الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل للعاشقين بأحكام الغرام رضا وحبب إليهم الموت في حب من يهوونه فلا تكن يا فتى بالعدل معترضاً فكم فيهم من عاشق ومحب صادق:
رأى فحب فرام الوصل فامتنعوا
…
فسام صبراً فاعياً نيله فقضا
أحمده من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى وشبب يذكر محبوبه إن كان تهامياً في حجازاً وشامياً في نوى:
طور إيمان إذا لاقيت ذا يمن
…
وإن لقيت معدياً فعدناني
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحميد المجيد شهادة من أصبح موته لبعده أقرب من حبل الوريد وقال لعاذله لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وأنك لتعلم ما نريد:
ولو أن ما بي من حبيب مقنع
…
عذرت ولكن من حبيب معمم
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله شهادة من أخلص في موالاته وتبرأ من الإثم حين تولى عنه محبوبه بخاتم ربه وبراءته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين يحبهم ويحبونه ويقفون عند ما أمرهم ولا يتعدونه ما ذر شارق وهام عاشق.
أما بعد فإن كتابنا هذا كما قيل.
كتاب حوى أخبار من قتل الهوى وسار بهم في الحب في كل مذهب مقاطعيه مثل المواصيل لم تزل تشبب فيه بالرباب وزينب فهم ما هم تعرفهم بسيماهم قد تركهم الهوى كهشيم عقال المحتظر وأصبحوا من علة الجوى على قسمين فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر فهم ما بين قتيل وشهيد وشقي وسعيد على اختلاف طبقاتهم وأشكالهم وتباين مراتبهم وأحوالهم وغير ذلك مما تصبح به أوراقه يانعة الثمر وتمسي به صفحاته في كل ناحية من وجهها قمر فإذا نظرت إلى الوجود بأسره شاهدت كل الكائنات ملاحاً على أن جماعة من العصريين غلبوا من تقدم بالتأليف في هذا الباب ولم يفرق غالبهم في التشبيب بين زينب والرباب:
وكل يدعى وصلا بليلى
…
وليلى لا تقر لهم بذاكا
فربع كتابنا هذا بذكر العامرية مغمور وهو بالنسبة إلى ما ألفه الشهاب محمود مشكور ومن وقف عليه علم صحة هذا الكلام وأنشدني تصديق هذه الدعوى إذا قالت حذام مؤلف طوق الحمامة بالنسبة إلى حجلته يحجل وصاحب منازل الأحباب ممن عرف المحل فبات دون المنزل.
وعذرت طيفك في الجفاء
…
يسري فيصبح دوننا بمراحل
آخر
فيا دارها بالخفيف إن مزارها
…
قريب ولكن دون ذلك أهوال
فإن قلت الفضل للمتقدم وهل غادر الشعراء من متردم قلت نعم في الخمر معنى ليس في العنب وأحسن ما في الطاوس الذنب فدع كل صوت بعد صوتي فأنني أنا الصائح المحكي والآخر الصدا فكم ترك الأول للآخر ولا اعتبار بقول الشاعر:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
…
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يالفة الفتى
…
وحنينه أبداً لأول منزل
فقد سقط في يديه وقيل في الرد عليه:
أفخر بآخر من كلفت بحبه
…
لا خير في الحبيب الأول
أتشك في أن النبي محمداً
…
ساد البرية وهو آخر مرسل
وقال ديك الجن الحمصي يرد على حبيب قوله المتقدم:
كذب الذين تحدثوا عن الهوى
…
لا شك فيه للحبيب الأول
ما لي أحن إلى خراب مقفر
…
درست معالمه كأن لم يوهل
فقال حبيب حين بلغه قول ديك الجن المذكور:
كذب الذين تخرصوا في قولهم
…
ما الحب إلا للحبيب المقبل
أفطيب في الطعم ما قد ذقته
…
من مأكل أو طعم ما لم يؤكل
فقال ديك الجن أيضاً حين بلغه قول حبيب هذا:
أرغب عن الحب القديم الأول
…
وعليك بالمستأنف المستقبل
نقل فؤادك حيث شئت فلن ترى
…
كهوى جديد أو كوصل مقبل
وقال أبو البرق وسلك بينهما جادة الإنصاف وبقوله يجب الاعتراف لأنه أحسن في المقال حيث قال:
زادوا على المعنى فكل محسنٍ
…
والحق فيه مقالة لم يجهل
الحب للمحبوب ساعة وصله
…
ما الحب فيه لآخر ولأول
على أنني لم أجحد ما في منازل الأحباب من ذكر حبيب ومنزل ولا تحملت على مصنفه فوا عجباً من قلبي المتحمل ولكن قصدت التنبيه على أن حسن التأليف مواهب وأن للناس فيما يعشقون مذاهب ومعلوم أن الجنون فنون وكل حزب بما لديهم فرحون ولم يزل كتابنا هذا في مسوداته منذ حجح وبيوته من بحورها في لجج لا أبيح ما فيه من منازل الأحباب لساكن ولا أمكن عاشقاً من المرور بتلك الأماكن:
أغار إذا آنست في الحي أنة
…
حذاراً وخوفاً أن تكون لحبه
حتى برز لطلبه المرسوم الشريف الملكي الناصري أدام الله نشر إعلامه ولا أخلى كنانة من سهامه ما نفذت مراسيم سهام المقل وتثني قوام الحبيب الذي طاب به الزمان واعتدل فبادرت إلى تجهيزه وسبك إبريزه حسب المرسوم والمعدن الشريف من غير تسويف ولا تكليف ولم أبح زهر منثوره لغير حضرته الشريفة من الأنام لأنه كان يقال كل ما يصلح للمولى على العبد حرام لا جرم أنه جاء بنظره السعيد نزهة للنظر وقال الواقف على عتبة بابه أن السعادة لتلحظ الحجر فهو للسلطان بستان وللعاشق سلوان وللمحب الصادق جبيب موافق وللمهجور نجوة وللنديم قهوة وللناسي تذكرة وللأعمى تبصرة وللشاعر المجيد بيت القصيد وللأديب الماهر مثل سائر وللمحدث قصص وللحاسد غصص وللفقيه تنبيه وللحبيب بالقمر تشبيه:
تبادره بالبدر منه بوادره
…
وتحلو له عند المرور نوادره
ففيه له في كل يوم وليلة
…
حبيب ملم أو نديم يسامره
ولي فيه نظم أن تضوع نشره
…
ففي طيه حلو الكلام ونادره
ولي فيه منثور غدا في مقامه
…
وعرف سناه مشرق الروض عاطره
ولي فيه من سحر البيان رسائل
…
إذا ما جفاني أحور الطرف ساحره
ولي فيه أسرار الحروف لأنه
…
ينقطه دمعي فتبدو سرائره
فنثور دمعي مثل نظيم سطوره
…
خدودي إذا ما خط فيها دفاتره
تمد مداد الدمع أقلام هديه
…
فدمعي حبري والسواد محابره
خدمت بديوان الصبابة عاملا
…
فباشر قتلي من سباتي ناظره
فلولا الهوى ما مات مثلي عاشق
…
ولا عمرت بالعامري مقابره
وفي غزلي ذكر الغزال ومربع
…
تطار حتى فيه الحديث جآذره
أنزهه عن وصف خدر عنيزة
…
ومنزل قفر سرن عنه اباعره
تجر قوافيه معال غدا بها
…
جرير كعبداً وثقته جرائره
يشيب بها فود الوليد لأنه
…
يسير وجنح الليل سود ضفائره
ولست أرى يوماً بدارة جلجل
…
سوى شاعر دارت عليه دوائره
إذا ما نسي ذكر حبيب ومنزل
…
فإني لمن أهواه ما عشت ذاكره
أجاور في سفح المقطم جيرة
…
فيا حبذا المحبوب حين تجاوره
فيا طيف من أهواه طرفي إن غفا
…
أتهجره بالله أم أنت زائره
وحقك لو سايرته بعض ليلة
…
لسايرت صيامات في الحب سائرة
ويا تيه طيف من خيالك طارق
…
فيطرق إجلالاً كأنك حاضرة
وبي من يحج الغصن رمح قوامها
…
إذا بات في الروض النضير بناظره
إذا قبلت في الحلي والطيب قيل لي
…
حبيبك بستان تضوع أزاهره
وإن رمت منها وهي غضبى التفاتة
…
ثنت عواطفها نحو الغزال تشاوره
أيبرد ما ألقاه من حر هجرها
…
وقد حميت يوماً علي هواجره
تحصنت في حصن الهوى من عواذلي
…
وبات لقلبي جيش هم يحاصره
ولو لم يكن أعمى البصيرة عاذلي
…
لما عميت عمن هويت نواظره
يشبهها بالغصن والغصن عندها
…
يشاهدها يغضي ويطرق ناظره
أللغصن خد كالشقيق إذا بدا
…
وشعر كجنح الليل سود غدائره
لئن طاب ذلي في هواها فإنني
…
وحقك ممن عز في مصر ناصره
مليك يهز الرمح أعطاف قده
…
كما اهتز غصن طار في الحب
مليك تريه قبل ما صار هو كائن
…
بصيرته أضعاف ما هو ناظره
يليك إذا ما جئته حسن اللقا
…
مجبل المحيا بارع الحسن باهر
مليك إذا ما صار كالبدر في الدجى
…
فأولاده مثل النجوم تسايره
مليك أرى من حوله كل عالم
…
يذكره في العلم ما هو ذاكره
مليك له في كل يوم ولية
…
بشير توالت بالهناء بشائره
مليك أسود الغاب تحذر بأسه
…
لأن ملوك الأرض طرا تحاذره
تروعهم شهب السماء وبروقه
…
وما هي إلا سمره وبواثره
إذا افترعت أشكال حال اجتماعهم
…
فأي ضمير لم يدس فيه ضامره
أي كماة لم بحرها يرعهم نزاله
…
وأيّ مكان ما علته منابره
وأي قصيد بخرها لم يرق له
…
وغائص فكري ناظم الدر ناثره
ولي فيه من غر التصانيف خمسة
…
وهذا الذي طوق الحمامة عاشره
يضوع به المنثور كالزهر عندما
…
تراوحه ريح الصبا وتباكره
فكم فيه لي من مرقص حول مطرب
…
بتشبيبه في الحي يطرب زامره
ولو لم يكن مثل السكر دان ما غدا
…
بحضرته يوماً تطيب حواضره
نعم الفته باسم مولانا السلطان على
…
الوجه المشروح وتوليت لأجله
عمله بنفسي فجاء كما قيل عمل
…
... ....
…
...
…
الروح للروح
أهيم بمن هام الحبيب بحبه
…
ألا فاعجبوا من ذا الغرام المسلسل
وسلكت في تأليفه الاختصار
…
والاقتصار على النوادر القصار
لأنه كان يقال الوضع وضعان
…
وضع له افتخار ووضع له نجار
وقال يحيى بن خالد لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون واحفظوا أحسن ما تكتبون وحدثوا بأحسن ما تحفظون وخذوا من كل شيء طرفاً فإنه من جهل شيئاً عاداه. وسميته ديوان الصبابة ليصبح الواقف عليه مولهاً ويعلم أنه إن لم أكن أنا للصبابة من لها:
ما يعلم الشوق إلا من يكابده
…
ولا الصبابة إلا من يعانيها
أي والله
قلما يبرح المطيع هواه
…
كافا ذا صبابة وجنون