المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سؤال: ما كيفية وسوسة الشيطان - الأجوبة الكافية عن الأسئلة الشامية

[الكافي التونسي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌(النبذة)

- ‌سؤال: ما تفسير سبع سماوات طباقا

- ‌سؤال: ما المعراج

- ‌سؤال: ما تفسير آية الشهب {وجعلناها رجوما للشياطين}

- ‌سؤال: ما تفسير آية {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}

- ‌سؤال:ما حكمة الدعاء مع أن الأشياء مقدرة من عالم الأزل

- ‌سؤال: ما كيفية وسوسة الشيطان

- ‌سؤال: ما المراد من سبع أرضين، وقد ورد في الحديث الصحيح: "إن في كل أرض منها آدم كآدمكم ومحمدا كمحمدكم صلى الله عليه وسلم

- ‌سؤال: قوله تعالى {أولم ينظروا إلى السماء فوقهم} يقتضي أن هذا اللون لون نفس السماء؛ لأنه لا يشاهد غيره

- ‌سؤال: قانون النشوء التدريجي ونظرية داروين القاضية بأن أصل الإنسان قرد وأنه قبل ذلك كان مكروبا صغيرا ثم ترقى…إلخ

- ‌سؤال: ما حكم من أنكر وجود الجن؟ وما يترتب على إنكاره من الأحكام

- ‌سؤال: هل الطبيعة في اعتقاد

- ‌(مآب) إلى ذكر ما وعدنا به في الديباجة من التعرض لبعض مواضع في مجلة المنار

- ‌(فهرست

- ‌بيان ما وجد بعد الطبع من الخطأ والصواب

الفصل: ‌سؤال: ما كيفية وسوسة الشيطان

الآية حملها العلماء على ما إذا كانوا على حالتهم التي خلقوا عليها، وما سبق لنا محمول على حالة تطورهم بغير طورهم كما تقدم لنا التصريح بذلك فافهم

‌سؤال: ما كيفية وسوسة الشيطان

؟

الجواب: يأتي بيان الكيفية بعد ذكر ما أقدمه لك حتى يسهل عليك إدرك ذلك، فاعلم أيها السائل أن الله تعالى خلق الخلق على أنحاء حسبما تقدم في علمه، فمنها الأجسام الكثيفة ومنها الأجسام اللطيفة، فأصحاب الأجسام الكثيفة تدوم معهم صورهم التي وجدوا عليها ولا يمكنهم الانتقال عنها باختيارهم البتة، وأما أصحاب الأجسام اللطيفة كالملائكة والجن والشياطين فهؤلاء مكنهم الله تعالى من التشكل بصور الأنبياء والرسل إكراما لهم - عليهم الصلاة والسلام - وحفظا من التلبيس على المؤمنين، والعمدة فيما ذكرته النقل ليس إلا، والعقل لا دخل له البتة وورد في حديث صفية أم المؤمنين من البخاري في باب اعتكافه صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، انظر الحديث بتمامه هناك، وورد أن الشيطان يأكل ويشرب بشماله، وورد أن من لم يسم الله عند إرادة الجماع أو الأكل أو الشرب أو الدخول في الفراش يجامع الشيطان معه ويأكل ويشرب معه ويدخل معه في فراشه وغير ذلك من الأحاديث مما يحيله العقل ويثبته الشرع، فيجب على كل مسلم أن يستسلم لما ورد في الشرع وإن لم يدركه عقله؛ لأننا قررنا سابقا أن العقل في عقال عن مثل هذه الأمور التي لا سبيل له في إدراكها، ويجب عليه أن يكف نفسه

ص: 25

عن اتباع أقوال غير أهل الإسلام مما فيه مخالفة للدين.

(كيفية الوسوسة) كما ذكرها سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس". وأخرج ابن شاهين عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن للوسواس خطما كخطم الطير، فإذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار في أذن القلب يوسوس، فإن ابن آدم ذكر الله نكص وخنس، فلذلك سمي الوسواس الخناس" ا. هـ.

(فإن قلت): ظاهر الحديثين يدل على أن التقام القلب ووضع المنقار في القلب حقيقة، وأن الشيطان يتمكن من الوصول إلى القلب، وظاهر صنيعك أنك مصدق بذلك بلا تأويل يقبله العقل، مع أن الشيخ محمد عبده منع حقيقة ذلك وأول بتأويل يقبله العقل وشنع تمام التشنيع على من أسند في ذلك حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم وتفوه بما ملأ به فمه.

وعبارته: ولكل واحد من الناس شيطان وهي قوة نازعة إلى الشر، يحدث منها في نفسه خواطر السوء، وإنما جعل الوسوسة في الصدور على ما عهد في كلام العرب من أن الخواطر في القلب والقلب مما حواه الصدر عندهم، وكثيرا ما يقال: إن الشك يحوك في صدري، وما الشك إلا في نفسه وعقله، وأفاعيل العقل في المخ، وإن كان يظهر لها أثر في حركات الدم وضربان القلب وضيق الصدر وانبساطه، وكل ما أوردوه في خرطوم الشيطان وخطمه ومنقاره وجثومه على الصدر والقلب ونحو ذلك- فهو من التمثيل والتصوير، وإلا فليجعلوا مثل ذلك للقسم الثاني من الوسواس

ص: 26

أو الموسوسين وهم الناس، فإن الله نسب الوسوسة إليهم على السواء، فقال:{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ، فليكن للناس الذين يوسوسون في صدور الناس خرطوم وخطم ومنقار يدخل في الصدور ويوضع على أذن القلب فإذا ذكر الله خنس الخرطوم كما ذكروه في الجنة، ولكنهم يكثرون الوصف ويخترعون ما يشاءون بأفواههم فيما لا يراه الناس وإن كانوا لا يعقلونه، ويجترءون على الغيب فيذكرون من شئونه ما استأثر الله بعمله، ثم لا يكفيهم ذلك حتى يخترعوا من الأحاديث ما يسند أوهامهم، وينسبون إلى السلف ما يظنون أنه يقوي مزاعمهم، والله يشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح برآء مما ينسب إليهم من ذلك كله، وإنما هو من اختراع من لم يرض لنفسه أن يقترف جريمة واحدة، جريمة الجرأة على الغيب بوهمه، حتى يضم إلى ذلك جريمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة، أولئك الذين إذا انجر القول بهم إلى ما يعرفه الناس ويمكنهم أن يكذبوهم فيه سكتوا سكوت البكم ولجئوا إلى سلاحهم الذي يشرعونه في وجوه الجبناء، وقالوا هكذا مذهب أهل السنة، كأن السنة عندهم مذهب جسماني محض لا شائبة من الروحانية فيه، وافتروا على أهل السنة وهم السلف ما لا يعرفونه، وماذا عليهم لو أخذوا السنة والكتاب ونظروا إلى الدين جملة، وفسروا بعض نصوصه ببعض، كما هو الواجب على المسلم الذي يؤمن بالكتاب كله، وليس من الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فعوذ بالله من الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس، والله أعلم.

(أقول) وعلى الله

ص: 27

أتوكل، ومن الحول والقوة أتبرأ، إني مسلم ومصدق بما يقتضيه ظاهر الحديثين، ولا نحتاج إلى تأويل يقبله العقل، حيث إني قررت في النبذة أن كل ما لا يمكن الاطلاع عليه مما غاب عنا وليس للعقل فيه مطمع - مرجعه النقل، ولا يتأتى لي أن أدعي أن ما هو ذات صفة، فنحتاج إلى تكذيب الجماعة كلهم سلفا وخلفا (1)

فيما رواه في كيفية الوسوسة، ونرتكب جريمة الكذب ثلاث مرات: كون الذات صفة، وتكذيب العدول، ورد الأحاديث الواردة في ذلك، وتكذيب الناقلين لها بدون مستند للرد، بل بمجرد الهوى ليطابق معتقد الضالين الزائغين من أن الملائكة والجن والشياطين قوى كقوة المغناطيس، وعليه فلا يتأتى أن يكون لها خراطيم

إلخ، ولقد أخطأ الشيخ محمد عبده مرات فيما كتبه في هذا الموضوع خطأ ينزه عنه من تعاطى مبادئ العلوم ولم يغص في تيارها، وهو لم يكن متميزا

(1) قوله (فيما رووه

) إلخ، نعم قال القرطبي: وسوسته هي الدعاء إلى طاعته بكلام خفي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت. وفي الخازن: إن الشيطان أعطاه الله قوة في إلقاء الوسوسة بالشر في قلب ابن آدم. ونحوه عن الحسن في وسوسته لآدم: أنه كان يوسوس من الأرض إلى السماء وإلى الجنة بالقوة التي جعلها الله له، كما في الرازي. ولهذا نظائر كثيرة في تمكين أوليائه وإعطائهم هذا التمكين الباطني من الأشياء. وجعل مثله عند أعدائه من الشياطين ابتلاء لعباده - لا بعد فيه، فتحصل أن في كيفية الوسوسة قولان، ذهب لكل منهما بعض أهل التحقيق الموثوق بديانتهم، واتفقوا على وجود الشيطان بلا تأويل؛ لأن ذلك مصادمة للكتاب والسنة والإجماع، وأما المخالفون فداء الضلال فيهم عياء.

ص: 28

في شيء يذكر عنه إلا الإنشاء وطلاقة اللسان، وبهما مع ما حصل له في آخر عمره من توليته المناصب المحتاج إلى صاحبها اشتهر صيته واغتر بذلك من لا علم له بحقيقة أمره، وإلا فأهل مكة أدرى بشعابها.

(فالمرة الأولى) قوله في تعريف ماهية الشيطان الوسواس: وهي قوة نازعة إلى الشر

إلخ، فقوله "وهي قوة" خطأ صريح وقول قبيح؛ لأن لفظ "قوة" مدلولها باعتبار اللفظ العربي الخالي من العجمة صفة لا ذات، ومن المقرر عند ذوي العقول أن الصفة من حيث ذاتها لا تقوم بنفسها ولا تحيز لها ولا ينسب لها حكم عارية عن موصوفها، فيتعين أن يكون الوسواس ذاتا لا صفة.

(فإن قلت) إن كلامه يصح أن يكون صوابا، ويتخرج على نحو "زيد عدل" من جواز أحد الاحتمالات الثلاثة فيه، أعني كونه اسم فاعل أو على تقدير مضاف أو مبالغة.

(قلت) يصح، إلا أنه يشتغل اشتغال ذات النحيين؛ لأنه يسئل حينئذ عن كيفية الوسوسة، فلا يخلو الحال إما أن يرجع إلى السنة ويقتبس من نبراسها، أو يرتكب طريقا آخر غيرها، فتفوق له السهام أيضا حتى يرجع إليها أو يموت على غيرها.

(الثانية) استبعاده ما لا بعد فيه، وتعجيزه لغيره بما لا عجز فيه، فيريد بقوله "وإلا فليجعلوا مثل ذلك للقسم الثاني" التعجيز، على حد قوله سبحانه وتعالى {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} وقول القائل:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

فيا للعجب من هذا الشيخ، يهول بما لا تهويل فيه، ولكن يقال:

خلا لك الجو فبيضي واصفري

وفي الحقيقة هذا الخطأ في ضمنه خطأ

ص: 29

آخر حسبما يتبين لك إن شاء الله تعالى، فالإنسي إذا جرينا على أنه يوسوس في صدور الإنس لا يحتاج إلى جعل خرطوم له ومنقار يوضع على القلب حتى تصل وسوسته إلى القلب كما احتيج إلى ذلك في الوسواس غيره؛ لأن طريق وصول وسوسته إلى القلب أذن الرأس، وهذا أمر لا يكاد يخفى على صغار الطلبة، فضلا عن المشايخ، فضلا عن مجتهد بدعواه، فتبين بيان الشمس في رابعة النهار أن لا احتياج إلى جعل خرطوم للإنسي، وأن لا تعجيز، فافهم ولا تكن أسير التقليد فيما يؤخذ ويرد بالعقل.

والخطأ الضمني قوله "والموسوسين"، وذلك أن ابن عباس رضي الله عنهما فسر الناس بالخلق في قوله تعالى {فِي صُدُورِ النَّاسِ} ليعم الإنس والجن، وجعل قوله {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بيانا للناس الذي فسره بالخلق، وعليه فيكون الوسواس من غير الإنس قطعا، وعليه فلا يحتاج إلى قوله "وإلا فليجعلوا

إلخ"؛ لأن الوسواس غير الإنس مسلم له الجعل شرعا. تفهم ولا تغتر بصيته؛ لأنه على حد قولهم:

تسمع بالمعيدي خير من أن تراه

(الثالثة) تجرؤه وتهوره في شأن الناقلين لكيفية الوسوسة واتهامهم بالتجرؤ على الغيب وتكذيبهم فيما نقلوه عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم حيث لم يصل عقله إلى ذلك، فهو من الجماعة -والله أعلم- الذين يقولون: إن أحكام الدين كلها معقولة المعنى، وما كان منها على خلاف العقل فليس من الدين. وهؤلاء لا نصيب يذكر لهم في الدين؛ لجهلهم بأحكام الدين، وإلا لو علموها لأقروا بأن كثيرا منها متعبد به غير معقول المعنى لنا، اتهم بما قال ورد ما نقلوه تهجما على الغيب حيث لا مستند له

ص: 30

يعتبر عند العلماء وارتكابا لجريمة الكذب عليهم، ولم يرض لنفسه أن يرتكب إثم تهجمه على الغيب حتى ارتكب إثم تكذيب الأبرياء لما قرر العلماء أن العلماء أمناء فيما نقلوا إلا أن يتبين خطؤهم بنقل آخر أثبت من قولهم فيعمل بما هو أثبت، ولا يسوغ أن نتهمهم بتعمد الكذب فيما نقلوه، بل يحسن الظن بهم ويحمل على السهو في حالة النقل.

(الرابعة) قوله "أولئك الذين إذا انجر" إلى قوله "ما لا يعرفونه"، بيان الخطأ فيما قال: هو استهتاره بالجماعة بقوله "ولجئوا إلى سلاحهم"، وقائل هذه المقالة الشنيعة جار على مذهب الاعتزال القائل قائلهم:

لجماعة سموا هواهم سنة

فالجماعة يذكرون ذلك، سواء جر الحال بهم كما قال أو لا، بل يريدون بها أنهم على خلاف بقية الفرق الخارجة عن السواد الأعظم، وسلاحهم يشرعونه، وبه يقطعون ظهر من يتوهم في نفسه الشجاعة، وأما الجبان فيكفيه التأفيف والصفع بالنعال، وأما سلاح الشيخ وحزبه في حال انفرادهم عن المناظر سلاحهم الخارج من أفواههم من فظاعة القول كالند والشريك والتكذيب وغير ذلك مما يتبرأ منه غير مرتكب ذلك، وأما هو فالجزاء من جنس العمل، فهم أشبه بالحبارى سِلاحها سُلاحها، وأما عند المناظرة وطلب البراز فلا سلاح يقابل، ولو الجبناء وقد طلب الشرمساحي مرارا مناظرة الشيخ ونشرها على صفحات الجرائد في المسائل الثلاث التي أباحها الشيخ الحل للميتة أو+ختيها فلم يستطع أن يقابله، وهذه سنة كل من يريد الظهور، وهو خلو مما يريد الظهور به.

(الخامسة) قوله: "وماذا عليهم لو أخذوا" إلى قوله: ويكفرون ببعض" بيان الخطأ هنا: أن فيما قاله غشا وتعريضا بالعلماء المتبعين للمذاهب

ص: 31

الأربعة، وأنهم كالذين نزلت في حقهم الآية.

أما بيان غشه فلأمره بالاجتهاد ضمنا كما هو ديدنه وديدن شيعته لمن استكمل شروط الاجتهاد أو لم يستكمل ذلك؛ لأن تلك الشروط التي ذكرها الجماعة غير معتبرة عنده، بل المدار عنده على كون الطالب عنده من اللسان العربي ما يفهم به الكتاب والسنة. ولو جرى الناس على حسب رغبة الشيخ لأصبح اليوم مئات بل ألوف من المجتهدين تتضارب أقوالهم وتختلف آراؤهم، ولاتسع الخرق على الراقع، وأصبح الناس في حيرة، ولكن الله سبحانه لم يتمم رغبته إلا في أفراد قليلين كانت نتيجة اجتهادهم إباحة الربا وادعاءهم أنهم فهموا من القرآن ما لم يفهمه الرسول صلى الله عليه وسلم. وحكم من تفوه بذلك معلوم عند أهل العلم، والتعريض بهم ظاهر، فالله حسيب من يتعدى على أعراض الأبرياء.

فبما قررت لك وبينت يصح لي أن أقول في حق الشيخ: إنه رجع في هذا الموضوع بخفي حنين كما هو الغالب عليه في شذوذاته عن الجم الغفير، وسيأتي إن شاء الله تعالى لنا معه في هذا الكتاب أخوات لهذا المبحث، كقصره لفظ السائل في قوله تعالى {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} على الطالب علما، وادعائه أن الفقير والمسكين لم يأتيا في القرآن إلا بعنوانهما، ولم يردا بغير ذلك، مع أن قصر العام عندهم على بعض أفراده بدون مخصص تحكم لا يجوز ارتكابه عند العلماء، ودعوى أنهما لم يردا في القرآن إلا بعنوانهما إن سلمت له لا تفيد القصر؛ لأن ذلك ليس علة تامة في القصر؛ لاحتمال إرادة سائل الصدقة أيضا مع عدم ورودهما في القرآن على

ص: 32

دعواه، على أن دعواه تلك باطلة لا صحة لها، وعليه فيصح لي أن أقول حيث إنه مدعي الاجتهاد آمر به غيره:

أطرق كرا أن النعام في القرى

ولفظ عبارته قبل بيان خطئه، قال في تفسير قوله تعالى {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}: والسائل هو المستفهم عما لا يعلم (1)

، وليس هو طالب الصدقة، فإن هذا

(1) قوله "وليس هو

" إلخ، روي في أسباب النزول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا، فجاءه عثمان بعذق من تمر فوضعه بين يديه، فأراد أن يأكل، فوقف سائل بالباب، فقال: رحم الله عبدا يرحمنا، فأمر بدفعه إلى السائل، فكره عثمان ذلك، وأراد أن يأكله النبي صلى الله عليه وسلم فخرج واشتراه من السائل، ثم رجع السائل ففعل ذلك ثلاث مرات، وكان يعطيه النبي عليه السلام، إلى أن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسائل أنت أم بائع؟ فنزل: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} ا. هـ. رازي.

ثم انظر ما يصنع في قوله تعالى {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} ، فإنه تعالى وصف هذا الجنس بأنه طبع على هذه الأوصاف الذميمة، ثم استثنى المصلين الموصوفين بما ذكر "والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم" فهل يصح جعل العلوم القائمة بهم بعض من أموالهم التي بأيديهم حتى يعطوا منها للسائل والمحروم ما يسد به خلته ويزيل عيلته، إلا أن يكون في المنام وأضغاث الأحلام أو على رأي من طبع الله قلبه على الشح، فقال: العالم كرمه في بث علومه وأقواله، دون تفريق أمواله، وما يعني المحتاج من دعواته وصلواته إذا لم يصحبها شيء من زكواته.

وقالوا يقبل المدحات لكن

جوائزه عليهن الصلاة

فقلت لهم وما تغني عيالي

صلاتي إنما الشأن الزكاة

فيأمر لي بكسر الصاد منها

فتصبح لي مع الصلة الصلاة

وبالجملة فالسائل في الآية عام، ولا صارف له عن عمومه من المخصصات، ولا قرينة مانعة تجعله من العام المراد به الخصوص.

ص: 33