الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله ارحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله منزل القرآن وجاعله هدى للمتقين وموعظة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وشفاء ورحمة للمؤمنين.
والصلاة والسلام على رسول الله مبشر الناس ومنذرهم ، وداعيهم إلى الله بإذنه وسراج منير ، إمام العالمين وأشرف المرسلين ، الذي به ختمت النبوة وكمل به الدين ، وآله وصحبه ومتبعيه إلى يوم الدين.
لقد وعدنا عندما كتبنا الكتاب الأول في هذا الموضوع ، وهو (التصوف: المنشأ والمصادر) بأننا سنتبعه كتابا آخر في حجمه وضخامته ، وها نحن نفي بالعهد ، ونصدق الوعد ، ونضع بين يدي القراء والباحثين كتابا آخر في موضوع التصوف أيضا مقرين معلنين بأنه لازال البحث جاريا ، والتنقيب ماضيا في كتب الصوفية ورسائلهم ، مصنفاتهم ومؤلفاتهم ، ولم نستطع أن نمسك زمام القلم ونحول بينه وبين ما يسطر ، مع حرصنا الشديد بأن لا يطول الكلام ، وقلما سلم مكثار ، ولكن الموضوع يتطلب المزيد ومع إصدار هذا الكتاب الثاني الذي ربما يزداد حجمه عن الكتاب الأول قليلا ، نرى بأننا مطالبون بكتاب آخر ، ولعلنا بذلك استطعنا إحاطة معظم جوانب هذه الطائفة وأفكارهم ومعتقداتهم وسلوكهم ومميزاتهم التي يمتازون عن الآخرين ، أو يتميزون عما سواهم ، ولكننا نعد القارئ بأن موعده لن يكون بعيدا ، فإن أراد الله وشاء ، ذلل الصعوبات ، وسخر العقبات وغلبنا على النوازل والملمات ، وأبعدنا عن المصائب والمكروبات - وهو كاشف الغم ، فارج الهم ، مجيب دعوات المضطرين - لن نأتي على آخر هذه السنة إلا ونكون قد وضعناه لطلبة العلم وقرائنا الأكارم ، لأن الكتب موجودة ، والنصوص والعبارات منها مأخوذة ، وما بقي إلا وضعها في مكانها اللائق ،
وتنظيمها وترتيبها ، ثم جمعها وتأليفها ، وسيكون ذلك الجزء مشتملا على أهم ما نريد أن يشتمل على طرق التصوف ومنشئيها ، أعيانها وأكابرها ، ولا يعني هذا بأن هذا الكتاب خال عن ذلك المبحث ، لا ولا. ولكننا لم نبحث فيه إلا أهم الطرق وأشهرها بين الناس ، وببعض الاختصار والاقتضاب بدون الإفاضة والإطناب ، كما لم نرد ذكر المغالين المشهورين من المتصوفة وأفكارهم وعقائدهم ، آرائهم وتعاليمهم - ولو أنهم كلهم غلاة ولكن غير المشهورين بالغلو - كالحلاج وابن سبعين ومحيي الدين ابن عربي وعمر بن الفارض وجلال الدين الرومي والسهروردي المقتول والقونوي والبقلي الشيرازي وغيرهم الكثيرين الكثيرين.
وكذلك بعض المواضيع التي لم نستطع التطرق إليها والإلمام بها في كتابينا هذين ، ولها أهميتها في جلاء الفكر وتنوير الرأي وبيان الحكم ، ونحاول قبل البدء في ذلك القسم من المبحث والكتاب ، وأثناء هذه الفترة التي سنشتغل فيها حسب المخطط بفضل الله وتوفيقه في " المسيحية " ، و " والبهرة والآغاخانية " ، الجزء الثاني من كتابنا " الإسماعيلية " - نحاول أن نحصل على كتب ومصنفات الصوفية ووثائقهم ورسائلهم التي لم نحصل عليها بعد كي يجتمع للمعتنين بهذا الموضوع أكبر عدد ممكن من المراجع والمصادر فيه ، وما ذلك على الله بعزيز.
وبعد فإن هذا هو الكتاب الثاني في موضوع التصوف يشتمل على أبواب ثمانية ، لكل باب منه جزء مقسوم ، ويبحث في أهم الجوانب الفكرية والعقائدية لهذه الطائفة من الناس.
فالباب الأول: " التطرف من لوازم التصوف " يشتمل على تعاليم الصوفية ، التي لم تبن إلا على المغالاة والتطرف ، وليست من الدين الوسط الذي قيل فيه على لسان من جاء به " إن الدين يسر " و " يسروا ولا تعسروا ".
وإن الله أنزله لهداية البشر وتهذيب النفوس لا لتعذيبها وحملها على ما لا تطيق {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (1).
(1) سورة البقرة الآية 286.
ولكن القوم قبلوا الأمور وجعلوها معكوسة ، فبالغوا في الإنذار ، وتطرفوا في التعسير ، ولقد بينا كل هذا في هذا الباب مستندين إلى كتب القوم ورسائلهم ، نصوصهم وعباراتهم حسب دأبنا المعهود.
والباب الثاني: فيه زيادة على ما في الباب الأول حيث ذكرنا فيه أمورا خالف القوم فيها نصوص الكتاب والسنة ، النصوص الصريحة والواضحة الجلية ، والتي لا تحتمل التأويل ، وبينا كيف جاوز القوم حدود الشرع ، وتركوا العمل به مع ادعائهم الزهد والتقوى ، مع الزهد والتقوى يمنع المتلبسين بهما الابتعاد عن الشريعة قيد شبر.
والباب الثالث: وضعنا فيه النقاط على الحروف بأن التصوف ليس إلا مؤامرة ضد الإسلام ودستوره ومنهاجه ، حيكت بمهارة ، وأحكم نسيجها بالدهاء والمكر.
والباب الرابع: بحثنا فيه عن البدع والمحدثات التي لزمت طريق القوم ، وبها عرفوا وميزوا عن الآخرين ، فصارت كالشعار لهم واللباس الذي يتزينون به في المجالس والمحافل.
الباب الخامس: " طرق التصوف وأعيانها " فلقد ذكرنا فيه أهم الطرق الصوفية والمشهورة بين العرب ، وهي " الشاذلية " و " الرفاعية " و " والقادرية " و " التيجانية " و " النقشبندية " ، وأقتصرنا على هذه الخمسة مع وجود الأخرى الكثيرة ، ذخرا لكتابنا القادم ، وبما أنها ليست بتلك الشهرة والانتشار والقبول بين الناس ، ولو أن بعضا منها مشهورة في جهة ومغمورة في جهة أخرى ، مثل الجشتية والسهروردية فإن أكثر المتصوفة في شبه القارة الهندية الباكستانية ومنسلكون في إحداهما ، خلاف الأخرى فإنها ليست بتلك الشهرة في هذه البلاد ، ولعلنا في ترجمتنا هذا الكتاب هاتين السلسلتين إلى اللغة الأردية نضيف إلى هذا الكتاب هاتين السلسلتين.
وسيجد القارئ متعة في هذا الباب ما لايجد في غير هذا الكتاب وهو يقرأ هذه السلاسل والطرق.
والباب السادس: يتضمن مجموعة من المصطلحات الصوفية التي شاع استعمالها وكثر في الكلام الصوفي ، وقد ضممنا إلى هذا الباب وهو آخر هذا الكتاب مباحث لم
نستطيع إدراجها في الأبواب السبعة لعدم مناسبتها وعلاقتها المباشرة لتلك الأبواب رغبة منا بأن لا يحس القارئ بالنقص والخلل في هذا الخصوص وهو يبحث عن التصوف ، فحرصا منا على ذلك أدرجنا في هذا الباب تحت عنوان " مصطلحات الصوفية " ومثال ذلك قضية وحدة الشهود ، ووحدة الوجود ، وكذلك مسألة وحدة الأديان ، فإننا لم نستطع ذكرها - مع أهميتها - في أحد الأبواب الستة المذكورة لعدم وجود المناسبة والداعي إليها ، فذكرناها ههنا.
فهذه هي الأبواب الستة لهذا الكتاب ، ولو ضمت إلى الأبواب الثلاثة من الكتاب الأول لكفت القارئ والباحث فهم التصوف ومعرفة المتصوفة ، ولا يعني ذلك أن هذا الكتاب متوقف الاستفادة منه على الكتاب الأول ، فإن الأمر ليس كذلك لأنه كتاب مستقل ، وليس كالجزء الأول منه ، وكذلك هذا الكتاب ، ولكن يحسن للقارئ أن يقتني هذا وذاك لأننا ذكرنا فذ هذا أشياء لم نذكرها في كتابنا الأول وكذلك العكس.
فإن هذا الكتاب يشتمل على تعاليم الصوفية وعقائدهم ، أفكارهم ومعتقداتهم ، مميزاتهم وخصائصهم ، بدعهم ومستحدثاتهم ، طرقهم وأحوالهم زعمائهم ، وغيرها من الأمور.
حيث إن الكتاب الأول يخص بذكر منشأ التصوف ومصادره مع ذكر المعتقدات التي تربطه بالمذاهب والأديان القديمة منها والحديثة من المذاهب والحديثة من المذاهب الهندية والفارسية والأفلاطونية الحديثة والمسيحية والغنوصية إلى دين التشيع والشيعة.
فالكتابان بينهما عموم وخصوص من وجه يجتمعان في قضية التصوف والمتصوفة ، ويفترقان من حيث المبحث والموضوع.
أما بعد فإننا نريد أن نذكر الباحث والقارئ أننا لم نسلك في هذا الكتاب إلا مسلكنا القديم.
أولا: أنا لا نلوم الخصم إلا على ما يقوله ويتفوه به.
ثانيا: ولا ننقل من كتاب ومؤلف غير معتمد وموثوق لدى القوم أنفسهم ، بل
نثبت الحجة ونقيم البرهان مستندين إلى كتب القوم ونصوصهم وعباراتهم ، فلا ننقل شيئا من كتب المخالفين والمناوئين اللهم إلا للإستشهاد وللاستدلال ، وربما يعسر علينا وجود شيء في كتب من نكتب عنه ونرد عليه ، فنجده في كتب المخالفين والمعادين نقلا عن أولئك ولكننا لا نعتمد عليه قبل أن نتحقق من وجوده عندهم وثبوته لديهم وإلا فقد أعرضنا الجانب عن إيراده ونقله مهما كانت أهميته وحيثية.
ثالثا: سلكنا في كتبنا كلها أصعب المسالك وأشقها حيث لا نكتفي بإيراد رواية واحدة ولا روايتين لإلزام الخصم كي لا يحكم عليها بالشذوذ والندرة ، بل نسرد روايات كثيرة ونوردها واحدة تلو الأخرى ، ونضعها في جميع الجوانب كي لا يجد منها مخرجا ويستسلم إما بالاعتراف والإقرار أو التبرئ والاستنكار.
رابعا: لا نجعل المحك والمعيار لمعرفة الصدق عن الكذب ، والحق عن الباطل ، وتمييز الطيب من الخبيث ، والجيد من الرديء إلا الكتاب والسنة ، فالقرآن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وق أتفق المسلمون على عدم وقوع أي تحريف وتغيير فيه وأن يأتيه خلل أو نقص فهو محفوظ بحفظ الله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1).
والسنة سنة رسول الله المعصوم بعصمة الله والمحفوظ بحفظ الله والناطق بوحي الله والمضمون له في كلام الله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} (2).
فكل قول يخالف قول الله ، وكل عمل يخالف عمل رسول الله فهو متروك مردود لا يعبأ به ولا يلتفت إليه ، صدر عن كبير أو صغير ، تقي أو شقي ، لأن المؤمنين ليسوا ملزمين بإتباع أحد الرجال وآرائهم بل إنهم أمروا بإتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يحتاج إلى بيان فإنه واضح جلي ، وقد ذكرنا الآيات والأحاديث في هذا المعنى في صميم الكتاب في مختلف المواضيع. فكل قول يوافق
(1) سورة الحجر آية9.
(2)
سورة النجم آية 4.
الكتاب والسنة فهو قول حق وصدق وصواب مهما كان مصدره ومنشؤه، صميم مهما كان مصدره ومنشؤه ، وكل قول وعمل يعارضه الكتاب أو السنة فهو قول باطل وعمل غير مقبول ، من أي مصدر وأينما نشأ.
فالشرع عبارة عن القرآن والسنة وهو الأصل ، وعليه يعرض جميع الآراء والأفعال والعقائد والمعتقدات ، ويحكم عليها بالصحة والسقم والحق والبطلان ، ولا يلتفت إلى شيء غيره.
خامسا: لم ننقل عن كبار الصوفية وأعيانهم ، زعمائهم وقادتهم إلا ما نقله المتصوفة عنهم في كتبهم سواء كانت نسبة هذا القول وذلك العمل إلى ذلك الشخص صحيحة أم غير صحيحة لأن العهدة على الناقل والراوي ولو أننا لا نظن بأن من ينسب إليه المتصوفة تلك الأقوال والأعمال المخالفة المعارضة لصريح الكتاب والسنة والعقل كذلك يكون صحيحا نسبتها إليه حيث أننا نحسن الظن فيهم ونبرؤهم مما ينسب إليهم ويتهمون بها كمثل رابعة العدوية والجنيد البغدادي وعبد القادر الجيلاني وغيرهم من الأعيان ، فقد ذكروا عنهم أشياء ونقلوا عنهم أقوالا ورووا عنهم أعمالا يأبى القلب قبولها عن أمثالهم ولكن مالنا وللقلب فإننا ننقل ما ننقل عن كتب المتصوفة الموثوقة المعتمدة لديهم ، ومؤلفها أيضا من الأعيان والأكابر ، لا الأجانب والأصاغر ، وزيادة على ذلك لا نكتفي برواية وجدت فيها ، بل ونجد لها شواهد ومتابعات ، وهذا ما في وسعنا.
ولا بد لنا أن نتكلم ههنا بكلمة ولو للتاريخ بأننا ما وجدنا قوما يكثرون الكذب على أئمتهم ومشائخهم مثل الصوفية والشيعة ، فما أكثر ما نسبوه إليهم وهو منه براء والله أعلم.
فالقصد من هذا كله أننا لم نتكلم على أحد إلا ما نقل عنه في كتب القوم أنفسهم ، وليس علينا إلا عهدة النقل فإننا ملزمون بإثبات المنقول في كتب القوم ووأما ثبوته عمن ينقلونه فهذا ليس من شأننا لأن الإسناد من خصائص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبذلك سلمه الله وحفظه من كذب الكذابين وزور المبطلين المنتحلين ، ونريد من قراء هذا الكتاب بالأخص أن لا ينسوا هذه النكتة الحساسة فإنها هامة ومهمة.
ونرجو الله سبحانه وتبارك وتعالى أن ينفع الناس بهذا الكتاب ويجعل له قبولا
ورواجا مثل ما من علينا في الكتب الأخرى السابقة عليه ، وأن يغفر لنا خطايانا المقصودة منها وغير المقصودة ، ويجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم فإنه ما دعانا إلى كتابة هذا الكتاب والكتب الأخرى عن الفرق الباطلة المنحرفة إلا رغبتنا الصادقة بأن يسلك المؤمنون سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الخالية من شوائب الشرك وأدران الوثنية والبدع والزيغ والضلال ويتجنب عن السبل الملتوية والمعوجة التي لا تصل ولا توصل إلى الله ونعيمه ومرضاته في الدنيا والآخرة ، وإلا ما لنا ولهذه المواضيع التي لا تشكل إلا خطرا ، ولا تثير إلا شغبا من أصحاب تلك الفرق وأولئك الطوائف ، وخاصة في هذا الزمان الذي قل فيه المخلصون المناصرون لكتاب رب العالمين وسنة أشرف المرسلين ، وكثر فيه النفاق والمداهنة والمداراة باسم السياسة والمصلحة ، وحبب فيه المتملق والتشدخ اللهم إلا من رحم الرب ، وما أقلهم ، وإن الجنة حفت بالمكاره ، كما أن النار حفت بالشهوات والملذات ، فعلى الله توكلنا وهو عمدتنا وملجؤنا ومأوانا ومفزعنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله على رسوله خير الخلائق أجمعين وعلى صحبة ومن تمسك بسنته وأهتدى بهديه إلى يوم الدين.
إحسان إلهي ظهير
ابتسام كاتيج شادمان لاهور
باكستان 9 - جمادى الأولى - 1407هـ
10 -
يناير - 1987م