الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا التخويف والتحذير وعَّر هؤلاء طريق الفهم السليم للكتاب والسنة، وصدوا عن سبيل الله بعلم أو بغير علم، وجعلوها معوجة للسالكين فيها.
وقد خالفوا بذلك كتاب الله الذي يأمر باتباع الدليل مطلقاً، وبالبصيرة أبداً، وينهى عن التقليد والسير على منهاج الآباء والأجداد دون دليل وبرهان، وخالفوا الرسول صلى الله عليه وسلم الآمر بتبليغ حديثه مما نطق به صلى الله عليه وسلم، حيث يقول:[نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها] . وقوله: [وبلغوا عني ولو آية] .
4- إيقاف العمل بالشريعة في كثير من نواحي الحياة
.
لا يشك مسلم يفهم الإسلام في الوقت الحاضر أن الشريعة الإسلامية قد أقصيت إلا قليلاً عن مجالات حياة المسلمين، وذلك في شؤون كثيرة؛ كالحكم، والسياسة، وكثير من المعاملات، والحدود، والتربية، والاجتماع، والآداب العامة.
وكان لهذا أسباب كثيرة؛ كغلبة الكفار على أرض الإسلام وغرس أفكارهم وتقاليدهم وعاداتهم في بلاد الإسلام.
وكان من ذلك أيضاً مما نحن بصدده: جمود حركة الاجتهاد الفقهي، وذلك بالوقوف فقط عند ما دونه أئمة الفقه في عصور قديمة استحدثت بعدها كثير من الأقضيات والحوادث في شتى شئون
الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان لابد من حركة فقهية تحكم هذه الأمور؛ لتعطي المسلم الحركة الصحيحة بإسلامه في المجتمع الذي يعيش فيه.
ولكن هذا الجمود في الفقه وانفصال السلطة السياسية عن المنهج الإسلامي أدى إلى شل حركة المسلمين، وجعلهم حيارى بين ما يأخذون وما يدعون فيما جدَّ من أمورهم، وكانت الغلبة بالطبع للتيار القوي الذي تقوم عليه أجهزة الحكم وتوجهه أجهزة الإعلام المسخرة للسلطة السياسية.
وكان لهذا كله آثاره في انطماس طريق الإسلام وشريعته، وغياب المعنى الحقيقي لشهادة المسلم: أشهد أن محمداً رسول الله.
والمنهج السلفي لفهم الإسلام والعمل به يضع نصب عينه تذليل هذه العقبات التي حالت بين الناس ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن ينادي دائماً بالقول بتحريم التقليد، ويوجب على كل مسلم السؤال عن القول بدليله من الكتاب والسنة.
ولا يعنى هذا أننا نوجب على كل أحد أن يكون مجتهداً، لا؛ إنما نأمر كل أحد بأن يكون متبعاً للدليل، باحثاً عن الحجة من كتاب ربه أو سنة نبيه.
وبذلك تتوحد صفوف الأمة، وينمو فيها معرفة الكتاب والسنة، وتزكو فيها الروح العلمية والمسامحة الأخوية، ولا يستطيع مضل أن يضلها بسهولة؛ لأن ميزان الكتاب والسنة سيكون منصوباً لكل مفت ومتحدث في الدين، وبذلك أيضا يعظم عند المسلمين شأن الرسول
صلى الله عليه وسلم، وتعظم شأن متابعته. وكذلك نلجم الألسنة التي تفتي دائماً بغير دليل عندما تعلم أن الناس لا يقبلون قولاً إلا بدليل وحجة، فإذا قال رأيه للناس؛ قال: هذا حكم الشارع؛ طالبه الناس بدليله من قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبالأمرين السابقين وغيرهما يفتح للناس ميدان جديد لدراسة جادة للقرآن والسنة، فتجدد حياة الأمة، ويشع نورها، وتتضح معالم الطريق أمامها، ولا يستطيع أي من الناس -مهما كان دوره- أن يضل الناس -إلا أن يشاء الله- وأن يقودهم خلفه كالسائمة.
وإذا أحيينا فقه الكتاب والسنة على هذا النحو؛ استطعنا أن نوقف تيار العصر الإلحادي عند حده، وذلك أننا سنوقف الناس أمام مسؤولياتهم؛ فنحن نقدم لهم قول الله وقول رسوله لا قول فلان وفلان، فإن أذعنوا؛ فقد أسلموا، وإن جحدوا وأنكروا؛ فقد كفروا.
وبذلك تتضح السبل، ويحيا من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.