الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشكو إليك فؤاد أنت متلفه
…
شكوى عليل إن إلف يعلله
سقم يزيد على الأيام كثرته
…
وأنت في عظم ما ألقى تقلله
الله حرم قتلى في الهوى سفها
…
وأنت يا قاتلي ظلماً تحلله
فقال محمد بن داود كيف السبيل إلى استرجاع هذا فقلت له هيهات سارت به الركبان: وقال أبو عبد الله:
قلبي عليك أرق من خديكا
…
وقواي أوهى من قوى جفنيكا
لم لا ترق لمن تعذب قلبه
…
ظلماً ويعطفه هواء عليكا
وقال ناصر الدين بن النقيب:
لقد وجبت عليك زكاة حسن
…
وفيه كمثل مافي المال حق
فلا تعدل به غني فإني
…
لمصرفه الفقير المستحق
وقال القاضي شمس الدين بن خلكان رحمه الله من قصيدة:
لولم أكن في رتبة ارعى لها
…
العهد القديم صيانة للمنصب
لهتكت ستري في هواك ولذلي
…
خلع العذار ولج فيك مؤنبي
لكن خشيت بأن تقول عواذلي قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي: وقال آخر:
حججي عليك إذا خلوت كثيرة
…
وإذا حضرت فإنني مخصوم
لا أستطيع أقول أنت ظلمتني
…
الله يعلم انني مظلوم
وقال المكرم:
الناس قد أثموا فينا بظنهم
…
وصدقوا بالذي أدرى وتدرينا
ماذا يضرك في تصديق ظنهم
…
بأن نحقق ما فينا يقولونا
حملي وحملك ذنباً واحداً ثقة
…
بالعفو اجمل من إثم الورى فينا
وقال المتنبي:
زودينا من حسن وجهك ما دا
…
م فحسن الوجوه حال يحول
وصلينا بوصلك الآن في الدنيا
…
فإن المقام فيها قليل
أقول: هذا البيت الأخير حسن في بابه فيما يتعلق بمغالطة الحبيب واستعطافه وأما الأول ففيه تنغير فليته أراح واستراح وترك التهكم بالوجوه الملاح على أن التلعفري اقتدى به في التهكم بأحبابه: فقال ذو بيت:
يا تارك ربع الصبر مني مهدوم
…
ما إن يرى لغائب الوصل قدوم
صف ربك في العشاق وارفق بهم
…
ولا تحسب أن دولة الحسن تدوم
الباب التاسع
الرسل والرسائل
والتلطف في الوسائل
أقول هذا باب عقدنا لذكر مراسله الأحباب وشكوى الجوى في الجواب وهو باب مطروق نافق السوق طالما عرض فيه المحب على الرسول سلعة النحول لا سيما من عيل صبره واشتهر أمره فأصبح وهو في البيت طريح واستعمل في مراسلة الحبيب حتى الريح كما قيل:
فيا نسيم الصبا أنت الرسول له
…
والله يعلم أني منك غيران
بلغ سلامي إلى من لا أكلمه
…
أني على ذاك الغضبان غضبان
لا يا رسول لا تذكر له غضبي
…
فذاك مني تمويه وبهتان
وكيف أغضب لا والله لا غضب
…
إني لما رام من قتلي تفرحان
أكل يوم لنا رسل مرددة
…
وكل يوم لنا في العتب ألوان
أستخدم الريح في حمل السلام لكم
…
كأنما أنا في عصر سليمان
فهو من الهوى على شطر ومن إقامة الهجر على سفر لا يقر له قرار ولا يصلي لوجنة محبوبه بنار لا جرم أنه يتعلل بالنسيم العليل ويقول لاستنشاق اليسير منه قليلك لا يقال له قليل.
ومن أحسن ما سمعته في هذا الباب قول الواو الدمشقي:
بالله ربكما عوجا على سكنى
…
وعاتباه لعل العتب يعطفه
وحدثاه وقولا في حديثكما
…
مابال عبدك بالهجران تتلفه
فإن تبسم قولا في ملاطفة
…
ما ضر لو بوصال منك تسعفه
وإن بدا لكما في وجهه غضب
…
فغالطا وقولا ليس نعرفه
أخذه: من قول عمر بن أبي ربيعة من أبيات يصف بها قواده:
فأتتها طبة عالمة
…
نمزج الخد مراراً باللعب
تغلظ القول إذا لانت لها
…
وترخى عند سورات الغضب
قيل إن ابن عتيق قال لعمر لما سمع قوله هذا ما أحوج المسلمين إلى خليفة يدبر أمرهم مثل قوادتك هذه.
ومثل قول الواو قول الآخر:
ألا يا نسيم الريح بلغ رسلتي
…
سليمى وعوض بي كأنك مازح
وإن أعرضت عني فموه مغالطا
…
بغيري وقل ناحت عليه النوائح
وقول الآخر دوبيت:
باللطف إذا لقيت من أهواه
…
عاتبه وقل له الذي ألقاه
أن أغضبه الوصال غالطه به
…
أورق فقل عبدك لا تنساه
وقال أبو فراس:
هبت لنا ريح شمالية
…
متت إلى القلب بأسباب
أدت رسالات الهوى بيننا
…
عرفتها من بين أصحابي
وكان الصاحب بن عباد رحمه الله إذا سمع هذين البيتين ترمخ لهما وقد عقدت للنسيم باباً مستقلاً في كتابي سلوك السنن في وصف السكن وذكرت فيه أشياء تليق بهذا الباب منها قول أمين الدين ابن عطايا:
أنا أهوى غصن النقى وهؤلاء
…
وفؤادي بحبه في التيه
يا نسيم الصبا ترفق عليه
…
وتلطف به ولا تؤذيه
وتحمل رسالة ليس إلا
…
ك أميناً في حملها أرتضيه
وإذا لم يكن رسولي نسيماً
…
نحو غصن النقا فمن يثنيه
وقال ابن الخياط الدمشقي
يا نسيم الصبا الولوع بوجدي
…
حبذا أنت لو مررت بهند
ولقد رابني شداك فبالله متى عهده باطلال نجد.
وقال مهيار الديلي:
حملوا ريح الصبا نشركم
…
قبل أن تحمل شيحاً وخزامى
وابعثوا لي في الدجى طيفكم
…
إن أذنتم لجفوني أن تناما
حكي أن نور الدين علي بن سعيد المغربي صاحب المرقص والمطرب مر مع جماعة من الأدباء المصريين وفيهم أبو الحسين الجزار فمروا في طريقهم بمليح نائم تحت شجرة وقد هب الهوى فكشف ثيابه عنه فقال أبو الحسين الجزار قفوا لينظم كل منا في هذا شيئاً قال فما لبث أن قال نور الدين المذكور:
الريح أقود ما يكون لأنها
…
تبدي خفايا الردف والأعكان
وتميل بالأغصان عند هبوبها
…
حتى تقبل أوجه الغدران
ولذلك العشاق يتخذونها
…
رسلاً إلى الأحباب والأوطان
وقال أبو الحسين الجزار ما بقي أحد منا يأتي بمثل هذا فسيروا بنا.
وقال علي الصفار:
إذا هب نسيم بطيب نشر
…
طربت وقلت إيه يا رسول
سوى أني أغار لأن فيه
…
شذاك وأنه مثلي عليل
وكان القاضي محي الدين بن عبد الظاهر يحب شاباً مغنياً اسمه نسيم وله فيه عدة مقاطيع منها قوله:
إن كانت العشاق من اشواقهم
…
جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا
فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني
…
كنت اتخذت مع الرسول سبيلا
فقلت: أنا كأني حاضر أخاطبه مضمناً.
إن كنت في عشق النسيم متيماً
…
وزعمت أن هواء ليس بمتلف
فأنا أقول لمن تحرش بالهوى
…
عرضت نفسك للبلى فاستهدف
وقال القاضي محي الدين أيضاً في محبوبه النسيم:
يا من غدا لي من عوا
…
صف هجرة الريح العقيم
أترى يطبب لي الهوى
…
ويقال قد رق النسيم
وقلت أنا كأني حاضراً خاطبة:
بالله إن رق النسيم وأخمدت
…
نار تؤججها يد التبريح
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
…
ودع العدول وقوله في الريح
وقال القاضي محي الدين أيضاً:
شكرا لنسمة أرضكم
…
كم بلغت عني تحية
ولكم أطالت بل أطا
…
بت في رسائلها الذكية
لا غرو إن حفظت أحا
…
ديث الهوى فهي الذكية
أخذه صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي من أهل العصر فقال:
يا طيب نشر هب لي من أرضكم
…
فأثار كامن لوعتي وتهتكي
أهدي تحيتكم وأشبه لطفكم
…
وروى شذاكم إن ذا ريح ذكي
فقلت أنا لما وقفت على قوله هذا وقول القاضي محيي الدين المتقدم عليه:
إن ابن أبيك لم تزل سرقاته
…
تأتي بكل قبيحة وقبيح
نسب المعاني في النسيم لنفسه
…
جهلاً فراح كلامه في الريح