الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
71 - بَابُ اسْتِعْمَالِ الْمُضَبَّبِ بِالْفِضَّةِ أَوِ الذَّهَبِ
495 -
حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
◼ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: ((أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ)) قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ القَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ.
[الحكم]:
صحيح (خ).
[اللغة]:
(الشَّعْبِ): ((الصَّدْع والشَّقُّ)) (النهاية في غريب الحديث 2/ 477).
[الفوائد]:
اختلف أهل العلم في ضمير قوله: ((فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ)) إلى من يعود، هل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أم إلى أنس رضي الله عنه؟ فيكون هو الفاعل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظر تفصيل الكلام في ذلك في التنبيهات.
[التخريج]:
[خ 3109 "واللفظ له" / هق 114 / خطل (1/ 249) / بغ 3032 / نبغ 1024].
[السند]:
قال البخاري: حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن عاصم، عن ابن سيرين،
عن أنس بن مالك، به.
عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة. وأبو حمزة: هو محمد بن ميمون السكري. وعاصم: هو ابن سليمان الأحول.
[تنبيهان]:
الأول: اختلف أهل العلم في ضمير (فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ) إلى من يعود، هل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هو الفاعل؟ أم إلى أنس رضي الله عنه فيكون هو الفاعل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فذهب البيهقي إلى أن المتخذ هو أنس رضي الله عنه، فقال بعد أن ذكر المتن من عند البخاري:((أخرجه البخاري في ((الصحيح)) هكذا، وهو يوهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة)). ثم استدل البيهقي بما ذهب إليه بما رواه من طريق علي بن حمشاذ العدل، قال: ثنا موسى بن هارون، وعثمان بن علي الزعفراني، قالا: ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي، قال: سمعت أبي يقول: أنا أبو حمزة وهو السكري، أنا عاصم بن سليمان، عن ابن سيرين، عن أنس:((أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْصَدَعَ فَجَعَلْتُ مَكَانَ الشَّعِبِ سِلْسِلَةً))، يَعْنِي أَنَّ أَنَسًا جَعَلَ مَكَانَ الشَّعِبِ سِلْسِلَةً. قال البيهقي عقبه:((هكذا في الحديث، لا أدري من قاله: أموسى بن هارون أم من فوقه؟ (السنن الكبير 1/ 86 - 87).
قلنا: وهذا القول عن موسى بن هارون جزم به الخطيب فقال: ((قال موسى: هذا قول ابن سيرين الذي قال: فجعل مكان الشعب سلسلة يعني أن أنسًا جعل مكان الشعب سلسلة)) (الفصل للوصل المدرج في النقل 1/ 249).
وهذا الذي قاله البيهقي؛ قد ذهب إليه فريق كبير من العلماء، منهم ابن الصلاح (المجموع شرح المهذب (1/ 257)، والنووي (خلاصة الأحكام 1/ 81)، وابن دقيق العيد (الإمام 1/ 283)، وابن كثير (إرشاد الفقيه 1/ 29)، والزركشي (التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح 2/ 687 ط الرشد)، وابن الملقن (البدر المنير 1/ 634، التوضيح لشرح الجامع الصحيح 18/ 412)، والدميري (النجم الوهاج في شرح المنهاج 1/ 260)، والدماميني (مصابيح الجامع 6/ 421)، والكوراني في (الكوثر الجاري 6/ 99)،
وقال سبط ابن العجمي: ((وفي حفظي عن أبي عمرو بن الصلاح: أن الذي سلسله أنس، لا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رأيت شيخنا قال في (باب الشرب في قدح النبي صلى الله عليه وسلم ما لفظه: (وهذا الذي عليه الحفاظ أن المتخذ له أنس بن مالك)(التلقيح لفهم قارئ الصحيح 1/ 796 دار الكمال المتحدة).
وقال الضياء المقدسي: ((قيل إن الذي سلسله أنس بن مالك)) (السنن والأحكام 1/ 31)، ووافقه الصالحي (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 361)، وبنحوه قال ابن عبد الهادي في (تنقيح التحقيق 1/ 144).
ومال إلى ذلك ابن حجر في (المدرج)، ووافقه السيوطي، انظر (المدرج إلى المدرج (ص: 32).
ولكن خالف ابنُ حجر ذلك في (الفتح)، فقال متعقبًا البيهقيَّ:((لم يتعين من هذه الرواية من قال هذا وهو (جَعلتُ) بضم التاء على أنه ضمير القائل وهو أنس، بل يجوز أن يكون (جُعلت) بضم أوله على البناء للمجهول فتساوي الرواية التي في الصحيح)) (الفتح 10/ 100).
وقال أيضًا: ((وحكى البيهقي عن موسى بن هارون - أو غيره - أن الذي جعل السلسلة هو أنس؛ لأن لفظه: ((فَجَعَلْتُ مَكَانَ الشَّعِبِ سِلْسِلَةً))، وجزم بذلك ابن الصلاح. قلت: وفيه نظر؛ لأن في الخبر عند البخاري عن عاصم قال: وقال ابن سيرين: (إنه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنسٌ أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال أبو طلحة: لا تغيرن شيئًا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يدل على أنه لم يغير فيه شيئًا)) (التلخيص الحبير 1/ 85).
وقال بنحو هذا الكلام حسين المغربي في (البدر التمام شرح بلوغ المرام 1/ 150)، وانظر (سبل السلام للصنعاني 1/ 46)، و (نيل الأوطار 1/ 93)، و (إرواء الغليل 1/ 71).
وقال الزركشي - بعد ذكر كلام البيهقي -: ((وإنما يجيء الوهم إذا ضبط الرواة (جَعلتُ) مبنيًا للفاعل، أما إن لم يضبطوا ذلك فيحتمل البناء للمفعول، وإذًا لا يتعين أن يكون الفاعل هو أنس رضي الله عنه، بل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الفاعل، وهذا أولى، لموافقته رواية البخاري، ثم على البناء للفاعل ليس فيه أن ذلك كان بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن يكون في حياته بأمره، ثم تارة أضاف الفعل إلى نفسه لأنه الفاعل حقيقة، وتارة أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأمره بذلك، كما يقال: بنى الأمير المدينة، ونحو ذلك، وعاصم فيه كلام، ثم قوله:(فسلسله) ليس فيه أن ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون في حياته، وأضاف الفعل إليه كما تقدم، وبالجملة الإجماع فيه كفاية، على أنا نقول بحجية قول الصحابي، وتخصيصه للعموم)) (شرح الزركشي على مختصر الخرقي 6/ 400).
قلنا: واللفظة التي استدل بها البيهقي، وهي قوله في الحديث:((جعلت))
هكذا مضافة إلى الفاعل، أو مبنية للمجهول كما ذهب الزركشي وابن حج - لا تصح؛ فقد رواها البيهقي من طريق علي بن حمشاذ، عن موسى بن هارون، وعثمان بن علي الزعفراني، عن محمد بن علي بن شقيق، عن أبيه، عن أبي حمزة السكري، به.
ففي هذه الرواية جمع ابن حمشاذ بين موسى بن هارون وعثمان الزعفراني، وموسى بن هارون ثقة حافظ، بخلاف عثمان بن علي الزعفراني، فليس له ترجمة إِلَّا في (تاريخ أصبهان 1/ 422)، ولم يذكر فيه شيئًا غير أنه ابن أخي الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني البغدادي قدم أصبهان مع الموفق. وترجم له الخطيب في (تاريخه 13/ 172) فلم يزد على قول أبي نعيم، وقال:((حدث عن عبد الوهاب بن الضحاك)).
ولم يسند البيهقي لعثمان هذا غير هذا الحديث وحديث آخر ضعيف في (البعث والنشور 8).
وقد رُوِي هذا الطريق عن موسى بن هارون من وجه آخر فجاء موافقًا لرواية البخاري بلفظ: ((فجَعَلَ)).
رواه عنه الطبراني في (الأوسط (8050).
ودعلج بن أحمد كما عند الخطيب في (الفصل للوصل المدرج في النقل 1/ 249).
كلاهما: عن موسى بن هارون بسنده فقال: ((إِنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْصَدَعَ فَجَعَلَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ)).
وقد وافق موسى على هذا: الهيثم بن خلف والحسن بن سفيان، كما عند البيهقي نفسه في (السنن الكبير 113) من طريق الإسماعيلي عنهما.
وهذا كله يدل على أن اللفظة المذكورة هي من رواية الزعفراني فقط، لا من رواية موسى بن هارون.
والراجح نكارة هذه اللفظة لانفراد الزعفراني بها مع جهالته.
لكن يبقى قول موسى بن هارون صحيحًا حيث ذكره الخطيب عقب إخراجه للحديث.
التنبيه الثاني:
ذكر الشيرازي الحديث في (المهذب ص 31) فقال: ((روى أنس أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشفة سلسلة من فضة)).
فقال: (الشفة) مكان: (الشعب). فتعقبه غير واحد، فقال القلعي:((الشفة خطأ)) (النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب للركبي 1/ 20).
وقال النووي: ((حديث القدح صحيح رواه البخاري إِلَّا أنه وقع في المهذب (فاتخذ مكان الشفة) وهو تصحيف، والصواب ما في صحيح البخاري وغيره (فاتخذ مكان الشعب) بفتح الشين المعجمة وإسكان العين وبعدها باء موحدة، والمراد بالشعب: الشق والصدع)) (المجموع شرح المهذب 1/ 257)، وبنحوه قال ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 634).
وقد حاول البعض تأويل كلام الشيرازي فقال: ((ولم نسمعه إِلَّا (الشفة) وليس بخطأ، إنما أراد الموضع الذى يضع عليه شفته حين يشرب، وهو حرف الإناء، يدل عليه قول الشيخ: ومن أصحابنا من قال: يحرم في موضع الشرب؛ لأنه يقع به الاستعمال، وهذا واضح جلي. وإنما وقع الوهم في الخطإ في (الشعب) حين قال:((انكسر قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم)، والكسر يقتضى الشعب في المعنى. والشعب: الصدع والكسر وهو الإصلاح أيضًا،
وهو من الأضداد، يقال: شعبه: إذا جمعه وأصلحه، وتشعب الأمر: إذا تفرق وتشتت. ووجد في نسخة بغدادية مضبوطًا (الشقة) بالقاف، ولم أدر ما صحته)) (النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب للركبي 1/ 20).
رِوَايَةُ: انْصَدَعَ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عن ابن سيرين، عن أَنس بن مالك:((أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْصَدَعَ، فَجَعَلَ مَكَانَ الشِّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ)).
[الحكم]:
إسناده صحيح، وصححه الدارقطني، والذهبي.
[التخريج]:
[مشكل 1413 / طس 8050 "واللفظ له" / هق 113 / خطل (1/ 249) / معل (إمام 1/ 283)].
[السند]:
أخرجه الطبراني في (الأوسط) قال: حدثنا موسى بن هارون، نا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي، نا أبو حمزة، أخبرنا عاصم بن سليمان، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك، به.
ورواه الخطيب في (الفصل) من طريق دعلج بن أحمد، عن موسى بن هارون، به.
ورواه الإسماعيلي - ومن طريقه البيهقي في (السنن الكبير) -: عن
الهيثم بن خلف والحسن بن سفيان، عن محمد بن علي بن شقيق، به.
ومداره - عندهم - على محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن عاصم، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد صحيح؛ رجاله ثقاث.
فمحمد بن علي بن الحسن بن شقيق: وثقة النسائي، وغيره (تاريخ الإسلام 5/ 1239).
وباقي رجال الإسناد رجال الشيخين.
والحديث صححه الدارقطني في (العلل 2628)، والذهبي في (المهذب 1/ 30).
رِوَايَةُ: فَضُبِّبَ:
• وَفِي رِوَايَةٍ قال أنس: ((كَانَ قَدَحٌ لأُمِّ سُلَيْمٍ فَكَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ فِيهِ فَانْكَسَرَ فَضُبِّبَ، قَالَ: فَكَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ فِيهِ)).
[الحكم]:
شاذ بهذا اللفظ.
[التخريج]:
[بز 6739].
[السند]:
قال البزار في (مسنده): حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة، حدثنا أبو حمزة السكري، عن عاصم، عن محمد بن سيرين، قال: قال أنس:
…
، فذكره.
[التحقيق]:
هذا إسناد صحيح، فهو هو سند البخاري في (الصحيح)، كما تقدم.
ولكن أبا بكر البزار قد خالف رواة صحيح البخاري في لفظه، لأن المحفوظ في الحديث بلفظ:((إِنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ؛ فاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ)) قال عاصم: رأيت القدح وشربت فيه)) (صحيح البخاري 3109).
فلعل ذلك من أوهام البزار، فهو وإن كان إمامًا حافظًا، إِلَّا أنه متكلم فيه من قِبَلِ حفظه، قال أبو أحمد الحاكم:((يخطئ في الإسناد والمتن)) (الميزان 1/ 267).
وقال الدارقطني: ((ثقة، يخطئ كثيرًا، ويتكل على حفظه)) (سؤالات
حمزة السهمي ص 121).
وقال أيضًا: ((يخطئ في الإسناد والمتن، حدث بالمسند بمصر حفظًا، ينظر في كتب الناس ويحدث من حفظه، ولم تكن معه كتب، فأخطأ في أحاديث كثيرة يتكلمون فيه جرحه أبو عبد الرحمن النسائي)) (سؤالات الحاكم للدارقطني 23).
رِوَايَةُ: فَجَعَلْتُ مَكَانَ الشَّعِبِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ أَنَسٍ:((أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْصَدَعَ فَجَعَلْتُ مَكَانَ الشَّعِبِ سِلْسِلَةً))، يَعْنِي أَنَّ أَنَسًا جَعَلَ مَكَانَ الشَّعِبِ سِلْسِلَةً.
[الحكم]:
منكر بلفظ: ((جعلت))، والصواب:((جعل)) كما تقدم في الصحيح وغيره.
[التخريج]:
[هق 115].
[السند]:
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا علي بن حمشاذ العدل، حدثنا موسى بن هارون، وعثمان بن علي الزعفراني، قالا: أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي، قال: سمعت أبي يقول: أخبرنا أبو حمزة - وهو السكري -، أخبرنا عاصم بن سليمان، عن ابن سيرين، عن أنس، به.
[التحقيق]:
جمع ابن حمشاذ في هذه الرواية، بين موسى بن هارون وعثمان الزعفراني، وموسى بن هارون ثقة حافظ، بخلاف عثمان بن علي الزعفراني، فمجهول، كما تقدم بيانه قريبًا.
والصحيح عن موسى بن هارون بلفظ: ((فجعل)). وتابعه على ذلك غير واحد. وعليه فلفظة: ((فجعلت)) منكرة لا تصح، وقد تقدم بيان ذلك كله، في التنبيهات على رواية البخاري.
رِوَايَةُ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
• عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ، قَالَ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: ((لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا القَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا)).
قال: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَرَكَهُ.
[الحكم]:
صحيح (خ).
[اللغة]:
النُّضارُ: الخالصُ من جوهر التبر والخشب، وجمعه أنْضُر. ويقال: قَدَحٌ نُضارٌ، يُتَّخَذُ من أَثْلٍ وَرْسِيّ اللَّونِ يكون بالغَورِ)) (العين 7/ 26).
[الفوائد]:
قال الوزير ابن هبيرة: ((في هذا الحديث جواز تضبيب القدح بالفضة، ولا يكون ذلك من متاع الدنيا المذموم؛ بل هو من المعاون على العبادة.
وفيه أنه يستحب اتخاذ القدح من الشيء الخالص؛ لأن النضار هو الخالص من كل شيء، وقيل النضار: أقداح حمر شبهت بالذهب، ويقال للذهب: النضار. وهذا يدل على أنه يستحب للإنسان أن لا يستعمل إِلَّا الأجود من كل شيء، فإن ذلك أبلغ لما يراد في جنسه، وأما الحلقة التي اتخذت فيه من حديد فلا أرى ذلك إِلَّا ليعلقه الراكب معه إذا ركب فيكون أحفظ له وأصون للراكب عن الاشتغال به في غير وقت الحاجة إليه)) (الإفصاح عن معاني الصحاح 5/ 325).
[التخريج]:
[خ 5638 "واللفظ له" / هق 116 / هقل (7/ 277 - 278) / نبغ 1025 / حداد 2491].
[السند]:
قال (البخاري): حدثنا الحسن بن مدرك، قال: حدثني يحيى بن حماد، أخبرنا أبو عوانة، عن عاصم الأحول، قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك، به.
ورواه الباقون من طريق البخاري به.
[تنبيه]:
قال البخاري عقب الحديث: ((قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ
أَبُو طَلْحَةَ: لا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَرَكَهُ)).
وهذه الرواية عن ابن سيرين ظاهرة الانقطاع؛ فإِنَّ ابن سيرين لم يلق أبا طلحة، إِلَّا أن يكون ابن سيرين أخذه من أنس، فلا انقطاع حينئذ. والله أعلم.
قال الحافظ: ((وكلام أبي طلحة هذا إن كان بن سيرين سمعه من أنس، وإلا فيكون أرسله عن أبي طلحة؛ لأنه لم يلقه)) (فتح الباري 10/ 101).
رِوَايَةُ: شُدَّ بِفِضَّةٍ:
• عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: ((رَأَيْتُ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَدَحًا كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ)).
• عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: ((رَأَيْتُ عِنْدَ أَنَسٍ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ ضَبَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ [أَو قَد شُدَّ بِفِضَّةٍ])).
[الحكم]:
إسناده ضعيف.
[التخريج]:
تخريج رواية حميد: [حم 12411 "واللفظ له"، 12576، 13721 / سعد (1/ 417) "والزيادة له ولغيره" / مشكل 1412].
تخريج رواية عاصم: [حم 12410 "واللفظ له"، 12577، 13722].
[التحقيق]:
مدار الروايتين على شريك بن عبد الله النخعي، واختلف عليه، على وجهين:
الأول: عن شريك عن حميد:
رواه أحمد في (المسند 12411، 12576، 13721) عن أسود بن عامر، عن شريك، به.
ورواه ابن سعد في (الطبقات 1/ 417)، والطحاوي في (مشكل الآثار 1412) عن الفضل بن دكين، عن شريك، به.
الثاني: عن شريك، عن عاصم:
رواه أحمد في (المسند 12410، 12577، 13722) عن يحيى بن آدم، عن شريك، به.
وكلا الطريقين ضعيف؛ لسوء حفظ شريك بن عبد اللَّه النخعي؛ قال الحافظ: ((صدوق، يخطئ كثيرًا)) (التقريب 2787).
ومع ضعفه فقد اضطرب فيه كما بَيَّنَّا.
* * *