المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المعاصي ونسيان العلم - دروس الشيخ عائض القرني - جـ ١٦٤

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة

- ‌لا بد من الاعتراف بالتقصير

- ‌كلمات قليلة تحمل معانٍ عظيمة

- ‌قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌إبراهيم عليه السلام يناظر النمرود

- ‌إبراهيم يقذف في النار

- ‌قصة موسى عليه السلام

- ‌موسى حفظ الله في الرخاء

- ‌الله جل وعلا يأمر موسى بالذهاب إلى فرعون

- ‌أهل مصر وثلاثون ألف ساحر يقفون ضد موسى وأخيه

- ‌الله جل وعلا ينجي موسى عليه الصلاة والسلام

- ‌قصة يونس عليه السلام

- ‌قصة يوسف عليه السلام

- ‌يوسف يسبح الله في البئر

- ‌يوسف وامرأة العزيز

- ‌أمثلة لمن لم يعرف الله في الرخاء

- ‌البرامكة

- ‌أحمد بن أبي دؤاد لم يعرف الله في الرخاء

- ‌القاهر الخليفة العباسي ما عرف الله

- ‌نماذج من التابعين وممن تبعهم ممن عرفوا الله

- ‌عمر بن عبد العزيز عرف الله

- ‌عبد الله بن المبارك عرف الله في الرخاء

- ‌الوزير ابن هبيرة

- ‌نداء إلى كل مسلم ومسلمة

- ‌الأسئلة

- ‌شاب يعود إلى المعاصي بعد رمضان

- ‌المجاهدون الأفغان يعيشون أصعب المواقف

- ‌الوقت عمرك فافعل به ما تشاء

- ‌فضل الدعاء في السحر

- ‌شكر نعمة الرخاء في العيش

- ‌الأسواق وخروج المرأة إليها

- ‌المعاصي ونسيان العلم

- ‌الشعراء والهجاء بين القبائل

- ‌السنة في تطبيق السنة

- ‌حكم من يعمل في قطاع الموسيقى العسكرية

الفصل: ‌المعاصي ونسيان العلم

‌المعاصي ونسيان العلم

‌السؤال

عندما سئلت في أحد المحاضرات عن طريقة حفظ كتاب الله وكتب السنة قلت: إن كان يرتكب المعاصي فتجده ينسى دائماً وأبداً،

و

‌السؤال

ما هي الطريقة التي على المرء اتباعها لكي تبقى هذه الكتب وخاصة كتاب الله عالقة في الذهن، علماً أنني أحس أنني لا أرتكب المعاصي؟

‌الجواب

في هذا السؤال مسألتان، وأبدأ بالمسألة الأخيرة التي أعتبرها الأولى بالنسبة لي:

المسألة الأولى: وهي أن السائل كأنه يزكي نفسه، يقول: أنه لا يرتكب المعاصي أو أنه ليس عنده شيء من المعاصي فيما يعلم، وهذه تزكية والله سبحانه وتعالى يقول:{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21] كلنا مخطئون، وأبونا آدم سن لنا الخطيئة فقلدناه، وتاب فينبغي أن نقلده في التوبة، ومن شابه أباه فما ظلم، فعليك أن تعرف أن عندك ذنوب، وأنك ما طهرت ولا طهرنا من الذنوب والخطايا {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} ولو من الصغائر.

الأمر الثاني: نعم ذكرت أن من أسباب النسيان المعاصي لكتاب الله ولغيره من العلم قال سبحانه وتعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 13] والحظ الذي ذكروا به قالوا هو العلم، وفي بعض الآثار:[[إن العبد ينسى الباب من العلم بالذنب يصيبه]] ونظر بعض الناس إلى امرأة لا تحل له، قال له أحد الصالحين: تنظر إلى الحرام؟ والله لتجدن غبها وعقوبتها ولو بعد حين قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة.

شكا الشافعي إلى وكيع سوء حفظه، عله أن يجد مأكولاً يقوي حفظه وقد روي عن الزهري أنه قال: جربت المأكولات فما وجدت كالزبيب للحفظ.

فأتى الشافعي إلى وكيع بن الجراح الرؤاسي فسأله ما هو دواء سوء الحفظ؟ قال: ترك المعاصي.

لا أكل الزبيب ولا البطاطس ولا البقدونس، إنما تقوى الله واجتناب المعاصي، فيقول في بيتين:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي

وبعض الناس تجده ولياً عابداً خاشعاً زاهداً تالياً لكتاب الله لا يعرف كثيراً من المعاصي لكن لا يحفظ آية، ربما ينسى اسمه الثلاثي، يتحفظه في الصباح وينساه مع الظهر، فما الحل؟ نقول: هذه جبلة، فإن بعض الناس فيه جبلة عجيبة، ينسى كل شيء، حتى يروى عن بعضهم أنه: طلب العلم ما يقارب عشر سنوات، فأخذ سطرين يكررها من صلاة العشاء إلى قرب الفجر ثم نام، فاستيقظ في الصباح وقال للجارية: أتذكرين السطرين الذين كنت أكرر في البارحة؟ قالت: هي كيت وكيت.

قال: ألهمك الله الشهادة ذكرتني العلم.

فبعض الناس، قد لا يحفظ الفاتحة وهو وراء الإمام أربعين سنة؛ والله سبحانه وتعالى هو الذي يقسم الذكاء ويقسم العي، وهذا لا يعني أنه باخس الحظ مع الله، بل قد يكون من الأولياء الكبار.

ابن الراوندي الملحد الذي سماه الذهبي الكلب المعفر، كان من أذكياء الناس، قال: كان ذكياً ولم يكن زكياً؛ كلب معفر، هاجم الإسلام، هاجم السنة، ملحد، زنديق، وقف على نهر دجلة عنده كسرة خبز يأكلها وهو فيلسوف، وكم حسب علينا من فلاسفة! ابن سيناء، والفارابي، وابن الريوندي حسبوا علينا ونحن منهم براء، وهم منا براء.

وقف ابن الراوندي يأكل كسرة خبز، فمر مولى من الموالي معه خيول ومعه تاج ومعه ذهب ومعه أموال، فالتفت إلى السماء وقال: أنا الفيلسوف الذكي تعطيني كسرة وتعطي الخادم هذه الخيول! هذه قسمة ضيزى! ثم رمى الكسرة في النهر.

ولذلك سخط الله عز وجل عليه.

ولما مدحه ابن خلكان قال ابن كثير: ترجم له ابن خلكان ومدحه؛ لأنه شاعر وذكي، وكأن الكلب ما أكل له عجيناً!

ومن الأذكياء أيضاً أبو العلاء المعري كان من أذكياء الناس، لكنه زنديق فيما يؤثر عنه إلا أن يكون تاب، وتجد بعض الصالحين لا يحفظون كثيراً من الحديث، إذاً -يا أخي- ليست العبرة بالحفظ، حتى يقول الذهبي في ترجمة ابن الرواندي: فحيا الله البلادة بالتقوى! ولعن الله الذكاء بالزندقة!

ص: 32