المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل   فَإِن كَانَ الْغَرَض من دُخُول الْحمام الإغتسال من الْجَنَابَة بَادر - الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام

[ابن كثير]

الفصل: ‌ ‌فصل   فَإِن كَانَ الْغَرَض من دُخُول الْحمام الإغتسال من الْجَنَابَة بَادر

‌فصل

فَإِن كَانَ الْغَرَض من دُخُول الْحمام الإغتسال من الْجَنَابَة بَادر إِلَى ذَلِك من غير أَن يوسوس فِي طَهَارَة المَاء

وَلَا يغْتَسل الجرن، وَمَا حوله بِمَاء كثير يسرف فِيهِ. فقد نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن إِضَاعَة المَال. [وَمن ذَلِك] : المَاء المسخن لَا سِيمَا فِي الشتَاء، فَإِنَّهُ مَال للحمامي، وَلَا يحل إضاعته فِي غير فَائِدَة

وَلَا يجب غسل الجرن، أَو الْحَوْض، إِلَّا أَن يرى فِيهِ نَجَاسَة مُحَققَة. وَأما بِمُجَرَّد الوسوسة، فَلَا يحل لَهُ التَّصَرُّف فِي مَال الحمامي بِغَيْر رِضَاهُ. وَلَا يشْتَرط فِي صِحَة الْغسْل أَن يفِيض الجرن، أَو الْحَوْض وَأَن لَا يمسهُ أحدا كَمَا قد يَفْعَله بعض من ينتسب إِلَى الْعلم فقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ بِالْمدِّ، ويغتسل بالصاع إِلَى خَمْسَة أَمْدَاد.

ص: 65

وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عَائِشَة رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَت تَغْتَسِل هِيَ وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من إِنَاء وَاحِد يسع ثَلَاثَة أَمْدَاد أَو قَرِيبا من ذَلِك

وَالْمرَاد بِالْمدِّ هَا هُنَا: مد أهل الْحجاز، وَهُوَ رَطْل وَثلث بالبغدادي وَأكْثر مَا قيل فِي الرطل الْبَغْدَادِيّ أَنه وزن مائَة وَثَلَاثِينَ درهما وَفِي هَذَا كِفَايَة لِذَوي البصائر، الَّذين يقتدون بِأَفْعَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وشمائله. وَلَا يُبَالغ فِي اسْتِعْمَال المَاء زِيَادَة على الْحَاجة، فقد ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ: عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رَسُول الله تَوَضَّأ مرّة مرّة

وَعَن جُبَير بن مطعم رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه ذكر عِنْده الْغسْل من الْجَنَابَة، فَقَالَ: أما أَنا، فأفيض عَليّ رَأْسِي ثَلَاثًا وَأَشَارَ بيدَيْهِ كلتيهما

رَوَاهُ البُخَارِيّ وَهَذَا لَفظه

وَأما لفظ مُسلم: أما أَنا، فأفيض على رَأْسِي ثَلَاثَة أكف. و [زَاد] الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل: ثمَّ أفيض بعد على سَائِر جَسَدِي. وَقد ورد أَن الْإِسْرَاف فِي المَاء من الشَّيْطَان:

ص: 66

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا رحمه الله فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب مَكَائِد الشَّيْطَان: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار [حَدثنَا] أَبُو دَاوُد حَدثنَا خَارِجَة بن مُصعب عَن يُونُس بن عبيد عَن الْحسن عَن [عتي] بن ضَمرَة عَن أبي بن كَعْب رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: إِن [للْوُضُوء] شَيْطَانا يُقَال لَهُ الولهان. فَاتَّقُوا وساوس المَاء. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه. وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا بِسَنَدِهِ عَن الْحسن قَالَ: شَيْطَان الْوضُوء يدعى الولهان يضْحك بِالنَّاسِ فِي الْوضُوء

وَبِه عَن الثَّوْريّ قَالَ: بَلغنِي عَن طَاوس أَنه كَانَ يَقُول: هُوَ أَشد الشَّيَاطِين. وَقد روى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عبد الله بن

ص: 67

مُغفل يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: سَيكون فِي هَذِه الْأمة قوم يعتدون فِي الطّهُور وَالدُّعَاء

وروى أبوعبيد فِي كتاب الطّهُور: عَن هشيم وَمُحَمّد بن يزِيد عَن الْعَوام بن حَوْشَب [عَمَّن حَدثهُ] قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رضي الله عنه: اقتصد فِي الْوضُوء، وَلَو كنت على شاطيء نهر وَعَن هشيم عَن حُصَيْن عَن هِلَال بن يسَاف قَالَ: كَانَ يُقَال إِن فِي كل شَيْء سَرفًا، حَتَّى [فِي] المَاء فَلَا تسرف، وَإِن كنت على شاطيء نهر وَعَن هشيم عَن الْعَوام عَن محَارب بن دثار قَالَ: كَانَ يُقَال: من وَهن علم الرجل: ولوعة بِالْمَاءِ فِي الطّهُور وَعَن هشيم عَن الْعَوام عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: كَانَ يُقَال: إِن أول مَا يبْدَأ الوسواس من قبل الطّهُور. وَعَن وَكِيع وَابْن أبي زَائِدَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِنِّي لأتوضأ بكوز الْحبّ مرَّتَيْنِ

ص: 68

قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي [أَن يتَوَضَّأ بالكوز الْوَاحِد] وضوئين

وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا رحمهم الله فِي الْإِسْرَاف فِي الْوضُوء وَالْغسْل على وَجْهَيْن: الْجُمْهُور على كَرَاهَة ذَلِك. وَقَالَ الْبَغَوِيّ، وَالْمُتوَلِّيّ: هُوَ حرَام. وَالله أعلم. فَيَنْبَغِي أَن يتَجَنَّب الْإِسْرَاف فِي الْوضُوء وَالْغسْل. وَلَا سِيمَا فِي الْحمام فَإِن المَاء المسخن مَال، والتفريط فِيهِ خلاف الْمُعْتَاد، وَهُوَ تصرف فِي ملك الْغَيْر يَنْبَغِي الِاحْتِرَاز فِيهِ. وَإِن فضلت فضلَة عَن حَاجته، فَالْأولى ردهَا إِلَى الْحَوْض لينْتَفع النَّاس بهَا، وَذَلِكَ خير من إراقتها بِغَيْر انْتِفَاع وَقد قَالَ الإِمَام أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام رحمه الله فِي كتاب الطّهُور: حَدثنَا أَبُو أَيُّوب الدِّمَشْقِي ونعيم بن حَمَّاد عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم قَالَ أَبُو أَيُّوب: عَن شُرَيْح بن عبيد، وَقَالَ نعيم: عَن حبيب بن عبيد عَن أبي الدَّرْدَاء عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه مر بنهر فَنزل، وَأخذ قَعْبًا مَعَه، فملأه من المَاء، ثمَّ تنحي عَن النَّهر، ثمَّ

ص: 69

تَوَضَّأ من الْقَعْب، وَفضل من ذَلِك المَاء قَلِيل، فَرده إِلَى النَّهر وَقَالَ: يبلغهُ الله إنْسَانا، أَو دَابَّة، وأشباهه، يَنْفَعهُمْ الله بِهِ.

وَأحسن مَا رُوِيَ فِي صفة الْغسْل حَدِيث عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة، يبْدَأ فيغتسل يَدَيْهِ، ثمَّ يفرغ بِيَمِينِهِ على شِمَاله، فَيغسل فرجه، ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ يَأْخُذ المَاء فَيدْخل أَصَابِعه فِي أصُول الشّعْر، حَتَّى إِذا رأى أَنه [قد اسْتَبْرَأَ، حفن] على رَأسه ثَلَاث حفنات، ثمَّ أَفَاضَ على سَائِر جسده، ثمَّ غسل رجلَيْهِ. رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم وَهَذَا لَفظه.

(مَسْأَلَة) فَإِن كَانَت امْرَأَة تَغْتَسِل، ورأسها مظفور، فَإِن وصل المَاء إِلَى بَاطِن الشّعْر من غير نَقصه فَلَا يلْزمهَا نَقصه

لما رَوَاهُ مُسلم عَن أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أَشد ظفر رَأْسِي، أفأنقصه لغسل الْجَنَابَة فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تحثي على رَأسك ثَلَاث حثيات، ثمَّ تفيضي عَلَيْك المَاء فتطهرين.

ص: 70

وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق. أفأنقصه للحيضة والجنابة فَقَالَ لَا

وَيكرهُ أَن يتَوَضَّأ بعد الْغسْل إِن لم يحدث. لما روته عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يتَوَضَّأ بعد الْغسْل. رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. هَذَا أَن كَانَ إِنَّمَا يتَوَضَّأ على وَجه الوسوسة

أما إِن تَوَضَّأ نَاوِيا بذلك تَجْدِيد الْوضُوء، فَفِيهِ خلاف، هَل يسْتَحبّ تَجْدِيد الْوضُوء أم لَا فِيهِ خَمْسَة أوجه.

ص: 71