الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال وهب بن منبه: كان ملك من الملوك أراد أن يركب إلى أرض، فدعا بثياب ليلبسها، فلم تعجبه فطلب غيرها حتى لبس ما أعجبه بعد مرات، وكذلك طلب دابة فأُتي بها فلم تعجبه، حتى أُتي بدواب فركب أحسنها، فجاء إبليس فنفخ في منخره نفخة فجلاه كبرًا، ثم سار وسارت معه الخيول وهو لا ينظر إلى الناس كبرًا، فجاءه رجل رث الهيئة فسلم، فلم يرد عليه السلام، فأخذ لجام دابته، فقال: أرسل اللجام فقد تعاطيت أمرًا عظيمًا. قال: إن لي إليك حاجة، قال: اصبر حتى أنزل، قال: لا، الآن. فقهره على لجام دابته فقال: اذكرها، قال: هو سر، فأدنى له رأسه، فسارَّه وقال: أنا ملك الموت، فتغير لون الملك واضطرب لسانه ثم قال: دعني حتى أرجع إلى أهلي وأقضي حاجتي وأودعهم، قال: لا، والله لا ترى أهلك وثقلك أبدًا، فقبض روحه فخر كأنه خشبة.
ثم مضى فلقي عبدًا مؤمنًا في تلك الحال
، فسلم عليه، فرد عليه السلام فقال: إن لي إليك حاجة أذكرها في أُذنك، فقال: هات، فسارَّه وقال: أنا ملك الموت، فقال: أهلاً وسهلاً بمن طالت غيبته عليَّ فوالله ما كان في الأرض غائب أحب إليَّ أن ألقاه منك، فقال ملك الموت: اقضِ حاجتك التي خرجت لها، فقال: مالي حاجة أكبر عندي ولا أحب من لقاء الله تعالى، قال: فاختر على أي حال شئت أن أقبض روحك؟ فقال: تقدر على ذلك؟ قال: نعم إني أمرت بذلك، قال: فدعني حتى أتوضأ وأصلي ثم اقبض روحي
وأنا ساجد، فقبض روحه وهو ساجد (1).
أما -والله- سيأتي يوم مثل يومي .. وسيمر عليك ما مر بي .. ألا فاعتبر.
قال أنس بن مالك: ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن: أول يوم يجيئك البشير من الله -تعالى- إما برضاه، وإما بسخطه، ويوم تُعرض فيه على ربك آخذًا كتابك. إما بيمينك وإما بشمالك. وليلة تستأنف فيها المبيت في القبور ولم تبت فيها قط، وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة (2).
روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال: من أنت؟ فقال: من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرُشا. قال: فإذًَا أنت ملك الموت، قال: نعم، قال: أتيتني ولم استعد بعد! ؟ قال: يا داود أين فلان قريبك؟ أين فلان جارك؟ قال: مات. قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد (3).
أخي الحبيب .. أيام عمرك أيام قلائل، ولحظات محسوبة، وأنفاس معدودة، لو أردت زيادة في عمرك ولو للحظات -مقابل أموال الدنيا أجمع- لما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فكيف بك الآن تضيعها في غير طاعة الله؟ .. تنفق الساعات الطوال في لهو ولعب
(1) الإحياء: (4/ 496).
(2)
التذكرة: (98).
(3)
التذكرة: (48).