المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الأهلية - خلاصة الأفكار شرح مختصر المنار

[ابن قطلوبغا]

الفصل: ‌فصل في الأهلية

‌فصل في الأهلية

وهي تثبت في الجملة بالولادة، فإذا ولد الآدمي كانت له ذمة صالحة للوجوب له وعليه في بعض الحقوق،

وتمام الأهلية الذي جعل [منه] مناط التكليف (المعتبر فيها العقل)، ولما كان هذا الفصل لبيان أحوال المكلف، ذكر فيه ما يختلف به الأحوال فقال:

(ومعترضاتها) أي العوارض على الأهلية (نوعان):

(سماوي): أي يكون (من قبل الله عز وجل) لا اختيار للعبد فيه فينسب إلى السماء بهذا الاعتبار.

(كالصغر)، وحكمه: أنه يسقط ما يحتمل السقوط عن البالغ بالعذر كالصلاة والصوم ويصح منه، وله ما لا عهدة فيه.

(والجنون)، وحكمه: أن يسقط به كل العبادات، إلا أنه إذا لم يمتد يلحق بالنوم ويجعل كأن لم يكن.

ص: 179

وامتداده في الصلوات بأن يزيد على يوم وليلة، وفي الصوم باستغراق الشهر، وفي الزكاة بالحول، وأبو يوسف أقام أكثر الحول مقام كله.

(والنسيان): وهو ما لا ينافي الوجوب في حق الله تعالى؛ لأنه لا يعدم العقل والذمة، لكنه إذا كان غالباً كما في الصوم والتسمية في الذبيحة وسلام الناسي في الصلاة يكون عفواً، ولا يجعل عذراً في حقوق العباد.

(والنوم): وهو يوجب تأخير الخطاب للأداء؛ لأنه لَمَّا لم يمتدّ لم يكن في وجوب القضاء عليه حرج، وينافي الاختيار، حتى بطلت عباراته في الطلاق والعتاق والإسلام والردة، ولم يتعلق بقراءته وكلامه وقهقهته في الصلاة حكم.

وبقي من العوارض السماوية التي لم يذكرها المصنف:

(والإغماء): وهو كالنوم في منافاة الاختيار، وهو حدث بكل حال، وإذا امتد يسقط به الأداء والقضاء في الصلوات لا النوم، وفي الصوم لا؛ لأن امتداده نادر فلا يعتبر.

(والرق): وهو ينافي أهلية الكرامة من الشهادة القضاء والولاية ومالكية المال، ولا ينافي مالكية غير المال كالنكاح والدم.

(والعته) بعد البلوغ وهو اختلاط الكلام، فالمعتوه: من اختلط كلامه وكان بعضه ككلام العقلاء وبعضه ككلام المجانين، وهو كالصبي مع العقل، حتى لا يمنع صحة القول والفعل، فإذا أسلم يصح إسلامه، ولو أتلف مال الغير يضمن، ولو توكل عن إنسان صحّ، ويتوقف بيعه وشراؤه على إجازة الولي.

(والحيض النفاس)، وهما لا يعدمان الأهلية بوجه، لكن الطهارة في

ص: 180

الصلاة شرط، وفي فوت الشرط قوت الأداء، والصلاة شرعت بصفة اليسر، ولهذا يسقط القيام إذا كان فيه حرج وكذا القعود، فلا يجب عليه القضاء، وجعلت الطهارة عنهما شرطاً لصحة الصوم بنصّ على خلاف القياس، وهو حديث عائشة رضي الله عنها:(كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصلاة)، متفق عليه.

فلا يتعدى إلى القضاء.

(والمرض) وإنه لا ينافي أهلية الحكم والعبادة، ولكنه من أسباب العجز، فشرعت العبادة عليه بقدر المكنة، ومن أسباب تعلق حق الوارث والغريم بماله، ففي حق الوارث بالثلثين وفي حقّ الغريم بالكل.

(والموت) وإنه ينافي أحكام الدنيا مما فيه تكليف، لعدم القدرة والاختيار.

ما شرع عليه لحاجة غيره، فإن كان حقاً متعلقاً بالعين يبقى ببقائها كالأمانات، وإن كان ديناً لم يبق بمجرد الذمّة حتى ينضم إليه مال أو ذمة كفيل، وإن كان شرع عليه بطريق الصلة كنفقة المحارم بطل إلا أن يوصي به فيصحّ من الثلث، وإن كان حقاً له يبقى له ما تنقضي به الحاجة.

(ومكتسب) عطف على سماوي وهو النوع الثاني:

(وهو من جهة العبد كالجهل): وهو معنى يضاد العلم، وهو أنواع:

ص: 181

جهل الكافر بالله تعالى، وجهل صاحب الهوى بصفات الله تعالى، وجهل الباغي: وهو من خرج عن طاعة الإمام، وجهل مَن خالف في اجتهاده الكتاب والسنة المشهورة، فهذا لا يصلح عذراً لوضوح دليل ما جهل.

والجهل في موضع الاجتهاد الصحيح، كمن فاته العصر فصلى المغرب قبل قضائها ظاناً جوازها.

وجهل الشفيع ببيع دار بجنب جاره.

وجهل الأمة المنكوحة إذا أعتقت بالإعتاق أو بالخيار، وجهل البكر البالغة بإنكاح الولي، وجهل الوكيل بالوكالة أو بالعزل، وجهل المأذون بالإذن أو بالحجر يجعل عذراً.

(والسفه): وهو خفةٌ تعتري الإنسان فتبعثه على السرف والتبذير، وإنه لا يوجب خللاً في الأهلية، ولا يمنع شيئاً من أحكام الشرع، ويمنع ماله عنه في أول ما يبلغ إلى خمس وعشرين سنة عند الإمام، أو إلى أن يؤنس فيما لا يبطله الهزل كالنكاح والطلاق والعتاق، ويوجب في غير ذلك.

ثم عندهما هذا الحجر أنواع:

قد يكون بسبب السفه مطلقاً، وذلك يثبت عند محمد بنفس السفه إذا حدث بعد البلوغ أو بلغ كذلك؛ لأنه سبب

ص: 182

الحجر فلا يفتقر إلى القضاء كالجنون والصبا، وعند أبي يوسف لا بد من حكم القاضي؛ لأن حجره للنظر وباب النظر للقاضي، حتى لو باع قبل حجر القاضي جاز عند أبي يوسف، وعند محمد لا يجوز.

وقد يكون [بمنع القاضي] بأن يمتنعَ المديون عن بيع ماله لقضاء الدين، فإن القاضي يبيع عليه أمواله العروض والعقار، وذلك نوع حجر لنفاذ تصرف الغير عليه.

وقد يكون للخوف على المديون بأن يخلي أمواله ببيع الشيء بأقل من ثمن المثل أو بإقرار، فيحجر عليه إذ لا يصح تصرفه إلا مع هؤلاء الغرماء، والرجل غير سفيه.

(والسكر): وهو وإن كان مباحاً من مباح: كشرب الدواء، وشرب المكره والمضطر، وشرب ما يتخذ من الحنطة أو الشعير أو الذرة أو العسل عند أبي حنيفة رضي الله عنه، فهو كالإغماء فيمنع صحّة الطلاق والعتاق وسائر التصرفات، وإن كان من محظور وهو السكر من كل شراب محرم فلا ينافي الخطاب وتلزمه أحكام الشرع، وتصح عباراته بالطلاق والعتاق والبيع والشراء والأقارير، إلا الإقرار بالحدود الخالصة والردة.

وبقي من العوارض المكتسبة أيضاً: (الهزل) وهو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له ولا ما صلح له اللفظ استعارة، وهذا معنى قول أبي منصور: الهزل ما لا يراد به معنى، وإنه ينافي اختيار الحكم والرضا به، ولا ينافي الرضا بالمباشرة

ص: 183

واختيارها، ولا ينافي الأهلية ووجوب الأحكام ولا يكون عذراً في موضع الخطاب بحال، ولكنه لما كان أثره في إعدام الرضا بالحكم لا في إعدام الرضا بالمباشرة وجب النظر في الأحكام، فكل حكم يتعلق بالعبارة دون الرضا بحكمها يثبت، وكل حكم يتعلق بالرضا لا يثبت.

(والسفر): وهو الخروج المديد، وأدناه ثلاثة أيام ولياليها، وتثبت أحكامه بنفس الخروج بالنية، وإن لم يقم السفر علّة بعدُ تحقيقاً للرخصة، فيؤثر في قصر ذوات الأربع وفي تأخير الصوم.

(والخطأ): وهو عذر صالح لسقوط حق الله تعالى إذا حصل عن اجتهاد.

(والإكراه) ويتحقق بغلبة ظن وقوع ما هدد به إن خالف، وهو ملجئ: يعدم الرضا ويفسد الاختيار كالإكراه بالقتل، وغير ملجئ: وهو يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار كالإكراه بالحبس، أو لا يعدم الرضا: وهو أن يتهم بحبس أبيه أو ابنه وما يجري مجرى ذلك.

والإكراه بجملته لا ينافي الخطاب والأهلية، وما صلح أن يكون المكره فيه آلة لغيره كإتلاف النفس والمال فالضمان على المكرِه، ومالا كالأكل والوطء فيقتصر الفعل على المكرَه.

ص: 184