الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي الكتاب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، له المر من قبل ومن بعد يفعل ما يشاء ويختار ، وهو أعلم حيث يجعل من يشاء من عباده علم هدى وداعية فلاح ، لا إله إلا هو الحكيم العليم.
وبعد فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
لقد كان الأستاذ الكاتب المعروف الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله رغب مني أن أكتب مقدمة لكتابه " دراسات في التصوف " الذي أراد له رحمه الله أن يكون القسم الثاني من كشف التصوف والصوفية ولبيان القنطرة التي درج عليها هذا المنهج ومن أي مبدأ ظهر.
وليس بخاف أنه رحمه الله قد أسهم بقلمه وخطابته في مجال مكافحة البدع والمبتدعة أيما إسهام ، وكان لحماسه واندفاعه في دفاعه عن العقيدة أثره في بلاد الباكستان وغيرها بما لا يجهله أحد من المهتمين برصد نشاط أهل البدع في العشر السنوات الماضية ، وقد ألح عليَ بعد سفره الذي لم ألقه بعده إلا على سرير الانتقال إلى الآخرة.
لقد كانت تربطني بالفقيد علاقة وطيدة ترسخت أصولها على مر الأيام ، وكنت كثيرا ما ألح عليه بتوخي الحذر وأن لا يفرق نشاطه لئلا يكثر خصومه فيكيدوا له بكيد الشيطان إذ الشيطان للإنسان عدو مبين ، وأعوانه في أنفاذ مقاصده وبث فساده ونشر غوايته أنشط من سواهم ، ولكن طبعه رحمه الله ونفسه المندفعة للحق فيما يظهر لي وحبه في فضح نوايا أهل البغي والفساد واطلاعه على مقاصدهم الخبيثة جعله لا يتأثر بعذل عاذل أو دعوة إلى أناة في كفاح الباطل.
لقد كنت أخشى عليه كيد أعدائه ومكرهم لاسيما بعد تطور وسائل الشر والفتك وتفنن صانعي التدمير بإحداث أفتك الوسائل وأمضاها ، غير أن خوفي عليه ونصحي له بالحذر لم تمنع من إنفاذ الله قضاءه ، وإنما هي حاجة في النفس قضيتها ، وقضاء الله وقدره أسبق من ذلك.
كان رحمه الله يظهر لي إحساسه بالمرارة من نشاط أهل التشيع في نشر مذهبهم وشدة تدليسهم على العامة وتجنبهم إثارة المشاعر في بداية أمرهم حتى إذا استحوذوا على النفوس بالخديعة تارة والإغراء تارة أخرى كشروا عن أنيابهم في وجه خصومهم وخرجوا على سجيتهم في عدائهم لمخالفيهم متسترين في بداية الأمر بثوب النفاق ، لابسين بعد التمكن ثوب الفاتك الشرس ، وكان ينعي على أهل الحق كسلهم في سبيل نشر حقهم والدعوة إليه والدفاع عنه ، وكنت أحرص على تعزيته وتسليته بمطالعة سير الدعاة إلى الله وأن العاقبة للمتقين وأن الغفلة والإخلاد إلى الدعة قد لا تطول بإذن الله وإن عليه الصبر ومعالجة الأمور على أساس الواقع وما هو كائن.
لقد كان رحمه الله يحدثني كل مرة عن لقاءاته في سفراته وتقبل الناس للحق وحاجتهم إلى تضحية في سبيل توعيتهم ، فأبدى له أن ما يراه من استحسان وقبول من أدلة توفيقه وأسباب تسليه ، وأحثه على الصبر والأخذ بالحكمة والرفق رحمه الله رحمة واسعة.
لقد كان أمله أن تكون كلماتي عن كتابه هذا وبيان ما فيه من حق وما يحذر فيه عن زيغ حيث أحس شدة نفرتي من البدع وأهلها ، وما درى رحمه الله وما دريت أنا أن كتابتي ستكون بمثابة رثاء له وتألم للمصيبة بموته بأيدي أهل الغدر والحقد.
ناولني رحمه الله أو أرسل إلي كتابه هذا وهو صورة لمسودة الكتاب لم تمسه يد المراجعة ولم يعد عليه نظر التعقيب بالتفقد والتعديل ، بل فيه التعليقات وشطب الكلمات وخفاء كثير من الصفحات بالنسبة للتصوير مما جعل قراءة كثير من مواضعه متعسرة أو متعذرة ، ولكني على كل حال قرأت كثيرا منه وفهمت مقصده رحمه الله من إعداده حيث رأى كثرة من انخدع بالتصوف رغم ما في طواياه من البلايا والرزايا
والعقائد الكفرية فأراد أن يجلي للناس بأسلوب عصري يعتمد على النقل لأدلة فضائح هذه المسالك من كتب دعاتها وأولياء زعامتها ، وأبان بما نقل عن سفاهة أحلام القوم وطيش عقولهم ، وأنا هنا لا أحب أن أتحدث عن الكتاب وما فيه من نقول يذوب القلب أسى لصدورها عمن ينتمي للإسلام فهذا شيء يتحدث عنه الكتاب نفسه ، وأحب أن أعتذر عن إصلاح ما في الكتاب الذي قرأت أكثره لضيق وقتي ولأملي أن تكون مبيضة موجودة لدى ورثة الشيخ إحسان رحمه الله لأن بين استلامي لصورة المسودة وقتله رحمه الله بأيدي أهل الغدر والخيانة عدة أشهر ، فعسى أن يكون قلمه قد عدل وبدل وأجال فيه فكره وبصيرته ، فأقام الإعوجاج ووصل بين ما قد يكون موجودا من انفصال ولكني أقول أنه كتاب ينبغي أن يقرأ هو وسابقه لما فيهما من إيضاح ولما عرف عن الكاتب رحمه الله من حرص على الاعتماد على كتب من يرد عليهم من المبتدعة أنفسهم كما فعل في كتاباته عن التشيع في سلسلة كتبه المعروفة النافعة وكما كتب عن القاديانية والبريولية وسواهم.
إن الفقيد رحمه الله قد أضاف إلى المكتبة الإسلامية سلسلة ثمينة ينبغي أن يعتني بنشرها وما قد يوجد فيها من ملاحظات نادرة فهي مغمورة بما حوته من البحور الزاخرة من فيض بيان الحق ، وكشف الباطل ، وتعرية أهله أمام نظر متطلبي طريق الفلاح.
لا أحب الإطالة في أسلوب إنشائي أو كلام عن الفقيد وآثاره لأني أرجو أن يكون لدى محبيه وذويه ومحبي الدعوة إلى الحق ما يغني عن القول ، وإنما كتبت ما كتبت وفاء ببعض حق الفقيد رحمه الله وتحقيقا لشيء من رغبته أن يخلو بعض كتبه من كلمة لي تؤيد منحاه وتدعو إلى نصرة منهجه فوعدته بالاستجابة ، وما كنت لأرضيه حيا وأتراجع عن ذلك بعد موته فقد رأيت حقا علي إجراء القلم بشيء من مراده ، ولا يسعني وأنا أريد إيقاف شباة القلم أن أسأل الله أن يجعله من الشهداء عنده وأن يبارك في آثاره وأن ينفع بها وأن يصلح ذريته ويتولى حفظهم وأن يعطف عليهم قلوب من يستطيعون نفعهم وبث تراث والدهم ، فالواجب على القادرين بجاههم أو مالهم أو
أقلامهم وأفكارهم أن ينصروا دين الله ويسعوا في أبعاد كل ما قد يشوه مظهره أو يصد عنه أو قد طمس ضياءه ، وإذا كان أهل الحق أو كثير منهم قد أقعدهم حصول الدنيا والانجراف وراء بريقها واغترار الكثيرين بمظاهرها ، فينبغي أن تكون للمسلم رجعة إلى الله وتأمل في مصيره واستحضار لسير المجاهدين ومواقفهم وبذلهم أموالهم وأنفسهم في سبيل الله وتركهم أموالهم وأهليهم من أجل دعوة الناس وإرشادهم وبيان الحق لهم رجاء المثوبة من الله واتقاء لعقابه عند الغفلة عن طاعته ، والله المسئول أن يوقظ الضمائر وينبه الغافلين لحقهم ويشد عزائمهم وأن ينصر دينه وأن يذل أهل الزيغ والانحراف وان يرزق العلماء القيام بحق العلم وصيانته ونشره ليسير الناس على نور وهدى وأخيرا رحم الله إحسان إلهي ظهير وآنس وحشته وبارك في ذريته وأهل بيته ، وأخلف الله على الأمة الإسلامية من يسعى جاهدا لبث الدعوة وفضح الباطل ، وأكثر لنا من هذا الصنف المتذرع بالعلم والحكمة والصبر في سبيل قمع كل باطل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن إهتدى بهديهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
صالح بن محمد اللحيدان
مجلس القضاء الأعلى
المملكة العربية السعودية
الطائف 21/ 10 / 1407هـ