الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحلول وغير ذلك من عقائد الفرس والهنادك، ثم إسقاط التكليف جملة، والقول في القضاء والقدر بمراد الله مطلقاً، حيث جعل المطيع والعاصي سواء، بل فضَّل العاصي على الطائع..
وقد فصلنا هذا الفكر بحمد الله في كتابنا "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة".
وفي مقابل هذا الفكر الصوفي قام الجمود الفقهي الذي جعل النصوص حرفيات مرادة لذاتها، وظواهر لا معنى وراءها، وخاصة بعد أن صُبَّت أحكام الكتاب والسنة في قوالب من صنع البشر، أشبه بقوالب التقنين.
وبعد أن بعد الناس عن المصدر الأصيل -كتاب الله وسنة رسوله-؛ تعاملوا مع هذه القوالب الكلامية البشرية، ولم يشعروا تجاهها بتلك الرهبة والتقديس؛ كما يكون التعامل مع كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك سهل عليهم التحايل على هذه القوالب، فأحلت معاملات كثيرة: ظاهرها العقد الشرعي، وباطنها الحرام، ومن ذلك: بيوع العينة، ونكاح المحلل، والربا في صور البيع، والزنى بصورة الهبة دون ولي وإشهاد.
ثم توسع الناس في اتباع الأقوال والآراء، فأصبح كل قول في الدين حجة ما دام أنه لشيخ ما أو لعالم ما، وبذلك ضعف الوازع، وانهدم ركن الأخلاق، وفسدت مناهج التزكية التي ما جاء الإسلام إلا لأجلها.
والمنهج السلفي يقوم بين المنهجين السابقين:
منهج التصوف ومنهج الظاهر الفقهي، فيحل التزكية محلها من دين الله سبحانه
وتعالى، فيجعلها غاية للمسلم؛ يسعى إليها ويتخذ لها الوسائل المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فلا تزكية بغيرهما، ولا تزكية دونهما أبداً.
وبذلك يبطل في هذا المنهج جميع الاجتهادات العبادية والسلوكية التي ابتدعت في المنهج الصوفي؛ من الانفراد في الخرائب والقبور، والعيش على طعام بعينه، والعزلة مدة محددة، وترك النظافة والتطهر، وترك الكلام، والجلوس في الشمس، وتعذيب النفس بشيء لم يأت به الشارع، وقراءة الأذكار المبتدعة، والرقص والغناء والسماع الشيطاني الذي أصبح من لوازم الطرق الصوفي.
وكذلك يبطل المنهج السلفي هذا السعي الضال وراء ما يسمى بالفتوحات والكشوف، التي ما هي إلا وساوس شيطانية وأفكار فلسفية إلحادية، كشفنا زيفها في كتابنا الآنف؛ فارجع إليه؛ لتقف على هذه الحقائق العجيبة.
ويبطل في المنهج السلفي هذه الظاهرية الجامدة التي تتعامل مع نص وتنسى أهدافه وغاياته، وهذا الفقه الأعوج الذي جعل كل قول في الدين حجة، وكل فتوى -لا دليل عليها- حكماً شرعياً، وبذلك استحلت الحرمات، وفسدت مناهج الإصلاح، وأظلمت النفوس، وخبا فيها نور الوحي السماوي: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والمنهج السلفي للإصلاح والتربية والسلوك والتزكية لا يجعل مثلاً أعلى في هذا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ هو أطهر البشر نفساً، وأعلاهم مقاماً، وأقومهم خلقاً وأرشدهم طريقة ومنهجاً؛ كما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: [إن أعلمكم بالله وأتقاكم لله: أنا] .
ولذلك يجعل هذا المنهج السلفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلقه هي الأساس بعد كلام الله في التزكية والتطهير والاتباع.
وكذلك يجعل سيرة الصحابة الأول ورجال الصدر الأول الذين تمثلوا القرآن والسنة قولاً وعملاً وخلقاً قدوة في التزكية؛ فهم المُثُل الحية لزكاة النفس وطهارتها، ولا يقاس بهم من بعدهم أبداً؛ فهم خير القرون وأنفعها للمسلمين، ويأتي بعدهم التابعون بإحسان، والعلماء العاملون في كل عصر؛ وفق ذلك المنهج السلفي الذي شرحنا أصوله آنفاً.
فالعلماء الذين اتبعوا منهج الكتاب والسنة؛ توحيداً، واتباعاً، وتزكيةً، ولم يقعوا في الشرك الظاهر، أو التأويل الباطل، أو ظلال السلوك، وترهات التصوف: هم القدوة بعد الصحابة والتابعين.
وبهذا يتحدد المنهج السلفي في التزكية.
إنه امتثال حقيقي لا ظاهري صوري لكلام الله وكلام رسوله.
ونعني بالامتثال الحقيقي: الذي يكون باطناً وظاهراً، حقيقة لا تصنعاً، إيماناً لا نفاقاً، وزكاةً وطهراً لا خبثاً ولؤماً، وطيبة يستحق المرء معها أن تسلم عليه ملائكة الله على باب الجنة:{طبتم فادخلوها خالدين} (الزمر: 73) .
فنسأل الله أن يجعلنا من أولئك الأبرار الصالحين.