المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدين إلى أجل وأحكامه - دروس للشيخ ابن جبرين - جـ ٥

[ابن جبرين]

فهرس الكتاب

- ‌أحكام المداينات

- ‌الاستدانة وحكمها

- ‌تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من المغرم

- ‌الميت معلق بدينه حتى يقضى عنه

- ‌الدين إلى أجل وأحكامه

- ‌مسائل محرمة ومشتبهة في البيوع

- ‌الديون وحاجة الناس إلى الوثائق

- ‌حكم الحوالات

- ‌بيع النقد بالنقد ديناً

- ‌بيع الدين بالدين

- ‌بيع ما لا يملك

- ‌مسألة بيع العينة

- ‌مسألة التورق

- ‌الأسئلة

- ‌حكم بيع التمر بالتمر

- ‌حكم تأخير باقي النقود عند صاحب البقالة

- ‌لا يشترط سؤال الإمام أهل الميت هل عليه دين

- ‌حكم الاحتيال في قضاء الدين عن المدين من الصندوق الخيري

- ‌حكم البيع والشراء في الأسهم

- ‌حكم بيع السلعة بزيادة عما حدده صاحبها وأخذ الزيادة

- ‌حكم من طلق الرابعة من نسائه ثم تزوج الأخرى مباشرة

- ‌حكم شراء المزرعة ديناً عن طريق غني ديناً

- ‌حكم أخذ نعال أخرى بدلاً عن نعاله التي أخذت في المسجد

- ‌حكم توكيل المستدين لمن دينه في بيع السيارة

- ‌حكم من استدان مالاً مع تعليق شرط الزيادة إذا تأخر عن السداد في وقته

- ‌حكم من استدان البضاعة ثم باعها ديناً من آخر

- ‌نصيحة في الرفق بالمعسرين

- ‌حكم إعارة الذهب

- ‌حكم الزيادة في الدين دون شرط

- ‌أفضلية قضاء الدين المقسط بأقرب وقت

- ‌لزوم نقل السيارة من مكانها بعد بيعها

- ‌من تعامل بالربا هل يأخذ المبلغ على ما اتفقا عليه مع الزيادة

- ‌مسألة: ضع وتعجل

- ‌حكم بيع السلع قبل أن تنقل من مكانها

- ‌حكم استبدال الذهب بالذهب

- ‌حكم السلف إلى أجل بشرط الزيادة

- ‌حكم بيع البضاعة في مكانها أكثر من مرة

- ‌بيع العينة وتحريمه في الشرع

- ‌حكم بيع ما لا يملك

الفصل: ‌الدين إلى أجل وأحكامه

‌الدين إلى أجل وأحكامه

وبعد أن عرفنا هذه المقدمة في النهي عن التسارع في الدين نذكر بعض الأمثلة، فمعلوم أن الدين في الأصل هو: تأخير الثمن للسلعة التي يشتريها، وتحديد أجل لوفاء الثمن، سواء كان الأجل واحداً أو عدداً، وهو ما يعبر عنه بالأكثر، والأصل في ذلك أنه مباح، والأصل كذلك أيضاً أن الثمن إذا لم يكن نقداً، فإن للبائع أن يزيد في الثمن مقابل الأجل، بمعنى: أنه إذا جاءه إنسان ليشتري منه مثلاً ثوبين أحدهما بنقد والآخر بدين، فإن له أن يقول مثلاً: الذي بنقد أبيعه بعشرين ريالاً، والذي بدين أبيعه بأربعة وعشرين ريالاً، فالزيادة مقابل الأجل، هذا شيء معروف ومعلوم بين الناس.

ولا التفات إلى من منع من الزيادة في الثمن، فإن الناس أحرار في أموالهم، ولهم ألا يبيعوا إلا بما يناسبهم، ولكنا نقول: إن على المسلم الرفق بإخوته المسلمين، وعدم الإضرار بهم، بحيث يزيد عليهم زيادة ترهقهم، سيما إذا علم أن أخاه مضطر إلى هذه الاستدانة، ومستعد لأن يأخذ السلعة ديناً ولو كان بأضعاف الثمن، هذا نعتبره من الإضرار الذي منعت منه الشريعة، والله تعالى منع من الضرر مطلقاً، لقوله:{وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282]، ولقوله:{وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق:6] وأشباه ذلك، فكذلك ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال:(لا ضرر ولا ضرار).

كثير من الناس إذا رأى المضطرين انتهز فرصة اضطرارهم، فضاعف عليهم الثمن، فبدل ما تكون السيارة بأربعين ألفاً نقداً يبيعها لهم بسبعين ألفاً أو نحوها، وبلا شك أن هذا الأصل فيه الإباحة، ولكن ليس له أن يضر أخاه ويضاعف عليه الثمن، وينتهز حاجته وشدة فاقته، وضرورته إليها؛ وذلك لأنه يسبب مضاعفة الدين على أخيه، ونعرف أناساً يتضاعف عليهم الدين أكثر مما كان يتضاعف عليهم الربا، فمن ذلك أن أحدهم -مثلاً- استدان سيارة لحاجته بسبعين ألفاً، وقيمتها نحو الخمسين أو الأربعين ألفاً، فمتى حلت السبعون عليه جاء إليه صاحبها وقال: إما أن تعطيني وإما أن أشتكي، فيحتاج إلى أن يشتري منه أو من غيره ما يساوي سبعين ألفاً بمائة ألف، فيوفيه السبعين، وتبقى في ذمته مائة ألف، ثم تحل بعد سنة المائة الألف فيحتاج إلى أن يستدين ما يساوي مائة ألف بمائة وخمسين، ثم تحل المائة والخمسون فيأتي إليه ويقول: أعطني، فيستدين ما يساوي مائة وخمسين بمائتين وعشرين مثلاً، ثم بعد ذلك بثلاثمائة، ثم بأربعمائة، وهكذا إلى أن يصل إلى عشرات أو إلى مئات الألوف، بل وإلى الملايين، وسبب ذلك الدين الأول.

فنحن نقول: عليك أن ترفق بأخيك أولاً، فلا تضاعف عليه هذه الأضعاف الكثيرة، ثم عليك بعد ذلك ألا تشدد عليه في الطلب، ولا تكلفه على أن يستدين، قال الله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] أي: إذا عرفت أنه ذو عسرة ليس عنده أي شيء فأنظره وأخره إلى أن يجد، (فنظرة) يعني: صبر وتأخير إلى أن يجد ولو بعد سنوات، ولا تكلفه أن يستدين فيتضاعف عليه الدين، ثم يعجز بعد ذلك، هذا هو الذي يجب من الرفق بالإخوان المسلمين، وأن المسلم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإن هذا شبيه بما كانوا في الجاهلية يفعلونه، وقريب منه، إذا جاء الدائن قال للمدين: أعطني ديني أو أبيعك بدين آخر وتوفي الدين الأول، وهو ما يعنونه بقولهم: إما أن تعطيه وإما أن ترضيه، فندعو إلى الرفق بالإخوة المسلمين، الذين هم بحاجة إلى الاستدانة ومضطرون إليها، ألا يشدد عليهم بهذه الزيادة التي تثقل كواهلهم.

ص: 5