الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
س) جواب عن وجوب الجهاد، هل هو الآن في الفور أم لا
؟
ج) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين.
أما بعد:
فإن الجهاد هو ذروة السنام من الدين ووجوبه مُحتَّم على القادرين، والناكص عنه مع القدرة على خطر من دينه.
وقصة الثلاثة الذي خُلّفوا مشهورة وخطيرة وجديرة بالاعتبار.
وأنا ممن يقول أن وجوبه للهجوم، لا للدفاع، كما يقوله المهزومون، هزيمة عقلية، ممن انطبعوا بدعايات المستشرقين، من أن الإسلام قام بالقهر والسيف، ونسوا أن يردوا عليهم من واقعهم ويُوضّحوا هدف الإسلام من الجهاد، كما سلكه العلاّمة المودودي وغيره، لا أن يضربوا بكتاب الله بعضه ببعض ويجعلوا الآيات المكية وما نزل أول الهجرة قاض على الآيات المدنية الأخيرة.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ما معناه: أنه لا يوجد بين آيات الجهاد والصفح تعارض يوجب القول بالنسخ، وليس فيها شيء منسوخ قطعاً ولكن يُصار إلى الآيات المكية في حالة ضعف المسلمين وإلى الآيات المدنية في حالة قوة المسلمين حسب التفصيل بالتدرّج الذي لا يتحطم به كيانهم،
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت بالكتاب الهدي والسيف القاهر) ، أو كما قال، فإني نقلت كلام الشيخ بالمعنى لأني لم أستحضر المرجع حين هذه الكتابة.
وليس الهدف من تحتيم الجهاد إكراه الناس على الإسلام كما زعمه الملاحدة، وانصبغ به المهزومون.
وإنما الهدف من تحتيمه أن تكون كلمة الله هي العليا وذلك بإقامة حكم الإسلام وتحكيم شريعة الله وقمع المفتري عليه، حتى لا تكون فتنة بل يكون حكم الله ظاهراً قاهراً يمنعها، كما قال سبحانه وتعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} .
فلم يقل سبحانه لعباده الكتلة الشرقية أو الغربية مولاكم، لأنه لا يرضى منهم أن يستنصروا بالكفر، بل قال {أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ} ، وقد قال في الآية (56) من سورة المائدة {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} .
أما إعتناق العقيدة؛ فهذا موكول إلى الضمير ولا إكراه في الدين، حتى لا ينتشر النفاق الذي هو أخطر من الكفر الصريح.
هذا وإن شبهات القائلين بأن الجهاد للدفاع هو كون
وجوبه على أربع مراحل فاضطربت أفكارهم مع ما فيهم من الهزيمة العقلية، والله من وراء القصد.
وهذه المراحل ذكرها الإمام ابن القيم وغيره:
فأولها: الإذن، الذي هو بمعنى الرخصة، وذلك في قوله في سورة الحج {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} .
ثم جاء الثاني على سبيل الوجوب؛ وهو قتال من يقاتل المسلمين، بقوله سبحانه {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} فأمر الله المسلمين بقتال من يقاتلهم، ولعلماء التفسير تفسيران لهذه الآية.
أحدهما: قتال المحارب الذي يبدأ بالقتال.
وثانيهما: قتال كل قادر تهيأ للقتال من جميع الكفار بخلاف الصبيان والشيوخ والعجزة والنساء اللاتي لم يقاتلن، وفسروا قوله {وَلا تَعْتَدُوا} بقتل من لا يقدر على قتالكم.
ثم جاءت المرحلة الثالثة بوجوب قتال الكفار جميعاً إلا من كان مرتبطاً مع المسلمين بعهد وميثاق.
ثم جاء الدور الرابع بالبراءة من عهود الكفار، كما افتتح الله سورة التوبة بذلك، وأمرهم بإمهالهم أربعة أشهر ينظرون فيها أمرهم، فإما أن يسلموا أو يخضعوا لحكم الإسلام ويدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وإما أن يُقاتلوا بعد انسلاخ الأشهر الحرم الجديدة التي
فيها إمهالهم، وليس المقصود بها الأشهر الأولى المعروفة بالشهور الحرام.
فهذه مراحل إيجاب القتال، ولكن للمسلمين أن يفهموا أن الجهاد أربعة أنواع:
1) جهاد الشيطان.
2) جهاد النفس.
3) جهاد الكفار.
4) جهاد المنافقين.
فأما جهاد الشيطان: فبتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه فإنه يَعِدُ الأماني ويمني الغرور ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء وينهى عن الهدى والتقى والعفة وكل خلق جميل قال تعالى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} .
والأمر باتخاذه عدواً تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته لأنه العدو الذي لا تفتر عداوته على عدد أنفاس المسلم.
وأما جهاد النفس: فهو مقدم على جهاد العدو الخارجي وأصل له، فإن من لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرها الله به وتترك ما نهى عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه الخارجي.
وكيف يتمكن من جهاد عدوه الخارجي وهو مهزوم من الداخل من عدوه الذي بين جنبيه المتسلط عليه؟
والذي لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج، ولهذا قال سبحانه وتعالى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} ، فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه فيسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله فيكون كله لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه.
ومن يحقق الجهاد النفسي جهاد النفس والشيطان تحصل له قوة وسلطان وعُدّة معنوية يجاهد بها أعداء الله وأعداءه في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله لتكون كلمة الله هي العليا وحينئذٍ يكون في معية الله فيظفر بالنصر، فإن الله مع المتقين ومع المحسنين ومع الصابرين ومع المؤمنين يدفع عنهم ما لا يدفعون عن أنفسهم بل بدفاعه عنهم ينتصرون على عدوهم {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} ولولا دفاعه عنهم تخطفهم عدوهم واجتاحهم.
وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم وصدقهم معه سبحانه وتعالى، فعلى قدر الإيمان تكون المدافعة، فإن قوي الإيمان قويت المدافعة والعكس بالعكس.
وليعلم أهل الجهاد أنه لا بد لهم من عدة أمور:
أحدهما: جهاد النفس وهو على أربع مراتب:
1) أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق حاصراً مهمته في ذلك على المنهل النبوي.
2) أن يجاهدها على العمل بما علمه من وحي الله المبارك لأن مجرد العلم بلا عمل خطيئة كبرى. ومن عمل بما علم أورثه الله على ما لم يعلم كما في الأثر.
3) أن يجاهد نفسه على الدعوة إلى الله وتعليم وحيه من لا يعلمه لأن من لم يقم بهذا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى.
فالدعوة إلى الله من أعظم ضروب الجهاد ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله حتى يكون داعياً به إلى الله.
4) أن يجاهد نفسه على الصبر على مشاق الدعوة وتحمل أذى الناس في سبيل الله، فإن الدعوة إلى الحق والصبر عليه من ضروريات الدين ومن استكمل هذه المراتب كان من الربانيين، قال ابن القيم رحمه الله:(السلف مجمعون على أن العالم لا يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلَّم فذاك يُدَّعى عظيماً في ملكوت السماء) .
ثانيهما: تكوين قيادة إسلامية على أعلى المستويات في القوة والصلابة والحزم والتوكل على الله واستصغار كل قوة دون الله متطبعة بقوله تعالى {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} وألا تضيع جهودها وطاقاتها تحت القيادات العلمانية كما ضاعت في حروب فلسطين حين رفضت فيها تلك القيادات نصر
الله واستجابت لزعماء الكفر في إيقاف القتال.
وقد وردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ومن قاتل تحت راية عميّة
…
فليس مني ولست منه) ، وقال:(إنه من جنى جهنم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم) ، فتكوين القيادة المسلمة المستقلة من ضروريات الجهاد والدين.
ثالثهما: تحري مَهجَر يُهاجر إليه من حقق الجهاد النفسي ليكون منطلقاً ينطلقون منه بعد كمال تربيتهم على ما يحبه الله ويوجبه.
أما بقاؤهم في وسط المجتمعات الجاهلية والقيادات العلمانية فإنهم يُمدونها بعناصر القوة والبقاء فتكون حياتهم لصالح أعدائهم لا لصالح دينهم وعقيدتهم ويكونون لتلقي الضربات والتعذيب والإساءة إلى تاريخهم بكل تهمة ملعونة تجعل أقرب قريب يتبرأ منهم.
ومن واجبهم البحث عن مهجر في غير البلاد العربية ولو أن الأخوان المسلمين على قوتهم وكثرتهم وتسلحهم عام (47 م) كونوا قيادة إسلامية مستقلة لنجحوا في إقصاء اليهود وتطهير فلسطين وجعلها منطلقاً منها يحتلون أكثر البلاد العربية خصوصاً مصر ولكن غلب عليهم الجهل والنخوة العصبية فقاتلوا تحت قياداة ضليعة مع الكافر لا تريد تحرير فلسطين.
والبحث يطول ولكنّي أكتفي بهذا.
والله الهادي.
الشطر الثاني من السؤال: