الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الأولى
إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد:
فقد ابتلي المسلمون خلال تاريخهم الطويل بفتن عظيمة، ونسب إلى هذا الدين كثير من البدع والضلالات، وألقي على الكتاب الكريم كثير من التحريفات والشبهات، وتعرضت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم للانتحال والوضع تارة، والرد والإبطال تارات.. وكانت الواحدة من هذه العظائم كافية لطمس معالم الدين،
وتضيع أصوله، وتشويهه، وإتلافه؛ لولا أن الله سبحانه وتعالى شاء حفظه وأراد، ورد كيد أعدائه، وجعل سعيهم في تحريفه إلى ضلال، وهيأ في كل عصر من عصور الإسلام من ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، ولولا ذلك؛ لانطمست طريق هذا الدين كما انطمست اليهودية والنصرانية.
ولقد كانت هذه الحركات التصحيحية التجديدية لهذا الدين هي الحركة السلفية التي حافظت على أصول هذا الدين نقية خالصة، ونفت عنه كل بدعة، وردت عنه كل ضلالة، وصححت كل تأويل وتحريف.
فالصحابة العدول رضي الله عنهم نقلوا الأمانة كاملة، وبلغوها غير منقوصة، ووقفوا بالمرصاد لكل تأويل باطل وكل انتحال وتحريض، وحمل الراية من بعدهم علماء التابعين ومن وراءهم.
وفي عهدهم اتسعت دائرة الأمة الإسلامية، وكثر الداخلون من الفرس والروم والشعوب الأخرى، وأراد بعضهم أن يدخل في الدين ما ليس منه؛ بقصد أو بغير قصد، فقام هؤلاء العلماء الأجلاء حراساً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحفظ لنا التاريخ جهادهم في هذا السبيل؛ حرباً للمبطلين، ورداً للزيف عن هذا الدين، ووقوفاً في وجه انحراف الحكم والسياسة، ونشراً للدين النقي الخالص في كل الربوع، حتى سلموا الراية لمَن بعدهم في العلم والإيمان كاملة، عزيزة الجانب، ظاهرة عالية.
وما يزال هذا الدين يخوض المعركة برجاله المخلصين وأبنائه البررة الميامين، الذين أخلصوا دينهم لله، فآمنوا بكتاب الله كما أنزل، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاءت، وتمسكوا بهما، وعضوا عليهما بالنواجذ، وحاربوا كل أفاك أثيم، يروم حمى هذا الدين؛ تحويلاً له وتحريفاً، أو زيادة له ونقصاً، وتمزيقاً له وتقطيعاً.
وفي عصرنا الراهن زادت الهجمة على هذا الدين، وتميزت قلوب الكافرين عليه من الغيظ؛ أن دامت سيادته كل هذه القرون، واستمر عزه كل تلك السنين.. ورأوا من أبناء الإسلام غفلة عن كتاب ربهم وسنة رسوله الذين كان بهما العز والنصر والغلب، فأمكنوا السيوف من رقابهم، وأعملوا الفساد في هذا الدين برجال أعدوهم لهذا، ودربوهم عليه من أبنائهم أولاً، ونشؤوا من أبناء المسلمين تلامذة لهم، يقولون ويعتقدون مثل ما يعتقدون، فحارب الإسلام أبناؤه، وطعن الكتاب والسنة ورائهما. وليس لهذه الفتن الماحقة إلا رجال ينشؤون على الطراز الأول والمنهاج الأنف الذي كان به العز والسيادة والنصر والتمكين.
ورحم الله مالكاً إذ يقول: "لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
رجال يعلمون الكتاب كما أنزل، والسنة كما بلغت؛ حسب الأصول والقواعد التي وضعها علماء السلف؛ جيلاً بعد جيل، وعصراً بعد عصر، ويقفون بعد ذلك
في وجه هذا الباطل الزائف الذي ملأ الأرض شراً أو كاد.
والله غالب على أمره، وقد شاء أن تظل طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة ظاهرة إلى قيام الساعة.
وهذه الرسالة الموجزة المختصرة بيان واضح للأصول التي ابتنى عليها مذهب علماء السلف في فهمهم للكتاب والسنة والعمل بهما، أردنا بها توضيح الطريق لسالكها؛ حتى لا تختلط الدروب، ويعمى على الناس الطريق المستقيم من الطرق المعوجة الهالكة.
والله أسأل أن ينفع بهذا البيان ما بقيت الدنيا؛ إنه سميع مجيب، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.
عبد الرحمن عبد الخالق
الكويت ربيع الثاني 1395 هـ