المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل   وَقد اخْتلف الْعلمَاء رحمهم الله فِي دُخُول الْحمام على أَرْبَعَة - الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام

[ابن كثير]

الفصل: ‌ ‌فصل   وَقد اخْتلف الْعلمَاء رحمهم الله فِي دُخُول الْحمام على أَرْبَعَة

‌فصل

وَقد اخْتلف الْعلمَاء رحمهم الله فِي دُخُول الْحمام على أَرْبَعَة أَقْوَال

القَوْل الأول أَنه ينْهَى عَنهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء

القَوْل الثَّانِي يُبَاح للرِّجَال، وَينْهى عَنهُ النِّسَاء

القَوْل الثَّالِث يُبَاح للرِّجَال، وَينْهى عَنهُ النِّسَاء، إِلَّا لمريضة أَو نفسَاء

فَأَما القَوْل الرَّابِع إِبَاحَته مُطلقًا للرِّجَال وَالنِّسَاء بِشُرُوط

فَأَما القَوْل الأول قَالَ ابْن أبي شيبَة رحمه الله: حَدثنَا جرير عَن عمَارَة عَن أبي زرْعَة قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه: بئس الْبَيْت الْحمام

وَقَالَ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه: عَن معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع أَن ابْن عمر رضي الله عنهما دخل الْحمام مرّة وَعَلِيهِ إِزَار، فَلَمَّا دخل رأى النَّاس وهم عُرَاة قَالَ: فحول وَجهه نَحْو الْجِدَار وَقَالَ: يَا نَافِع إيتني بثوبي قَالَ: فَأَتَيْته بِهِ، فالتف بِهِ وغطى على وَجهه، ثمَّ ناولني يَده فقدته حَتَّى خرج ثمَّ لم يدْخلهُ بعد ذَلِك

وَقَالَ أَيْضا: عَن ابْن عُيَيْنَة عَن شيخ من أهل الْكُوفَة قَالَ قيل لِابْنِ

ص: 26

عمر: مَالك لَا تدخل الْحمام فكره ذَلِك. فَقيل لَهُ: أَنَّك تستتر فَقَالَ: إِنِّي أكره أَن أرى عَورَة غَيْرِي.

وَقَالَ مَنْصُور عَن الْحسن وَابْن سِيرِين أَنَّهُمَا كَانَا يكرهان دُخُول الْحمام.

وَإِنَّمَا نهوا عَنهُ لما فِيهِ من كَثْرَة التنعم، وَلِأَنَّهُ مأوى الشَّيَاطِين، وَمحل تنكشف فِيهِ العورات، وتكثر فِيهِ مُخَالطَة النَّجَاسَات.

القَوْل الثَّانِي: أَنه يُبَاح للرِّجَال، وَينْهى عَنهُ النِّسَاء.

قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله: حَدثنَا هَارُون حَدثنَا ابْن وهب حَدثنِي عَمْرو بن الْحَارِث أَن عمر بن السَّائِب حَدثهُ أَن الْقَاسِم ابْن أبي الْقَاسِم السبئي حَدثهُ عَن قاص الأجناد بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَنه سَمعه يحدث أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يقْعد على مائدة يدار عَلَيْهَا الْخمر، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَّا بإزار، وَمن كَانَت تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا تدخل الْحمام.

ص: 27

وَقَالَ ابْن جريح

أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن مُوسَى أَن زِيَاد ابْن جَارِيَة حَدثهُ أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه كَانَ يكْتب إِلَى الْآفَاق لَا تدخل امْرَأَة مسلمة الْحمام إِلَّا من مرض، وَعَلمُوا نساءكم سُورَة النُّور.

وَعَن ابْن الْمُبَارك عَن هِشَام بن الْغَاز عَن عبَادَة بن نسي عَن قيس ابْن الْحَارِث قَالَ كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أبي عُبَيْدَة بَلغنِي أَن نسَاء من نسَاء الْمُسلمين أَو الْمُهَاجِرين يدخلن الحمامات، ومعهن نسَاء من أهل الْكتاب فازجرهم عَن ذَلِك وامنعهم مِنْهُ قَالَ فَتكلم أَبُو عُبَيْدَة وَهُوَ غَضْبَان وَلم يكن رضي الله عنه غضوبا وَلَا فَاحِشا فَقَالَ اللَّهُمَّ أَيّمَا امْرَأَة دخلت

ص: 28

الْحمام من غير عِلّة، وَلَا سقم، تُرِيدُ بذلك أَن تبيض وَجههَا فسود الله وَجههَا يَوْم تبيض الْوُجُوه.

وَعَن قيس بن الْحَارِث قَالَ كتب عمر إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رضي الله عنهما أَنه بَلغنِي أَن نسَاء من نسَاء الْمُسلمين يدخلن الحمامات مَعَ نسَاء الْمُشْركين فَإِنَّهُ عَن ذَلِك أَشد النَّهْي، فَإِنَّهُ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، أَن يرى عورتها غير أهل دينهَا.

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل حليلته الْحمام.

وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله: حَدثنَا عُبَيْدَة بن حميد حَدثنِي يزِيد ابْن أبي زِيَاد عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ أتين نسْوَة من نسَاء أهل حمص إِلَى عَائِشَة رضي الله عنها فَقَالَت لَهُنَّ لعلكن من النِّسَاء اللواتي يدخلن الحمامات فَقُلْنَ لَهَا: نعم. فَقَالَت لَهُنَّ عَائِشَة رضي الله عنها سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول أَيّمَا امْرَأَة وضعت ثِيَابهَا فِي غير بَيت زَوجهَا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله

قَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا شُعْبَة عَن مَنْصُور عَن سَالم بن أبي

ص: 29

الْجَعْد عَن أبي الْمليح واسْمه عُمَيْر بن أبي أُسَامَة قَالَ دخل نسْوَة من أهل الشَّام على عَائِشَة رضي الله عنها فَقَالَت فَمن أنتنفقلن من أهل الشَّام. فَقَالَت: لعلكن من الكورة الَّتِي يدْخل نساؤها الحمامات قُلْنَ: نعم. قَالَت: أما إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من امْرَأَة تخلع ثِيَابهَا فِي غير بَيتهَا إِلَّا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن أبي دَاوُد بِهِ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ ابْن ماجة أَيْضا.

وروى الإِمَام أَبُو يعلي الْموصِلِي والحافظ أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن حبَان فِي

ص: 30

صَحِيحه الملقب بالأنواع والتقاسيم من حَدِيث مُحَمَّد بن ثَابت ابْن شُرَحْبِيل عَن عبد الله بن يزِيد \ الخطمي عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَّا بمئزر، وَمن كَانَت تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر من نِسَائِكُم فَلَا تدخل الْحمام قَالَ فَقلت ذَلِك لعمر بن عبد الْعَزِيز فِي خِلَافَته فَكتب إِلَى أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم: أَن سل مُحَمَّد بن ثَابت عَن حَدِيثه فَإِنَّهُ مرضى. فَسَأَلَهُ ثمَّ كتب إِلَى عمر فَمنع النِّسَاء عَن الْحمام.

ص: 31

فَهَذَا عمر بن عبد الْعَزِيز قد نفذ هَذِه السّنة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي. فأجمع الْمُسلمُونَ قاطبة على أَن عمر بن عبد الْعَزِيز من الْأَئِمَّة المهديين، وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين، الَّذين قضوا بِالْحَقِّ وَبِه كَانُوا يعدلُونَ.

القَوْل الثَّالِث: أَنه يُبَاح للرِّجَال، وَينْهى عَنهُ النِّسَاء، إِلَّا لمريضة أَو نفسَاء. للْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عبد بن حميد: حَدثنَا جَعْفَر بن عون حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد أنعم عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّهَا ستفتح عَلَيْكُم أَرض الْعَجم، وستجدون فِيهَا بُيُوتًا يُقَال لَهَا الحمامات، فَلَا يدخلهَا الرِّجَال إِلَّا بالإزار، وامنعوا النِّسَاء إِلَّا مَرِيضَة أَو نفسَاء

وَقد رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ستفتح عَلَيْكُم بِلَاد الشَّام، وستجدون فِيهَا بُيُوتًا يُقَال لَهَا: الحمامات، فامنعوها النِّسَاء إِلَّا سقيمة أم نفسَاء.

وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن أُسَامَة ابْن

ص: 32

زيد عَن مَكْحُول قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أُمَرَاء الأجناد: أَن لَا يدْخل رجل الْحمام إِلَّا بمئزر، وَلَا امْرَأَة إِلَّا من سقم.

القَوْل الرَّابِع: إِبَاحَته مُطلقًا للرِّجَال وَالنِّسَاء بِشُرُوط.

وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه أَنه كَانَ يدْخل الْحمام قَالَ: وَكَانَ يَقُول: نعم الْبَيْت الْحمام: يذهب الْوَسخ، ويطيب النَّفس، وَيذكر النَّار.

ثمَّ روى الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر بن أبي شيبَة رحمه الله فِي كِتَابه المُصَنّف: حَدثنَا جرير عَن عمَارَة عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: نعم الْبَيْت الْحمام: يذهب الدَّرن، وَيذكر النَّار.

وَقد حكى أَيْضا ابْن أبي شيبَة عَن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَالْحُسَيْن ابْن عَليّ بن أبي طَالب، وَابْن عَبَّاس، وَأبي هُرَيْرَة أَنهم دخلُوا الْحمام. وَقد حكى غير وَاحِد الْإِجْمَاع على جَوَازه بِشَرْطِهِ، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِحَدِيث رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث طَاوس عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم احْذَرُوا بَيْتا يُقَال لَهُ الْحمام قَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّه ينقي

ص: 33

الْوَسخ. قَالَ: فاستتروا.

وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه رَفعه قَالَ: من دخله مِنْكُم فليستتر. وَهَذَا إِسْنَاد جيد.

وَكَذَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه عَن معمر وَالثَّوْري وَابْن جريج فرقهم عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكر مثله.

ثمَّ قَالَ عبد الرَّزَّاق: عَن الثَّوْريّ عَن دثار عَن مُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: حرَام دُخُول الْحمام بِغَيْر إِزَار.

وَذكر أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق فِي أَحْكَامه حَدِيث الْبَزَّار، وَقَالَ: هَذَا أصح حَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، على أَن النَّاس يرسلونه عَن طَاوس.

وَأما مَا خرجه أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَظْر وَالْإِبَاحَة فَلَا يَصح مِنْهُ شَيْء لضعف الْأَسَانِيد وَكَذَلِكَ مَا خرجه التِّرْمِذِيّ انْتهى كَلَامه

ص: 34