المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل وينقسم دُخُول الْحمام بِاعْتِبَار أَحْوَال النَّاس إِلَى خَمْسَة أَقسَام: فقد - الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام

[ابن كثير]

الفصل: ‌ ‌فصل وينقسم دُخُول الْحمام بِاعْتِبَار أَحْوَال النَّاس إِلَى خَمْسَة أَقسَام: فقد

‌فصل

وينقسم دُخُول الْحمام بِاعْتِبَار أَحْوَال النَّاس إِلَى خَمْسَة أَقسَام: فقد يكون وَاجِبا، ومستحبا، ومباحا، ومكروها، وحراما.

فالقسم الأول: يتَصَوَّر فِي حق من وَجب عَلَيْهِ غسل من جَنَابَة، أَو حيض، أَو نِفَاس، أَو حُصُول نَجَاسَة على جِسْمه، أَو للْجُمُعَة على قَول من يُوجِبهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يُمكنهُ الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ الْبَارِد، وَلَا بِغَيْرِهِ فِي الْبَيْت، من مرض أَو شدَّة برد فَهَذَا يجب عَلَيْهِ الْمُضِيّ إِلَى الْحمام. لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب.

وَالْقسم الثَّانِي: يتَصَوَّر فِي حق من اتَّسع رَأسه، أَو بدنه أوشك فِي حُصُول جَنَابَة، أَو أَرَادَ غسل الْجُمُعَة على جُمْهُور الْعلمَاء، أَو اغتسالا للعيد، وَنَحْوه من الاجتماعات الْعَامَّة، أَو للتداوي إِذا قيل باستحبابة وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يَسْتَطِيع الِاغْتِسَال فِي غير الْحمام، أَو يشق عَلَيْهِ، فَهَذَا يسْتَحبّ لَهُ الذّهاب إِلَيْهِ ليحصل هَذَا الْمَقْصُود لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى فعل الْمُسْتَحبّ فَيكون مُسْتَحبا.

وَالْقسم الثَّالِث: فِي حق من يدْخلهُ للترفه، والتلذذ، من غير إِسْرَاف، وَلَا إكثار أَو للتداوي إِذا قيل بِأَنَّهُ يُبَاح وَلَيْسَ بمستحب.

ص: 35

وَالْقسم الرَّابِع: فِي حق من يدْخلهُ لما تقدم فِي الثَّالِث، وَيكثر فِي ذَلِك من صب المَاء، ويسرف فِيهِ.

فقد روى عبد الله بن الْمُبَارك رحمه الله فِي كِتَابه الزّهْد فَقَالَ: حَدثنِي بَعضهم أَن عمر رضي الله عنه قَالَ إيَّاكُمْ وَكَثْرَة الْحمام، وَكَثْرَة طلي النورة، والتوطؤ على الْفرش فَإِن عباد الله لَيْسُوا بالمتنعمين. فقد زجر أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن ذَلِك، وَقد قَالَ عليه الصلاة والسلام: اقتدوا باللذين من بعدِي: أَبُو بكر وَعمر.

وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن الْحسن بن عَليّ عَن يزِيد بن هَارُون عَن سعيد الْجريرِي عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن فضَالة بن عبيد رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ ينْهَى عَن كثير من الإرفاه

وَالْقسم الْخَامِس: فِي حق من يدْخلهُ أشرا، وبطرا، وبذخا، وفخرا، وإظهارا للزِّينَة الَّتِي أَمر الله بإخفائها إِلَّا فِي محلهَا، كَمَا يَفْعَله كثير من النِّسَاء فِي عصرنا هَذَا

ص: 36

وينضم إِلَى ذَلِك ترك الصَّلَوَات، وكشف العورات، فَهَذَا مِمَّا لَا يشك أحد من الْعلمَاء فِي تَحْرِيمه عَلَيْهِنَّ، وَالْحَالة هَذِه. فَالْوَاجِب على الكافة مَنعهنَّ من تعَاطِي مثل ذَلِك فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْمَفَاسِد: الْخَاصَّة والعامة اللَّازِمَة والمتعدية مَا الله بِهِ عليم

وَقد قَالَت أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رضي الله عنها: لَو رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أحدث النِّسَاء بعده، لمنعهن الْمَسَاجِد كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل فَهَذَا قَوْلهَا فِي الْمَسَاجِد الَّتِي زجر النَّبِي صلى الله عليه وسلم الرِّجَال أَن يمنعوهن إِذا أردن الْخُرُوج إِلَيْهَا، فَكيف بالحمامات اللَّاتِي قد تقدم زَجره إياهن عَن دُخُولهَا إِلَّا لمريضة أَو نفسَاء لَا بل قد أنْكرت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِنَّ دُخُول الحمامات مُطلقًا، وَقَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: أَيّمَا امْرَأَة خلعت ثِيَابهَا فِي غير بَيت زَوجهَا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله عز وجل. وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا الْحُسَيْن بن بَحر حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا همام حَدثنَا قَتَادَة عَن مُورق الْعجلِيّ عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَرْأَة عَورَة، فَإِذا خرجت استشرفها الشَّيْطَان، وَأقرب مَا تكون من رَبهَا إِذا هِيَ فِي قَعْر بَيتهَا.

ص: 37

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه، من رِوَايَة عَمْرو بن عَاصِم الْكلابِي بِسَنَدِهِ نَحوه.

وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب النِّكَاح من جَامِعَة بَاب كَرَاهِيَة خُرُوج النِّسَاء فِي الزِّينَة يَعْنِي وَهِي مزينة حَدثنَا عَليّ بن خشرم أخبرنَا عِيسَى بن يُونُس عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن أَيُّوب بن خَالِد عَن مَيْمُونَة بنت سعد وَكَانَت خَادِمًا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الرافلة فِي الزِّينَة فِي غير أَهلهَا كَمثل ظلمَة يَوْم الْقِيَامَة لَا نور لَهَا.

وَقد رَوَاهُ بَعضهم عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة وَلم يرفعهُ. وَتقدم عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه مَنعهنَّ من دُخُول الْحمام، وَهُوَ أحد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَالْأَئِمَّة المهديين، الَّذين قضوا بِالْحَقِّ، وَبِه كَانُوا يعدلُونَ، وَقد قَالَ عليه الصلاة والسلام:

ص: 38

عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي، عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ، وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور، فَإِن كل محدثة بِدعَة، وكل بِدعَة ضَلَالَة، وَفِي رِوَايَة وكل ضَلَالَة فِي النَّار. فَالْوَاجِب على وُلَاة الْأُمُور التَّمَسُّك بِهَذَا الحَدِيث، وَالْعَمَل بِهِ فِي جَمِيع أُمُورهم.

ص: 39