الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك بالاتجاه إلى الله وعبادته حق العبادة وصدق العودة إليه جل وعلا كما قال العلاء بن زيادة: ليُنزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت، وأنه استقال ربه فأقاله، فليعمل بطاعة الله (1).
فلو أنزلنا أنفسنا في هذه المنزلة وأوقفنا أنفسنا هذا الموقف لتغيرت أحوالنا ولصلحت أعمالنا .. فصل -أيها الحبيب- صلاة مودع .. واستشعر قرب الموت ودنو الأجل يصلح عملك وينقطع رجاؤك إلا من الله عز وجل ..
تهون الدنيا في عينيك وتجعل الآخرة والسعي لها في قلبك ..
يلازمك خوف ورجاء .. وعمل وطمأنينة .. فهو خوف بعده أمن وتعب بعده راحة .. ونعيم ما بعده زوال.
وما خاف مؤمنٌ اليوم إلا أمِنَ غدًا بحُسن اتعاظه وصلاح عمله، فإننا في دارٍ أفسح الله لنا فيها بالنعم التي يسبغها علينا صباح مساء، ونحن نُضيع أعمارها في غير ما خُلقنا له، ثم إذا فاجأنا الموت صرخ البعض {رَبِّ ارْجِعُونِ} .
لما ترجع وتعود وأنت لك سنوات تسعى في هذه الدنيا
؟ هل نسيت شيئًا لترجع؟ وهل أضعت مفقودًا لتعود وتنظر؟ سنوات طويلة مرت من عمرك وأنت غافل عنها ومقصر في حقها فالآن تطلب الرجوع وترجو العودة.
نعم أنادي بالعودة {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} . وأين
(1) العاقبة: (90).
أنت عن هذا اليوم؟ ألا تعمل وأنت في سعة من الوقت وفسحة من الزمن؟
قيل لجابر بن زيد عند موته: ما تشتهي؟ فقال: نظرة إلى الحسن، فجاء الحسن، فلما دخل عليه قيل له: هذا الحسن، فرفع طرفه وقال: يا إخوتاه الساعة أفارقكم إما إلى الجنة وإما إلى النار.
ما هي إلا جنةٌ ونارُ
…
أفلح من كان له اعتبارُ
وصدق -والله- في قوله .. فهناك معبران أحدهما إلى الجنة وآخر إلى النار .. وعندها لا يستوي أصحاب الجنة وأصحاب النار .. {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} .
عن المزني قال: دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها، فقلت: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله تعالى واردًا، فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى (1).
ولما احتضر نافع بكى، فقيل ما يبكيك؟ قال ذكرت سعدًا وضغطة القبر (أي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيًا منها نجا سعد بن معاذ» (2).
(1) صفة الصفوة (2/ 258)، السير (10/ 76).
(2)
السير: (5/ 99).