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ السنيكي الشَّافِعِي الإِمَام الْفَاضِل الْعَالم الْعَامِل كَانَ أحد عباد الله تَعَالَى الصَّالِحين والإجلاء المعتقدين المخصوصين بالأخلاق الرضية والشمايل البهية المرضية ولد بِمصْر ضحى يَوْم الْخَمِيس خَامِس شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَألف وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وتلاه بالتجويد واعتنى بِهِ قِرَاءَة وفهما وَكِتَابَة ورسما واشتغل فِي عنفوان شبابه بِالطَّلَبِ وَأخذ عَن وَالِده ولازم أكَابِر شُيُوخ عصره وشارك الشبراملسي فِي كثير من شُيُوخه ثمَّ لَازمه مُلَازمَة الجفن للعين وَكَانَ الشبراملسي يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ ويعظمه فِي جَمِيع شؤونه حَتَّى توفّي فِي حَيَاة الشبراملسي فجزع عَلَيْهِ وَكَاد أَن يشق ثَوْبه عَلَيْهِ لكَونه خدنه وَصديقه وخليله ورفيقه وَقد ألف مؤلفات كَثِيرَة شهيرة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الجزرية لجده شيخ الْإِسْلَام القَاضِي زَكَرِيَّا فِي نَحْو عشْرين كراسة وَشرح على رِسَالَة جده الْمَذْكُور الْمُسَمَّاة بالفتوحات الآلهية سَمَّاهُ الْمنح الربانية وَكَانَت وَفَاته فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف بِمصْر وَدفن بالقرافة بِالْقربِ من تربة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على أَبِيه وجده والسبكي بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَإِسْكَان الْيَاء الْمُثَنَّاة وَآخر الْحُرُوف كَاف نِسْبَة لسنيكة بتاء التَّأْنِيث بليدَة من شَرْقي مصر ولد بهَا جده القَاضِي زَكَرِيَّا رَحمَه الله تَعَالَى

زين العابدين الصَّفَدِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ كَانَ من فضلاء زَمَانه قدم دمشق فِي عنفوان عمره واشتغل بهَا على عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر وَحصل فضلا باهراً ثمَّ رَحل إِلَى بلدته صفد وَأقَام بهَا وَولى افتاء الْحَنَفِيَّة مُدَّة ودرس وَأفَاد واشتهر صيته وَكَانَ ذَا همة عالية وَمَكَارِم أَخْلَاق وَأَصله من قَرْيَة كفر مندا من ضواحي صفد وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَرْبَعِينَ وَألف تَقْرِيبًا

(حرف السِّين الْمُهْملَة)

السَّيِّد سَالم بن أبي بكر بن سَالم بن أَحْمد بن شَيْخَانِ بن عَليّ بن أبي بكر بن عبد

ص: 199

الرَّحْمَن بن عبد الله عبود بن عَليّ بن مُحَمَّد مولى الدويلة السَّيِّد الصفي الْحُسَيْنِي تقدم أَبوهُ أَبُو بكر وَيَأْتِي جده بعده وَهَذَا ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بفنون الْعُلُوم وَأخذ عَن وَالِده شَيْئا كثيرا ولازم الشَّيْخ عَليّ ابْن الْجمال وَعبد الله ابْن سعيد باقشير وَالسَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن أبي بكر الشلي باعلوي وَالشَّيْخ عبد الله ابْن الظَّاهِر العباسي وَغَيرهم وَأَجَازَهُ عَامَّة شُيُوخه وَأخذ عَن الوافدين إِلَى مَكَّة كَالشَّمْسِ البابلي وَمَنْصُور الطوخي وَغَيرهمَا وَله أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله من قصيدة عَارض بهَا كَافِيَة الْبَهَاء الْحَارِثِيّ

(فاح عرف الشميم من ناديك

يَا زعيما على الْأَنَام مليك)

(كل يَوْم وَفِي الْقُلُوب لظى

من تجنيك هَل ترى يرضيك)

(يَا رعى الله جَمعنَا وَسَقَى

منزل اللَّهْو والخلاعة فِيك)

(يَوْم عَيْش الشَّبَاب لي نضر

وزماني سمح فَلَا نشكيك)

(أَي صَبر يكون لي وَلَقَد

عيل صبري بمهجتي أفديك)

(فَإلَى الله أشتكي أبدا

سحر عَيْنَيْك إِنَّهَا الفتيك)

(وقواما كَأَنَّهُ غُصْن بَان

سالب عقل نَاظر نسيك)

(وحديثا كَأَنَّهُ نثر زهر

قد أَتَانِي معطرا من فِيك)

(صَاح هَات المدام إِن لَهَا

يبْقين على الهموم دليك)

(واسقنيها ممزوجة بلمى

ثغر حب وَلَا تقل بكفيك)

(واسقنيها حَمْرَاء قد لبست

شفق اللَّيْل أَو كعرف الديك)

(واسقنيها فإنني شغف

باحتساها معاند ناهيك)

(وَتعطف على الحبيب عَسى

يسمح الدَّهْر باللقا لأخيك)

(وابق واسلم مَا الصب ينشدنا

فاح عرف الشميم من ناديك)

وَكَانَت وَفَاته فِي حَيَاة وَالِده وَهُوَ شَاب ظهر يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرى الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ بعد الْعَصْر وَالِده إِمَامًا بِالنَّاسِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فِي مشْهد عَظِيم وَدفن بحويطتهم بالمعلاة

السَّيِّد سَالم بن أَحْمد بن شَيْخَانِ جد الَّذِي قبله وَالِد وَالِده الْأُسْتَاذ الباهر الطَّرِيقَة الْعَالم الْكَامِل نادرة الزَّمَان أفرد لَهُ وَالِده الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو بكر تَرْجَمَة فِي رِسَالَة قَالَ ولد فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر ربيع الثَّانِي سنة خمس

ص: 200

وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ تَارِيخ ظُهُوره فيض الْجمال وَنَشَأ فِي طلب واجتهاد حَتَّى حصل وَقَرَأَ كتاب الْأَحْيَاء ثَلَاث مَرَّات على الشَّيْخ سعيد بابقي الْعَالم الوليالآتي ذكره وَصَحب الشَّيْخ أَحْمد الشناوي وَأخذ عَنهُ علوماً جمة وَالطَّرِيق المسلسل وَنشر كثيرا من الْعُلُوم والمعارف وانتفع بِهِ كثير من أَرْبَاب الذَّوْق وصنف فِي فنون الْعلم الْكتب والرسائل فَمِنْهَا فِي علم التَّحْقِيق بلغَة المريد وبغية المستفيد وتمشية أهل الْيَقِين على ذائقة التَّمْكِين وَهِي رِسَالَة مفيدة للشَّيْخ عبد الْكَرِيم الجيلي وَالْإِعْرَاب التَّام المسدد الْجَامِع لتوحد قيام مُحَمَّد الشافع وَشرح أَبْيَات للعفيف التلمساني الْبَيْت الأول مِنْهَا قَوْله

(إِذا كنت بعد الصحو فِي المحو سيدا

إِمَامًا مُبين النَّعْت بِالذَّاتِ مُفردا)

وَشرح الْجَوْهَر الرَّابِع وَالْخَامِس من كتاب الْجَوَاهِر الْخمس للسَّيِّد مُحَمَّد غوث الله ابْن خطير الدّين أتم بِهِ شرح شَيْخه الشَّيْخ أَحْمد الشناوي فَإِنَّهُ شرح الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث فَقَط وَاتفقَ لَهُ أَنه قَرَأَ هَذَا الْكتاب أَعنِي الْجَوَاهِر على شَيْخه الْمَذْكُور سبع مَرَّات وَمن مصنفاته جَوَامِع كلم الْعُلُوم فِي الصَّلَاة على مداوي المكلوم وَنشر الإفادة بِذكر كلمتي الشَّهَادَة وَالسّفر المستور للدراية فِي الذّكر المنشور للولاية وَالْأَخْبَار والأنباء بشعار ذَوي الْقُرْبَى الألباء وجبر الْكَلِمَة القاصمة بِذكر الْكَلِمَة العاصمة والمقاصد العندية بمشاهد النقشبندية وشق الجيب فِي معرفَة أهل الشَّهَادَة والغيب وَمن مصنفاته فِي غَرِيب الْعُلُوم مِصْبَاح السِّرّ اللامع بمفتاح الجفر الْجَامِع وغرر الْبَيَان عَن عمر الزَّمَان والمشروط الأسمى الْأَسْنَى فِي شُرُوط الْأَسْمَاء الْحسنى وَالْعقد المنظوم فِي بعض مَا تحتوي عَلَيْهِ الْحُرُوف من الْخَواص والعلوم وإيوان المقعد الْحرفِي وديوان المشهد الوصفي يتَضَمَّن مَا يتَعَلَّق بالوفق المثلث ومرهم الْعَطف وَدِرْهَم الصّرْف وأسفار الحالك فِي الْعَمَل بِوتْر ابْن مَالك وموائد الْفضل الجامعة لبابا فِي موارد الرمل النافعة احبابا وَالْمَاء السلسال الرَّحِيق الأصفى فِي التَّعَلُّق بالأسماء الَّتِي اقْتَضَت بوبيتا تخليق الموجودات الامكانية وَمَالهَا منزلَة وحرفا وَجل الْمغنم فِي حل الطلسم والبرهان الْمَعْرُوف فِي مَوَازِين الْحُرُوف ومنتهى الطّلب فِي قسْمَة حُرُوف الرتب على الْكَوَاكِب السَّبْعَة وَالرَّأْس والذنب والجدول العذب الاهني من مشرب الْأَسْمَاء الْحسنى وَعقد الحكم فِي ورد الِاسْم وَعقد اللآلي الفخام فِي ورد اللَّيَالِي

ص: 201

وَالْأَيَّام والتحصينات الْمَوَانِع بالدعوات الْجَوَامِع والتحبير فِي التسخير وَله غير ذَلِك من المؤلفات مِمَّا يطول ذكره قلت وَقد تيَسّر لي بِحَمْد الله تَعَالَى رِوَايَة جَمِيع مَاله من تأليف وَأثر ينْقل عَنهُ رِوَايَة عَامَّة عَن وَلَده سيدنَا ومولانا الاستاذ الْكَبِير الْعَظِيم الشَّأْن المعمر الْبركَة رونق قطر الْحجاز السَّيِّد عمر أجازني بذلك مشافهة أَيَّام مجاورتي فِي أواسط سنة مائَة وَألف وَللسَّيِّد سَالم أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قصيدته الَّتِي قَالَهَا فِي مدح النَّبِي

مطْلعهَا

(لَك ذَات الْعُلُوم والأسماء

يَا نَبيا نوابه الْأَنْبِيَاء)

وَمن مقاطيعه قَوْله

(ترا آي بديع الْحسن فِي صنع خلقه

جميلاً فَظن الْمظهر النَّاظر القذى)

(وَمَا هُوَ إِلَّا الله بالصنع بارز

على صِيغ التخليق فِي الظَّاهِر الَّذِي)

وَقَوله

(رمى العَبْد سهم الْوَهم من قَوس حكمه

فأدمى خيالا فِي منصاته السَّبع)

(وَلَيْسَ إِذا حققت رام سوى الَّذِي

أَتَاك بطي النشر فِي الطَّبْع والوضع)

وَقَوله

(كن ممسكاً بِالصَّوْمِ عَن كل السوى

وَاذْكُر بفطرك من أَتَى معروفه)

(وبفاطر عَن رُؤْيَة الأغيار صم

من صَامَ عِنْد الله طَابَ خلوفه)

وَله دَار الصَّفَا من بَحر الشفا وَهِي الوترية فِي مدخ خير الْبَريَّة وَله صلوَات على النَّبِي عليه السلام وَله غير ذَلِك ومحصل الْكَلَام أَنه أَكثر أهل عصره فَائِدَة ونفعا وَكَانَت وَفَاته ضحوة يَوْم الْأَحَد تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف وَدفن فِي عشيته على أَبِيه وجده بالمعلاة وَلما دفن تمثل الْوَلِيّ الْعَارِف الشريف الْعلوِي الحبشي بِبَيْت من الشّعْر وَهُوَ

(حلف الزَّمَان ليَأْتِيَن بِمثلِهِ

حنثت يَمِينك يَا زمَان فَكفر)

وَجَاء تَارِيخ وَفَاته صَار إِلَى رَحْمَة الله

سَالم بن حسن الشبشيري نزيل مصر الشَّافِعِي الإِمَام الْحجَّة شيخ وقته وَأعلم أهل عصره كَانَ فِي الْفِقْه بَحر الإيجاري وَفِي بَقِيَّة الْعُلُوم قدره مَشْهُور أَخذ الْفِقْه عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ وَغَيره من أكَابِر عصره وتكمل بِالنورِ الزيَادي ولازمه سِنِين عديدة وَكَانَ من أجل طلبته وَمِمَّنْ فنى فِي محبته وَكَانَ يطالع لجَماعَة الزيَادي درسه على عَادَة مَشَايِخ الأزهران أفضل الطّلبَة يطالع لطلبة الشَّيْخ درسه مطالعة بحث وَتَحْقِيق

ص: 202

حَتَّى يَأْتُوا إِلَى الشَّيْخ وهم متهيؤن لما يلقيه وَكَانَت جمَاعَة الزيَادي مَعَ مَا هم عَلَيْهِ من الْعلم والفهم الثاقب ملازمين لدروسه الفرعية وَمِمَّنْ لَازمه مِنْهُم الشَّمْس الشَّوْبَرِيّ والنور الْحلَبِي والشهاب القليوبي وعامر الشبراوي وخضر الشَّوْبَرِيّ وَعبد الْبر الاجهوري وَمُحَمّد البابلي والنور الشبراملسي وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحي وَكَانَ يُسَمِّيه وتد درسه ويفضله على شَيْخه الزيَادي وَيَقُول مَا رَأَيْت أفقه مِنْهُ وَكَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى فِي استحضار مسَائِل الْفِقْه وتصويرها وَمَعْرِفَة الْفرق وَالْجمع بَينهمَا والاطلاع على النقول والإحاطة بالفروع وَالْأُصُول وَكَانَ مَعَ كَونه فَقِيها خَالِصا من أكَابِر الْأَوْلِيَاء لَهُ كرامات خارقة وأحوال باهرة مِنْهَا مَا حَكَاهُ النُّور الشبراملسي فِي درسه أَنه طالع كتاب الْغرُور من الْأَحْيَاء للغزالي فَلَمَّا رأى مَا قَالَه الْغَزالِيّ فِي عُلَمَاء عصره وَمَا هم فِيهِ من الْغرُور مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل ذَلِك الْعَصْر من الْخَيْر أضمر فِي نَفسه أَن يتخلى لِلْعِبَادَةِ وَالصَّوْم وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَأَن يتْرك الْقِرَاءَة على الشُّيُوخ وَالِاجْتِهَاد فِي الطّلب لِأَنَّهُ قد حصل مَا يَكْفِيهِ فِي إِقَامَة دينه ودنياه وَكَانَ إِذْ ذَاك يحضر درس صاحبا لترجمة فجَاء ذَلِك الْيَوْم إِلَى الدَّرْس بِغَيْر مطالعة واشتغل سرا بِقِرَاءَة الْقُرْآن بِحَيْثُ لَا يسمع أحدا من الْحَاضِرين وَلم يُخْبِرهُمْ بِمَا أضمره فِي نَفسه وَإِنَّمَا جَاءَ إِلَى الدَّرْس مُرَاعَاة لخاطر الشَّيْخ لِئَلَّا يفتقده فَيسْأَل عَنهُ أَو يَأْتِي إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة شفاها يَا عَليّ مَالك الْيَوْم سَاكِت فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي مَا طالعت فَقَالَ لَهُ يَا عَليّ الْغَزالِيّ مَا ألف الْمُسْتَصْفى مَا ألف الْوَجِيز مَا ألف كَذَا مَا ألف كَذَا وعد مؤلفاته فَقَالَ لَهُ نعم يَا سَيِّدي فَقَالَ لَهُ كَأَنَّك اغتريت بِكِتَاب الْغرُور من الْأَحْيَاء لَا بقيت تفعل هَذَا واطلب الْعلم وَاتَّقِ الله مَا اسْتَطَعْت عَسى الله أَن يجعلك من المخلصين قَالَ الشبراملسي فَلَمَّا كاشفني بذلك رجعت لما كنت عَلَيْهِ من طلب الْعلم والاشتغال بِهِ وَصرف أوقاتي فِي المطالعة وَتركت مَا كنت أضمرته فِي نَفسِي وأنبأني الشَّيْخ عَنهُ حَتَّى كَانَ من أَمر الله مَا كَانَ وَالْحَمْد لله وَحده وَلم يزل صَاحب التَّرْجَمَة منهمكا على بَث الْعلم ونشره حَتَّى توفّي وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم السبت سَابِع عشرى ذِي الْحجَّة سنة تسع عشرَة وَألف وَحكى البشبيشي عَن شَيْخه الشَّيْخ سُلْطَان أَنه توفّي فِي سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع الْأَزْهَر وَكَانَ الإِمَام بِالنَّاسِ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ شَيْخه النُّور الزيَادي وَلم يجزع عُلَمَاء مصر على أحد من الْعلمَاء مَا جزعوا عَلَيْهِ رَحمَه الله

ص: 203

سَالم بن مُحَمَّد عز الدّين بن مُحَمَّد نَاصِر الدّين ابْن عز الدّين بن نَاصِر الدّين بن عز الْعَرَب أَبُو النجا السنهوري الْمصْرِيّ الْمَالِكِي الإِمَام الْكَبِير الْمُحدث الْحجَّة الثبت خَاتِمَة الخفاظ وَكَانَ أجل أهل عصره من غير مدافع وَهُوَ مفتي الْمَالِكِيَّة وَرَئِيسهمْ وَإِلَيْهِ الرحلة من الْآفَاق فِي وقته وَاجْتمعَ فِيهِ من الْعُلُوم مَا لم يجْتَمع فِي غَيره مولده بسنهور وَقدم إِلَى مصر وعمره إِحْدَى عشرَة سنة وَأخذ عَن الإِمَام الْمسند النَّجْم مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن أبي بكر الغيطي الإسكندري ثمَّ الْمصْرِيّ صَاحب الْمِعْرَاج وَعَن الإِمَام الْكَبِير الْحجَّة الشَّمْس مُحَمَّد النوفري الْمَالِكِي وَأدْركَ النَّاصِر اللَّقَّانِيّ وَأخذ عَنهُ الجم الْغَفِير الَّذين لَا يُحصونَ من أهل مصر وَالشَّام والحرمين مِنْهُم الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ والنور الأَجْهُورِيّ وَالْخَيْر الرَّمْلِيّ وَالشَّمْس البابلي وَالشَّيْخ سُلَيْمَان البابلي وَمِمَّنْ لَازمه وَسمع مِنْهُ الْأُمَّهَات السِّت كملا الشَّيْخ عَامر الشبرواي وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا حَاشِيَة على مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل فِي الْفِقْه وَهِي عزيزة الْوُجُود لقلَّة اشتهارها وانتشارها ورسالة فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَغَيرهمَا وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس عشرَة بعد الْألف وَدفن بمقبرة المجاورين وَبلغ من الْعُمر نَحْو السّبْعين وأرخ بَعضهم وَفَاته بقوله

(مَاتَ شيخ الحَدِيث بل كل علم

سَالم ذُو الْكَمَال أفضل حبر)

(قلت من غير غَايَة لبكاء

أرخوه قد مَاتَ عَالم مصر)

سرُور بن الْحُسَيْن بن سِنِين الْحلَبِي الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ أحد أَفْرَاد الزَّمَان فِي النّظم وَله شعر بديع الصَّنْعَة مليح الأسلوب مفرغ فِي قالب الْحسن والجودة وَلما فَارق وَطنه بحلب وسارع إِلَى طرابلس الشَّام لمدح أمرائها بني سَيْفا والأمير مُحَمَّد بَينهم إِذْ ذَاك مقصد كل شَاعِر وممدوح كل نَاطِق أكْرم مثواه وَأحسن قراه فبغضه شعراء الْأَمِير الموجودون عِنْده والمقربون إِلَيْهِ وَذَلِكَ لأقبال الْأَمِير عَلَيْهِ وركبوا كل صَعب وَذَلُول فِي سبه حَتَّى خَاطب الْأَمِير حُسَيْن بن الْجَزرِي الْمُقدم ذكره بقوله معرضًا بسرور

(وحقك مَا تركتك عَن ملال

وبغض أَيهَا الْمولى الْأَمِير)

(وَلَكِن مذ ألفت الْحزن قدما

انفت مواطنا فِيهَا سرُور)

وَلم يزل فِي تِلْكَ الغربة إِلَى أَن قضى وَمَا قضى وطره ومدائحه فِي بني سَيْفا غَايَة وَمن جيدها قصيدته الرائية الَّتِي قَالَهَا فِي مدح الْأَمِير مُحَمَّد ومستهلها

ص: 204

(خلا ربع أنسى بعدكم فَهُوَ مقفر

وأعوزني حَتَّى البكا والتبصر)

(وَقد كنت عَمَّا يسهر الْعين غافلا

فعلمني حبيكم كَيفَ أسهر)

(وَوَاللَّه رَبِّي مَا تَغَيَّرت بعدكم

وَإِن رابكم جسماني الْمُتَغَيّر)

(عدمت اخْتِيَاري والحوادث جمة

وَهل بيد الْإِنْسَان مَا يتَخَيَّر)

(تذكرتكم وَالْعين تهمى دموعها

وَأي دموع لم يهجها التَّذَكُّر)

(وَلَيْسَت كَمَا ظن الغبي مدامعا

وَلكنهَا نفس تذوب فتقظر)

أَخذ الْأَخير من قَول بشار

(وَلَيْسَ الَّذِي يجْرِي من الْعين مَاؤُهَا

وَلكنهَا روح تذوب فتقظر)

وَقد أَخذه المتنبي فحسنه بقوله

(أشاروا بِتَسْلِيم فجدنا بأنفس

تسيل من الآماق والسم أدمع)

وَقد تداول الشُّعَرَاء هَذَا الْمَعْنى كثيرا وَلَو جمعت مَا قيل فِيهِ لناف على خَمْسمِائَة بَيت تَتِمَّة الرائية

(لَعَلَّ ليل سامحتني بقربكم

تُعَاد فتنهى فِي البعاد وتأمر)

(هُنَالك أجزى الدَّهْر عَن حسن فعله

وَاصْفَحْ عَن ذَنْب الزَّمَان وأغفر)

(بكم روّضت دَاري وعزت وأشرقت

فَأنْتم لَهَا بَحر وَبدر وقور)

(بجيث التصابي كَانَ سهلاً جنا بِهِ

بكم وشبابي أَبيض الْعَيْش أَخْضَر)

وَمِنْهَا فِي المديح

(أءكفر إِحْسَان ابْن سَيْفا مُحَمَّد

فَذَلِك ذَنْب لَيْسَ عَنهُ مكفر)

(مَتى وَردت جدوى الْأَمِير بِنَا المنى

شربنا ببحر صَفوه لَا يكدر)

(كثير سخاء الْكَفّ تحسب جنَّة

تفجر فِيهَا من عطاياه كوثر)

(وَمن نعْمَة قد أودعت قلب حَاسِد

تفوح كَمَا يستودع الْعود مجمر)

(وَإِن جدّ أمضى فِي الْأُمُور عَزِيمَة

يحيض دَمًا مِنْهَا الحسام الْمُذكر)

(يدبر أَمر الْجَيْش مِنْهُ ابْن حرَّة

بَصِير بتدبير الْأُمُور مُدبر)

(حسام لَهُ من حلية الْفضل جَوْهَر

يروق كَمَا راق الحسام المجوهر)

(وينتاش شلوا الْمجد من ثوب الردى

وَقد نشبت فِيهِ نيوب وأظفر)

(وَإِن زارت الْخَيل السوابق خيله

أَتَى الطير من قبل اللِّقَاء يبشر)

(تفدّيه بِالشُّهُبِ الصوافن ضمر

عَلَيْهَا أسود من بني الْحَرْب ضمر)

ص: 205

(خلفت عليا يَا ابْنه فِي خلائق

تَسَاوِي بهَا فرع زكي وعنصر)

قلت هَذَا الْقدر هُوَ الْمَقْصُود مِمَّا نَحن فِيهِ وَهَذَا الشّعْر هُوَ السحر الْحَلَال فَللَّه دره مَا أسلس قياده وأعذب أَلْفَاظه وَأحسن سبكه وألطف مقاصده وَمن ملحه قَوْله

(نزلنَا بِحكم الراح عنْدك منزلا

نهبنا بِهِ الأفراح فِي ظله نهبا)

(تدير علينا من حَدِيثك خمرة

وَأُخْرَى من الراح الْمُعتقَة الصهبا)

(فرحت فَلَا وَالله أعلم مَا الَّذِي

تعاطيت رَاحا كَانَ أم لفظك العذبا)

(كَانَ إِذا اشعشعتها أكفنا

نقلب من كاساتها أنجما شهبا)

وَمن غزليانه قَوْله

(وَلكم بكرت إِلَى الرياض للذة

فِي فتية بيض الْوُجُوه صباحها)

(تهتز فِي ورق الشَّبَاب قدودهم

كغصونها وثغورهم كاقاحها)

(حَتَّى إِذا عَادوا لوصلي عاودت

أَرْوَاح لذاتي إِلَى أشباحها)

وَمن مطرباته الَّتِي استوفت أَقسَام الظّرْف قَوْله

(بدا فَكَأَنَّمَا قمر

على أطواقه ظهرا)

(يعز إِذا خضعت لَهُ

وَإِن دانبته نَفرا)

(وَلم أر قبل مبسمه

ثمين الدّرّ مَا صغرا)

(يظل بِهِ على خطر

فُؤَادِي كلما خطرا)

وَمِمَّا يستجاد لَهُ قَوْله

(صب جَفا فِي فراقك الرفقا

جَار عَلَيْهِ الْهوى وَمَا رفقا)

(يَكْفِيهِ من حالتيه أَن لَهُ

فَمَا صموتا وناظرا قلقا)

(ودمع عين يَبْدُو فاكتمه

منحبسا تَارَة ومنطلقا)

(وقفت أستنطق الربوع لَهُ

لَو أَن ربعا لسائل نطقا)

(عين ترى أَن تراك لَا سكبت

للبين دمعا وَلَا اشتكت أرقا)

(هَل فِيك من رَحْمَة تعين بهَا

إِنْسَان عين أحرقته غرقا)

(وغصن بَان مَشى فعلمني

لما تثني وشاحه القلقا)

أحسن مِنْهُ قَوْله أبي تَمام

(وَإِذا مشت تركت بقلبك ضعف مَا

يحليها من كَثْرَة الوسواس)

رَجَعَ

(أَوْرَق بالْحسنِ نبت عَارضه

وَأحسن الْغُصْن مَا اكتسى الورقا)

ص: 206

(يمدلي من عذاره مُشْركًا

يطول فِيهِ عَذَاب من علقا)

(وَيحمل الصُّبْح تَحت ليل دجى

فَوق قضيب على كثيب نقا)

(أخذت بِالْمذهبِ الصَّحِيح وَقد

تفرق النَّاس فِي الْهوى فرقا)

(مقسمين الحظوظ بَينهم

فِي الْحبّ قسمى سَعَادَة وشقا)

وَله من قصيدة يذكر فِيهَا منتزهات حلب

(أَلا لَيْت مَا بيني وَبَيْنك من بعد

على الْقرب مابين الْقُلُوب من الود)

(غرامي غرامي والهوى ذَلِك الْهوى

قَدِيما ووجدي فِي محبتكم وجدي)

(وَوَاللَّه مَا تَغَيَّرت بعدكم

لبين فَهَل أَنْتُم تغيرتم بعدِي)

(تذكرت أيامي وعودي بمائه

وعيشي بكم لَو دَامَ فِي جنَّة الْخلد)

(وَقلت تديموني على الْقرب دَائِما

فخالفتموني واتفقتم على الْبعد)

(وَلَيْلَة غاظ الْبَدْر فِيهَا اجتماعنا

فَكُنَّا نرى فِي وَجهه أثر الحقد)

(وملتقطات من فُؤَادِي تجتنى

أَحَادِيث أحلى مجتنى من جنى الشهد)

(ألذ من المَاء القراح على الظما

وأعذب من طيب الْكرَى عقب السهد)

(وبالبقعة الْغناء من سفح جوشن

فَتلك الربى فالسفح من جوشن الْفَرد)

(كَانَا على شاطىء مجر قويقها

وَقد أشرف السعدى بكم أنجم السعد)

(تَجِد بِنَا أهواؤنا فحلو منا

موفرة فِيهَا على الْهزْل وَالْجد)

(وَكم بردت للتل عين قريرة

سُرُورًا بِنَا والشمل مُنْتَظم العقد)

(لبسنا لَهَا وَاللَّيْل يعثر بالصبا

بَقِيَّة قطع من دجى اللَّيْل مسود)

(مَنَارَة قطر لابس الْقطر نورها

فألبسها مِمَّا ينيل وَمَا يسدى)

(رياض حكى الْبرد الْيَمَانِيّ وشيها

وشاطىء غَدِير مثل حَاشِيَة الْبرد)

(تحرى بهَا النوروز فصل اعتداله

فَعدل فِيهَا قسْمَة الْحر وَالْبرد)

(وَمن ورق للورد يصقله الندى

فَيجْرِي يجاري الدمع من حمرَة الخد)

(فيا نعْمَة أغفلتها فتصرمت

مَضَت لم أقيدها بشكر وَلَا حمد)

وَقد تضمن أَكثر شعره مدح الشَّهْبَاء تبعا للْمُتَقَدِّمين كَقَوْل البحتري

(أَقَامَ كل ملث الودق رجاس

على ديار بعلو الشَّام أدراس)

(فِيهَا العلوة مصطاف ومرتبع

من بانقوسا وبابلي وبطياس)

(منَازِل أنكرتها بعد معرفَة

وأوحشت من هوانا بعد إيناس)

ص: 207

الشَّيْخ أبي الْحسن الْبكْرِيّ واشتهر ذكره واعتقده النَّاس وخضعت لَهُ الْعلمَاء الْأَعْلَام وَأخذ عَن جمع من أكَابِر الْعلمَاء الْأَعْيَان كالسيد الْجَلِيل سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ وكراماته أشهر من أَن تذكر وَأعظم من أَن تحصر وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر محرم سنة سبع عشرَة وَألف بِمَكَّة وَدفن ببيته بجبل أبي قبيس وقبره درياق مجرّب لقَضَاء الْحَوَائِج

سقر بن عمر اليفاوي الْمصْرِيّ الْوَلِيّ الصَّالح المجذوب ذكره الإِمَام عبد الرؤوف الْمَنَاوِيّ فِي طَبَقَات الْأَوْلِيَاء وَقَالَ كَانَ لَهُ الْقدَم الراسخة فِي الْولَايَة والكرامات الخارقة الَّتِي لَا يشك فِيهَا وَمِمَّا ذكر عَنهُ من أطواره أَنه كَانَ إِذا قرىء بِحَضْرَتِهِ الْقُرْآن خشع وَإِذا تلِي عَلَيْهِ كَلَام الْقَوْم هام وَخرج قَالَ وَوَقع لي مَعَه أُمُور غَرِيبَة وسمعته يقْرَأ الْقُرْآن بِقِرَاءَة مرتلة عَظِيمَة مَعَ أَنه لم يكن قارياً وَلَا مِمَّن حضر حَافِظًا وَكَانَت وَفَاته فِي أواسط سنة سِتّ وَعشْرين وَألف غريقاً بالخليج سقط بِنَفسِهِ وَدفن بِالْقربِ من عبد الْقَادِر الدشطوطي بِخَط بَاب الشعرية قَالَ ورأيته بعد مَوته حَيا وَهُوَ يَقُول سترى يَا فلَان فِيمَن فعلوا بِنَا رَحمَه الله تَعَالَى

سُلْطَان بن أَحْمد بن سَلامَة بن إِسْمَاعِيل أَبُو العزائم المزاحي الْمصْرِيّ الْأَزْهَرِي الشَّافِعِي إِمَام الْأَئِمَّة وبحر الْعُلُوم وَسيد الْفُقَهَاء وخاتمة الْحفاظ والقراء فريد الْعَصْر وقدوة الْأَنَام وعلامة الزَّمَان الْوَرع العابد الزَّاهِد الناسك الصوام القوام قَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ الإِمَام المقرىء سيف الدّين بن عَطاء الله الفضالي بِفَتْح الْفَاء الْبَصِير وَأخذ الْعُلُوم الدِّينِيَّة عَن النُّور الزيَادي وَسَالم الشبشيربي وَأحمد بن خَلِيل السُّبْكِيّ وحجازي الْوَاعِظ وَمُحَمّد القصري تلميذ الشَّمْس مُحَمَّد الشربيني الْخَطِيب واشتغل بالعلوم الْعَقْلِيَّة على شُيُوخ كثيرين ينيفون على ثَلَاثِينَ وأجيز بالإفتاء والتدريس سنة ثَمَان بعد الْألف وتصدر بالأزهر للتدريس فَكَانَ يجلس فِي كل يَوْم مَجْلِسا يقرى فِيهِ الْفِقْه إِلَى قبيل الظّهْر وَبَقِيَّة أوقاته موزعة لقِرَاءَة غَيره من الْعُلُوم وانتفع النَّاس بمجلسه وبركة دُعَائِهِ وطهارة أنفاسه وَصدق نِيَّته وصفاء ظَاهره وباطنه وموافقة قَوْله لعمله وَأخذ عَنهُ جمع كثير من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين مِنْهُم الشَّمْس البابلي والعلامة الشبراملسي وَعبد الْقَادِر الصفوري وَمُحَمّد الخباز البطنيني الدمشقيان وَمَنْصُور الطوخي وَمُحَمّد البقري وَمُحَمّد بن خَليفَة الشَّوْبَرِيّ وَإِبْرَاهِيم المرحومي وَالسَّيِّد أَحْمد الْحَمَوِيّ وَعُثْمَان النحراوي وشاهين الأرمناوي

ص: 210

وَمُحَمّد البهوتي الْحَنْبَلِيّ وَعبد الْبَاقِي الزّرْقَانِيّ الْمَالِكِي وَمِنْهُم أَحْمد البشبيشي وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة وَجَمِيع فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِمصْر فِي عصرنا لم يَأْخُذُوا الْفِقْه إِلَّا عَنهُ وَكَانَ يَقُول من أَرَادَ أَن يصير عَالما فليحضر درسي لِأَنَّهُ كَانَ فِي كل سنة يخْتم نَحْو عشرَة كتب فِي عُلُوم عديدة يقْرؤهَا قِرَاءَة مفيدة وَكَانَ بَيته بَعيدا من الْجَامِع الْأَزْهَر بِقرب بَاب زويلة وَمَعَ ذَلِك يَأْتِي إِلَى الْأَزْهَر من أول ثلث اللَّيْل الْأَخير فيستمر يُصَلِّي إِلَى طُلُوع الْفجْر ثمَّ يُصَلِّي الصُّبْح إِمَامًا بِالنَّاسِ وَيجْلس بعد صَلَاة الصُّبْح إِلَى طُلُوع الشَّمْس لإقراء الْقُرْآن من طَرِيق الشاطبية والطيبة والدرة ثمَّ يذهب إِلَى فسقية الْجَامِع فيتوضأ وَيُصلي وَيجْلس للتدريس إِلَى قرب الظّهْر هَذَا دأبه كل يَوْم وَلم يره أحد يُصَلِّي قَاعِدا مَعَ كبر سنه وَضَعفه وَألف تآليف نافعة مِنْهَا حَاشِيَته على شرح الْمنْهَج للْقَاضِي زَكَرِيَّا فِي فقه الشَّافِعِي كَانَت بقيت فِي نسخته فجردها تِلْمِيذه الشَّيْخ مُطَاوع وَله مؤلف فِي القراآت الْأَرْبَع الزَّائِدَة على الْعشْر من طَرِيق القباقبي وَذكره الْعَلامَة أَحْمد العجمي الْمُقدم ذكره فِي مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم وَأطَال فِي تَرْجَمته وَذكره الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي رحلته فَقَالَ فِي وَصفه شيخ الْقُرَّاء بِالْقَاهِرَةِ على الْإِطْلَاق ومرجع الْفُقَهَاء بالِاتِّفَاقِ رَافع لِوَاء مَذْهَب الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْهمام من حَظه فِي الْعُلُوم موفور وسعيه فِيهَا مشكور ومعوّل عَلَيْهِ فِي منقولها ومطلع على فروعها وأصولها مَنْهَج الطلاب وقدوة أَرْبَاب الْفَرَائِض والحساب لم يُغَادر من قَوَاعِده كَبِيرَة وَلَا صَغِيرَة إِلَّا أحصاها وَلم يدع من مسَائِله جليلة وَلَا حقيرة إِلَّا استولى عَلَيْهَا وحواها قد رَجَعَ عُلَمَاء الْعَصْر إِلَى مقاله وعالهم بموائد فَوَائده فَأَصْبحُوا فِي هَذَا الْفَنّ من عِيَاله وَلَا غرو فَإِنَّهُ الْآن لعلماء الْأَزْهَر سُلْطَان وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَسبعين وَألف وَتقدم للصَّلَاة عَلَيْهِ الشَّمْس البابلي وَدفن بتربة المجاورين وَقيل فِي تَارِيخ وَفَاته

(شَافِعِيّ الْعَصْر ولي

وَله فِي مصر سُلْطَان)

(فِي جُمَادَى أرخوه

فِي نعيم الْخلد سُلْطَان)

والمزاحي بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الزَّاي وَبعدهَا ألف وحاء مُهْملَة نِسْبَة إِلَى منية مزاح قَرْيَة بِمصْر

سُلَيْمَان بن أبي الْهدى الدَّاودِيّ الْمَقْدِسِي كَانَ قَاضِي الشَّافِعِيَّة بمحكمة الْقُدس

ص: 211

وَله علم وَمَعْرِفَة وَكَانَ مَأْمُون الغائلة ثمَّ فِي آخِره ترك المحكمة واختلى لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ فِي آخر النّصْف الْأَخير من اللَّيْل يخْدم كتب الْعلم كِتَابَة وإصلاحاً وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَدفن بمأمن الله رَحمَه الله تَعَالَى

السَّيِّد سُلَيْمَان بن حسن بن عبيد الله اشْتهر جده عبد الله بباقيه وبالنساخ واشتهر هُوَ بطير الله الْمَشْهُور بالتواضع والمصافاة والموافقة والمراعاة ولد بتريم وَنَشَأ بهَا وَصَحب جمَاعَة من السَّادة العارفين وَغَيرهم من الْعلمَاء العاملين ثمَّ حبب إِلَيْهِ الارتحال فسافر إِلَى كثير من الْبلدَانِ وَلَقي جمَاعَة من أكَابِر الرِّجَال وَلزِمَ الطَّاعَات وَأكْثر من الْعِبَادَات وجانب المخالفات وَكَانَ متمسكاً بِالسَّبَبِ الْأَقْوَى من التَّقْوَى ملازماً للأذكار إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فِي سنة تسع بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى

سُلَيْمَان بن عَليّ اليساري أحد ظرفاء المصريين ولطفاء الفاضلين ولد بِمصْر وَنَشَأ بهَا وَتعلم الْأَدَب ونظم الشّعْر وَحج مرَارًا وجاور بِمَكَّة سنة ألف ومدح أَشْرَاف مَكَّة وأجازوه بِأَحْسَن الجوائز وطارح الأدباء الَّذين بهَا قَالَ الأديب أَحْمد بن مُحَمَّد الشَّاهِد اجْتمعت بِهِ فِي مجاورته بِمَكَّة وَجَاءَنِي يَوْمًا وَهُوَ فِي غَايَة القلق وَنِهَايَة التَّعَب والأرق شاكياً من شَيْئَيْنِ متعبين أَحدهمَا أَنه فَارق من يحب وَالْآخر أَنه قدم قصيدة إِلَى بعض الأكابر فَلم يجزه عَلَيْهَا بِشَيْء وَكنت أداعبه كثيرا فَقلت لَهُ يَا فلَان كَأَن لِسَان حالك فِي فِرَاق من هويت يتَمَثَّل بمحبوبك عَنْك حَيْثُ يَقُول

(كفى حزنا أَنِّي مُقيم ببلدة

وَأَنت بِأُخْرَى مَا إِلَيْك وُصُول)

(إِذا لم يكن بيني وَبَيْنك مُرْسل

فريح الصِّبَا مني إِلَيْك رَسُول)

وَفِي الثَّانِي بقول الثَّانِي

(وَإِن مُلُوك الأَرْض لم يحظ عِنْدهم

من النَّاس إِلَّا من يَقُود ويصفح)

فاحمد الله تَعَالَى لَا أَنْت وَلَا أَنْت فتسلى سَاعَة وَكَانَ من الظرفاء قلت وَهَذَا اليساري لم يَتَيَسَّر لي من شعره شَيْء حَتَّى أثْبته لَهُ غير أَنه من المعروفين فِي الْقَاهِرَة بصنعة الشّعْر وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث بعد الْألف كَذَا رَأَيْته فِي بعض المجاميع رَحمَه الله تَعَالَى

سُلَيْمَان البابلي الْمصْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمَشْهُور بِكَثْرَة الْإِحَاطَة والتضلع من الْفِقْه وَكَانَ كَبِير الشَّأْن عالي الْقدر كَامِل الأدوات مَقْبُول الْخِصَال تفقه بالشيخ عبد الرَّحْمَن بن الْخَطِيب الشربيني وَالشَّيْخ سَالم الشبشيري الْمُقدم ذكره وَأخذ

ص: 212

عَن النُّور الزيَادي وَرَأس فِي الْفتيا بعد وَفَاة شَيْخه الزيَادي فَكَانَ معول النَّاس عَلَيْهِ وانتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم ابْن أُخْته الشَّمْس مُحَمَّد البابلي الْبَصِير وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَألف بِالْقَاهِرَةِ وَوصل الْخَبَر بِمَوْتِهِ إِلَى دمشق فِي عشري جُمَادَى الأولى مِنْهَا

سُلَيْمَان باشا الْوَزير نَائِب الشَّام كَانَ أَمِيرا خور السُّلْطَان وَولي مِنْهَا نِيَابَة الشَّاب ثمَّ جَاءَتْهُ الوزارة وَهُوَ بهَا دخل دمشق فِي أواسط شهر ربيع الثَّانِي سنة تسع وَعشْرين وَألف وَكَانَ يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ فصيحاً ويعظم الْعلمَاء ويحترمهم وَوَقع بَينه وَبَين الْمولى عبد الله بن مَحْمُود العباسي حِين كَانَ قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَكَانَ لَهُ شدَّة وتهور حَتَّى كتب لَهُ رقْعَة شَتمه فِيهَا فَصَبر عَلَيْهِ وعامله بالحلم وتعب النَّاس فِي الصُّلْح بَينهمَا ثمَّ عزل القَاضِي وعزل هُوَ بعده فولي كَفَالَة ديار بكر وَمَات بهَا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف

سُلَيْمَان البوسنوي نزيل قسطنطينية الْمَشْهُور بمذاقى أحد بلغاء شعراء الرّوم وأذكيائهم وَكَانَ نديم الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الْفَاضِل وَمن خواصه وجلسائه الْمُتَقَدِّمين عِنْده وَلم يزل مكيناً لَدَيْهِ حظياً بالتفاته يُفْضِي إِلَيْهِ بسره ويأمنه على أخباره وَصَارَ كَاتب ديوانه وَلم يزل عِنْد أَرْبَاب الدولة فِي المكانة الْعلية لاستعداد ذاتي فِيهِ يقْضِي بتبجيله ولقربه من الْوَزير وَكَانَ قبل اتِّصَاله بِهِ جاب الْبِلَاد وساح الْآفَاق وَهُوَ على سمة الدراويش ولديه معارف وَعِنْده فَضَائِل وَدخل آخر أمره مصر وحاكمها أَيُّوب باشا فقربه وَأَدْنَاهُ وَعرف مكانته فَجعله كَاتب ديوانه وَصَاحب حلّه وعقده وَكَانَ شَدِيد التولع بالكيميا لَا يزَال يفحص عَنْهَا من كل من يجْتَمع بِهِ وَصرف عَلَيْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَة وبسببها اجْتمع بِكَثِير من أَرْبَاب الْمعرفَة والتقط من فوائدهم وحَدثني بعض أَصْحَابه عَنهُ أَنه اجْتمع فِي مصر بكنعان الكرجي الَّذِي اخترع البادزهر العملي الْمَعْرُوف بالكنعاني وَكَانَ ينْقل عَنهُ أَنه ابتدعه جربه لأمور كَثِيرَة مرَارًا وَصحت تجربته وَمن أفضل خواصه دفع السمُوم والآن قد اشْتهر أَمر هَذَا البادزهر وَرغب النَّاس فِيهِ وهم يتغالون فِي ثمنه وَذكر لي هَذَا النَّاقِل أَن صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ يعرف كَيْفيَّة عمله وَكَانَ لَدَيْهِ معارف كَثِيرَة وَكنت وَأَنا بالروم أسمع خَبره وحرصت على الِاجْتِمَاع بِهِ فَلم يقدر لي وَتُوفِّي بعد ذَلِك بقسطنيطينية وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف

ص: 213

سهل بن أَحْمد بن سهل بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بجمل اللَّيَالِي اليمني القَاضِي الْمُفْتِي الْمدرس أحد مشاهير الْعلمَاء بِالْيمن ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن والإرشاد والملحة وتفقه بالشيخ عبد الرَّحْمَن بن علوي بافقيه وَأخذ الْأُصُول وَالْفِقْه والعربية عَن الشَّيْخ أَحْمد بن عمر عيديد والتصوف عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بسقاف العيدروس ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وَكَانَ يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وَأذن لَهُ غير وَاحِد بالإفتاء والتدريس وَكَانَ جيد الْفَهم حسن الْحِفْظ وانتفع بِهِ كَثِيرُونَ وَأخذ عَنهُ الْجمال مُحَمَّد بن أبي بكر الشلي باعلوي وَطلب لقَضَاء تريم فَامْتنعَ حَتَّى أَشَارَ عَلَيْهِ شَيْخه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن سقاف بِالْقبُولِ فَقبل وَلم يحفظ عَنهُ هفوة فِي إِفْتَاء أَو قَضَاء وَله كَلَام حسن الْموقع وَكَانَ وسيع البال يمِيل إِلَى الخمول وَبلغ من التَّوَاضُع مَا لَا يُوصف مَعَ البشاشة والشفقة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَسبعين وَألف بِمَدِينَة تريم وَدفن بمقبرة زنبل

سِنَان باشا الْوَزير الْأَعْظَم صَاحب الْآثَار الْعَظِيمَة فِي الْبِلَاد من جُمْلَتهَا الْجَامِع بِدِمَشْق خَارج بَاب الْجَابِيَة وَالْحمام والسوق الْمُتَّفق على حسن وضعهم ودقة صنعتهم وَله مثل ذَلِك فِي كل من القطيفة وسعسع وعيون التُّجَّار وعكة مَعَ خانات ينزلها المسافرون وَله ببولاق جَامع عَظِيم وَمثله بِالْيمن وقسطنطينية وَغَيرهَا من الْبِلَاد جَوَامِع ومساجد ومدارس وخانات وحمامات تنوف على الْمِائَة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أَكثر وزراء آل عُثْمَان آثاراً وأعظمهم نفعا للنَّاس وَكَانَ وزيراً عالي الْقدر رفيع الهمة ولي الْحُكُومَة بِمصْر فِي زمن سلطنة السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان وَمن غَرِيب مَا وَقع لَهُ وَهُوَ حَاكم بهَا أَنه لما تعين الْوَزير لالا مصطفى باشا إِلَى فتح الْيمن سَار إِلَى مصر وتقاعس بهَا عَن السّير رَجَاء أَن تضم لَهُ إِمَارَة الْأُمَرَاء بِمصْر إِلَى سردارية العساكر الْمعينَة لليمن فاتفق مَعَ بعض خواصه أَن يضيف سِنَان باشا وَيَضَع لَهُ السم فِي المشروب ثمَّ دَعَاهُ فَأجَاب وَكَانَ الشَّيْخ أدهم بن عبد الصَّمد العكاري الْمُقدم طرف من أخباره فِي تَرْجَمَة ابْن جلال من معتقدي سِنَان باشا وَهُوَ عِنْده بِمَنْزِلَة مرشده ومربيه وَلَا يصدر فِي الْأُمُور إِلَّا عَن رَأْيه فاستدعاه وَقَالَ لَهُ قُم نَذْهَب إِلَى الضِّيَافَة فَقَالَ لَهُ وَالله مَا أَنا بذاهب مَعَك وَلَكِن احْتَرز أَنْت على نَفسك فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْك وَالْقَوْم عازمون على أَن يضروك فَلَمَّا قدمُوا إِلَيْهِ الْإِنَاء المسموم فِي مَاء الشّعير الْمحلى بالسكر لم يتَنَاوَل مِنْهُ شَيْئا ودعا بعض الْأُمَرَاء الْحَاضِرين إِلَى شربه فَقَالَ لَهُ من

ص: 214

دَعَاهُ أما أَنا فَلَا أشْرب من هَذَا الْإِنَاء فازداد وهمه فَقَالَ رجل وَاقِف للْخدمَة إِلَى مَتى تتوقفون فِي شربه وتناوله ليشربه فَلَمَّا وَضعه بَين شَفَتَيْه تناثر لحم فَمه فِي الْحَال وَوَقع مقدم أَسْنَانه وَسقط شعر لحيته فَألْقى الكاس من يَده وَعلم الْحَاضِرُونَ بالقصة فَقَامَ سِنَان باشا وَهُوَ يقْرَأ قَوْله تَعَالَى وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله ونادى بفرسه فركبها وَذهب ثمَّ عينه السُّلْطَان إِلَى الْيمن وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن إقليم الْيمن من صنعاء إِلَى عدن كَانَ دَاخِلا فِي حوزة سلاطيننا العثمانيين فِي أَيَّام السُّلْطَان سُلَيْمَان وَكَانَ لَهُ نَائِب وَاحِد وَاسْتمرّ زَمَانا إِلَى أَن فوضت حكومته لاثْنَيْنِ وَعين لكل مِنْهُمَا مَا حدّ من الْبِلَاد فَكَانَ ذَلِك باعث الِاخْتِلَاف والجدال وَكَانَ مطهر بن شرف الدّين يحيى الزيدي لعب الشَّيْطَان بعقله وسولت لَهُ نَفسه الْعِصْيَان فصادف انقسام المملكة وُصُول خبر وَفَاة السُّلْطَان سُلَيْمَان فَقطع الطَّرِيق وحاصر تعز وصنعا وسلب كثيرا من أُمَرَاء فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى السلطنة عينوا مصطفى باشا كَمَا تقدم ثمَّ عزلوه وعينوا مَكَانَهُ سِنَان باشا سردار على العساكر فَتوجه وَأصْلح مَا كَانَ اخْتَلَّ واستنقذ مَا كَانَ مطهر أَخذه بعد وقائع وَأُمُور يطول شرحها وَهِي مَذْكُورَة فِي تَارِيخ القطب الْمَكِّيّ وَفِي ذَلِك يَقُول بَعضهم من أَبْيَات

(وَمَا يمن إِلَّا ممالك تبع

وناهيك من ملك قديم وَمن فَخر)

(تَملكهَا من آل عُثْمَان إِذْ مَضَت

بَنو طَاهِر أهل الشآمة وَالذكر)

(فَهَل يطْمع الزيدي فِي ملك تبعٍ

وَيَأْخُذهُ من آل عُثْمَان بالمكر)

(أَبى الله وَالْإِسْلَام وَالسيف والقنا

وسر أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي بكر)

ثمَّ إِنَّه بعد تمهيد هَذَا الْأَمر عَاد فَدخل مَكَّة المشرفة وَحج حجَّة الْإِسْلَام وصادف الْحَج فَلم يفته وَأَنْشَأَ بِمَكَّة آثاراً حَسَنَة مِنْهَا تعمير حَاشِيَة المطاف دَائِرَة حوله مفروشة بالحصى يَدُور بهَا دور حِجَارَة منحوتة مَبْنِيَّة حول الْحَاشِيَة كالإفريز لَهَا فَأمر أَن تفرش هَذِه الْحَاشِيَة بِالْحجرِ الصوان المنحوت ففرشت بِهِ فِي أَيَّام الْمَوْسِم وَصَارَ محلا لطيفاً دائراً بالمطاف من بعد أساطينه وَصَارَ مَا بعد ذَلِك مفروشاً بالحصى الصغار كَسَائِر الْمَسْجِد الْحَرَام وَهَذَا الْأَثر خَاص بِهِ وَمِنْهَا تعميره سَبِيل التَّنْعِيم أنشأه وَأمر بإجراء المَاء إِلَيْهِ من بِئْر بعيدَة يجْرِي المَاء مِنْهَا إِلَى السَّبِيل فِي ساقية مَبْنِيَّة فِيمَا بَينهمَا بالحصى والنورة وَعين لَهَا خَادِمًا يَسْتَقِي من الْبِئْر وَيصب فِي الساقية فيصل المَاء إِلَى السَّبِيل ليشْرب مِنْهُ وَيتَوَضَّأ المعتمرون وَعين لمصارف ذَلِك من ريع أوقاف لَهُ بِمصْر

ص: 215

وَمِنْهَا آبار حفرهَا بِقرب الْمَدِينَة المنورة لقوافل الزوار فِي وَادي مُفَرع وَغَيرهَا كَثِيرَة النَّفْع جدا وَمِنْهَا قِرَاءَة ختمة شريفة فِي كل يَوْم يقْرؤهَا ثَلَاثُونَ نَفرا بِمَكَّة وَأُخْرَى بِالْمَدِينَةِ ثمَّ بعد أَن قدم إِلَى تخت السلطنة عينه السُّلْطَان سليم إِلَى فتح حلق الْوَادي بِبِلَاد تونس الغرب وَكَانَ النَّصَارَى استولوا عَلَيْهَا بِسَبَب الِاخْتِلَاف الْوَاقِع بَين سلاطين الغرب من آل حَفْص فَصَارَ بَعضهم يقوى على بعض بالفرنج وأطمعوهم فِي بِلَاد الْمُسلمين فاستولوا عَلَيْهَا وتمكنوا مِنْهَا وحصنوا الْحُصُون وأحكموا المقلاع بِحَيْثُ أيس الْمُسلمُونَ من فتحهَا وصاروا تَحت حكم الفرنج وَأخذُوا مملكة تونس وَوَضَعُوا السَّيْف فِي أَهلهَا فَقتلُوا الرِّجَال وَسبوا النِّسَاء وَالْأَوْلَاد فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان سليم ذَلِك أرسل مِائَتي غراب مشحونة بالأبطال والمدافع وَآلَة الْحَرْب وَعين مَعَهم سِنَان باشا وقلج عَليّ باشا وَكَانَت غَزْوَة مَشْهُورَة من أعظم غزوات بني عُثْمَان يحْتَاج إِلَى تفصيلها الْمُؤلف فنقتصر مِنْهَا على خلاصتها وَهُوَ أَن الْمُسلمين انتصروا على الْكفَّار وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو عشرَة آلَاف مَعَ الْحصار المديد والقتال وَمن الْعجب أَن الفرنج كَانَت بنت هُنَاكَ حصاراً حصيناً وقلعة منيعة أَقَامُوا فِي استحكامها وإتقان بنائها ثَلَاثًا وَأَرْبَعين سنة فافتتحها سِنَان باشا فِي ثَلَاث وَأَرْبَعين يَوْمًا من أَيَّام محاصرتها وَذَلِكَ فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ خرب الْوَزير القلاع والحصون فَلم يبْق لَهَا رسم ثمَّ توجه سِنَان باشا إِلَى دَار السلطنة فولى بعد مُدَّة الوزارة الْعُظْمَى وَذَلِكَ فِي زمن السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ عزل عَنْهَا وَولي بعْدهَا نِيَابَة الشَّام وَشرع فِي عمَارَة الْجَامِع الْمَذْكُور أَولا ثمَّ ولي الوزارة الْعُظْمَى بعد ذَلِك أَربع مَرَّات عزل من الثَّالِثَة فِي شهر ربيع الأول سنة أَربع بعد الْألف وَصَارَ مَكَانَهُ لالا مُحَمَّد باشا فَبعد ثَلَاثَة أَيَّام توفّي مُحَمَّد باشا فأعيد إِلَى مَكَانَهُ وَلم تطل مدَّته فَتوفي فِي شعْبَان من تِلْكَ السّنة وَكَانَ فِي أحد تولياته الوزارة تعين لمحاربة الْكفَّار المعروفين بالنمسة ووقفت على تَرْجَمَة لَهُ تَرْجَمَة بهَا منشيء الدِّيوَان عبد الْكَرِيم بن سِنَان ذكر فِيهَا غَزوه مَعَ الْكَفَرَة وَمن زبدتها قَوْله مَلأ بقتلاهم الهضب وَالْبِقَاع وَأخذ مِنْهُم القلاع وَالْبِقَاع وجبر قُلُوب الْإِسْلَام بِكَسْر الصلبان والأصنام وَمن غَرِيب فتوحاته تسخيراً لحصن الموسوم بيانق وَهُوَ على مَا يُقَال لسماك السَّمَاء معانق أحكمت يَد الدَّهْر بُنْيَانه وَقد أزرى بالهرم فِي الحصانه وَأَهله يقطفون

ص: 216

بِأَيْدِيهِم نرجس الْكَوَاكِب ويثقبون بأسنتهم دراري الثواقب

(يزر عَلَيْهِ الجو جيب غمامه

ويلبسها من رونق الأنجم الزهر)

وَقد أحاطت بِهِ الْأَنْهَار إحاطة الهالات بالأقمار وَكم ورد فِيهَا لحياض الْمنية من ورد وَلبس من حبكها المنسوج بيد الشمَال زرداً على زرد

(فبالله من عجب دلاص

يردّ بِهِ الْحمام غَدَتْ حَماما)

وتيسر فَتحه فِي نَحْو سبعين يَوْمًا وجفون الْغُزَاة لم تكتحل بِغَيْر نقع الهيجاء وَلم تذق نوماً وَقد تثبتوا فِي الْحَرْب تثبت الْجبَال علما بِأَنَّهَا بَين الرِّجَال سِجَال فهناك باحت أغماد السيوف بأسرارها فطارت غربان البنادق من أوكارها وَكم قَتِيل غَدا بألسنة الأسنة مكلماً وأصبحت درعه تبْكي عَلَيْهِ بِأَلف عين دَمًا والأعداء كَأَنَّمَا أَجْسَادهم جرائر يحملهَا من الدِّمَاء السَّيْل وكأنما رؤوسهم أكر تلعب بهَا صوالج الْأَيْدِي والأرجل من الْخَيل شكرا لله مساعيه الراضية وأحله فِي قُصُور الْجنان الْعَالِيَة انْتهى

سِنَان باشا الْوَزير حَاكم الْيمن كَانَ كتخدا حسن باشا صَاحب الْيمن الْمُقدم ذكره وَلما طَالَتْ مُدَّة الْوَزير حسن باشا فِي الْيمن وَأَرَادُوا عَزله مِنْهُ وَخُرُوجه على وَجه مستحسن أنعم السُّلْطَان بِبِلَاد الْيمن لكتخدانه سِنَان باشا الْمَذْكُور فَتوجه حسن باشا إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية فِي حادي عشري صفر سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف وَكَانَ سِنَان باشا الْمَذْكُور على مَا قَالَ الشَّاعِر

(ملك سِنَان قناته وبنانه

يتباريان دَمًا وَعرفا ساكبا)

وَلما اسْتَقر فِي الْيمن وَظهر من شيخ البدو عَليّ بن فلاح تعدو وأخاف الطرقات وهم قَبيلَة وَاسِعَة بِلَادهمْ مَا بَين بِلَاد ذمار وسنحان مسيرَة يَوْم وَاحِد من صنعاء أرسل عَلَيْهِم جَيْشًا جراراً فمزقهم كل ممزق فأطاعوا وسلموا رهاين فأنعم عَلَيْهِم بِالْعَفو وَكَانَ عقيب ذَلِك ظُهُور الإِمَام الْقَاسِم من بِلَاد الشرق من برض إِلَى بِلَاد وَادعَة إِلَى جِهَة الظَّاهِر وَقد دارت بَينه وَبَين الْأَمِير عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن المطهر حَاكم بِلَاد حجَّة والشرق مكاتبات على اتِّحَاد الْحَال بَينهمَا بِفَتْح الْحَرْب على السلطنة ووثب الإِمَام على سَائِر الْقَبَائِل بجاري عَادَته الأولى فَأَجَابُوهُ وَقَامَت الْحَرْب على سَاقهَا فَوجه الْوَزير سِنَان المحاط إِلَى جِهَة عبد الرَّحِيم وَلم يزل على الْحَرْب حَتَّى ضعفت أَحْوَال الإِمَام الْقَاسِم عَن مُقَابلَة مَا لديهم من العساكر وَعطف بِأَكْثَرَ العساكر

ص: 217

على عبد الرَّحِيم وتكاثروا عَلَيْهِ ولحقه التَّعَب وَكَاد يشرف على العطب فحين رأى الإِمَام اشْتِغَال الْعَسْكَر بِعَبْد الرَّحِيم نَهَضَ على حصن شهاره وَسكن الإِمَام فِي شهاره والعساكر محدقون بِعَبْد الرَّحِيم فوصلت الْأَخْبَار أَن السُّلْطَان أنعم بِبِلَاد الْيمن على الْوَزير جَعْفَر باشا حَاكم بِلَاد الْحَبَشَة الْمُقدم ذكره فَخرج الْوَزير سِنَان من صنعا مُتَوَجها إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية فِي رَجَب سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف فَلَمَّا وصل إِلَى بندر المخا انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَدفن إِلَى جَانب قبر القطب الشَّيْخ عَليّ بن عمر الشاذلي الْقرشِي نفع الله تَعَالَى بِهِ وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْخَامِس من شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ يحب الْعلمَاء والفقراء والصلحاء وَكَانَ محسناً جواداً وَكَانَ مَعَ ذَلِك سفاكاً وَمَضَت أَيَّامه بالفتن وآثار خيراته أَكثر من أَن تذكر وَمن الْعجب أَن حسن باشا مَاتَ فِي رَجَب وَسنَان باشا فِي شعْبَان وَكَانَا تمَكنا من الْيمن نَحْو ثَمَانِيَة وَعشْرين سنة وَكَانَت أيامهما زهرَة الْأَيَّام فِي الْيمن وَلما بلغ جَعْفَر باشا وَفَاته أرسل لضبط خزائنه عمر كتخداء فوصل إِلَى المخا وَاسْتولى عَلَيْهَا

سِنَان باشا الْمَعْرُوف بكوجك سِنَان نَائِب الشَّام هُوَ فِي الأَصْل من مماليك مَحْمُود باشا الْمَقْتُول فِي مصر سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة وتاريخ قَتله ظلمه وَكَانَ من جملَة خدمته أَيْضا مُرَاد باشا الَّذِي صَار آخرا وَزِير أعظم فِي دولة السُّلْطَان مُحَمَّد وَكَانَ هُوَ وَسنَان باشا فِي وَقت خدمتهما لمحمود باشا يتحابان وَبَينهمَا مَوَدَّة أكيدة وافترقا فَأَقَامَ سِنَان باشا فِي مصر وَذهب مُرَاد باشا إِلَى الرّوم وسما بِهِ حَظه حَتَّى ولي الوزارة الْعُظْمَى فَأرْسل إِلَى سِنَان باشا فِي مصر وَطَلَبه فورد إِلَيْهِ فِي حلب وَهُوَ مخيم هُنَاكَ وَكَانَ معينا لقِتَال الْخَوَارِج فَجعله بِمُجَرَّد قدومه أَمِير الْأُمَرَاء فِي بِلَاد قرمان وَذكر الْحسن البوريني فِي تَرْجَمته أَنه لما سَافر يَعْنِي البوريني من دمشق إِلَى حلب ورد إِلَى الْوَزير فِي مخيمه خَارج حلب فَرَأى سِنَان باشا ملازماً لَهُ فِي غَالب أوقاته قَالَ وَلما اجْتمعت بِهِ تذاكرت مَعَه السّفر إِلَى جَانب الْأَعْدَاء فَقلت لَهُ مَا نيتكم بعد كسر الْبُغَاة فَقَالَ نيتي أَن أَسِير إِلَى مصر لِأَن وطني بهَا وَشرع يذكر مَا لَهُ بِمصْر من العلائق وَالْأَمْوَال والعقارات وَالدَّوَاب والخيول وَيَقُول أَنا لي بِمصْر ملاذ ونعيم لَا يكون إِلَّا للسلاطين فَقلت لَهُ إِنَّمَا تسير من هُنَا إِلَى دمشق حَاكما بهَا فَأخذ يبعد ذَلِك وَيَقُول مَا خطر لي هَذَا وَلَا ترقبت إِلَيْهِ همتي وَأَنا لَا أَحْلف لَهُ أَنه لَا بدّ أَن يردّ إِلَى دمشق حَاكما بهَا فَعِنْدَ ذَلِك سكت ومدّ يَده إليّ وَقَالَ عاهدني على الْأُخوة الْكَامِلَة

ص: 218

الصادقة فمددت يَدي إِلَيْهِ وعاهدته وَكَانَ دَاعِيَة مَا صممت عَلَيْهِ من القَوْل أَنِّي قد رَأَيْت فِي الْمَنَام وَأَنا بحلب أَن بَاب دمشق قد أغلق وَأَن سِنَان باشا قد أَخذ مفاتحه بِيَدِهِ وَورد إِلَى الْبَاب وفتحه وَدخل رَاكِبًا إِلَى الْمَدِينَة وَمَعَهُ جمَاعَة مستكثرة ثمَّ فارقته وَتوجه هُوَ فِي خدمَة الْوَزير إِلَى توقات فولاه نِيَابَة دمشق ودخلها فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري شهر رَمَضَان سنة سبع عشرَة وَألف وَوَقع فِي زمن تَوليته أَن فرقة من عرب آل جَبَّار المعروفين بأولاد أبي ريشة نفروا من الْعرَاق بعد موت أَمِيرهمْ الْأَمِير أَحْمد بن أبي ريشة فوصلوا إِلَى نواحي تدمر وانضم إِلَيْهِم قوم من طَائِفَة السكبانية الَّذين هربوا من وقْعَة الْأَمِير عَليّ بن جانبولاذ فعاثوا فِي تِلْكَ الْبِلَاد وَقَطعُوا الطَّرِيق وَلما ورد من حلب الْعَسْكَر الْمصْرِيّ الَّذِي كَانَ قد طلب لقِتَال كَبِير السكبانية مُحَمَّد بن قلندر وَالْأسود سعيد فَوَرَدُوا إِلَى حلب ثمَّ إِلَى بِلَاد السوَاد فَكَانَ الْوَزير مُرَاد باشا رَأس العساكر السُّلْطَانِيَّة فَالتقى جَيش السُّلْطَان مَعَ جَيش الْبُغَاة فغلب عَسْكَر السُّلْطَان وهرب مِنْهُم جمع وَمن جملَة الهاربين بَين الْجَمَاعَة الْمَذْكُورين وَكَانُوا فِي الْعدَد نَحْو أَرْبَعمِائَة سكباني فَلَمَّا انضموا إِلَى الْعَرَب الْمَذْكُورين كَانَ السكبان يضْربُونَ بالبندق وَالْعرب يضْربُونَ بِالرِّمَاحِ وَالسُّيُوف وَأخذُوا قلعة القسطل وقلعة القطيفة ونهبوا المعصرة وَقتلُوا بهَا من الرِّجَال وَالنِّسَاء مَا يزِيد على عشرَة أشخاص فَلَمَّا بالغوا بِالْقَتْلِ والنهب والغارة والعدوان قصدهم سِنَان باشا وَمَعَهُ الْعَسْكَر الشَّامي وانضم إِلَيْهِم عرب المفارجة وَكَبِيرهمْ عَمْرو بن جبر فأدركوا الْعَرَب والسكبان فِي نواحي قلعة القطراني فَقتلُوا من السكبان نَحْو ثلثمِائة رجل وأمسكوا مِنْهُم نَحْو خمسين رجلا ودخلوا بهم إِلَى دمشق راكبين للجمال وعَلى كتف كل وَاحِد مِنْهُم خَشَبَة طَوِيلَة هِيَ خازوق لَهُ وَفِي الْيَوْم الثَّانِي أتلفوهم وَفرقُوا أَجْسَادهم على المحلات بِدِمَشْق وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن سِنَان باشا هَذَا أعْطى من السعد فِي أُمُوره مَا لم يُعْط لأحد من الْحُكَّام وَبعد عَزله من دمشق أعْطى كَفَالَة حلب وَتُوفِّي بعد ذَلِك وَلم يذكر البوريني فِي تَارِيخه وَفَاته وَالظَّاهِر من فحوى كَلَامه أَن وَفَاته لم تتجاوز الْعشْرين من هَذَا الْقرن بِكَثِير وَالله أعلم

سِنَان باشا ابْن مَحْمُود نزيل دمشق ومتولى الْجَامِع الْأمَوِي بهَا أَمِير الْأُمَرَاء وَصدر أَعْيَان الشَّام فِي وقته أَصله من قَرْيَة دورلى بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَبعدهَا وَاو مَكْسُورَة وَرَاء سَاكِنة وَلَام مَكْسُورَة من ضواحي قرمان ورد إِلَى دمشق فِي خدمَة

ص: 219

الْوَزير مصطفى باشا الخناق نَائِب الشَّام فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَبَعْدَمَا عزل مخدومه أَقَامَ هُوَ بِدِمَشْق وَصَارَ من جندها وَصَارَ زعيم دمشق مَرَّات وسرداراً بِخِدْمَة المحكمة وَصَارَ محتسباً مُدَّة طَوِيلَة وأحدث بهَا ثَمَان عشرَة بِدعَة بَاقِيَة إِلَى يَوْمنَا ثمَّ ترقى حَتَّى صَار باشجاويش وَحج سنتَيْن وَعمر دَارا قبالة البيمارستان النوري تعرف قَدِيما بدار الصَّابُونِي والصابوني هَذَا هُوَ صَاحب جَامع الصابونية وَبعد مُدَّة صَار كتخدا الْجند وسلك سلوكاً غَرِيبا حَتَّى فاق من قبله وأتعب من بعده وَكَانَ سخياً إِلَى الْغَايَة وَله بذل وعطايا وقرى ثمَّ صَار أَمِير الْحَاج وَأعْطى حُكُومَة نابلس فحج بِالنَّاسِ سنتَيْن وَذَلِكَ سنة تسع وَخمسين وَسنة سِتِّينَ ثمَّ عزل ورق حَاله وَلم يتَغَيَّر عَن كرمه ثمَّ سعى لَهُ بعض الْأَعْيَان وصيره أَمِير الْأُمَرَاء بالقدس وَبَعْدَمَا عزل عَنْهَا عَاد مديوناً وتضعضع حَاله وَكثر عَلَيْهِ الدّين حَتَّى بَاعَ أملاكه وسافر إِلَى الرّوم فَلم يحصل لَهُ منصب بل صَارَت لَهُ علوفة فِي خزينة دمشق على سَبِيل التقاعد وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَسِتِّينَ ثمَّ صَار مُتَوَلِّي أوقاف الْجَامِع الْأمَوِي وَلما قدم الْوَزير أَحْمد باشا الْفَاضِل جعله كتخدا الدفتر بِدِمَشْق وَهَذِه الْخدمَة تتَعَلَّق بأرباب التيمار وَأهل الزعامات وَمن يتولاها يكون ضابطاً لَهُم فانتظم حَاله وتنبه من رقدة الخمول قَالَ وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته وَبَعْدَمَا ناهز الثَّمَانِينَ ابتلى بمحبة غُلَام كَانَ عِنْده من الخدام وَلم يكن عهد فِي طبعه الرقة وَلَا عرف للغرام حَقه وَبَعْدَمَا تحكم عشقه فِيهِ نفر عَنهُ وَقصد تجافيه وخدم عِنْد الْوَزير قبلان نَائِب الشَّام وعسر عَلَيْهِ خلاصه من يَده واجتهد فِي تَحْصِيله غَايَة الِاجْتِهَاد فَلم يظفر مِنْهُ بِمُرَاد وَلم يزل يعاني فِيهِ الْغصَص ويتوقع مواقع الفرص إِلَى أَن مَاتَ وَمَا مَاتَت حسرته وخلفت أمْنِيته منيته وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من مَزَار بِلَال الحبشي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

سيف الدّين أَبُو الْفَتْح ابْن عَطاء الله الوفائي الفضالي الْمقري الشَّافِعِي الْبَصِير شيخ الْقُرَّاء بِمصْر فِي عصره قَالَ بعض الْفُضَلَاء فِي حَقه فَاضل جني فواكه جنية من عُلُوم الْقُرْآن وَتقدم فِي علومه على الأقران قَرَأَ بالروايات على الشَّيْخَيْنِ الْإِمَامَيْنِ شحادة اليمني وَأحمد بن عبد الْحق وَبِهِمَا تخرج وَأخذ عَنهُ جمع من أكَابِر الشُّيُوخ مِنْهُم الشَّيْخ سُلْطَان المزاحي وَمُحَمّد بن عَلَاء الدّين البابلي وَله مؤلفات مفيدة نافعة مِنْهَا شرح بديع على الجزرية فِي التجويد ورسائل كَثِيرَة فِي القراآت وَكَانَت وَفَاته بِمصْر

ص: 220