الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبداً، فقيراً أو غنياً، عاجزاً أو قوياً، وحسبنا أن الله سبحانه وتعالى عاتب رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه انصرف عن عبد الله بن أم مكتوم الأعمى إلى سيد من سادات قريش؛ يدعوه، ويلح عليه؛ منصرفاً عن هذا الذي جاء يطلب الهداية.
قال تعالى: {عبس وتولى* أن جاءه الأعمى* وما يدربك لعله يزكى* أو يذكر فتنفعه الذكرى}
(عبس: 1-4) .
يعني الله عز وجل هذا الأعمى.
ثم قال: {أما من استغنى* فأنت له تصدى} (عبس: 5-6) .
أي: هذا القرشي الذي رأى نفسه مستغنياً عن دعوة الله، فتتصدى أنت له؟!
قال: {ما عليك ألا يزكى} (عبس: 7) .
أي: ما يضيرك لو لم يتزك هذا المستكبر المستغني.
ثم قال: {وأما من جاءك يسعى* وهو يخشى* فأنت عنه تلهى} (عبس: 8-10) .
أي: لا تفعل! لا تتلهى عن هذا الذي جاءك يخاف الله ويطلب مرضاته!
ويعنينا الآن أن نفهم أن هذه المهمة الأولى والهدف الأول للدعوة الإسلامية هو مقصود الرب جل وعلا، وهو بذل الهداية؛ ليهتدي من يوفقهم الله، ويشرح صدورهم، أياً كان هؤلاء.
ثانياً: المجتمع المسلم الذي تكون كلمة الله فيه هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى:
الهدف الثاني للدعوة السلفية هو إيجاد المجتمع المسلم الذي يقوم بتآلف تلك اللبنات التي ربيت على أساس الإسلام عقيدة ومنهجاً.
وذلك أن لله أحكاماً في المعاملات، والحدود، والسياسات
العامة، والحكم؛ لا يمكن تطبيقها؛ إلا بأن يدين المجتمع بدين الله، ويذعن لشريعته.
وكذلك لا يجد المسلم بالمفهوم الحقيقي لمعنى الإسلام متنفسه وراحته وأمنه وطمأنينته إلا في ظل مجتمع مسلم؛ يحكم بشرع الله، ويعظم حرماته، ويحي شعائره.
ومنذ أن غلب الكفار على أرض الإسلام فمزقوها وأحلوا كفرهم وأنظمتهم وشرائعهم محل شريعة الله ونظامه، والمسلمون في جميع أمصارهم يعانون من هذا البلاء، ويحنون في شوق ولوعة إلى العيش في ظل نظام إسلامي صحيح، تشيع فيه المحبة بين الحاكم والمحكوم، وتختفي فيه المظالم، ويأمن الناس على أموالهم وأعراضهم، وتسود فيه المحبة والإيثار والإخلاص، ويرجع به للمسلمين عزهم ومجدهم الغابر، ويرتفع به الظلم والحيف والفتنة الواقعة على المسلمين في أغلب البلاد.
ولكن مناهج الدعوات للوصول إلى هذه الغاية قد تشعبت وتشتت، وكل منهج في الإصلاح والتربية يحتكر الوصول إلى الهدف وحده؛ غير مقدر للعقبات الهائلة التي وضعت في هذا السبيل.
ومن هذه العقبات على طريق المثال لا الحصر: تلك الردة الجماعية الهائلة في الشعوب الإسلامية، وذلك بعد الصياغة الرهيبة التي صيغت بها عقول أبناء المسلمين، وذلك بالثقافة والقيم المنافية للإسلام، وقد ساعد على هذه الصياغة وسائل الإعلام الضخمة التي
تملكها أيدي غير إسلامية، ومناهج التعليم التي وضعت بأمر المستعمر وتخطيطه.
أقول: لم يقدر أصحاب مناهج الإصلاح والدعوات الإسلامية ضخامة العبء الواقع في طريق إقامة مجتمع إسلامي، وتصوروا قيامه بين عشية وضحاها، وبجهود مئة فرد أو مئتين، أو ألف أو ألفين، ولم يدروا أن الأمر أصبح أعظم من هذا؛ إذ يحتاج إلى جهاد وصبر طويل وسنين طويلة؛ في التربية، والتعليم، ونشر الإسلام الصحيح، والتعاون الكامل بين جميع العاملين في حقل الدعوة إلى الله؛ طبقاً للأصول العلمية السلفية السابقة.
ومما يحيرك في أمر تلك المناهج المشار إليها آنفاً أنهم عندما يتخيلون مجتمعاً إسلامياً وحكماً إسلامياً؛ فإنهم لا يجعلون الحكم العثماني مثلاً نموذجاً له، ولا يتواضعون فيرضون أن يكون على مثال الحكم العباسي، ولا يعجبهم أيضاً أن يكون على طراز أموي.. يريدون أن تكون خلافة راشدة.. وأيضا كحكم الشيخين أبي بكر عمر!!
وهذا التصور حسن في ذاته، ولكن هؤلاء المتشدقين بالحكم الإسلامي، الزاعمين الدعوة إليه؛ لا تجد في أخلاقهم وأعمالهم وسلوكهم وعلمهم ما يؤهلهم أن يكونوا أفراداً من هذا المجتمع؛ فضلاً عن أن يكونوا مسؤولين عن إقامته؛ فالأثرة، وحب النفس، والشح، والخوف، والاستبداد، والتعصب للرأي المخالف، والمجادلة بالباطل؛ كل هذه أمراض بلوناها في كثير من هؤلاء المتشدقين، وهي أمراض يسيرة إذا قيست بما هو أعظم منها مما لا يحسن ذكرها
في هذه الخلاصة.
والمهم أن أولئك الحالمين بالحكم الإسلامي المتشدقين به بعيدون بعد المشرق والمغرب عن أهدافهم التي يدعونها، فضلاً عن تعجلهم وجهلهم الفاضح بمجريات الأمور من حولهم، ولذلك تتبدد طاقتهم، وتذهب جهود العاملين معهم أدراج الرياح.
ومما يجعل تلك المناهج بعيدة كل البعد عن أهدافها: عدم وضع أصول محددة لفهم الإسلام والعمل به.
وبذلك يصطدم أفراد الدعوة بالاجتهاد الفردي الذي لا يحتكم إلى أصول واحدة، أو بالواقع المرير الذي تحياه أمة الإسلام، فيقع التمزق والضياع، أو اليأس ثم الانحراف.
وقد ظهرت جماعات كثيرة، كثر أفرادها، ولكن سرعان ما تشتت وتمزقت وحدتها؛ لأن أصول فهم العقيدة والشريعة والعمل بالإسلام لم تكن واضحة محددة.
والمنهج السلفي يراعي هذا كله؛ فيؤسس بنيانه على أصول ثابتة لفهم الكتاب والسنة وتوحيد الكلمة والوصول إلى الحق، ويربي أفراده تربية سليمة وفق الأصول العلمية السابقة: التوحيد، الاتباع، التزكية، ويراعي حاضر العالم الإسلامي في الوقت الحاضر، والعقبات العظيمة التي وضعت في سبيل استئناف المسلمين لحياة إسلامية كاملة في ظل حكم إسلامي كامل، فيصلح ما استطاع، ويوحد جهود العاملين للإسلام ما أمكن، والملك كله بيد الله وحده.
{قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك