الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
س) كيف التوفيق بين العمل يما يمليه التصور الاعتقادي وما يتخيل من التطور الاجتماعي
؟
ج) إن هناك تلازماً وثيقاً بين طبيعة التصور الاعتقادي وطبيعة النظام الاجتماعي، تلازماً لا ينفصل، ولا يتعلق بملابسات العصر والبيئة، بل هناك أعظم من ذلك، وهو الانبثاق الذاتي - في المجتمع الذي لم تمرج عقول أهله وتفسد فطرتهم -
فالنظام الاجتماعي الفطري هو فرع عن التفسير الشامل لهذا الوجود ومركز الإنسان فيه ووظيفته وغاية وجوده الإنساني.
وكل نظام لا يقوم على أساس هذا التفسير فهو نظام مصطنع لا يعيش إلا فترة، يشقى بها الإنسان بإهدار كرامته وخراب أسرته وضياع عرضه وتسخيره بيد من لا يرحمه، وذلك لبعد الشقة بين ما استورد عليه باسم التطوير، ودين الفطرة الإنسانية حتما.
خذ صورة مثال واحد من التلازم الوثيق بين طبيعة التصور الصحيح لحكم الله وبين طبيعة النظام الاجتماعي.. تحريم الزنى ودواعي قربانه من إظهار الزينة وإبداء المفاتن المغرية عليه، وشرع العقوبة الرادة عن ارتكابه، إذا تصورت مفاسده الوخيمة وآثاره السيئة من هتك العرض وضياع النسب وزوال العفة والشرف وتبادل الخيانة الزوجية، تمنيت زيادة العقوبة على مرتكبه، خصوصاً إذا ارتكبه في حقك، فهذا من التلازم والارتباط الوثيق بين حكم الشرع وطبيعة النظام الاجتماعي بالمعقول الصحيح.
ثم أعكس الأمر ولاحظ أن
المرأة المزنى بها أخت لكل إنسان إن لم تكن بنت لكل إنسان، فالذي يرضى بزناها ولا تأخذه الغيرة في إقامة حد الله على الزانيين بلا رأفة في دينه، هو ديوث عقلاً، غير مؤمن شرعاً، وكذلك من انشرح صدره لتهتك أخواته النساء وإظهار زينتهن ومفاتنهن بحجة التطور والحضارة هو ديوث، راض بعرض عرضه، وبعرض لحومهن كعرض السلعة المبتذلة.
وهو خارج عن شرف الإنسانية نازل إلى أحط الصفات البهيمية التي لا تستنكر الفساد، ولا تكترث من نزول بعضها على بعض، ولا تعرف للحرم والوكر قيمة.
فتشريعات الله الاعتقادية والحكمية ضرورة حتمية، كما أن طبيعة النظام الاجتماعية ضرورة شعورية، وقس على هذا مسائل الشرك والظلم والربا والسرقة والاغتصاب وأنواع الاحتيال وتحريم العمل على إضاعة الحياء بكل وسيلة وتحريم الجور والقتل بغير حق وإثارة الفتن والحروب والإسراف والتبذير في المال ومنع ذوي الحق حقوقهم فيه وغير ذلك مما غايته إصلاح القلب البشري وإقامة الحياة في الأرض على أسس من الحق والعدل الأزليين الكامنين في بنية الكون وبنية الحياة الشريفة.
ولهذا وذاك تتحتم يقظة الإنسان لحكمة التشريع الإلهي وعيه وتدبره، ضماناً لسير الأمور في الأرض على نهج ملة إبراهيم في الولاء والبراءة والحب والبغض، وعلى وفق شريعة محمد في الفروع، من العدالة والحق وصيانة الدين والعرض والكرامة
الإنسانية، استمداداً من العقيدة الإسلامية بمعناها الصحيح، فإذا لم يكن البشر واعين لحكمة التشريع وثمراته، من جلب نفع أو دفع ضرر، فلن يطبقوه على تمامه أو على وجهه الصحيح.
فالتطور أو الحضارة مثلا يجب أن تقصر على نحو تطور الإنسان في مسكنه من كوخ أو بيت طين إلى بيت حجري أو مسلح، ومن ركوب الإبل والخيل والحمير إلى ركوب السيارة والقطار الحديدي والطائرة ونحوها، ومن التروح بمروحة الخوص ونحوها إلى مراوح الكهرباء والمكيفات، ومن سرر الجريد وفرش الحصر والليف إلى سرر الحديد والأخشاب اللطيفة والفرش الناعمة المتنوعة الجديدة، وكذلك تطوره في الدفاع الحربي من الرمي بالنبال والطعن في الرماح إلى الرمي بالرصاص والقذائف النارية والمدافع والألغام والقنابل اليدوية والسيطرة على الجو وغير ذلك من أنواع القوة.
وكل ما هو قابل للتطور الصحيح بصفة لا ينشأ منها مفسدة تنخرم معها المصلحة بما فيه مجال للتطور وقابلية، يختلف وضعه باختلاف الزمان والمكان مما أبهمه الله وعممه، كالأمر بالاستعداد بالقوة ليشمل كل قوة تحدث، ويستوجبه الدفاع من جميع أنواع المخترعات على مدى الأجيال والأزمنة، وكالأمر بالعدل والشورى، أطلقه ليكون على الطرق التي تقضيها حالة المجتمع من هيئة الحكم وتفريعها وتنويعها، ومن صورة الشورى، ومما تتكون منه انتخاب أو تعيين، وهل هو من رؤساء عشائر أو وجهاء بلاد
أو رجال علم وفن، حسب ما تقتضيه الأوضاع المستقبلة، وكسياسة الاقتصاد السليمة مما حرم الله، وسياسة الهجرة والسياحة التي مدار الأمر فيها على التفكير في آيات الله وملكوته والفرار بالدين من الفتن وتبليغ الرسالة والدفع بالملة المحمية إلى الأمام، ومدار النهي عنها؛ الأشر والبطر والبذخ والإلقاء بالنفس في المهالك الحسية أو المعنوية، فاطلق الله تنويعها سلباً وإيجاباً إلى ما يقتضيه التطور وفق الحكمة الصحيحة والأمور المستقيمة، وهكذا.
ولا يجري التطور على العقيدة والأحكام الأصيلة والأخلاق الزكية المشروعة، فإنه حينئذ يكون كفراً أو شركاً وإلحاداً وانحرافاً وانحطاطاً من الفضيلة إلى الرذيلة.
أما العقيدة فهي التي تطور السلوك والأحكام وتتكيف به الأوضاع على وفق حكم الله، كما أنزل ليقوم الإنسان بحق الألوهية فعلا، كما نطق به قولاً، ويصدق مع الله في إخلاص عبادته.
وقد زادت فتنة الناس بعقولهم حين تطوروا بإنتاج المخترعات واكتشاف أنواع الماديات، فكانت هذه الفتنة على حساب الروح وحساب الطاقة التي تتصل بالله وتوقن بالغيب، الذي هو مصدر البداية للخير، وجميع هذه الكشوف والمخترعات ليست هي التي توجه الحياة أو تحكمها، وإنما يحكمها طريقة الاستفادة من ذلك حسب نور الله، أو التخبط في الظلمة، أفي سبيل الخير أو الشر؟ وفي سبيل السلم أو الحرب؟ والعقل يميز بين الخير والشر سطحياً، ولكن ليس هو الذي يقرر الطريق