المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل   وَإِن أدْركهُ وَقت الصَّلَاة فِي الْحمام: فَالْأولى أَن يخرج إِلَى الْمَسْجِد، - الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام

[ابن كثير]

الفصل: ‌ ‌فصل   وَإِن أدْركهُ وَقت الصَّلَاة فِي الْحمام: فَالْأولى أَن يخرج إِلَى الْمَسْجِد،

‌فصل

وَإِن أدْركهُ وَقت الصَّلَاة فِي الْحمام:

فَالْأولى أَن يخرج إِلَى الْمَسْجِد، ثمَّ يعود إِلَى الْحمام إِن كَانَ قد بَقِي لَهُ فِيهِ تعلق.

فَإِن فِي الصَّلَاة فِي الْحمام خلافًا بَين الْعلمَاء:

فَمنهمْ من ذهب إِلَى صِحَّتهَا مَعَ الْكَرَاهَة.

إِمَّا لِأَنَّهَا مَحل النَّجَاسَات، وَقد يترشش الْمُصَلِّي بِنَجَاسَة وَهُوَ لَا يشْعر وَإِمَّا لِأَنَّهَا مأوى الشَّيَاطِين أَو لمجموع الْأَمريْنِ.

وعَلى هَذَا فَظَاهر الْحمام أسهل من دَاخله.

وَهَذَا قَول جُمْهُور الْعلمَاء.

وَمِنْهُم من قَالَ: إِن ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت صلى فِيهِ وَإِلَّا فَلَا، لِأَن مُرَاعَاة الْوَقْت أولى من مُرَاعَاة الْمَكَان.

وَمِنْهُم من ذهب إِلَى أَنَّهَا لَا تصح مُطلقًا، وَهُوَ الْمَشْهُور فِي مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله.

واعتمدوا فِي ذَلِك على أَحَادِيث وَردت فِي النَّهْي عَن ذَلِك:

(أَحدهَا) حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه وَله طرق جَيِّدَة. قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله فِي مُسْنده:

ص: 76

حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْملك الْحَرَّانِي [حَدثنَا] مُحَمَّد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عمر بن يحيى [بن] عمَارَة عَن أَبِيه عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: كل الأَرْض مَسْجِد وطهور، إِلَّا الْمقْبرَة وَالْحمام.

وَقَالَ أَحْمد أَيْضا:

حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة الْغلابِي وَهُوَ غَسَّان بن [الْمفضل] الْبَصْرِيّ حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: الأَرْض كلهَا مَسْجِد إِلَّا الْحمام والمقبرة.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد: عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد [ (ح) و] عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد بن سَلمَة كِلَاهُمَا: عَن عَمْرو بن يحيى

ص: 77

عَن أَبِيه عَن أبي سعيد بِهِ.

وَرَوَاهُ عَليّ بن عبد الْعَزِيز فِي مُسْنده: عَن حجاج بن منهال عَن حَمَّاد بن سَلمَة مُسْندًا من غير شكّ.

وَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار: عَن أبي كَامِل الجحدري عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد بِهِ.

وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي بكر بن خُزَيْمَة عَن بشر بن معَاذ عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد بِهِ.

وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه: عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن يزِيد بن هَارُون عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَحَمَّاد بن سَلمَة كِلَاهُمَا: عَن عَمْرو بن يحيى بِهِ مُسْندًا.

ص: 78

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي من حَدِيث الثَّوْريّ مُتَّصِلا.

وَأما التِّرْمِذِيّ فروى هَذَا الحَدِيث: عَن ابْن أبي عمر وَأبي عمار الْمروزِي [كِلَاهُمَا عَن الدَّرَاورْدِي رِوَايَتَيْنِ: مِنْهُم من ذكره عَن أبي سعيد، وَمِنْهُم من لم يذكرهُ] [وروى سُفْيَان الثَّوْريّ وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن

ص: 79

عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُرْسل] .

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الْعِلَل: رَوَاهُ عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، والدراوردي وَمُحَمّد بن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد مُتَّصِلا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو نعيم عَن الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن يحى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد، وَتَابعه سعيد بن سَالم القداح وَيحيى ابْن آدم عَن أَبِيه الثَّوْريّ فوصلوه وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه مُرْسلا، والمرسل هُوَ الْمَحْفُوظ.

[فَهَذَا ملخص] طرقه وَعلله. وَحَاصِله أَنه قد اخْتلف فِي وَصله وإرساله، فوصله ثِقَات، وأرسله آخَرُونَ وعَلى طَريقَة كثير من الْفُقَهَاء يجب الحكم بِهِ، وَهُوَ اخْتِيَار شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمزي، بعد أَن سَأَلته عَنهُ، وَعرضت عَلَيْهِ طرقه

ص: 80

وَعلله، فصمم عَليّ بِصِحَّتِهِ.

وَأما طوائف من أهل الحَدِيث فيحكمون بإرساله، إِلَّا أَنه من أحْسنهَا. وَالْغَرَض مِنْهُ أَنه أخرج الْمقْبرَة، وَالْحمام، من أَن يَكُونَا كَحكم سَائِر الأَرْض فِي كَونهَا جعلت مَسْجِدا وَطهُورًا لهَذِهِ الْأمة

وَالْمرَاد من كَون الأَرْض مَسْجِدا: أَنَّهَا جعلت محلا للصَّلَاة

فَإِن من كَانَ قبلنَا لم تكن تُبَاح لَهُم الصَّلَاة إِلَّا فِي كنائسهم فَقَط فَجعل الله سَائِر الأَرْض لهَذِهِ [الْأمة] مَسْجِدا

وَقد جَاءَ هَذَا الحَدِيث باستثناء الْمقْبرَة وَالْحمام مِنْهَا، فَظهر أَنَّهُمَا ليستا محلا للصَّلَاة. وَالله أعلم.

وَقد جَاءَت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا، تَتَضَمَّن النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْمقْبرَة، فَهِيَ كالشاهد لصِحَّة هَذَا الحَدِيث، وَالله أعلم

وَالْغَرَض أَن الْحمام هُوَ بَيت الشَّيَاطِين، ومأواهم، وَلَا شكّ فِي كَرَاهَة الصَّلَاة فِي مثل ذَلِك، لما جَاءَ فِي الحَدِيث: أَنهم لما نَامُوا عَن صَلَاة الصُّبْح، فِي ذَلِك الْوَادي حَتَّى طلعت الشَّمْس، فَأَمرهمْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يقتادوا رواحلهم حَتَّى جاوزوه، وَقَالَ: إِن هَذَا مَوضِع حَضَرنَا فِيهِ

ص: 81

الشَّيَاطِين

فَلم يصل فِيهِ عليه الصلاة والسلام، وَعلل بِهَذِهِ الْعلَّة، وَأمرهمْ أَن لَا يصلوا فِي ذَلِك الْموضع الَّذِي [مر أَو حضر] فِيهِ الشَّيْطَان. فَمَا ظَنك بِمَا هُوَ منزل للشياطين قَالُوا: وَهَذَا كَمَا ورد فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنه عليه الصلاة والسلام نهى عَن الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل. وَقد ورد ذَلِك من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم جَابر بن سَمُرَة وَعمر بن الْخطاب، وَعقبَة بن عَامر، وَعبد الله بن الْمُغَفَّل، والبراء ابْن عَازِب، وسبرة بن معبد، وَابْن عمر، وَأسيد بن [الْحضير] ، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَذُو الْغرَّة رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ. وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَنَّهَا خلقت من الْجِنّ كَمَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله فِي مُسْنده:

ص: 82

حَدثنَا وَكِيع عَن أبي سُفْيَان بن الْعَلَاء وَهُوَ أَخُو أبي عَمْرو بن الْعَلَاء عَن الْحسن عَن عبد الله بن مُغفل رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا حضرت الصَّلَاة وَأَنْتُم فِي مرابض الْغنم فصلوا، وَإِذا حضرت وَأَنْتُم فِي أعطان الْإِبِل فَلَا [تصلوا]، فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ: عَن [الفلاس] عَن يحيى الْقطَّان عَن أَشْعَث ابْن عبد الْملك. وَابْن ماجة: عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن هشيم عَن يُونُس ابْن عبيد. كليهمَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عبد الله بن مُغفل بِهِ. وَلَفظ ابْن ماجة: صلوا فِي مرابض الْغنم، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل، فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين. وَقَالَ أَحْمد:

ص: 83

حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن عبد الله بن عبد الله هُوَ الرَّازِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن الْبَراء بن عَازِب رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الصَّلَاة فِي مبارك الْإِبِل، فَقَالَ: لَا تصلوا فِيهَا فَإِنَّهَا من الشَّيَاطِين

هَذَا إِسْنَاد صَحِيح.

وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة بِهِ نَحوه

وَمن هَذَا الْقَبِيل الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيقين:

من حَدِيث أبي صَالح الْغِفَارِيّ أَن عليا رضي الله عنه مر بِبَابِل وَهُوَ يسير، فَجَاءَهُ الْمُؤَذّن يُؤذنهُ بِصَلَاة الْعَصْر، فَلَمَّا مر عَنْهَا، أَمر الْمُؤَذّن فَأَقَامَ الصَّلَاة، فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قَالَ: إِن حَبِيبِي نهاني أَن أُصَلِّي فِي الْمقْبرَة، ونهاني أَن أُصَلِّي فِي أَرض بابل، فَإِنَّهَا ملعونة.

فَهَذِهِ أَدِلَّة من منع الصَّلَاة فِي الْحمام، وَأوجب أَن تفعل فِي غَيره، وَالْأولَى الْخُرُوج من اخْتِلَاف الْعلمَاء، مَا أمكن، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب.

ص: 84

(مَسْأَلَة) إِذا صلى فِي الْحمام ستر عَوْرَته، وَوضع على مَنْكِبَيْه شَيْئا، كمنديل، أَو مئزر، أَو منشفة، وَنَحْو ذَلِك.

وَيكرهُ أَن يُصَلِّي ومنكباه مكشوفتان، عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء.

وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: يحرم، وَلَا تصح الصَّلَاة حَتَّى يفعل ذَلِك. لما رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يصلين أحدكُم فِي الثَّوْب الْوَاحِد، وَلَيْسَ على عَاتِقه مِنْهُ شَيْء.

وَلمُسلم: لَيْسَ على عَاتِقيهِ.

ص: 85