المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌والكتمان عند عدم الإمكان - ديوان الصبابة

[ابن أبي حجلة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الفصل الأول

- ‌رسم العشق ورسمه وما قيل في اسمه

- ‌الفصل الثاني

- ‌أسبابه وعلاماته

- ‌الفصل الثالث

- ‌مراتبه وأسمائه

- ‌الفصل الرابع

- ‌مدحه وذمه

- ‌الفصل الخامس

- ‌اختلاف الناس فيه هل هو اضطراري أو اختياري

- ‌الباب الأول

- ‌ذكر الحسن والجمال

- ‌وما قيل فيهما من تفصيلي وإجمالي

- ‌فصل

- ‌الباب الثاني

- ‌ذكر المحبين الظرفاء من الملوك والخلفاء

- ‌الباب الثالث

- ‌ذكر من عشق على السماع

- ‌ووقع مع الحبيب في النزاع

- ‌فصل

- ‌ذكر ما ينخرط في سلك العشق

- ‌على السماع والشهاه على الغائب

- ‌الباب الرابع

- ‌ذكر من نظر أول نظرة

- ‌فاحترق من خد الحبيب بجمرة

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذكر سحر الجفون ونبل العيون

- ‌وصف العيون الضيقة وغيرها

- ‌الباب الخامس

- ‌ذكر تغير الألوان عند العيان

- ‌من صفرة وجل وحمرة

- ‌خجل وما في معنى ذلك من عقد اللسان وسحر البيان

- ‌فصل

- ‌التفضيل بين البيض والسود

- ‌والسمر ذوات النهود

- ‌فصل

- ‌ذكر ما يعتري الحب

- ‌من اصفرار لونه عند رؤية محبوبه

- ‌وخفقان قلبه وطيران عقله

- ‌الباب السادس

- ‌ذكر الغيرة

- ‌وما فيها من الحيرة وقرع من ديك الجن

- ‌الباب السابع

- ‌إفشاء السر

- ‌والكتمان عند عدم الإمكان

- ‌الباب الثامن

- ‌مغالطة الحبيب

- ‌واستعطافه وتلافي غيظه وانحرافه

- ‌الباب التاسع

- ‌الرسل والرسائل

- ‌والتلطف في الوسائل

- ‌الباب العاشر

- ‌الاحتيال على طيف الخيال

- ‌وغير ذلك مما قيل فيه

- ‌على اختلاف معانيه

- ‌ الباب الحادي عشر

- ‌قصر الليل وطوله

- ‌وخضاب شفقه ونصوله وما في معنى ذلك

- ‌الباب الثاني عشر

- ‌ قلة عقل العذول

- ‌وما عنده من كثرة الفضول

- ‌الباب الثالث عشر

- ‌ذكر الإشارة إلى الوصل والزيارة

- ‌فصل

- ‌نم الطيب على الحبيب

- ‌فصل

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌الرقيب النمام

- ‌والواشي الكثير الكلام

- ‌فصل

- ‌النمام والواشي

- ‌وما أظرف ما سمعت في ذلك

- ‌الباب الخامس عشر

- ‌العتاب عند اجتماع الأحباب

- ‌وما في معنى ذلك من الرضى والعفو

- ‌ فصل في العفو والرضى

- ‌ والصفح عما مضى

- ‌الباب السادس عشر

- ‌إغاثة العاشق المسكين

- ‌إذا وصلت العظم السكين

- ‌الباب السابع عشر

- ‌ذكر دواء علة الجوى

- ‌فصل

- ‌الباب الثامن عشر

- ‌تعنت المعشوق

- ‌على الصب المشوق وغير ذلك من أقسام الهجر

- ‌وصبر القابض فيه على الجمر

- ‌الباب التاسع عشر

- ‌الدعاء على المحبوب

- ‌وما فيه من الفقه المقلوب

- ‌الباب العشرون

- ‌الخضوع وانسكاب الدموع

- ‌الباب الحادي والعشرون

- ‌الوعد والأماني

- ‌وما فيهما من راحة المعاني

- ‌الباب الثاني والعشرون

- ‌الرضا من المحبوب بأيسر مطلوب

- ‌الباب الثالث والعشرون

- ‌اختلاط الأشباح

- ‌اختلاط الماء بالراح

- ‌الباب الرابع والعشرون

- ‌عود المحب كالخلال وطيف الخيال

- ‌وما في معنى ذلك

- ‌من رقة خصر الحبيب وتشبيه الردف بالكثيب

- ‌الباب الخامس والعشرون

- ‌ذكر ما يكابده الأحباب من الأمور الصعاب

- ‌وغير ذلك مما يقاسونه من تحمل المشاق وألم الفراق

- ‌الباب السادس والعشرون

- ‌طيب ذكر الحبيب

- ‌الباب السابع والعشرون

- ‌طرف يسير من المقاطع الرائقة

- ‌والأغزال الفائقة

- ‌مما اشتمل على ورد الخدود ورمان النهود وغير ذلك

- ‌الباب الثامن والعشرون

- ‌ذكر طرف يسير من أخبار المطربين

- ‌المجيدين من الرجال

- ‌وذوات الحجال وما في معنى ذلك من ذلك مولا تهم ووصف آلاتهم

- ‌الباب التاسع والعشرون

- ‌ذكر من ابتلى من أهل الزمان بحب النساء والغلمان

- ‌فصل

- ‌النظر إلى وجه الأمرد

- ‌ذكر الحافظ محمد بن ناصر

- ‌الباب الثلاثون

- ‌ذكر من اتصف بالعفاف

- ‌وبأحسن الأوصاف

- ‌ومنهم شهيد

- ‌ومنهم قتيل

الفصل: ‌والكتمان عند عدم الإمكان

أحبابه لما تفعلون بقلبه

ماليس تفعله به أعداؤه

وقد أثبتت هذه الرسالة بكمالها في الباب الأول من كتابي مرآة العقول.

ومما ينخرط في سلك هذه الحكاية ما حكاه الشيخ أثير الدين أبو حيان في تفسيره عند قوله تعالى " يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك " ونقل عن العزيز أنه كان قليل الغيرة وتربة أقليم مصر اقتضت هذا يعني قلة الغيرة ثم قال وأين هذا مما جرى لبعض ملوك بلادنا وهو أنه كان مع ندماء المختصين به في مجلسي أنسه وجاريته تغني من وراء الستارة فاستعاد بعض جلسائه بيتين من الجارية وكانت قد غنت بهما فما لبث حتى أتى برأس الجارية مقطوعاً في طشت وقال له الملك استعد من هذا الرأس فسقط ذلك الرجل المستعيد ومرض مدة حياة ذلك الملك.

قلت: لو مات كان معذوراً فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ومثل هذا أيضاً ما فعله جعفر بن سليمان وذلك أنه لما اشترى جاريته الزرقاء وكانت جارية نفسه غالية الثمن وهي بثمانين ألف درهم وكانت من الفتيات الحسان ذوات الألحان فقال لها يوماً هل ظفر منك أحد ممن كان يهواك بخلوة أو بقبلة فخشيت أن يبلغه شيء كانت فعلته بحضرة جماعة أو يكون قد بلغه فقالت: لا والله إلا يزيد بن عون العبادي قبلني وقذف في لؤلؤة بعثها بثلاثين ألف درهم فلم يزل جعفر يطلبه ويحتال له حتى وقع في ديه فضربه بالسياط حتى مات.

قلت: استراح والله من هذا الصداع كله وأنشد عبد المحسن الصوري حيث قال في عدم الغيرة على محبوبه:

تعلقته سكران من خمره الصبا

به غفلة عن لوعتي ونحيبي

وشاركني في حبه كل ماجد

يشاركني في مهجتي بنصيب

فلا تلزموني غيرة ما ألفتها

فإن حبيبي من أحب حبيبي

وقد بلغ الآخر فقال يتبجج بالقيادة:

أقود بحمد الله لا عن كراهة

وغيري قواد على رغم أنفه

وما أحسن قول أبي الحسين الجزار:

قلت لما سكب الساقي

على الأرض الشرابا

غيرة مني عليه

ليتني كنت ترابا

وقال نور الدين الأشعري وأحسن ما شاء:

تميل الريح بالأغصان لطفا

كما مالت بشاربها العقار

وتجمع بينهم من بعد بعد

وأوراق الغصون لها إزار

وتخفق غيرة عند التلاقي

فهل أبصرت قواداً يغار

‌الباب السابع

‌إفشاء السر

‌والكتمان عند عدم الإمكان

أقول هذا باب عقدناه لذكر إفشاء السر وضده وهزل كل منهما وجده إذ للمحبين فيهما مذهبان فمنمهم من أباح إباحته ورأى في إفشائه راحته ومنهم من رأى كتمانه من الديانة فحل من مراتب الحب في أعز مكانة حيث قال:؟؟؟؟؟؟؟؟ باح مجنون عامر بهواه وكتمت الهوى فمت بوجدي

فإذا كان في القيامة نودي

من قتيل الهوى تقدمت وحدي

نعم من الناس من كتمه فأراه كتمانه عدمه ومنهم من أفشاه فوقع فيما يخشاه ولكل من المذهبين شاهد وبحر دمع زائد لا ينجو غريقه ولا تسلك طريقه فالعاشق منهما بين داءين كلاهما الأخطر وسيفين لا بد من قتله بإحدهما على الصحيح الأشهر كما قال شهاب الدين السهروردي:

وارحمتا للعاشقين تحملوا

سرالمحبة والهوى فضاح

بالسر إن باحوا تباح دمائهم

وكذا دماء العاشقين تباح

وإذا هم كتموا تحدث عنهم

عند الوشاة المدمع السفاح

والذي أراه في ذلك لكه وتمييز وأبله من طله أن المحب إذا علم من محبوبه الوفاء وعدم الجفاء فالواجب عليه إفشاء السر إلى الحبيب وابداء العلة إلى الطبيب كما قيل:

وبح بالسرائر في أهله

وإياك في غيرهم أن تبوحا

وقد ظفر أبو جعفر الشطرنجي حيث قال:

قل لمن شئت أنني بك مغرم

ثم دعه يروضه إبليس

وقد قال بعض من مارس الحب وجلب أشطره إفشاء المحب سره إلى المحبوب وشكوى ما يقاسيه طرف من السحر.

قلت: بل هو السحر ومعظمه وجله وقد عرف ذلك من جربه وأدبه الحب وهذبه.

ص: 35

وعلى هذا حكاية أحمد بن واصل قال لما كلفت عباسة بنت المهدي بجعفر بعد أن زوجه بها الرشيد وشرط عليه أن لا يقربها واشتد وجدها به وعشقها له ولم يطاوعها على ما أحبت وخاف على نفسه من الرشيد أن يظهر أمرها فكتبت له.

عزمت على قلبي أن يكتم الهوى

فصاح ونادى إنني غير فاعل

فإن لم تصلني بحت بالسر عنوة

وإن عنقتني في هواك عواذلي

وإن كان موت لا أموت بغصتي

وأقررت قبل الموت أنك قاتلي

فنالت منه ما أرادت وهل حصل لها ذلك إلا بإفشاء سرها وشكوى ضرها.

وقال ابن شاذان الكاتب: قالت لي عريب جارية المأمون كنت مع الواثق وهو يطوف على حجر جواريه عند خروجه إلى الأنبار متنزهاً فدخل على فريدة جاريته وكان يحبها جداً وكان أيضاً يهوي وصيفة لها ولم يكن يعلم ذلك غيري فلما رأته عندمولاتها دخلت خزانتها وقامت على رأسها وعليها عصابة مكتوب عليها بالذهب هذان البيتان:

عينيّ تبكي حذر البين

ما أسخن الفرقة للعين

لم أر في الحب ولوعاته

أوجع من فرقة إلغين

فقال لي الواثق فهمت يا عريب فقلت: نعم يا سيدي فكتب على الأرض بقضيب في يده:

ظهر الهوى وتهتكت أستاره

والحب خير سبيله إظهاره

فاعص العوازل في هواك مجاهرا

فألذ عيش المستهام جهاره

فحفظت الأبيات وتضاحكا ففطنت فريدة فقالت: يا سيدي علمت ما أنتما فيه فأمنن على أمتك بقبولها فقال الواثق قد فعلت خديها إليك يا عريب فأخذت بيدها فما ملك نفسه حتى انصرف من خلفي مسرعاً فخلا بها وأمرني بألف دينار.

ومنهم من لا يجري ذكر العشق على لسانه البتة ويسكت حتى كان به السكتة ولم أر في ذلك مما يتنافس فيه المتنافس أحسن من قول ابن قلاقس:

كتمت الهوى عند العواذل ظنة

عليهم بمن أصبو إليه وأهواه

ولو قلت أني عاشق فطفوا به

لعلمهم أن ليس يعشق إلا هو

ومنهم من يبوء بإثمه

ويرى التصريح باسمه

فبح باسم من تهوى ودعني من الكنى فلا خير في اللذات من دونها ستر وقال ابراهيم بن عبد الله:

رأيت على خد جارية

مكتوباً بالغالية

كل يوم أذوب من ألم الشوق

وقلبي من الصدود قريح

لم أجد خلوة إليك فاشكو

ما بقلبي لعله يستريح

ويح قلبي كأنه لحد قبر

ضم أعضاء ميت فيه روح

وفي البيت الثاني من هذه الأبيات تنبيه على إفشاء السر إلى الحبيب لا يكون إلا خلوة فينبغي أن لا يعلم به خلاً ولا صديقاً ما وجد إلى ذكل طريقاً كما قيل:

يا موقد النار إلهاباً على كبدي

إليك أشكو الذي بي لا إلى أحد

إليك أشكو الذي بي من هواك فقد

طلبت غيرك للشكوى فلم أجد

وقال الأحوص:

لعمرك ما استودعت سري وسرها

سوانا حذاراً أن تضيع السرائر

ومن ظريف ما مر بي في هذا الباب أن بعض العشاق أنشد يوماً محبوبته قول الشاعر:

سري وسريك لم يشعر به أحد

إلا الإله ولا أنت ثم أنا

فقالت له لا تنسى القوادة فإنها لا بد أن تدري بسرنا وتطلع على أمرنا.

ومن أحسن ما سمعته في ذم مفشي السر قول الحسين بن بشر.

لحى الله امرأً أوعاك سراً

لتكتمه وفض الله فاه

فإنك بالذي استوعبت منه

أنم من الزجاج بما حواه

قلت وما يبعد أن يكون المتصف بهذه الصفة من ذرية القائل:

وما أكتم الأسرار لكن أنمها

ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي

فإن قليل العقل من بات ليله

تقلبه الاسرار جنباً على جنب

وأين هذا من قول القائل:

وقائلة ما بال جسمك لا يرى

سقيماً وأجسام المحبين تسقم

فقلت لها قلبي بحبك لم يبح

لجسمي فجسمي بالهوى ليس يعلم

ويحكى أن سكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم مرت في جواريها بعروة بن أذينة وهو يغني فقالت لجواريها: من الشيخ. فقلن: عروة. فمات نحوه. فقالت: يا أبا تمام أنك تزعم لم أنك تعشق قط كيف وأنت تقول: قالت: وابثثتها سري فبحت به.

ص: 36