الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التيجانية
ومن طرق التصوف المشهورة في بلاد أفريقيا والمغرب العربي " التيجانية " نسبة إلى أبي العباس أحمد بن محمد المختار المولود بقرية عين ماضي سنة 150 هـ (1).
والمدعي انتسابه إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم ، لا بطريقة علمية بإثبات نسبه وأسرته إلى الأشراف السادة ، بل بدعوى الكشف والإلهام حيث قال: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نسبه يقظة فردّ عليه أن نسبه إلى الحسن بن علي صحيح (2).
والمنتقل من طريقة إلى طريقة ، ومن صوفي إلى صوفي إلى أن أدّعى بأنه " رأى بعيني رأسه ووجهه سيد الأكوان يقظة لا في المنام ، وتشرف بمشاهدة الطلعة البدرية البهية النورانية المصطفوية ، فصرح له عليه الصلاة والسلام بأنه شيخه ومربيه وكافله ، وأنه لا منة لمخلوق عليه سوى سيد الأنام ، وأمر بترك جميع ما أخذه من مشايخ الطرق وسادة الصوفية ، لأنه إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل على التحقيق وأنه لا مزية للانفصال إذا وجد الاتصال بصاحب الشفاعة العظمى يوم الزحام "(3).
إلى أن بلغ درجة لم يبلغها الأولون ولا الآخرون ، فقال:
" إن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود صلى الله عليه وسلم تتلقاها ذوات الأنبياء ، وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء تتلقاها ذاتي ، ومني تتفرّق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور ، وخصصت بعلوم بيني وبينه منه إليّ مشافهة لا يعلمها مشافهة لا يعلمها لا الله عز وجل بلا واسطة وتحاور بعض أصحابه رضي الله عنه مع بعض الناس في قوله رضي الله عنه " كل الشيوخ أخذوا عني في الغيب " فحكي له ذلك فقال رضي الله عنه مشيراً بأصبعيه السبابة والوسطى: روحي وروحه صلى الله عليه وسلم ، هكذا روحه صلى الله عليه وسلم تمدّ
(1) كشف الحجاب لأحمد بن العياش سكيرج ص 10 ط مصطفى البابي الحلبي القاهرة 1961 م ، جواهر المعاني لعلي حرزام الفاسي ج 1 ص 26 ، 27 الدر السنية في شروط وأحكام أوراد الطريقة التيجانية لمحمد سعد الرباطي التيجاني ص 26 ط مكتبة القاهرة ، الإعلام للزركلي ج 1 ص.
(2)
كتاب جواهر المعاني لعلي بن حرزام الفاسي ج 1 ص 30 ط مصطفى البابي الحلبي.
(3)
أنظر النفحة القدسية في سيرة الأحمدية التيجانية للجوكسي ص 160 المندرج في الفتح الرباني فيما يحتاج إليه المريد التيجاني لمحمد بن عبد الله التيجاني ط مصطفى البابي الحلبي القاهرة 1958 م.
الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وروحي تمدّ الأقطاب والعارفين والأولياء من الأزل إلى الأبد (1).
وإنه هو خاتم الأولياء كما نقل عنه محمد العربي السائح التيجاني أنه أخبر تصريحاً على الوجه الذي لا يحتمل التأويل " أن سيد الوجود أخبره يقظة بأنه هو الخاتم المحمدي المعروف عند جميع الأقطاب والصديقين وبأن مقامه لا مقام فوقه في بساط المعرفة بالله (2).
ويقولون فيه:
" إذا جمع الله خلقه في الموقف ينادي بأعلى صوته حتى يسمعه كل من في الموقف يا أهل المحشر ، هذا أمامك الذي كان مددكم منه. قال في منية المريد:
يصعد منبراً من النور غداً
…
يسمو به الكل سني وسؤدداً
ثم ينادي عند ذا منادي
…
يا أهل ذا المحشر وهذا النادي
هذا أمامكم وذا ممدّكم
…
في دار دنياكم بغير علمكم
قلت: وفي هذا اليوم يظهر تفاضل الأولياء والعارفين والأغواث والصديقين ، وتفاوت درجاتهم ومراتبهم بإظهار الله الفاضل وتمييزه من المفضول ، ويظهر ذلك لكل من في الموقف بالعيان ، ولذلك يسمى يوم التغابن ، وفيه يظهر لكل موقف سعيد ولكل شقي طريد أن شيخنا وسيدنا وأستاذنا أبا العباس ، سيدي الشيخ أحمد التيجاني الحسني رضي الله عنه وعنا به آمين. وهو الختم المحمدي المعلوم ، والقطب المكتوم ، والبرزخ المختوم ، فيغنم الموقف السعيد ، ويندم الشقي الطريد ، قال تعالى {ذلك يوم التغابن} (3).
وبالغوا في تمجيده وتعظيمه حيث نقلوا عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
" أطلعت على ما رسمه وخطه ونصه. . . أسأل من فضل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمن لي دخول الجنة بلا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى ، أنا وكل
(1) كشف الحجاب لسيكرج ص 6.
(2)
بغية المستفيد لمحمد عمر ص 193 ط البابي الحلبي 1959م.
(3)
الفتوحات الربانية في الطريقة التيجانية للشنقيطي ص 145 المندرج في الفتح الرباني.
أب وأم ولدوني من أبوي إلى أول أب وأم لي في الإسلام من جهة أبي ومن جهة أمي ، من كل ما تناسل منهم من وقتهم إلى أن يموت سيدنا عيسى بن مريم من جميع الذكور والإناث
…
وكل من أحسن إليّ بإحسان حسي أو معنوي من مثقال ذرة فأكثر. . . وكل من لم يعاديني من جميع هؤلاء أما من عاداني أو أبغضني فلا ، وكل من والاني واتخذني شيخاً أو أخذ عني ذكراً ، وكل من خدمني أو قضى لي حاجة. . . وآبائهم وأمهاتهم وأولادهم وبناتهم وأزواجهم. . . يضمن لي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولجميع هؤلاء أن نموت وكل حي منهم على الإيمان والإسلام. . . ثم قال: كل ما في هذا الكتاب ضمنته لك ضمانة لا تتخلف عنك وعنهم أبداً ، إلى أن تكون أنت وجميع من ذكرت في جواري في عليين ، وضمنت لك جميع ما طلبته منا ضماناً لا يختلف عليك الوعد فيها والسلام. . . ثم قال: وكل هذا واقع يقظة لا مناماً " (1).
وتطاول التيجاني على أنبياء الله ورسله ، ونصب نفسه على درجة الربوبية والألوهية المطلقة حيث قال:
" وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلاّ أنا وحدي "(2).
وكيف لا يكون هذا وإنه قطب؟ وما أدراك ما القطب؟ وقد عرّف حقيقة القطبانية حيث قال علي بن حرزام:
" أعلم أن حقيقة القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق مطلقاً في جميع الوجود جملة وتفصيلاً ، حيثما كان الرب إلها كان هو خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من عليه ألوهية الله تعالى ، ثم قيامه بالبرزخية العظمى بين الحق والخلق فلا يصل إلى الخلق شيء كائناً ما كان من الحق إلا بحكم القطب وتوليه ونيابته عن الحق في ذلك ، وتوصيله كل قسمة إلى محلها ، ثم قيامه في الوجود بروحانية في كل ذرة من ذرات الوجود وجملة وتفصيلاً ، فترى الكون كله أشباحاً لا حركة لها وإنما هو الروح القائم
(1) جواهر المعاني ج 1 ص 130 ، 131.
(2)
رماح حزب الرحيم ج 2 ص 143 بهامش الجواهر.
فيها جملة وتفصيلاً ، وقيامه في أرواحها وأشباحاً ، ثم تصرفه في مراتب الأولياء فيذوق مختلفات أذواقهم فلا تكون مرتبة في الوجود للعارفين والأولياء خارجة عن ذوقه ، فهو المتصرف فيها جميعها ، والمعد لأربابها ، وله الاختصاص بالسر المكتوم الذي لا مطمع لأحد في دركه والسلام " (1).
وعنه يقول صاحب الرماح: أنه خاتم الأولياء وسيد العارفين وأمام الصديقين وممدّ الأقطاب والأغواث ، وأنه هو القطب المكتوم ، والبرزخ المختوم الذي هو الواسطة بين الأنبياء بحيث يتلقى واحد من الأولياء من كبر شأنه ومن صغره فيضاً من حضرة نبيّ إلا بواسطته رضي الله عنه من حيث لا يشعر بذلك (2).
وهذا ولقد أدعى التيجاني كذباَ وزوراً ، ظلماً وبهتاناً ، تعالياً وتكبراً:
" من حصل له النظر فينا يوم الجمعة أو الإثنين يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب إن لم يصدر منه سبّ في جانبنا ولا بغض "(3).
ويقول محمد العمري التيجاني صاحب " البغية " متعمداً الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو الذي قال له بذلك:
" وأما الكرامة الثالثة وهي دخول الجنة لمن رآه رضي الله عنه في اليومين الإثنين والجمعة فهي من كراماته رضي الله عنه التي طارت بها الركبان وتوارت بها الأخبار في سائر الأقطار والبلدان ، بأخبار من النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه الشريف فيما أخبر به سيدنا رضي الله عنه بعزة ربي: يوم الإثنين والجمعة لا أفارقك فيهما من الفجر إلى الغروب ومعي سبة أملاك ، وكل من يراك في اليومين يكتبون - يعني الأملاك السبعة - أسمه في رقعة من ذهب ، ويكتبونه من أهل الجنة وأنا شاهد على ذلك "(4).
ويفوق هذ الدعي على النبي الصادق المصدوق ، ويرجح نفسه عليه حيث يقولون:
(1) جواهر المعاني ج 2 ص 74.
(2)
رماح حزب الرحيم ج 2 ص 4.
(3)
جواهر المعاني ج 2 ص 180.
(4)
بغية المستفيد ص 216.
" فيدخل الكفار في هذا الخطاب وينسحب عليه الحكم في هذا المقام بفضل الملك الوهاب. . . فتختص الرؤية المطلقة في كل يوم بمن كان مسلماً سواء كان من الأصحاب أم لا حسب ما هو به في الجواهر ، وهذه المقيدة باليومين بما يشمل كل من رآه ولو كان ويقول صاحب " الفتح الرباني ":
" من رآه رضي الله عنه يوم الإثنين أو يوم الجمعة يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب بضمانته صلى الله عليه وسلم ، وكذلك من رآه في بقية أيام الجمعة ، ولكن يختص رائيه اليومين المذكورين بأن يسعد سعادة لا شقاوة بعدها ، يعني أنه لا يراه في هذين اليومين إلا من سبق في علمه تعالى أنه يكون سعيداً ويدخل في ذلك الكافر "(1).
ليست الجنة لمن رآه فحسب من المسلمين والكفار ، بل لكل من رأى حلّته أيضاً حسب ذكر عمر بن سعيد الفوطي أنه قال:
" قال شيخنا التيجاني: من رأى هذه الحلّة دخل الجنة ، ثم ألبسني إياها "(2).
ونقلوا عن التيجاني هذا أنه كان يسكن فارس ، ومرة أراد الانتقال منها إلى الشام فمنعه عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ملبياً طلب أولياء الغرب كما يذكر سكيرج وغيره من التجانيين أن التيجاني:
" أزمع على الانتقال من فارس وعزم على الارتحال إلى القطر الشامي بجميع ما معه من الأهل والعيال بقصد الاستطيان به. . . فبينما هو رضي الله عنه قد أخذ أهبة السفر ولم يبق له إلا الخروج لهذا الوطن وقد نزل بأصحابه بسبب هذا الأمر من الحيرة والنكد ما يذهل الوالد عن الولد حتى كادت أن تتفتت أكبادهم إذ أشرق عليهم نور غرته ، وطلع عليهم بهاء محياه الكريم فبشرهم بما هو الشفاء مما دهاهم ، وذلك بأن قال لهم:
إن أولياء الغرب أبو أن يفقدوا من بين ظهرانيهم نوره وسناه فطلبوا سيد الوجود ورغبوا إليه صلى الله عليه وسلم في بقاء وجوده العيني وشخصه المشهود
(1) الفتح الرباني ص 82 ، 83.
(2)
رماح حزب الرحيم ج 1 ص 182.
بين الأغوار من قطرهم المبارك لأنه صلى الله عليه وسلم مربيه وكفيله فأجابهم صلى الله عليه وسلم لمطلبهم ، وأسعفهم بمرغبهم. فأذن له في المقام وعدم الترحال فلم يمكنه إلا الانقياد والامتثال ، فعند ذلك قرت به الحضرة الفاسية.
وكان رضي الله عنه يقول حين يضيق خاطره من أمور الخلق ويرى إعراضهم عن الحق: والله لولا خوف الله ندعو على أولياء المغرب لأنهم تسبوا له في سكني فاس بعد أن قصده أن يسكن الشام " (1).
ويكذب التيجانيون حيث يقولون:
" إن من كرامات التيجاني رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة دائماً أبداً بحيث لا يغيب عنه طرفه عين ، وسؤاله له عن كل أمر ، ومشاورته في كل شيء دقّ أو جلّ ، والتربية على يديه "(2).
وبنى التيجاني زاويته هنالك بحومة درداس المعروفة اليوم بالبليدة سنة 1215هـ.
وقالوا فيها: إن هذه الزاوية المباركة لها من المزايا ما افتخرت به على جميع الزوايا ، حتى أن سيدنا رضي الله عنه كان يتكلم يومأً في فضلها فقال: لو علم أكابر العارفين ما في الزاوية من الفضل لضربوا عليها خيامهم. وكان رضي الله عنه كثيراً ما ينوه بقدرها ، ويحضّ على الصلاة فيها ويقول: الصلاة في الزاوية مقبولة قطعاً ، وإلى هذا أشار صاحب المنية بقوله:
وما
…
بزاويته يصلي
…
قطعاً يكون للقبول أهلاً (3).
فهذا هو التيجاني شيخ الطريقة التيجانية.
وللتيجانية أوراد ووظائف مثل الطرق الصوفية الأخرى وهم يبالغون ويغلون في بيان فضائلها وثوابها مبالغة قلّما يبلغ أحد مبلغهم في ذلك ، ومن أورادهم " صلاة الفاتح لما أغلق "، وهذا هو نصها:
" اللهم صلّ على محمد الفاتح لما أغلق ، والخاتم لما سبق ، ناصر الحق بالحق ، الهادي
(1) كشف الحجاب لسكيرج ص 18 ، 19.
(2)
الفتح الرباني ص 82.
(3)
كشف الحجاب لسكيرج ص 21 ، كذلك الفتح الرباني ص 84 وغيرهما من الكتب.
إلى صراطك المستقيم ، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم " (1).
ثم سردوا فضائلها ومناقبها فقالوا:
" أخبر شيخنا رضي الله عنه أنه سأل سيد الوجود صلى الله عليه وسلم عنها ، فأخبره بأن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ، ومن كل دعاء صغير أو كبير ستة آلاف مرة ، ثم قال: وخاصية الفاتح لما أغلق أمر إلهي لا مدخل للعقول فيه ، فلا يلتفت إلى تكذيب مكذب ، ولا قدح قادح ، فإن لله سبحانه وتعالى فضلاً خارجاً عن دائرة القياس ، ويكفيك قوله تعالى (ويخلق ما لا تعلمون) فما توجه متوجه إلى الله تعالى بعمل يبلغها وإن كان ما كان ، ولا توجه متوجه إلى الله تعالى بأحب إليه منها ، ولا أعظم عند الله حظوة إلا مرتبة واحدة ، وهي من توجه إلى الله باسمه العظيم الأعظم لا غير ، وتليه في الرتبة صلاة الفاتح لما أغلق ، ولا يحصل هذا الخير إلا لمن صدق بما سمع وسلم لفضل الله ، وأنه لا يأخذه الحد والقياس.
ثم قال: وأعلم أن كل ما تذكره من الأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والأدعية لو توجهت بجميعها مائة ألف عام كل يوم تذكرها مائة ألف مرة وجمع ثواب ذلك ما بلغ مرة واحدة من صلاة الفاتح لما أغلق " (2).
وأما صاحب الفتح فيقول:
أما صلاة الفاتح فلها من الفضل ثمان مراتب ، والمذكور من فضلها جزء من المرتبة الأولى فقط ، وغير ذلك كله مكتوم.
ومما ذكر من فضلها غير المكتوم: أن من قرأها مرة واحدة في اليوم تضمن له سعادة الدارين ، ومنه أن المرة الواحدة منها تكفر جميع الذنوب وتعدل من كل تسبيح وذكر ودعاء صغيراً أو كبيراً وقع في الكون ستة آلاف مرة ، ومنه أن من يصلي بها عشر مرات يحصل ثواباً أكبر من ثواب وليّ عاش ألف سنة دون أن يذكرها ، ومنه أن المرة الأولى منها بستمائة ألف صلاة من صلاة كل ملك وإنس وجنّ من أول خلقهم إلى وقت تلفظ الذاكر بها ، والمرة الثانية مثلها ، ويضاف عليها ثواب الأول ، والمرة الثالثة مثلها ،
(1) الفتوحات الربانية في الطريقة الأحمدية التيجانية للشنقيطي ص 115.
(2)
أيضاً ص 115.
ويضاف عليها ثواب الأولى والثانية وهكذا ، ومنه أن من يواظب على قراءتها كل يوم مرة يموت على الإيمان ، ومنه أنه إذا حصل للمصلي بها شيء يحبط عمله فإنها لا تحبط في جملة ما يحبط ، ومنه أن من قرأها ليلة الجمعة مائة مرة تكفر عنه ذنوب أربعمائة سنة ، ومنه غير ذلك مما لا يسعه هذا الكتاب المختصر.
وفضلها الخاص يحصل بشرطين: الأول إذن الشيخ رضي الله عنه ولو بوسائط ، الثاني اعتقاد أنها ليست من تأليف البشر ، بل وردت لسيدي محمد البكري من حضرة الغيب ، ومن فضلها العام أن المرة الواحدة منها فدية من النار.
قال سيدي محمد البكري رضي الله عنه: من قرأ هذه الصلاة مرة ولم يدخل الجنة يقبض بين يدي الله تعالى ، وقد ذكر الهاروشي في (شرح كنوز الأسرار) أن المرة الواحدة من هذه الصلاة بستمائة ألف صلاة ، وهاتان الفضيلتان يحصلان بلا اشتراط ما تقدم لأنهما من الفضل العام.
وبالجملة فصلاة الفاتح لما أغلق أشرف الصلوات ، ولم يصلّ أحد على النبي صلى الله عليه وسلم بمثلها ، لأن لها من الفضل ما يبهر العقول:
قال شيخنا رضي الله عنه: وخاصية الفتح لما أغلق أمر إلهي لا مدخل فيه للعقول ، فلو قدرت مائة ألف أمة في كل أمة ألف قبيلة في كل قبيلة مائة ألف رجل وعاش كل واحد منهم مائة ألف عام يذكر كل واحد منهم في كل يوم مائة ألف صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من غير الفاتح وجمعت ثواب هذه الأمم كلها في مدة هذه السنين كلها في هذه الأذكار كلها ما لحقوا كلهم ثواب مرة واحدة من صلاة الفاتح لما أغلق " (1).
وقال صاحب الجواهر نقلاً عن التيجاني أنه قال:
" سألته صلى الله عليه وسلم عن فضلها فأخبرني أولاً بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ستّ مرات ، ثم أخبرني ثانياً أن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ، ومن كل ذكر ، ومن كل دعاء كبير أو صغير ، ومن القرآن ستة آلاف مرة لأنه من الأذكار "(2).
(1) الفتح الرباني ص 99 ، 100.
(2)
جواهر المعاني ج 1 ص 36.
ونقل الرباطي عن الهاروشي أنه قال:
" إن صلاة الفاتح لما أغلق تعدل ستمائة ألف صلاة فأنظره وأقدرْ قدر ما ينال المصلي من صلاة الله تعالى عشرا عشراً ، وقال في شرحه أيضاً: قال شيخنا العياش رضي الله عنه:
من قرأ هذه الصلاة مرة ولم يدخل الجنة يقبضني بين يدي الله تعالى (1).
فانظر إلى تلك الأكاذيب والأباطيل كيف يروون تلك الفضائل ومن الثواب ذلك المقدار على ورد اخترعوه ، وذكر اختلقوه ، وصلاة ابتدعوها ويفضلونها على أوراد الأنبياء وأذكار الرسل والصلاة التي علّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أن هذه الصلاة خالية عن السلام ، وان صيغته لا تضاهي تلك الصيغة النبوية عليها مسحة إلهية وفيها نفحة ربانية.
وبذلك يلهون الناس عن قراءة القرآن والتمسك بألفاظ وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة أن التيجاني أيضاً تلقاها عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلقنها أفضل الخلائق بعد الأنبياء والرسل أبا بكر الصديق ومن تلاه في المرتبة والمنزلة عمر الفاروق ومن يليهما عثمان بن عفان صهر رسول الله وزوج كريمته الملقب بذي النورين والخليفة الراشد الرابع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، مع ما في أقوالهم من الحث على ترك العلم ، والترغيب والتحريض على الاعتناء بهذه المجازفات والمبالغات.
وهناك أوراد أخرى منها ما يسمونها جوهرة الكمال ، ولفظها:
" اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني ونور الأكوان المتكونة الأدمي صاحب الحق الرباني البرق الأسطع بمزون الأرياح المائلة لكل معترض من البحور والأواني ونورك اللامع الذي ملأت به كونك الحائط بأمكنة المكاني اللهم صل وسلم على عين الحق تتجلى منها عروش الحقائق عين المعارف الأقوم صراطك التام الأسقم اللهم صل وسلم على طلعة الحق الكنز الأعظم أفاضتك منك إليك إحاطة النور المطلسم صلى إليه عليه وعلى آله صلاة
(1) الدرر السنية في الطريقة التيجانية للرباطي ص 60 ط مطبعة حجازي القاهرة 1375 هـ.
تعرفنا بها إياه ، اثني عشرة ، ذكر الجمعة قبل الغروب بساعة ونصفها يأتي الوجوب لا إله إلا الله ألفاً ومائتين أو الاسم المفرد الله الله الله حتى يتم العدد وبعضهم يجعلها ألفاً وستمائة وقال بعضهم أقل العدد للذكر بها ألف مرة إلى غروب الشمس بعدد وبدون عدد ومن كان عنده ضرورة شرعية يقرأ العدد ثم يمضي لضرورته بعد انتهائه " (1).
وأما جوهرة الكمال فهي إملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا الشيخ رضي الله عنه يقظة لا مناماً فمن فضلها الذي ذكره الشيخ رضي الله عنه أن المرة منها تعدل تسبيح العالم ثلاث مرات بشرط الطهارة المائية وأن من لازمها كل يوم سبع مرات يحبه النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة يحضرون مع الذاكر عند السابعة منها ولا يفارقونه حتى يفرغ من ذكرها وهذا من باب خرق العادة ، ومنها أن من قرأها عشرة مرة وقال هذه هدية مني إليك يا رسول الله فكأنما زار النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين من أول الوجود إلى وقته ومنها أن من نزلت به شدة أو ضيق وقرأها خمساً وستين مرة فرج الله عنه في الحين وفضل الله أوسع ويختص به من يشاء والله ذو الفضل العظيم ومن أراد زيادة فعليه بكتب هذه الطريقة كجواهر المعاني والرماح وأما الفضل ذكر يوم الجمعة بعد صلاة العصر يكفي في فضله حضور النبي صلى الله عليه وسلم من أول الذكر إلى آخره ، قال صاحب المنية.
يكفيك في الفضل حضور المصطفى
…
صلى عليه ربنا وشرفا " (2).
وغيرها من الخرافات.
ثم بينوا لها شروطاً وآداباً يطول ذكرها لكن نذكر الأهم لكي يعرف خبث القوم
(1) أيضاً ص 12.
(2)
الدرر السنية ص 25.
وحقيقتهم ، فيقول الرباطابي:
" من الشروط أن يكون الشيخ الذي يلقن الأوراد اللازمة والاختيارية مأذونا إذناً صحيحاً من القدوة أو من أذن له.
الثاني أن يكون طالب التلقين خالياً من أوراد المشايخ أو ينسلخ عنها ولا يعود لها أبداً لأن مريد السير إلى الله تعالى لا يصلح أن يكون بين شيخين كما لا يصلح أن تكون زوجة زوجين.
الثالث: عدم زيادة الأولياء الأحياء والأموات وله زيادة الأنبياء والصحابة رضي الله عنهم وأصحاب سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه الأحياء والأموات قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه: ثلاثة تقطع المريد عن أخذ ورد على وردنا وزيارة الأولياء الأحياء والأموات وترك الورد ، أي تركاً كليا ، ولا يتهاون به وأما تركه كسلاً فلا يخرجه عن الطريقة لأنه لم يتركه تركاً قلبياً ولا أعرض عنه إعراضاً كلياً إلا أنه عرّ ض نفسه للمصائب بسبب تركه ، وفي الإفادة الأحمدية من ترك الورد بعد أخذه له حل به الهلاك في الدنيا والآخرة ، وليس منع الزيادة في طريقتنا هذه الأحمدية التيجانية تكبراً على ساداتنا الأولياء الكرام ومعاذ أن يصدر ذلك منا في جانبهم الأعز الرفيع وجنابهم عندنا محترم غاية الإحترام قال سيدنا أحمد التيجاني رضي الله عنه عظموا حرمة الأولياء والأحياء والأموات فإن من عظم حرمتهم عظم الله حرمته ومن أهانهم أذله الله وغضب عليه فلا تستهينوا بحرمة الأولياء ، ومحبة أولياء الله رضي الله عنهم شرط من شرط طريقتنا ".
السابع: أن لا يصدر منه سبّ ولا بغض ولا عداوة في جانب الشيخ رضي الله عنه. . .
العاشر: السلامة من الانتقاد على الشيخ سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لأن طريق السادة الصوفية مبني على التسليم لأرباب التربية فيما يأمرون به أو ينهون عنه لأنهم أمناء على الشريعة. . .
السادس عشر: احترام كل من انتسب للشيخ رضي الله عنه من الأخوان لا سيّما كبار أهل الخصوصية من أهل الطريقة ، قد جاء عن سيدنا الشيخ أحمد التيجاني رضي الله عنه أن إذاية أهل هذه الطريقة إذاية للنبي صلى الله عليه وسلم. . .
الثاني والعشرون: مجانبة المنتقدين على الشيخ سيدنا أحمد التيجاني رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه يحذر أصحابه من مجالسة المنتقدين عليه ويقول: إن بعضهم يسري في قلب من يجالسهم كالسم ، قال صاحب المنية:
ومن يجالس مبغض الشيخ هلك
…
وضلّ في مهامه وفي حلك. . .
الثالث والعشرون: يستحضر صورة الشيخ رضي الله عنه في حال قراءة الورد ، ويستمدّ منه ، وأعظم من ذلك أن يستحضر صورة النبي صلى الله عليه وسلم على ما رويت في الشمائل الترمذية ويستمد منه ، وهذا الاستحضار يكون من أول قراءة الورد إلى آخره إن أمكن ذلك ، وإلا فليستحضر في أول الذكر ثم يعاود الاستحضار مرة أخرى. . . ولا يلتفت عن الشيخ ، والالتفات عن الشيخ سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه بزيارة الأولياء الأحياء والأموات أو طلب الدعاء منهم أو إهداء ثواب العبادات من قرآن وصلوات وأذكار ونذر وصدقة ونحو ذلك لهم (1).
وهناك عقائد ومعتقدات وأفكار وآراء أخرى كثيرة مجانية للحق ومخالفة للقرآن والسنة في الطريقة التيجانية من التمسح بالقبور والاستمداد من غير الله والشرك الجليّ والخفيّ والاعتقاد في الأولياء والمتصوفة وخاصة الشيخ التيجاني ومشايخ هذه الطريقة بأنهم يعلمون الغيب ، ويملكون الضر والنفع ، ويدفعون البلاء ، ويميطون الأذى ، ويحيون الأموات ويرزقون ، ويكسون ويعطون ويمنعون ، أحياء وأمواتا وغير ذلك من الخرافات والترهات التي لا تخلو طريقة من الطرق الصوفية منها ، بل أنها مبنية على تلك السخافات والخرافات ، وإنها من لوازم التصوف ذكرناها في ضمن المباحث في هذا الكتاب الأول.
ونريد أن نذكر في آخر هذا المبحث الخدمات الجليلة التي أداها التيجانيون لدعم الاستعمار الفرنساوي الصليبي الكافر الغاشم ، الغازي لتلك البلاد المسلمة التي يقطنها التيجانيون ، فلقد ذكر المؤلف التيجاني صاحب الفتح في الباب السابع تحت عنوان " ذكر
(1) الدرر السنية في الطريقة التيجانية ص 4 وما بعد.
كرامات شيخنا رضي الله عنه " منها: أخباره باستيلاء فرنسا على بلاد الجزائر ، وكان كثيراً ما يشير إلى ذلك بما يفيد التحقق بوقوعه تصريحاً وتلويحاً (1).
وعلى ذلك قام التيجانيون في الجزائر والمغرب بالدفاع عن الاستعمار الفرنسي ، وتحريض المسلمين على الخنوع والخضوع أمامهم وتسليم البلاد بأيديهم بدون قتال ولا جدال ، ومنعهم عن المحاربة والوقوف أمامهم ففي خطبة ألقاها محمد الكبير شيخ التيجانية في وقته يذكر فيها بعض تلك الخدمات بكل اعتزاز وافتخار ، فيقول كما نشرها مجلّة الفتح العدد 257 القاهرة يوم الخميس 16 صفر سنة 1350 هـ السنة السادسة بعنوان " صاحب السجادة الكبرى يلقي بين يدي فرنسا خطبة الإخلاص "، وهذا نصه:
اعترافات خطيرة
صاحب السجادة الكبرى يلقي بين يدي فرنسا " خطبة الإخلاص " الجزائر في 23 - 1 - 1350 لمراسل الفتح.
نشرت جريدة " لا بريس ليبر La Presselibre وهي جريدة فرنسية استعمارية يومية كبرى تصدر في عاصمة الجزائر في عددها الصادر يوم السبت 16 مايو (28 ذي الحجة: خطبة طويلة ألقاها الشيخ " سيدي " محمد الكبير صاحب " السجادة الكبرى " - أي: رئيس الطريقة الصوفية المسماة بالطريقة التيجانية - بين يدي الكولونيل سيكوني " الفرنسي " الذي ترأس بعثة من الضباط قامت بنزهة استطلاعية في الجنوب الجزائري ، ومهدت " لا بريس ليبر " للخطبة بكلمة جاء فيها.
وبعد ما طافت هذه البعثة العسكرية في مدينة الأغواط ، سافرت إلى عين ماضي المركز الأساسي للطريقة الصوفية الكبرى " التيجانية " ، ملبين دعوى رئيس هذه الطريقة المحترمة المبجلة الشيخ سيدي محمد الكبير ، وبعدما تفرجوا على المدينة - يعني: قرية عين ماضي - وعلى الزاوية ذهبوا إلى القصر العظيم الذي شيّد بإيعاز من السيدة
(1) أنظر الرباني فيما يحتاج إليه المريد التيجاني لمحمد بن عبد الله بن حسنين الطنطاوي التيجاني ص 86.
الفرنسية مدام أوريلي التيجاني (أيّم التيجاني) ، وفي ردهات هذا القصر الرائعة الجميلة أقيمت مأدبة فخمة فاخرة كبرى لهؤلاء الضباط ولنواب الحكومة العسكرية المحلية بالأغواط وعين ماضي ، وفي أثناء شرب الشاي قام حبيبنا حسني سي أحمد بن الطالب ، وتلا باسم المرابط سيدي محمد الكبير صاحب السجادة التيجانية الكبرى خطبة عميقة مستوعبة للخدمات الجليلة الصالحة التي قامت بها الطائفة التيجانية لفرنسا وفي سبيل فرنسا في توطيد الاستعمار الفرنسي ، وفي تسهيل مهمة الاحتلال على الفرنسيين ، وفي إشارات التعقل كانت تسديها هذه الطريقة لمريديها من " الأحباب ". . .
ثم قالت الجريدة: وحيث طلب منا نشر هذه الخطبة القيمة فإننا ننشرها فيما يلي:
وهنا أوردت الجريدة جانباً كبيراً من الخطبة - نصفها أو ثلثيها - كله ثناء لا يحصى ولا يعد على فرنسا المستعمرة ، فو صفها الخطيب بأنها " أم الوطن الكبرى " ، وانهال عليها مدحاً مدحاً وشكراً بما لا يخرج عن معنى ما نسمعه دائماً من دعاتها المأجورين ، إلا أنه قال: " حتى الأرذال الأوباش أعداء فرنسا الذين ينكرون الجميل ، ولا يعترفون لفاضل بفضل ، قد اعترفوا لفرنسا بالمدنية والاستعمار ، وبأنها حملت عنا ما كان يثقل كواهلنا من أعباء الملك والسيادة ، وحملت الأمن والثروة والرخاء والسعادة والهناء. . .
ولكن المهم من الخطبة هو الجانب الأخير منها ، لأنه يحوي اعترافات خطيرة مثبتة بتواريخها ، ونحن ننقل هذه الاعترافات حرفياً ، ونعرضها على صفحات الفتح المجلة التي يثق بها المسلمون جميعاً ، ولكل مسلم أن يحكم على هذه الاعترافات بما شاء.
قال الشيخ سيدي محمد الكبير صاحب السجادة الكبرى " التيجانية " ، وهو " خليفة " الشيخ أحمد التيجاني الأكبر مؤسس هذه الطريقة ، وهذا " الخليفة " يسيطر على جميع أرواح " الأحباب " المريدين التيجانيين في مشارق الأرض ومغاربها:
. . إنه من الواجب علينا إعانة حبيبة قلوبنا مادياً وأدبياً وسياسياً ، ولهذا فاني أقول لا على سبيل المنّ والافتخار ، ولكن على سبيل الاحتساب والتشرف بالقيام بالواجب. . . أن تصل بلادنا ، وقبل أن تحتل جيوشها الكرام - كذا - ديارنا.
ففي سنة 1838 كان جدي سيدي محمد الصغير - رئيس التيجانية يومئذ - أظهر
شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا ، الأمير عبد القادر الجزائري ، ومع أن هذا العدو - يعني: الأمير عبد القادر - حاصر بلدتنا عين ماضي ، وشدد عليها الخناق ثمانية أشهر ، فإن هذا الحصار تم بتسليم فيه شرف لنا نحن المغلوبين ، وليس فيه شرف لأعداء فرنسا الغالبين ، وذلك أن جدي أبى وامتنع أن يرى وجهاً لأكبر عدو لفرنسا ، فلم يقابل الأمير عبد القادر!.
وفي سنة 1864 كان عمي سيدي أحمد - صاحب السجادة التيجانية يومئذ - مهّد السبيل لجنود الدوك دوماك ، وسهل عليهم السير إلى مدينة بسكرة ، وعاونهم على احتلالها.
وفي سنة 1870 حمل سيدي أحمد هذا تشكرات الجزائريين للبقية الباقية من جنود " التيرايور " الذين سلموا من واقعة " ريش - هوفن " وواقعة " ويسانبور " ، ولكي يظهر لفرنسا ولاءه الراسخ وإخلاصه المتين ، وليزيل الريب وسوء الظن اللذين ربما كانا بقياً في قلب حكومتنا الفرنسية العزيزة عليه - يعني: من حيث كونه مسلماً ولو بالاسم فقط - برهن على ارتباطه بفرنسا ارتباطاً قلبياً ، فتزوج في أمد قريب بالفرنسية الآنسة أوريلي بيكار (مدام أو أيّم التيجاني بعدئذ) ، وبفضل هذه السيدة - نعترف به مقروناً مع الشكر - تطورت منطقة كوردان هذه ضاحية من ضواحي عين ماضي من أرض صحراوية إلى قصر منيف رائع ، ونظراً لمجهودات مدام أوريلي التجاني هذه المادية والسياسية فإن فرنسا الكريمة قد أنعمت عليها بوسام الاحترام من رتبة " جوقة الشرف ".
المراسل: وسيدي أحمد هذا لما تزوج في سنة 1870 بهذه المرأة الفرنسية ، كان أول مسلم جزائري تزوج بأجنبية ، وقد أصدرت هي كتاباً فرنسيّاً في هذه الأيام أسمته " أميرة الرمال " تعني نفسها ، وقد ملأته بالمثالب والمطاعن على الزاوية التيجانية ، وذكرت فيه أن سيدي أحمد هذا إنما تزوجها على يد الكاردينال لافيجري على حسب الطقوس الدينية المسيحية ، وذلك لأن قانون الزواج الفرنسي كان دينياً مسيحياً لا مدنياً ، ولما توفي عنها سيدي أحمد هذا خلفه عليها وعلى السجادة التيجانية أخوه سيدي علي!. . .
ولما أنعمت فرنسا بوسام الشرف على هذه السيدة منذ أربعة أعوام ، قالت الحكومة
في تقريرها الرسمي ما نصه: لأن السيدة قد أدارت الزاوية التيجانية الكبرى إدارة حسنة كما تحب فرنسا وترضى ، ولأنها كسبت للفرنسيين مزارع خصبة ومراعي كثيرة ، ولولاها ما خرجت من أيدي العرب الجزائريين (التيجانيين) ، ولأنها ساقت إلينا جنوداً مجندة من " أحباب " هذه الطريقة ومريديها ، يجاهدون في سبيل فرنسا صفّاً كأنهم بنيان مرصوص. . .
واليوم تعيش هذه السيدة (أيّم التجاني) في مزرعة لها كبرى في ضواحي مدينة بلعباس - وهران عيشة المترفين ذوي الرفاهية والنعيم ، وهي الآن لم تقطع علائقها بالزاوية التجانية ، بل لا تزال تسيطر عليها ، وتقبض على أزمتها ، ومع أن الأحباب التجانيين يتبركون بهذه السيدة ويتمسكون بآثارها ويتيممون لصلواتهم على التراب الذي تمشي عليه ، ويسمونها " زوجة السيدين " ، فإنها لا تزال مسيحية كاثوليكية إلى هذه الساعة ، ومن العجيب أن إحدى وستين سنة قضتها كلها في الإسلام وبين المسلمين من (1870 إلى الآن 1930) لم تغير من مسيحيتها شيئاً ، وهذا دليل على ما كانت عليه تكنه في قلبها لهؤلاء " الأحباب " الذين حكموها في رقابهم وأموالهم!!.
ولنرجع إلى نقل الاعترافات فنقول: ثم قال سيدي محمد الكبير: وفي سنة 1881 كان أحد " مقاديمنا " سي عبد القادر بن حميدة مات شهيداً مع الكولونيل فلاتير حيث كان يعاونه على احتلال بعض النواحي الصحراوية.
وفي سنة 1894 طلب منا جول كوميون والي الجزائر العام يومئذ أن تكتب رسائل توصية ، فكتبنا عدة رسائل ، وأصدرنا عدة أوامر إلى أحباب طريقتنا في بلاد الهكار (التوارق) والسودان نخبرهم بأن حملة فوولامي الفرنسية هاجمة على بلادهم ، وبأمرهم بأن لا يقابلوها إلا بالسمع والطاعة ، وأن يعاونوها على احتلال تلك البلاد ، وعلى نشر العافية فيها!! ..
وفي سنة 1906 - 1907 أرسل المسيو جونار والي الجزائر العام يومئذ ضابطه المترجم مدير الأمور الأهلية بالولاية العامة سيدي مرانت برسالة إلى أبي المأسوف عليه سيدي البشير ، فأقام عنده في زاوية كوردان شهراً كاملاً لأداء مهمة سياسية ، ولتحرير
رسائل وأوامر أمضاها سيدي البشير والدي - رئيس التيجانية يومئذ - ثم وجهت - أرسلت - إلى كبراء مراكش - المغرب الأقصى - وأعيانها وزعماء تلك البلاد وجلهم - أو قال: وأكثرهم - تجانيون من أحباب طريقتنا نبشرهم بالاستعمار الفرنسي ، ونأمرهم بأن يتقبلوه بالسمع والطاعة والاستسلام والخضوع التام ، وأن يحملوا الأمة على ذلك ، وأن يسهلوا على جيوش فرنسا تلك البلاد.
وفي الحرب العالمية الكبرى أرسلنا ووزعنا في سائر أقطار شمال أفريقية منشورات تلغرافية وبريدية استنكار لتدخل الأتراك في الحرب ضد فرنسا الكريمة وضد حلفائها الكرام ، وأمرنا أحباب طريقتنا بأن يبقوا على عهد فرنسا وعلى ذمتها ومودتها.
وفي سنة 1913 إجابة لطلب الوالي العام للجزائر أرسلنا بريداً إلى المقدم الكبير للطريقة التجانية في السنغال سيدي الحاج مالك عثمان ساي نأمره بأن يستعمل نفوذنا الديني الأكبر هناك في السودان لتسهيل مأمورية كلوزيل الوالي العام للجزء الشمالي من أفريقية الغربية - أي: لكي يسهل عليه إحتلال واحة شنقيط.
وفي سنة 1916 إجابة لطلب المريشال ليوتي عميد فرنسا في مراكش كان سيدي علي - صاحب السجادة الرئيس الذي كان قبلي - كتب مئة وثلاث عشرة رسالة توصية ، وأرسلها إلى الزعماء الكبار وأعيان المغاربة يأمرهم بإعانة فرنسا في تحصيل مرغوبها وتوسيع نفوذها وذلك بواسطة نفوذهم الديني!. . .
وفي سنة 1925 في أثناء حرب الريف أرسلت أنا - حبينا - المخلص ومريد طريقتنا ومستشارنا المعتبر حسني سي أحمد بن الطالب - الذي قرأ هذه الخطبة بلسان سيده - إلى المغرب الأقصى ، فقام بدعاية كبرى - وبروباغندا - واسعة في حدود منطقة الثوار ، وتمكن من أخذ عناوين الرؤساء الكبار والأعيان الريفيين " والمقاديم " وأرباب النفوذ على القبائل الثائرة ، وكتبنا إليهم رسائل نأمرهم فيها بالخضوع والاستسلام لفرنسا ، وقد أرسلنا هذه الرسائل إلى " مقدّمنا " الأكبر في فاس ، فبلغنا إلى المبعوث إليهم يداً بيد.
وبالجملة فإن فرنسا ما طلبت من الطائفة التيجانية نفوذها الديني إلا وأسرعنا بكل
فرح ونشاط بتلبية طلبها وتحقيق رغائبها ، وذلك كله لأجل عظمة ورفاهية وفخر حبيبتنا فرنسا " النبيلة ".
والله المسؤول أن يخلد وجودها بيننا لنتمتع برضاها الخالد!. ثم ثم لما ختم خطبته هذه بالثناء العاطر على الموظفين الفرنسيين وعلى الضباط العسكريين واحداً واحداً ، ومدح الوالي العام الحالي ووصفه بأنه " المستعمر الأكبر ".
وما أنتهى الشيخ من خطبته حتى نهض ليوتنان كولونيل سيكوني رئيس البعثة العسكرية وشكر الشيخ وأثنى عليه ، ثم قال له: " من كمال مروءتك وإحسانك يا سيدي الشيخ (المرابط) أنك لم تذكر ولا نعمة واحدة من النعم التي غمرتني بها ، فأنت الذي أنجبتني من التوارق الملثمين ، وأنقذتني من أيديهم. . . وهكذا جعل الكولونيل يذكر مناقب أخرى للشيخ كثيرة.
ونلفت نظر القراء إلى شيئين إثنين: أحدهما: أن الرئاسة الروحية في هذه الطريقة التجانية هي موحدة في يد الخليفة ، وليس لأحد منهم أن يستقل عنه. وأما الثاني: فهو أن دعاة الإصلاح الإسلامي في المغرب العربي (الجزائر تونس مراكش) هم اليوم يقفون موقفاً حرجاً جداً للغاية ، فهم يحاربون ، ويحاربهم دعاة الإباحية والإلحاد ، وأهل الجمود والخرافات ، ويقاومون في هؤلاء وهؤلاء الاستعمار الغاشم ، وما فيه من قسوة وطغيان أهـ.
ويقول بول أودينو:
" خلال السنين الستين الأخيرة كانت التجانية تقدم لنا العون ، ومنذ سنة 1911م ونحن نستغل نفوذها القوي في جنوبي الغرب وموريطانيا والريف "(1).
ويقول روم لاندو:
" وقد خبر الفرنسيون قضية الطرق الصوفية والدور الذي تلعبه مرات ومرات متعددة من قبل ، وثمة وثيقتان قلّما يعرفها الناس تزوّدنا بالمعلومات الطريفة: أولاهما رسالة بعث بها قبل قرن من الزمن المارشال (بوجو) أول حاكم للجزائر ، إلى شيخ
(1) تاريخ المغرب في القرن العشرين لروم لاندو ص 143.
التيجانية ذات النفوذ الواسع ، إذ أنه لولا موقفها المشبع بالعطف لكان استقرار الفرنسيين في البلاد المتفتحة حديثاً أصعب بكثير مما كان.
ويقول المارشال في نهاية الرسالة: عندما تشعر بحاجة إلى شيء ما أو إلى خدمة من أي نوع كانت فما عليك إلا أن تكتب إلى مرافقي الذي سيسرّه أن يبلّغني رغباتك.
ثم قال (روم لاندو): ووثيقتنا الثانية تلقى ضوءاً على طريقة الإقناع أنها إعلان بعث به خليفة التجاني الذي تلقى رسالة المارشال (بوجو) إلى أتباعه بمناسبة الحرب بين فرنسا والأمير عبد الكريم سنة 1925م يدعو فيه إخوانه إلى مؤازرة الدولة المسيحية ضد مواطنيهم من المسلمين. ويقول الشيخ التجاني محمد الكبير بن البشير في هذا الإعلان: أن فرنسا تكافئ على الخدمات التي تقدّم لها. . . وفرنسا قد انتصرت مؤخراً في حرب (1914 م - 1919م) على واحدة من أعظم دول أوربا وأقوالها. ألا ينصر سبحانه ويمنح عباده من يشاء " (1).
وينقل عن جوليان أنه أثنى على الحكومة الفرنسية قائلاً:
" لقد عرفت الحكومة الفرنسية كيف تجمع المتصوفة الذين سوّلتهم وحمتهم "(2).
فهذه هي إحدى الطرق الصوفية المشهورة في شمال أفريقيا والغرب وبلاد المغرب العربي فصلنا القول فيها لمالها من أهمية ومكانة عند المغفلين والسذج من الناس ، ولا زال كثير من الذين أعياهم العلم ، وأعمالهم التعصب ، وأستولى عليهم الجهل ، واقعدهم الكسل والبطالة أو أكل أموال الناس بالباطل يعتنقون بها ويروجون أباطيلها وينشرون أضاليلها ويؤولون مقولاتها مبتعدين عن الحق حائرين متحيرين ، ومن يضلل الله فماله من هاد.
(1) تاريخ المغرب ص 140 ، 141.
(2)
أيضاً ص 140.