الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمصْر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشر جُمَادَى الأولى سنة عشْرين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
(حرف الشين الْمُعْجَمَة)
شاهين بن مَنْصُور بن عَامر الأرمناوي الْحَنَفِيّ أفقه الْحَنَفِيَّة فِي عصرنا الْأَخير بِالْقَاهِرَةِ اشْتهر صيته وسارت فَتَاوَاهُ فِي الْبِلَاد وَولد بِبَلَدِهِ وَحفظ الْقُرْآن والكنز والألفية والشاطبية والرحبية وَغَيرهَا ورحل إِلَى الْأَزْهَر فَقَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ الْعَلامَة المقرى عبد الرَّحْمَن اليمني ولازم فِي الْفِقْه الإِمَام الشهَاب الشَّوْبَرِيّ وَأحمد المنشاوي وَأحمد الرِّفَاعِي وَحسن الشُّرُنْبُلَالِيّ وَفِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الأحمدي الشهير بسيبويه تلميذ الْعَلامَة ابْن قَاسم الْعَبَّادِيّ ولازمه كثيرا وبشره بأَشْيَاء حصلت لَهُ وَأخذ عَن الْعَلامَة سري الدّين الدروري والنور الشبراملسي وسلطان المزاحي وَالشَّمْس البابلي وَيس الْحِمصِي وَمُحَمّد المنزلاوي وَعمر الدفري والشهاب القليوبي وَعبد السَّلَام اللَّقَّانِيّ وَإِبْرَاهِيم المأموني وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه وتصدّر للإقراء فِي الْأَزْهَر فِي فنون عديدة كالفقه والفرائض والحساب والنحو وَغَيرهَا وَعنهُ أَخذ جمع من أَعْيَان الأفاضل وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاثِينَ بعد الْألف وَتُوفِّي بِمصْر فِي سنة مائَة وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
شحادة بن إِبْرَاهِيم الْحلَبِي الشَّافِعِي نزيل الْقَاهِرَة قَالَ بعض الأفاضل فِي وَصفه عَلامَة الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَشَيخ أهل الْفُرُوع وَالْأُصُول ووحيد عصره وعميد مصره وَشَيخ الْجَامِع الْأَزْهَر ومشكاة مصباحه الأنور وَلَيْث الْعلم الَّذِي لَا يجارى وغيب الْفضل الَّذِي لَا يُبَارى ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وجدّ فِي الِاشْتِغَال بِالْعلمِ حَتَّى بلغ الْغَايَة القصوى وشدّت إِلَيْهِ الرّحال وَأخذ عَنهُ أكَابِر الرِّجَال وأدار عَلَيْهِ من أبحاثه بسلاف لَفظه الرَّقِيق مَا يقوم مقَام الرحق وَمن شُيُوخه خَاتِمَة الْفُقَهَاء الشهَاب أَحْمد الرَّمْلِيّ وخاتمة الْمُحدثين النَّجْم مُحَمَّد الغيطي وخاتمة الْمُحَقِّقين الشهَاب أَحْمد بن قَاسم الْعَبَّادِيّ وَغَيرهم وَعنهُ أَخذ كثير كالشيخ الْعَلامَة إِبْرَاهِيم المأموني والشهاب القليوبي والأديب الْفَاضِل درويش مُحَمَّد أَبُو الْمَعَالِي الطالوي وَذكره فِي سانحاته وَأثْنى عَلَيْهِ وَقدره بَين عُلَمَاء الْقَاهِرَة ممتاز مُسلم وَلم يشْتَهر لَهُ تأليف سوى رِسَالَة لَطِيفَة قرظ بهَا على رِسَالَة فِي نسب بني طالو لتلميذه أبي الْمَعَالِي وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشرَة وَألف بِالْقَاهِرَةِ وَقد جَاوز الثَّمَانِينَ
الْأَمِير شَدِيد بن احْمَد الْأَمِير حَاكم الْعَرَب وَهُوَ من آل جَبَّار حكام الْعَرَب أَبَا عَن جد يُقَال أَنهم من ذُرِّيَّة جَعْفَر الْبَرْمَكِي ومقام هَؤُلَاءِ فِي بِلَاد سلمية وعانا والحديثة وَمن عَادَتهم أَن من استولى مِنْهُم على خيمة المَال وَالسِّلَاح يكون حَاكما على الْعَرَب جَمِيعهم وَذَلِكَ أَن لَهُم خيمة من الشّعْر كَبِيرَة جدا وَلها نواطير وحرس بالنوبة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَكلهَا صناديق مقفلة بالأقفال الْحَدِيد المحكمة والصناديق مَمْلُوءَة من الذَّهَب وَالْفِضَّة والجوهر وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك من نفائس الْأَشْيَاء النفيسة وَكَانَ شَدِيد استولى عَلَيْهَا بعد أَبِيه أَحْمد وَكَانَ ظَالِما جباراً عنيداً متكبراً خسيساً قَبِيح المنظر وَالْفِعْل وَالْوَصْف غير محسن فِي شَيْء من الْأَشْيَاء وَلم يزل حَاكما إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة ثَمَان عشرَة بعد الْألف وَاتفقَ فِي هلكه عَجِيبَة أَنه كَانَ فِي خيمة فِي بعض صحارى حلب وَكَانَ ابْن عَمه مُدْلِج بن ظَاهر مَعَه فِي الْخَيْمَة وَكَانَ شَدِيد يلْعَب بالشطرنج مَعَ بعض أَقَاربه وَلم يكن عِنْده من إخْوَته أحد فاختلس مُدْلِج الفرصة فِي خلو الْأَمِير فناداه وَهُوَ يلْعَب يَا شَدِيد يَا شَدِيد فَقَالَ نعم فَمَا أتم قَوْله نعم إِلَّا ومدلج قد ضربه بخنجر فِي بَطْنه خرج من ظَهره وَلم يحْتَج فِي إِخْرَاج روحه إِلَى ضَرْبَة أُخْرَى وَلَقَد أرسل الْأَمِير فَخر الدّين بن معن مَكْتُوبًا يخبر فِيهِ عَن قتل شَدِيد وَقَالَ فِي مكتوبه إِن تَارِيخ قَتله قد اتّفق فِي هَذِه الْكَلِمَات وَهِي قَوْله مُدْلِج قتل شَدِيد ولد أَحْمد وَمن الْعجب أَن وَالِد شَدِيد أَحْمد كَانَ قتل ظَاهرا وَالِد مُدْلِج فِي بَيته وَهُوَ ضيف عِنْده فَقدر الله أَن ولد الْمَقْتُول قتل ولد الْقَاتِل قلت وَهَذَا ظَاهر هُوَ ابْن مُدْلِج المترجم فِي الْكَوَاكِب السائرة وَهُوَ ظَاهر بن عساف بن عجل بن مظين بن قدموس كَانَ أَمِير عرب الشَّام وَله قُوَّة وبطش بِحَيْثُ يمسك الدِّرْهَم من الْفضة بِأُصْبُعَيْهِ ويفركه فَيذْهب نقشه ويفتت الْحِنْطَة بَين أصبعيه وَمن عَجِيب أمره أَنه دخل عَلَيْهِ وَلَده قرموش وَهُوَ مَرِيض ليَقْتُلهُ فَضَربهُ بِسيف فَقتله وَشرب شخص لَبَنًا حليباً وَكَانَ بيد امْرَأَة فشكته إِلَيْهِ فاستخبره فَأنْكر وَحلف بحياته أَنه لم يشربه فطعنه بِرُمْح كَانَ بِيَدِهِ فَإِذا اللَّبن خَارج من جَوْفه فَأمر الْمَرْأَة بِأخذ بعير من بعرانه عوض لَبنهَا وَمَات على فرَاشه وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة انْتهى
شرف الدّين بن زين العابدين بن محيي الدّين بن ولي الدّين بن جمال الدّين بن القَاضِي زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ السنيكي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي وَتقدم أَبوهُ الإِمَام الْجَلِيل كَانَ صَدرا من صُدُور زَمَنه مُعظما عِنْد الْعلمَاء مَقْبُول الشَّفَاعَة
متقشفاً ورعاً دينا أَخذ الحَدِيث وَالْفِقْه وَغَيرهمَا عَن جمع مِنْهُم وَالِده وَأخذ عَن الشَّمْس شَوْبَرِيّ والنور الشبراملسي وَأَجَازَهُ شُيُوخه وتصدر للإقراء وَأفَاد وانتفع بِهِ خلق كثير وَألف مؤلفات عديدة مِنْهَا الطَّبَقَات ذكر فِيهَا شُيُوخه وعلماء عصره وَكَانَ لَهُ اعتناء تَامّ بِالْأَسَانِيدِ وَمَعْرِفَة الشُّيُوخ ومواليدهم ووفياتهم وَكَانَ الشبراملسي مَعَ جلالته يعظمه كثيرا وأقعد فِي آخر عمره وَانْقطع فِي بَيته فَكَانَت الطّلبَة تَأتيه وَتَأْخُذ عَنهُ وَكَانَت كتبه كَثِيرَة بِحَيْثُ أَنه اجْتمع عِنْده كتب جده شيخ الْإِسْلَام وَمن بعده من أسلافه على كثرتها وأضاف إِلَيْهَا مثلهَا شِرَاء واستكتاباً فَكَانَ إِذا أَتَاهُ أحد بِكِتَاب أَي كتاب للْبيع لَا يُخرجهُ من بَيته وَلَو بِزِيَادَة على ثمن مثله وَكَانَ حَرِيصًا على خطوط الْعلمَاء ضنيناً بهَا وَرَأَيْت بِخَط صاحبنا الْفَاضِل مصطفى ابْن فتح الله أَنه أخبرهُ أَن عِنْده من طَبَقَات السُّبْكِيّ الْكُبْرَى ثَمَانِيَة عشر نُسْخَة وَثَمَانِية وَعشْرين شرحاً على البُخَارِيّ وَأَرْبَعين تَفْسِيرا إِلَى غير ذَلِك وَلما مَاتَ تَفَرَّقت كتبه شذر مذر وَكَانَت تبَاع بالرتبيل بعد أَن كَانَ يشح بِوَرَقَة مِنْهَا قَالَ وَاتفقَ أَن شَيخنَا الْعَلامَة إِبْرَاهِيم الكوراني الْمدنِي أَرَادَ تَحْصِيل رِسَالَة لِلْحَافِظِ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِيمَا علق الشَّافِعِي القَوْل بِهِ على الصِّحَّة وَكَانَت مَوْجُودَة عِنْده فعول على لما تَوَجَّهت إِلَى مصر فِي استعارتها مِنْهُ وكتابتها فلازمته لأَجلهَا نَحْو شَهْرَيْن وَهُوَ يعْتَذر إليّ وَلم يُمكن تَحْصِيلهَا مِنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من الْعلمَاء النزهين وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاثِينَ وَألف تَقْرِيبًا وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى بِقرب تربة الإِمَام الشَّافِعِي عِنْد قبر جده القَاضِي زَكَرِيَّا فِي قبَّة جدوده المعروفين
شرف الدّين بن عبد الْقَادِر بن بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن حبيب الْغَزِّي الْحَنَفِيّ أحد الْعلمَاء الأجلاء من أهل التَّحْرِير والإتقان وَكَانَ فَقِيها مُتَمَكنًا مُفَسرًا نحوياً كَبِير الشَّأْن عالي الهمة وَله تآليف شائعة مِنْهَا حَاشِيَته الْمَشْهُورَة على الْأَشْبَاه والنظار لِابْنِ نجيم سَمَّاهَا تنوير البصائر وَرَأَيْت بِخَطِّهِ كثيرا من التحريرات على الدُّرَر وَالْغرر فِي الْفِقْه وَله كتاب محَاسِن الْفَضَائِل بِجمع الرسائل وَهُوَ ثَلَاث رسائل ثِنْتَانِ لَهُ وَوَاحِدَة لِلْحسنِ البوريني الدِّمَشْقِي رَأَيْتهَا وطالعتها جَمِيعًا وَسبب جمعهَا أَن الْحسن كَانَ أرسل إِلَى الْأَمِير أَحْمد بن رضوَان حَاكم غَزَّة رِسَالَة وَفِي ضمنهَا سُؤال عَن عبارَة للْمولى أبي السُّعُود وَقعت فِي تَفْسِيره فِي سُورَة الْفرْقَان عِنْد قَوْله
تَعَالَى لَهُم فِيهَا مَا يشاؤن خَالِدين حَيْثُ قَالَ حَال من الضَّمِير المستكن فِي الْجَار وَالْمَجْرُور لاعتماده على الْمُبْتَدَأ وَقيل من فَاعل يشاؤون انْتهى وَطلب البوريني الْجَواب من شرف الدّين فألف رسَالَته الأولى وَقَالَ فِي ديباجتها بعد الحمدلة وَسبب التَّأْلِيف فاشتغلت بايتارقوس الْبَيَان وشرعت فِي الْجَواب مستمدا العون من الْملك الديَّان وكتبت فِي ذَلِك رِسَالَة سميتها ارواء الصادي فِي الْجَواب عَن أبي السُّعُود الْعِمَادِيّ وأرسلتها إِلَى الْفَاضِل الْحسن البوريني ذِي الأيادي فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ وتأملها بفكره اعْترف بِصِحَّة بَعْضهَا وَاعْترض على آخر بنكره فَكتبت لَهُ الْجَواب عَن إِيرَاده وَأَنه دَافع لمراده فَأَحْبَبْت أَن أجمع هَذِه الرسائل فِي كتاب مُفْرد وأجعله خدمَة لسدة مَوْلَانَا الْأَمِير الأمجد إِلَى أَن قَالَ وَسميت هَذَا الْكتاب محَاسِن الْفَضَائِل بِجمع الرسائل ورتبته على حسب الْوَاقِع فِي الزَّمَان فَقدمت رِسَالَة إرواء الصادي وثنيت برسالة الْحسن البوريني وثلثت برسالتنا الموسومة بأرج العهري والجادي فِي الدّفع عَن إرواس الصادي وَحَاصِل مَا أجَاب بِهِ أَن مَا مَوْصُولَة وَاقعَة على فنون الملاذ والمشتهيات وأنواع النَّعيم وَمن جملَة الْمَذْكُور الْحور والولدان وَغَيرهمَا من بني آدم وَبنَاته وَمَا الموصولة يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذكر والمؤنث والمثنى وَالْجمع وَالْغَالِب اسْتِعْمَالهَا فِيمَا لَا يعلم وَقد تسْتَعْمل فيهمَا وَيجوز فِي ضميرها مُرَاعَاة اللَّفْظ وَالْمعْنَى فرجوع الضَّمِير مجموعاً بِاعْتِبَار معنى مَا وَهَذَا جَوَاب عَن أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي وَهُوَ جمعه جمع الْعُقَلَاء أَن هَذَا من بَاب التغليب فغلب من يعقل من الْحور وَنَحْوهَا على مَا لَا يعقل من أَنْوَاع النَّعيم لِأَن كلمة مَا مَوْضُوعَة للْكُلّ أَو لارادة الْوَصْف كَمَا قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى ويعبدون من دون الله مَا أُرِيد مَا يعم الْعُقَلَاء وَغَيره أما لِأَن كلمة مَا مَوْضُوعَة للْكُلّ أَو لِأَنَّهُ أَرَادَ الْوَصْف لَا الذَّات كَأَنَّهُ قيل ومعبودهم أَو اعْتِبَار الْغَلَبَة عبدتها فَهِيَ على هَذَا حَال حَقِيقَة أَو ذَلِك بِاعْتِبَار مُلَابسَة بَين النَّعيم الْمعبر عَنهُ بماو بَين أَصْحَابه فصح كَون خَالِدين حَالا من الضَّمِير فِي الْخَبَر سَبَبِيَّة أَي خَالِدين أَهله فِيهِ ففاعل الْوَصْف يرجع إِلَى الْمُتَّقِينَ كَمَا فِي قَوْلك مَرَرْت بِالدَّار قَائِما سكانها كَمَا صرح بِهِ النحويون وَلَا يرد عَلَيْهِ عدم بروز الضَّمِير لِأَن هَذَا على مَذْهَب الْكُوفِي وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك لوروده كثيرا وَالْأول أولى كَمَا لَا يخفى انْتهى قلت وَقد تجاززت الْحَد الْمَضْرُوب للتاريخ وَلَكِن رُبمَا حسن هَذَا الاستطراد عِنْد قوم وَبِالْجُمْلَةِ فالمقصود الْفَائِدَة وَلَعَلَّ كتَابنَا هَذَا
لَا يَخْلُو عَنْهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة
شرف الدّين الْمَعْرُوف بالدمشقي الشَّافِعِي أحد أفاضل الشَّام الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ التَّام وَكَانَ متجراً ذَا فنون كَثِيرَة قَرَأَ الْكثير وَضبط وَقيد وَجلسَ مجْلِس التدريس ونفع كثيرا من الأفاضل أخذُوا عَنهُ وانتفعوا بِهِ وَصَارَ معيد درس الحَدِيث تَحت قبَّة النسْر وَشَيْخه إِذْ ذَاك الشَّمْس مُحَمَّد الميداني وَكَانَ الشَّمْس يجله كثيرا ويعظمه وَمرض مرّة سَبْعَة أَيَّام فَترك الدَّرْس لأَجله وَكَانَ لَهُ حَلقَة تدريس بِمَسْجِد هِشَام فِي سوق جقمق يقري بِهِ دروساً خَاصَّة وَعَن غَرِيب أمره أَنه كَانَ فِي علم الْعرُوض ثَانِي الْخَلِيل إِلَّا أَنه لم يتَّفق لَهُ نظم بَيت وَكَانَ إِذا قَرَأَ الشّعْر قَرَأَ على طَريقَة المجودين بمراعاة الْإِظْهَار والإدغام والإخفاء وَغير ذَلِك فَيَقَع سَمحا بَارِدًا وَكَانَ شَيخنَا النَّجْم الفرضي يثني على تَحْقِيقه وَحسن تفهيمه وَهُوَ مِمَّن أَخذ عَنهُ ونحا نَحوه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من كبار الْعلمَاء الَّذين ظنت حَصَاة فَضلهمْ فِي الْآفَاق وَكَانَت وَفَاته بعد عصر الْأَرْبَعَاء ختام شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير
شرف الدّين العسيلي الْقُدسِي كَانَ من الأدباء أهل النادرة وَكَانَ يعرف علم الرمل والزايرجا وَاتفقَ لَهُ أَنه سَافر إِلَى الرّوم وَالْمولى عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الَّذِي صَار آخر أمره مفتياً فِي الدولة العثمانية قَاضِي العساكر باناطولي فاستخرج لَهُ أَنه فِي شهر كَذَا يُرْسل الْملك خليفه ويوليه الافتاء وَأخْبرهمْ بذلك فَلَمَّا وَقع لَهُ مَا قَالَه أحسن إِلَيْهِ وقربه وولاه قَضَاء شبشير من أقليم مصر فَذهب إِلَيْهَا وَعَاد إِلَى الرّوم فَأعْطَاهُ قَضَاء الْمنزلَة فاختر مِنْهُ الْمنية قبل ضَبطهَا وَكَانَ لَهُ شعر رَأَيْت لَهُ هَذِه القصيدة كتبت بهَا إِلَى مفتي الْحَنَفِيَّة بالقدس الشَّيْخ هبة الله بن عبد الْغفار العجمي ملغزاً وَهِي قَوْله
(سليل الْمَعَالِي فرع أصل الفواضل
…
وَبدر الْعلي يَا شمس أفق الأفاضل)
(وَيَا وَاحِدًا فِي الدَّهْر مَا بَين أَهله
…
وإنسان عين الْفضل روح الْكَامِل)
(وَيَا هبة الله الْجَلِيل جماله
…
وواسطة العقد الفريد المماثل)
(أفدني رفيع الشان يَا وَاحِد العلى
…
منيع الذرى قطبا بصدر المحافل)
(فيا اسْم بِهِ شَيْء لطيف مصحف
…
كَذَا فِيهِ معنى الْقرب يَبْدُو لواصل)
(تصرف بقلب ثمَّ حرف مُصحفا
…
ترى صنعتي ضدا حوتها معاولي)
(وَفِيه بقلب اسْم فَاضل عصره
…
وثانيه وردي من ثغور المناهل)
(نتيجة هَذَا الِاسْم روحي فداؤها
…
هِيَ الشَّمْس إِن تبدو ضحى فِي الأصائل)
(غرامي بِهِ نَام وَإِن دَامَ هاجري
…
بصد وَبعد فَهُوَ لَا شكّ قاتلي)
(تصرف وَبَين يَا بديع بدائعي
…
وميز بِحَال مِنْك نعت العوامل)
(فَلَا زلت كشافا لكل عويصة
…
همام الْمَعَالِي قرم صدر الجحافل)
(مدى الدَّهْر مَا صاغ العسيلي قلائدا
…
من الدّرّ يبديها كشكل الْمسَائِل)
فَأَجَابَهُ بقوله
(أروض حوى الأزهار رطب الخمائل
…
أم الغادة الْحَسْنَاء حلت منازلي)
(أم الأغيد الْوَسْنَان وفى بعهده
…
وأنعم لي بعد القلى بالتواصل)
(وَمَا ذَاك الأنظم مُفْرد عصره
…
هُوَ الشّرف المفضال رب الْفَضَائِل)
(بلاغته فِي النّظم لَا شَيْء فَوْقهَا
…
فَصَاحَته أزرت بسحبان وَائِل)
(فيافذ هَذَا الدَّهْر قد جَاءَ مِنْكُم
…
إِلَى نحونا لغز رفيع الْمنَازل)
(فسحبان نصف اللغز ياهين أَهله
…
وتاليه وردى من ثغور المناهل)
(نتيجته أَنِّي أعيذ محبه
…
بِيُوسُف وَالْإِخْلَاص من كل عاذل)
(فسامح ضَعِيف النّظم مولَايَ أَنه
…
إِذا رامه يلقاه صَعب التَّنَاوُل)
(فَلَا زلت بالآداب تتحف صاحبا
…
وتبدى اللآلي فِي نظام الرسائل)
شعْبَان بن ولي الدّين البوسنوي التوسيلي نزيل قسطنطينية قَاضِي العساكر الصَّدْر الْكَبِير النبيه الْقدر كَانَ فَاضلا كَامِلا وَاسع الصَّدْر مَبْسُوط الرَّاحَة قدم إِلَى قسطنطينية فِي سنة خمس وَعشْرين وَألف وَهُوَ رَقِيق الْحَال وَكَانَ إِذا حدث بمبدأ حَاله يذكر قصَّة وَقعت لَهُ مَعَ رمال كَانَ رَآهُ واستخبر مِنْهُ عَن طالعه فَنظر الرمال فِيمَا خطه مرّة بعد أُخْرَى وَقَالَ لَهُ أَن صدق هَذَا الرمل فَصَاحب هَذَا الطالع يصير صَدرا وَتَكون لَهُ رفْعَة زَائِدَة بِحَيْثُ أَنه يصير قَاضِي الْعَسْكَر قَالَ وَكنت أعجب من ذَلِك ثمَّ بعد مُدَّة صَار من طلبة الْمولى أبي سعيد بن أسعد الْمُقدم ذكره وَهُوَ مدرس بِالْمَدْرَسَةِ السليمانية ثمَّ لَازم من الْمولى يحيى قَاضِي الْعَسْكَر باناطولي ودرس وَذكر وَالِدي المروحوم فِي تَرْجَمته قَالَ أَخْبرنِي من لَفظه على أغا الطَّوِيل لما ورد دمشق لِلْحَجِّ فِي سنة ثَمَان وَخمسين أَنه لما ولي الْمولى مُحَمَّد البهائي قَضَاء سلانيك كَانَ الصَّدْر الْكَبِير إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بالروزنامة حَيّ شفيعه فترجى عِنْد النِّيَابَة لصَاحب التَّرْجَمَة فَمَا أمكنه ذَلِك ثمَّ صَار الْمولى إِبْرَاهِيم بن كَمَال الدّين الطاشكبري بعده قَاضِيا
فصيره نَائِبا لَهُ وأنعم عَلَيْهِ وسما حَظه عِنْد ذَلِك فصيره الْمولى حُسَيْن ابْن أخي مفتي الدولة مدرساً بمدرسة جده الْعَلامَة سعدى الْمحشِي فَترك النِّيَابَة قبل الْعَزْل مِنْهَا وَقدم إِلَى قسطنطينية وَاخْتَلَطَ بأكابر الدولة وَاتفقَ بعد مُدَّة طُلُوع الْوَزير الْأَعْظَم مُحَمَّد باشا المنبسط الْقدَم إِلَى سفر الْعَجم وَكَانَ الروزنامة جي الْمُقدم ذكره عِنْده فِي نِهَايَة الخطوط فَقرب صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى خاطر الْوَزير فصيره قَاضِيا ينظر الْأَحْكَام فِي الْعَسْكَر الْمعِين مَعَه فَسَار بِخِدْمَة الْوَزير وَصَارَ لَهُ فِي الطَّرِيق رُتْبَة الدَّاخِل ورتبة الصحن ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بِقَضَاء أمد مَعَ بَقَائِهِ فِي الْخدمَة الْمَذْكُورَة وَلما قدم السُّلْطَان مُرَاد إِلَى أَخذ روان وعزل الْمولى أَحْمد بن زين الدّين الْمَعْرُوف بالمنطقي عَن قَضَاء دمشق سعى لَهُ الْوَزير مصطفى باشا السلاحدار نديم السُّلْطَان وَكَانَ إِذْ ذذاك نَائِب الشَّام فأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بهَا وقدمها وَأظْهر عفة وَمَكَارِم أَخْلَاق وَنِعما لم تعهد من قَاض قبله وَله فِي هَذَا الْبَاب مَنَاقِب غَرِيبَة أورد مِنْهَا وَالِدي المرحوم أَشْيَاء ومدحه شعراء ذَلِك الْعَصْر بالقصائد الطنانة مِنْهُم أَحْمد بن شاهين فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ هَذِه القصيدة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة دَعَاهُ إِلَى مَجْلِسه فتمارض وَامْتنع من الْمَجِيء وَكتب إِلَيْهِ يعْتَذر بقوله
(مولَايَ يَا من لَهُ فِي كل جارحة
…
مني لِسَان يُؤَدِّي شكرماوجبا)
(وَمن إِذا مَا ذكرنَا حسن عشرته
…
وَطيب أخلاقه طرنا بِهِ طَربا)
(وَمن لَهُ فِي فُؤَادِي من محبته
…
منَازِل بلغت فِي أفقها الشهبا)
مِنْهَا
(أَنْت الَّذِي مارأينا مثله أبدا
…
فضلا وبذلا وخلقا مِنْهُ منتخبا)
(كَأَنَّهُ من معد فِي خلائقه
…
وَلَيْسَ مِنْهُ إِذا مَا قَالَ لي نسبا)
(وَلَيْسَ فضل الْفَتى فِي فضل نسبته
…
إِن الْفَتى من يعد الْمجد والحسبا)
(أَتَى كتابك فِي أَمر بذلت لَهُ
…
وَجها لأمرك فَوق الترب منسحبا)
(موشحا فِي كل أَمر راق مسمعه
…
كَأَنَّهُ الدّرّ بكرا لَيْسَ منثقبا)
(وَبت ألثمه حبا وتكرمة
…
وَبَات يزعجني قلبا إِلَيْك صبا)
(لَكِن عُذْري بعد عَن ذراك وَذَا
…
باد وَعذر مَتى للْعَبد قد وجبا)
(وَلست وَالله إِلَّا عبد تكرمة
…
لَا عبد مَخْمَصَة إِن رحب منتسبا)
(فَلَا تظن على مَا فِي من أنف
…
أَو انقباض بَان أدعى فاحتجبا)
(وَالله يعلم إِن لم يبْق لي زمن
…
فِي أَمر جمعية مَعَ غَيْركُمْ أربا)
(واعذر فديتك وَاصْفَحْ عَن مؤاخذتي
…
فَمن لعبد إِذا وافاك أَو هربا)
(واسلم على كل حَال أَنْت طالبها
…
فَلَا يسر الْفَتى إِلَّا بِمَا طلبا)
وَمِنْهُم الْأَمِير المنجكي فَإِنَّهُ قَالَ فِي مدحه قصيدته الفائية الْمَشْهُورَة ومطلعها
(صَبر الْفُؤَاد على فعال الجافي
…
نعم الْكَفِيل لكل أَمر كَافِي)
(فاحمل على النَّفس الصعاب مؤملا
…
من فضل رَبك وَاسع الألطاف)
(أَو لست من قوم إِذا ذكر العلى
…
كَانُوا لَهُ من أشرف الأخلاف)
(شادوا الْمَسَاجِد والقصور فَهَذِهِ
…
للعابدين وَتلك للأضياف)
(إِنِّي وَإِن كنت الْقَلِيل ثراؤه
…
لست المقصر عَن ندى أسلافي)
(كَانَ الزَّمَان لَهُم مُطيعًا خاضعاً
…
وَأرَاهُ منتصباً لفعل خلافي)
(لم تبْق لي الْأَيَّام إِلَّا من لَهُ
…
أسعى بِخَير وَهُوَ فِي اتلافي)
(أَو محرقاً قلبِي بهجر عتابه
…
وَعَلِيهِ من نعماي ظلّ ضافي)
(أَو لَيْسَ من إِحْدَى الْأُمُور تخلفي
…
عَن مجْلِس الْمولى بِغَيْر خلاف)
(اقضي قُضَاة الْمُسلمين وقامع الْقَوْم
…
الْبُغَاة بصارم الأنصاف)
(كشاف أسرار البلاغة من غَدا
…
للنَّاس من دَاء الْجَهَالَة شافي)
(بَحر الْعُلُوم الزاخر الطود الَّذِي
…
أمنت دمشق بِهِ من الأرجاف)
(من لَيْسَ تبلغ بعض أيسر وَصفه
…
إِن أسهبت أَو أطنبت أوصافي)
(مولَايَ شعْبَان الْمُعظم قدره
…
أَنْت الرَّجَاء لكل راج عافي)
(عذاراً لعبد لَيْسَ يبلغ بعض مَا
…
هُوَ وَاجِب من حق قدرك وافي)
(وَيرى صفاتك فِي النظام قد اغتدت
…
بَين الورى كالدر فِي الأصداف)
(إِن الْمقَال لحَال من هُوَ موثق
…
بعقال أرجاف الزَّمَان منافي)
(لكنما الورقاء أصدح مَا ترى
…
عِنْد افتقاد الرَّوْض والألاف)
(وَأَنا الَّذِي لَك مَا حييت لِسَانه
…
رطب بأنواع الثَّنَاء موافي)
(أبقاك رَبك للعباد فَلم تزل
…
لتلافهم بيد الندى متلافي)
(واسلم على مر الدهور ملاحظا
…
بالعون والإسعاد والإسعاف)
وَكتب إِلَيْهِ الأديب أَبُو بكر الْعمريّ هَذِه الأبيات وَيخرج من الْبَيْت الأول اسْم شعْبَان بطرِيق النعمية وَهِي قَوْله
(غرَّة الشَّام أَصبَحت شمس فضل
…
لَاحَ مِنْهَا فِي الشَّام أَي شُعَاع)
(هُوَ قَاضِي الْقُضَاة عين الْمُسَمّى
…
فِي المعمى يدريه رب اطلَاع)
(أيهذا الْعَزِيز بَيته إِنِّي
…
لَك دَاع وَلَا كمثلى دَاعِي)
(ولعمري أظهرت فِي الشَّام عدلا
…
قد رَوَاهُ توَافق الْإِجْمَاع)
(زادك الله رفْعَة وعلوما
…
وعلوا مَا طَاف بِالْبَيْتِ ساعي)
وَاتفقَ أَنه توجه إِلَى الْحَج وَهُوَ مولى بعد أَن اسْتَأْذن من طرف السلطنة بذلك وَأَن يكون جدي محب الله قَائِما مقَامه فَجَاءَهُ أَمر شرِيف بِالْإِذْنِ وَمَعَهُ حجر من الألماس محفوف بأحجار مُخْتَلفَة مَكْفُوفَة بصفائح الْفضة وَالذَّهَب أرْسلهُ الْوَزير السلاحدار الْمَذْكُور ليوضع تَحت الحجرين الْمَشْهُورين بالحجرة النَّبَوِيَّة اللَّذين كَانَ أرسلهما السُّلْطَان أَحْمد كَمَا سلف فِي تَرْجَمته فَوَضعه صَاحب التَّرْجَمَة فِي جِدَار الضريح فَزَاد بِهِ شعار الاسلام جمالاً واكتسب هُوَ بِهَذِهِ لخدمة فَضِيلَة وإجلالاً وَقد قَالَ فِيهِ السَّيِّد مُحَمَّد جمال الدّين الْمَعْرُوف بكبريت الْمدنِي الْآتِي ذكره مُشِيرا لذَلِك بِهَذِهِ الأبيات
(زار خير الْأَنَام حبر همام
…
قد تسمى شعْبَان وَهُوَ ربيع)
(عَم جيران أَحْمد بنوال
…
دون ذَاك النوال خصب مريع)
(جَاءَ بالجوهر الثمين لطه
…
من وَزِير هُوَ الجناب المنيع)
(مصطفى الْمجد والندى والمعالي
…
وسلحدار نعْمَة لَا تضيع)
(يَا لَهُ جوهراً تسامى وسامى
…
بمقام فِيهِ الثَّنَاء يضوع)
(عتد وَجه النَّبِي قد وضعوه
…
فغدا وَهُوَ مشرق ولموع)
(كَانَ هَذَا فِي عَام سبع وَألف
…
وَتَمام النظام فِيهِ بديع)
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحجر الميمون مِمَّا زَاد وزان وَصَارَ أثرا حسنا يبْقى إِن شَاءَ الله تَعَالَى على ممر الْأَزْمَان كَمَا قيل
(إِذا الدّرّ زَان حسن وُجُوه
…
كَانَ للدر حسن وَجهك زينا)
(وتزيدين أطيب الطّيب حسنا
…
أَن تمسيه أَيْن مثلك أَيّنَا)
وكما قَالَ الآخر
(أَقُول والدر على جيدها
…
يزهو بِمَا فِيهَا من الزين)
(مَا علق الْجَوْهَر فِي نحرها
…
إِلَّا لما يخْشَى من الْعين)
وَقَالَ ابْن حجر فِي الْجَوْهَر المنظم تجاه الْوَجْه الشريف فِي الْجِدَار مِسْمَار من فضَّة
مموه بِالذَّهَب فِي رخامة حَمْرَاء من استقبله كَانَ مُسْتَقْبل الْوَجْه الشريف حَتَّى كَانَ فِي أَيَّام السُّلْطَان أَحْمد خَان فَجعل عَلَيْهِ حجرين من الألماس مكفتين بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَب فهما من آثاره وَلَيْسَ لَهما قيمَة بِالنِّسْبَةِ لمن أرسلا إِلَى حجرته فَللَّه در الْقَائِل حَيْثُ يَقُول
(الْكَوْكَب الدُّرِّي من شَأْنه
…
يخفى لَدَى وَجه السراج الْمُنِير)
(فكثروا الْجَوْهَر أَو قللُوا
…
فالجوهر الْفَرد عديم النظير)
انْتهى وَلما عَاد صَاحب التَّرْجَمَة من الْحَج أهْدى الْهَدَايَا السّنيَّة لغالب أهالي دمشق ثمَّ نقل بعد ذَلِك إِلَى قَضَاء مصر وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عزل فَتوجه إِلَى قسطنطينية واقتنى دَارا بِالْقربِ من جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد ثمَّ صَار قَاضِيا بأدرنة وَبعدهَا صَارَت لَهُ رُتْبَة قَضَاء قسطنطينية ثمَّ صَار قَاضِي الْعَسْكَر بأناطولي فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ ثمَّ صَار صدر ابروم إيلي فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وعزل فَصَارَ لَهُ بعض القصبات على التَّأْبِيد وَأقَام فِي دَاره صَدرا مبجلاً موقراً إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَألف عَن ثَمَان وَسبعين سنة والنوسيلي بِفَتْح النُّون وَالْوَاو وَكسر السِّين وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَبعدهَا لَام بَلْدَة بِالْقربِ من بوسنة
شعْبَان بن الدمرداشي الْمصْرِيّ نزيل غَزَّة هَاشم الْمَعْرُوف بِأبي الْقُرُون كَانَ وَالِده من أُمَرَاء الجراكسة بِمصْر وَصَارَ أَولا هُوَ من جندها ثمَّ أَخذ طَرِيق الأحمدية عَن الشَّيْخ أَحْمد الجركسي خَليفَة سَيِّدي أَحْمد البدوي وَصَارَ من الكمل فِي الْعُلُوم الظَّاهِرَة والباطنة ثمَّ ساح فورد دمشق فِي حُدُود سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَنزل أَولا بزاوية الأحمدية دَاخل بَاب النَّصْر ثمَّ انْتقل إِلَى الْمدرسَة اليدغمشية بِخَط تَحت القلعة وَأقَام بهَا مُدَّة وَظهر لَهُ بعض مكاشفات وأحوال ثمَّ قصد الْحَج وَأخْبر أَنه فِي الْعود يُؤمر بالذهاب إِلَى غَزَّة هَاشم لِأَن حاكمها الباطني يَمُوت وَيُوجه مقَامه إِلَيْهِ وَكَانَ يَقُول أَن حُكُومَة غَزَّة الباطنية لَهَا رُتْبَة عالية عِنْد أهل الْبَاطِن لكَونهَا آخر الْبِلَاد المقدسة وَلما عَاد من الْحَج وَقع لَهُ مَا كَانَ يَقُوله فَتوجه إِلَى غَزَّة وَأقَام بهَا مُدَّة حَيَاته وَكَانَ لَهُ أَحْوَال عَجِيبَة من جُمْلَتهَا تسخير بعض الْهَوَام لَهُ وانقيادها إِلَيْهِ حَدثنِي بعض من أعْتَمد عَلَيْهِ عَن كثير مِمَّن لَقِيَهُمْ أَنه كَانَ عِنْده حَيَّة عَظِيمَة ألفته وَكَانَ سَمَّاهَا باسم فَكَانَ إِذا ناداها بذلك الِاسْم جَاءَتْهُ مسرعة وَقَعَدت على ركبته ثمَّ إِذا أَرَادَ ذهابها ناداها باسمها أَن اذهبي فتذهب وَمن غَرِيب حَاله أَنه كَانَ يمِيل
إِلَى سَماع الْآلَات ويطرب لَهَا وَذكر لي كثير من النَّاس أَنه لما قربت وَفَاته أوصى بِأَن يغسل على السماع فنفذ مريدوه وَصيته وَكَانَ لَهُ مريدون وحفدة وَبِالْجُمْلَةِ فعامة من لقيناه معتقدون ولَايَته وصلاحه وَالله أعلم بِحَالهِ وَكَانَت وَفَاته بِذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بغزة
شعْبَان الفيومي الْأَزْهَرِي الشَّافِعِي الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الْفَقِيه المتضلع من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة شيخ الْأَزْهَر نفع الله بِعِلْمِهِ فَمَا قَرَأَ عَلَيْهِ أحد إِلَّا انْتفع بِهِ وحصلت لَهُ بركته ولد بالفيوم فِي سنة خمس عشرَة وَألف تَقْرِيبًا وَحفظ الْقُرْآن ورحل إِلَى مصر وَأخذ عَن من بهَا من أكَابِر الْعلمَاء كالشهاب القليوبي وَحضر الشَّمْس الشَّوْبَرِيّ وَكَانَ ملازماً لَهما سِنِين عديدة وَكَانَ مُسْتَغْرقا أوقاته فِي إقراء الْعلم والتدريس فِي الْعُلُوم النافعة وَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ اسْتِقْلَالا كل يَوْم مَا ينيف على مائَة طَالب وَله فِي كل يَوْم ثَلَاثَة دروس حافلة وَاحِدهَا بعد الْفجْر إِلَى قريب طُلُوع الشَّمْس وَالثَّانِي بعد الظّهْر وَالثَّالِث بعد الْعَصْر هَذَا دأبه دَائِما وَكَانَ يجْتَمع فِيهَا من طلبة الْعلم خلق كثير وَكَانَ محافظاً على الْجُلُوس فِي الْأَزْهَر لَا يخرج مِنْهُ إِلَّا لحَاجَة وَكَانَ يستحضر غَالب كتب الْفِقْه المتداولة بَين المصريين وَتخرج بِهِ كثير من الْعلمَاء مِنْهُم الْعَلامَة مَنْصُور الطوخي وَإِبْرَاهِيم الْبرمَاوِيّ وعطية الشَّوْبَرِيّ وَغَيرهم وَكَانَ قَلِيل الْكَلَام كثير الاحتشام لَا يتَرَدَّد إِلَى أحد مُعظما عِنْد الْعلمَاء مَشْهُورا بالورع وَكَانَ إِذا قَرَأَ الْقُرْآن يكَاد يغيب عَن حواسه وَكَانَ كثير الدُّعَاء لمن يقْرَأ عَلَيْهِ وَلَا يسمع مِنْهُ كَلَام إِلَّا فِي تَقْرِير مسَائِل الْعلم وَكَانَ إِذا مر فِي السُّوق يمر مسرعاً مطرق الرَّأْس وَله كرامات علية مِنْهَا أَن رجلا تسلط عَلَيْهِ فَكَانَ إِذا مر مطرقاً يحاكيه ويمثل بِهِ ويطرق رَأسه مثله فَأتى إِلَيْهِ ذَات يَوْم وَهُوَ مطرق فَفعل مثله وأطرق رَأسه فَلم يقدر على رَفعه وَلَا تحريكه يَمِينا وَلَا شمالاً ثمَّ أَتَى إِلَيْهِ وَاعْتذر وَتَابَ من ذَنبه فَعَفَا عَنهُ ودعا لَهُ فعافاه الله تَعَالَى ببركته وَمِنْهَا الاسْتقَامَة فِي جَمِيع الْأَحْوَال الَّتِي هِيَ أوفى كَرَامَة وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسبعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى
شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْعِمَادِيّ الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ وَقد تقدم أَخُوهُ إِبْرَاهِيم أحد الصُّدُور الْفُضَلَاء وَكَانَ فَاضلا نبيلاً حسن الْفَهم أديباً شَاعِرًا منشياً وَله خطّ بديع وَسُرْعَة كِتَابَة وَضبط وَكَانَ وَاسِطَة عقد بَيت الْعِمَادِيّ وَإِلَيْهِ يرجع حلّه وعقده وَكَانَ وَالِده وشقيقاه منقادين إِلَى تَدْبيره لَا يسعهم خِلَافه بِحَال
وَكَانَ لَهُ شهامة ودراية بالأمور تربى فِي حجر وَالِده واشتغل فِي مبدأ أمره على الْحسن البوريني والعلامتين الشهابين أَحْمد العيثاوي وَأحمد الوفائي وَعلي وَالِده وَأخذ عَن أبي الْعَبَّاس الْمقري ولازم من الْمولى السَّيِّد مُحَمَّد بن السَّيِّد مَحْمُود الْحميدِي الْمَعْرُوف بشريف قَاضِي الْعَسْكَر ونقيب الممالك العثمانية ودرس وَولي قَضَاء الركب الشَّامي وَحج وَفِي صحبته وَالِده ووالدته وَعَمَّته وأخواه وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف ودرس بعدة مدارس مِنْهَا الْمدرسَة النورية الْكُبْرَى والناصرية الجوانية برتبة الدَّاخِل وَلما انْتقل وَالِده بالوفاة سَافر هُوَ وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيم إِلَى الرّوم وتطلب فَتْوَى الشَّام فَلم يَتَيَسَّر لَهُ وَعَاد إِلَى دمشق ثمَّ فرغ لَهُ أَخُوهُ عماد الدّين الْآتِي ذكره عَن الْمدرسَة الشبلية وَبعد ذَلِك ولي تدريس السليمية وَلما مَاتَ أَخُوهُ عماد الدّين الْمَذْكُور كَانَ مفتيا فوجهت إِلَيْهِ الْفتيا بتقرير قَاضِي دمشق واختير من طرف السلطنة خَلِيل السعسعاني الْمُقدم ذكره ثمَّ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين صَار مفتيا بعد عبد الْوَهَّاب الفرفوري وَأخذ الْفَتْوَى عَنهُ قَرِيبا الْعَلَاء الحصكفي وَأقَام هُوَ بدارهم لَا يخالط أحدا وَلم يزل منغص الْعَيْش شاكيا لدهره متلهفا على ماضي عزه ومنصبه وَرَأَيْت لَهُ ترسلات وأشعارا كَثِيرَة يتظلم فِيهَا من الزَّمَان فَمن ذَلِك قَوْله من رِسَالَة إِلَى مفتي الدولة وَالْعلم الشريف مُحِيط بمظلوميتنا الَّتِي هِيَ أبين من فلق الصُّبْح وأوضح من الضح من عزلنا ظلما وغدرا عَن خدمتنا الموروثة لنا عَن الْآبَاء من سالف الإعصار وَتَقْدِيم غير الْأَهْل بالأجبار من غير مُوجب يَقْتَضِيهِ العقوق بعد الْحُقُوق إِلَّا الْجد وَالِاجْتِهَاد بالاضطرار فِي مداراة من تحار فِي مرضاته الأفكار وَمَا هُوَ إِلَّا الدَّهْر جَار فحار برقه خلب وَهُوَ أشعب فَلذَلِك أعضب وأشعب وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان وصنع الله أغلب
(رفعت إِلَى رحماك مولَايَ قصتي
…
بنفثة مصدور وَلست ألام)
(فَأَنت الَّذِي قد شاع فِي الدَّهْر عدله
…
وجود لَهُ كالجود وَهُوَ سجام)
(إِذا لم تكن أَنْت الْمعِين فَلَيْسَ لي
…
سواك معِين يرتجى ويرام)
(فضع مِنْك لي هَذَا الْجَمِيل تفضلا
…
فَلَيْسَ سوى صنع الْإِلَه مرام)
(وشيد عمادي واغتنم دَعْوَة الورى
…
فَهَذَا رجائي وَالدُّعَاء ختام)
(فَلَا زلت فِي الْفَتْوَى وَلَا زلت ملْجأ
…
لِأَنَّك للدّين القويم عِصَام)
(مدى الدَّهْر مَا حق أُعِيد لأَهله
…
وَمَا ضاء نجم واستحال ظلام)
وَلما عزل فِي الْمرة الْأَخِيرَة نظم هَذِه الأبيات وَهِي
(رب فَتْوَى ضلت إِلَى غير أهل
…
كَانَ توجيهها بِغَيْر صَوَاب)
(أَن حَقًا أضاعه بعض قوم
…
أسأَل الله ردّه لِلشِّهَابِ)
(هوارث عَن وَالِد وأخيه
…
حق للسيف ردّة للقراب)
وَمِمَّا يستجاد لَهُ من الشّعْر قَوْله
(أيا دير مَرْوَان سقاك غرام
…
تروح وتغد وعينهن سَلام)
(وحياك من دير وَحيا معاهدا
…
بمغناك مَا ناع الزَّمَان حمام)
(وقفت على ربع بِهِ رَاح دارسا
…
وَقد فاع من عرف الرياض خزام)
(فَقلت ولي فِيهِ رسيس صبَابَة
…
وَفِي الْقلب مني لوعة وغرام)
(كَأَن لم يكن بَين الْحجُون إِلَى الصَّفَا
…
أنيس وَلم تهرق هُنَاكَ مدام)
وَقَوله فِي الْغَزل
(بروحي فتانا بلحظيه فاتك
…
يرينا المنايا الْحمر بالأعين النجل)
(يمِيل بقدّ أخجل الْغُصْن والقنا
…
يجد على قتل المحبين بِالْهَزْلِ)
(عجبت لهَذَا الْحبّ ترْضى فعاله
…
وَأَن هُوَ بعد الْعِزّ بدل بالذل)
وَكتب إِلَى وَالِدي فِي صدر رِسَالَة أرسلها إِلَيْهِ إِلَى الرّوم تَتَضَمَّن عتابا
(أمولاي فضل الله دَامَ لَك الْفضل
…
ودمت بِهِ تزهو وَأَنت لَهُ أهل)
(يبعد مني الْقلب مَا عج لغوة
…
بجلق حَتَّى مجه الْعقل وَالنَّقْل)
(فَلَا تغضبن أَن الشهَاب لواثق
…
بِرُكْن عماد شاده الْمجد وَالْفضل)
(وَأَنت لَا دري بِي وداداً وخلة
…
وَأَن لَيْسَ يلوي الْقلب عَن حبكم عذل)
(فقلي قلبِي مثل مَا قد عهدته
…
وقلبك فِيمَا أدّعى شَاهد عدل)
وَمن نثره المتحف قَوْله من تقريظ قرظ بِهِ رحْلَة وَالِدي المرحوم الأولى إِلَى الرّوم حمدا لَك يَا من جعل لنا الأَرْض ذلولا لنمشي فِي مناكبها وسخر لنا الْفلك لتجري فِي الْبَحْر بأَمْره ولنمطتي كَاهِل مراكبنا وأمرنا بالسعي ابْتِغَاء فَضله ولطف بِنَا فِي تيسير التسيير فِي بره وبحره وحزنه وسهله وَصَلَاة وَسلَامًا على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم الْأَنْبِيَاء الْكِرَام وحاتم الْكَرم الْقَائِل سَافر واتغنموا وَالْمُسَافر من حرم إِلَى حرم وعَلى آله وَصَحبه الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالتَّابِعِينَ لَهُم مَا دَار الْفلك الدوار وَبعد فقد وقفنا على هَذِه الرحلة الَّتِي تشد إِلَيْهَا الرّحال وتعجز عَن بكر فكر منشيها
فحول الرِّجَال وسرحنا طرف الطّرف فِي روضها النَّضِير وشرحنا الصَّدْر بلذيذ أنباء الْخَبَر المعرب عَن ضمير مُقْتَضى الْحَال وَلَا ينبئك مثل خَبِير وأمعنا النّظر فِي مجَاز حسن مَعَانِيهَا وإعجاز مُبَالغَة تراكيب قصَص مغانيها فَلم نجد لَهَا فِي الْحَقِيقَة من نَظِير وعرفنا بهَا عرف ذَلِك الْفضل الْمَوْرُوث عَن طيب الأَصْل فَلم نعبرعنه بسوى العبير نجنى طورا من ذَلِك اليانع ثمار الْأَخْبَار عَن كتب وآونة ترتع فِي روض أريض من الْأَدَب لما أودع فِيهِ محرره من لطائف النكات وأبدع فِيهِ من ظرائف الأبيات الأبيات مَا يطرب كل سامع ويعجب كل مطالع ويغرب بِمَا يعرب عَن بدور الْمنَازل بِحَسب الطالع بِحَيْثُ صَار ذَلِك أنسا للحاضر المحاضر وَزَاد للحامل الْمُسَافِر وَقد حذا فِي ذَلِك حَذْو جده الْعَلامَة فنثر ونظم وَمن يشابه أَبَاهُ فَمَا ظلم واقتفى أَثَره فِي سيره ففاته بمراحل من رحلته المشحونة بأدبه فَكَانَ الْمُشبه أبلغ من الْمُشبه بِهِ وجد بجده فورى بِمَا روى قدح زنده وَلَا بدع فَهُوَ لَيْسَ يدعى فِيمَا يدعى وَقد تلمذ للْمولى المرحوم شيخ الْإِسْلَام الْوَالِد الْمَاجِد مده وفاز فِيهِ بِمَا أجَازه وأمده وَورث الْفضل وَالْأَدب عَن جد وَأب فضلا عَمَّا منح بِهِ من الْقبُول فَحسب
(إِذا قيل من أضحى بجلق مدهشا
…
بتبريزه فِي الْفضل وَالْعلم مذ نشا)
(فَقل وَاحِد كالألف فِي كل مجمع
…
وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يشا)
هَذَا بعد مَا طالعنا رحْلَة جده شيح الْإِسْلَام المرحوم الْمُشْتَملَة على مراحل مصر وَالروم وأطلعنا على مَا حفت بِهِ من أرقام الأعقام وخطوط الخطوط المنسوبة إِلَى الْعلمَاء الْأَعْلَام فَكَانَ مِمَّن انتظم فِي سمطها والتحف بمرطها وأجاد وجد المرحوم الْعَلامَة عماد الدّين الْعِمَادِيّ الْجد فقد نثر فِي طرسها جَوَاهِر كَلمه ووشى بِمَا أنشأ فِي طرازها من نقش قلمه فثار عِنْد ذَلِك منا الْعِمَاد ودعانا دَاعِي الْفضل فِي اقتفاء أثر الأجداد فَلَا جرم حِينَئِذٍ أَن تحذو الْفُرُوع حَذْو الْأُصُول وَإِن لم يدْرك الضالع شأو الضليع فِي الْفضل فَفِي الفضول مَعَ الِاعْتِرَاف بالبضاعة المزجاه مرتجين من فَضله سُبْحَانَهُ حسن الْقبُول وَمَا خَابَ من رجاه فجزى الله الْمُؤلف على هَذَا التَّأْلِيف من أَنْوَاع الألطاف آلافا وضاعف جَزَاء هَذَا التصنيف من خير الدَّاريْنِ أضعافا وأدام بكتابه الِانْتِفَاع ولجنابه الِارْتفَاع ولأحبابه الِاتِّبَاع مَا نفحت رياض الْآدَاب فرنحت الْقُلُوب والألباب وَمَا طويت شقة
بَين إغتراب وقفل غَرِيب إِلَى وَطنه وآب انْتهى وَقد رَأَيْت من آثاره كتابا صَغِير الحجم جمعه من بعض تعليقات لَهُ على مَوَاطِن من التَّفْسِير وَالْفِقْه ورسائل من منشآته وتقريظات وَرَأَيْت لَهُ أَيْضا مجموعا جمع فِيهِ مدائحه الَّتِي مدح بهَا وَهِي حِصَّة وافرة بِالْجُمْلَةِ فأخباره وآثاره شهية لَطِيفَة الْموقع وَقد تَرْجَمته فِي كتابي النفحة وَذكرت لَهُ أَشْيَاء مستعذبة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع بعد الْألف وَتُوفِّي نَهَار الْجُمُعَة حادي عشرى رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير تَحت قدمي وَالِديهِ
شيخ بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن شيخ بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن السقاف الشهير وَالِده بالضعيف الشَّيْخ الْعَظِيم الْقدر أحد الْمَشَايِخ العارفين الزهاد الورعين ذكره الشلي وَقَالَ فِي وَصفه ولد بِمَدِينَة قسم وَحفظ الْقُرْآن بالتجويد واشتغل واعتنى بعلوم الصُّوفِيَّة وشارك فِي الْفِقْه والنحو وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين مِنْهُم الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو بكر بن سَالم وَولده عمر المحضار والمعلم عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم قسم وَغَيرهم وانتفع بِهِ غير وَاحِد وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ شدَّة التَّوَاضُع كأبيه وَكَانَ فِي معاشرته لطيفاً يحب الْعلمَاء ويحترمهم وَيرْحَم الضُّعَفَاء وَلم يزل إِلَى أَن مَاتَ بِمَدِينَة قسم فِي سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف رحمه الله
شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العبدروس اليمني الْأُسْتَاذ الْكَبِير الْمُحدث الصُّوفِي الْفَقِيه ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَغَيره واشتغل على وَالِده أَخذ عَنهُ علوماً كَثِيرَة وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وتفقه بالفقيه فضل بن عبد الرَّحْمَن با فضل وَالشَّيْخ زين باحسين بَافضل وَأخذ عَن القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَغَيرهم ورحل إِلَى الشحر واليمن والحرمين فِي سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف وَأخذ عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الطيار وَله مَعَه مناظرات ومفاكهات وَأخذ عَن الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ صَاحب أكمة سعيف وَهِي قَرْيَة قريب الجندر وَحج فِي هَذِه السّنة وَأخذ بالحرمين عَن جمَاعَة وَأخذ فِي رُجُوعه من الْحجاز عَن السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه عبد الله ابْن عَليّ صَاحب الوهط وَالسَّيِّد الإِمَام أَحْمد بن عمر العيدروس بعدن وَالشَّيْخ عبد الْمَانِع وَألبسهُ خرقَة التصوف أَكثر مشايخه وَأخذ بِالْيمن عَن كثيرين مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد الحشيبري وَالسَّيِّد جَعْفَر بن رفيع الدّين وَالشَّيْخ مُوسَى بن جَعْفَر الكشميري وَالسَّيِّد عَليّ الأهدل وَسمع خلقا كثيرا ولازم الِاشْتِغَال وَالتَّقوى ثمَّ رَحل إِلَى
الْهِنْد فَدَخلَهَا فِي سنة خمس وَعشْرين وَألف وَأخذ عَن عَمه الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن شيخ وَكَانَ يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وبشره ببشارات وَألبسهُ الْخِرْقَة وَحكمه وَكتب لَهُ إجَازَة مُطلقَة فِي أَحْكَام التَّحْكِيم ثمَّ قصد إقليم الدكن وَاجْتمعَ بالوزير الْأَعْظَم عنبر وبسلطانه برهَان نظام شاه وَحصل لَهُ عِنْدهمَا جاه عَظِيم وَأخذ عَنهُ جمَاعَة ثمَّ سعى بعض المردة بالنميمة فأفسدوا أَمر تِلْكَ الدائرة ففارقهم صَاحب التَّرْجَمَة وَقصد السُّلْطَان إِبْرَاهِيم عَادل شاه فَأَجله وعظمه وتبجح السُّلْطَان بمجيئه إِلَيْهِ وَعظم أمره فِي بِلَاده وَكَانَ لَا يصدر إِلَّا عَن رَأْيه وَسبب إقباله الزَّائِد عَلَيْهِ أَنه وَقع لَهُ حَال اجتماعه بِهِ كَرَامَة وَهِي أَن السُّلْطَان كَانَت إِصَابَته فِي مقعدته جِرَاحَة منعته الرَّاحَة وَالْجُلُوس وعجزت عَن علاجه حذاق الْأَطِبَّاء وَكَانَ سَببهَا أَن السَّيِّد الْجَلِيل عَليّ ابْن علو دَعَا عَلَيْهِ بِجرح لَا يبرأ فَلَمَّا أقبل صَاحب التَّرْجَمَة وَرَآهُ على حَالَته أمره أَن يجلس مستوياً فَجَلَسَ من حِينَئِذٍ وبرأ مِنْهَا وَكَانَ السُّلْطَان إِبْرَاهِيم رَافِضِيًّا فَلم يزل بِهِ حَتَّى أدخلهُ فِي عداد أهل السّنة فَلَمَّا رأى أهل تِلْكَ المملكة انقياد السُّلْطَان إِلَيْهِ أَقبلُوا عَلَيْهِ وهابوه وَحصل كتبا نفيسة وَاجْتمعَ لَهُ من الْأَمْوَال مَا لَا يُحْصى كَثْرَة وَكَانَ عزم أَن يعمر فِي حَضرمَوْت عمَارَة عالية ويغرس حدائق وَعين عدّة أوقاف تصرف على الْأَشْرَاف فَلم يُمكنهُ الزَّمَان وغرق جَمِيع مَا أرْسلهُ من الدَّرَاهِم فِي الْبَحْر وَله مصنفات عديدة مِنْهَا كتاب فِي الْخِرْقَة الشَّرِيفَة سَمَّاهُ السلسلة وَهُوَ غَرِيب الأسلوب وَلم يزل مُقيما عِنْد السُّلْطَان إِبْرَاهِيم عَادل شاه حَتَّى مَاتَ السُّلْطَان فَرَحل صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى دولت آباد وَكَانَ بهَا الْوَزير الْأَعْظَم فتح خَان ابْن الْملك عنبر فقربه وَأَدْنَاهُ وَأقَام عِنْده فِي أخصب عَيْش وأرغده إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالروضة الْمَعْرُوفَة بِقرب دولت آباد وقبره ظَاهر يزار وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى
شيخ بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن علوي بن أبي بكر بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الْمُقدم عرف كسلفه بالجفري بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْفَاء ثمَّ بعْدهَا رَاء المفضال الْكَامِل الْمَاجِد القَاضِي الْأَجَل الْمُحْتَرَم كَانَ من رُؤَسَاء الْعلم جليل الْمِقْدَار ذائع الذّكر مَقْبُول السمعة وافر الْحُرْمَة ولد بقرية تريس بِالسِّين الْمُهْملَة وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن جمَاعَة من العارفين ثمَّ دخل بِلَاد الْهِنْد