الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذكرت في النسيم أشياء مليحة في كتابي سلوك السنن المذكور واقتصرت منها على هذا القدر هنا خوف الإطالة ويجب أن يكون الرسول من أهل الصيانة وممن يرجع إلى ديانة لئلا يطمع فيصير خليلاً بعد أن كان رسولاً كما اتفق لرسول ابن سناء الملك الذي قال فيه:
راح رسولاً وجاءني عاشق
…
وعاقه عن رسالتي عائق
وعادلا لي بالجواب بل بجوى
…
أخرسه والهوى به ناطق
وقال آخر: رجع الرسول إلي وهو متيم ولهذا قال ابن الأثير ليس على الحسن أمانة وفي مثله تعذر الخيانة.
وقال المتنبي:
مالنا كلنا جو يا رسول
…
أنا أهوى وقلبك المتبول
وكلما عاد من بعثت إليها
…
غار مني وخان فيما يقول
أفسدت بيننا الأماني عينا
…
ها وخانت قلوبهن العقول
يستريح أي عيناها بسحرها أفسدت أمانة الرسول في الرسالة وخانت قلوبهم أي فارقت العقول القلوب بسببها قال الأرجاني:
قسماً لقد رجع النسيم عليلاً
…
لما سرى مني إليك رسولاً
ودرى بحبك أنه قد خانني
…
فغدا يجر من الحياة ذيولاً
ومن أحسن ما سمعته في الرسائل والتلطف في الوسائل ما حكى عن الملك عبد العزيز بن السلطان صلاح الدين أنه كان في أيام أبيه أحب قينة وشغف بها فبلغ صلاح الدين فمنعه من صحبتها ومنعها منه فحزن ولم يمكنه أن يجتمع بها ومضى على ذلك مدة أيام فسيرت إليه مع خادم كرة عنبر فكسرها فوجد فيها زر ذهب فلم يفهم مرادها بذلك وجاءه القاضي الفاضل فعرفه الصروة فقال في الحال:
أهدت لك العنبر في وسطه
…
زر من التبر رقيق اللحام
فالزر من العنبر تفسيره
…
زر هكذا مستتراً في الظلام
وقال علاء الدين المغربي من رسالة النيرين وهي من المحب الكئيب إلى حبيب الحبيب افتتحها بقوله يقبل الأرض وينهي بين يدي المالك الرحيم سلطان الملاح وليث الكفاح منها:
ذهب النيل وعادا
…
وغرامي يتمادى
كلما قلت غدا ين
…
قص بعض الوجد زادا
كل قلب غير قلبي
…
نال في الحب المرادا
وأناالمسكين وحدي
…
نلت في الصحب العنادا
قال الراوي ثم أن علاء الدين قال وأنا المسكين وحدي بلت في صحن القطائف وعملت الخل ناطف وصلت إبليس بدقته وتركته ينخفض ويصفق ويغني تللاله:
يا عوينات الغزاله رحم الله من قتلني
…
وأي فخر في قتل مثلي
وهل أنا الأشويعر مخارف مسخرة قد جعل رسائله وسائله وقصائده مصائده مصايده يستحلب ضرع الضراعة ويميط قناع القناعة إن جاع أكل من تقطيع الأعاريض وإن عطش شرب من بحور القريض في زمان لا فرق فيه عند أهله بين القادح والمادح والصائح والنائح:
قد ذقت منه ما ليس يقلعه
…
أبو الحسين القلاع من ضرسي
بل أي شيء أحسن من خشفين مترفين اليفين يتراضعان ثدي الصحبة ويتراشفان كأس المحبة ويقتطفان ثمر الوصال ويتسالمان أنواع الدلال ويتواصفان لواعج الغرام ويتباسطان مباسطة الحمام ولا يحضرهما غير مزاح ومراح ولا يلثمها غير كأس راح:
اثنان كالفرد من طول اعتناقهما
باتا بليل حميد غير مذموم يسفران عن نيرين ويبتسمان عن درين ويتسارقان النظر بلواحظ جؤذرين كأنهما اقتسما فنون الحسن والإحسان بفكتي الميزان إن تناقلا بعتاب أو تراسالا بكتاب قدر منثور وسحر غير محظور وإن تسابقا في ميدان الهوى أو تراشقا بسهام الجوى فالواتر موتور والساحر محسور وهي رسالة لطيفة ظريفة كلها من هذا النوع اقتصرت منها على هذا القدر الإطالة وقد ذكرتها بكمالها في الجزء الثاني من حاطب ليل وقلت أنا مما كتبته إلى بعض الأصحاب.
كتبت إليكم والسطور حروفها
…
بها أعين ترنو لكم وترمق
ولي قلم أمسى لرطب لسانه
…
سلام مشوق قد براه التشوق
الباب العاشر
الاحتيال على طيف الخيال
وغير ذلك مما قيل فيه
على اختلاف معانيه
أقول هذا باب عقدناه لذكر طيف الخيال الزائر وما قيل في سيره من الممثل السائر الحلوب إذا للشعراء في اقتناصة تحيل وحسن نحيل طالما كثروا من ذكره واستخرجوه من وكره فقربوا عليه بعد المسافة ولم يعافوا الحاق زجره بالعيافة. ومن المشهورين فيه بالإجادة أبو عبادة وغيره كأبن النقيب المنحيل على اصطياد خيال الحبيب:
حيث قال وأحسن في المقال
…
نصبت جفوني للخيال حبائلا
لعل خيالا في الكرى منه يسنح
…
وكيف أذا أغمضتهن أصيده
ومن عادة الأشراك للصيد تفتح وما احسن قول الشيخ جمال الدين ابن نباتة في التورية.
ومولع بفخاخ
…
يمدها وشباك
قالت لي العين ماذا
…
يصيد قلت كراك
وقلت أيضاً:
واقسم لو جاد الخيال بزورة
…
لصادف باب الجفن بالتفح مقفلا
وقال أبو محمد عبد الله السروجي وأحسن ما شاء:
انعم بوصلك فهذا وقته
…
يكفي من الهجران ما قد ذقتهد
أنفقت عمري في هواك وليتني
…
أعطي وصولاً بالذي أنفقه
يا من شغلت بحبه من غيره
…
وسلوت كل الناس حين عشقته
أنت الذي جمع المحاسن وجهه
…
لكن عليه تصبري فرقته
كم جال في ميدان حبك فارس
…
بالصبر مني في هواك سبقته
قال الوشاة قد ادعى بك نسبة
…
فسررت لما قلت قد صدقته
بالله إن سألوك عني قل لهم
…
عبدي وملك يدي وما اعنقته
أو قيل مشتاق إليك نقل لهم
…
أدري بذا وأنا الذي شوقته
يا حسن طيف من خيالك زارني
…
من فرحتي بلقاه ما حققته
فمضى وفي قلبي عليه حسرة
…
لو كان يمكنني الرقاد لحقته
وقال أبو تمام:
زار الخيال لها لا بل أزار له
…
فكراً إذا نام فكر الناس لم ينم
ظبي تقنصته لما نصبت له
…
من آخر الليل اشراكاً من الحلم
وقال أيضاً:
يا لها لذة تنزهت الأرواح
…
فيها سراً من الأجسام
مجلس لم يكن لنا فيه عيب
…
غيرانا في دعوة الأحلام
وقال البحتري: وهو من المكثرين في وصف الخيال المجيدين فيه ولكثرة ولوعه به واشتهاره ضرب به المثل.
فقيل خيال البحتري ومن ذلك قوله:
إذا ما الكرى أهدى إلى خيالها
…
شقى قربه التبريح أو نقع الصدى
إذا انتزعته من يدي انتباهة
…
ظننت حبيباً راح مني أو عدا
فلم أر مثلينا ولا مثل شأننا
…
نعذب أيقاظاً وننعم هجداً
وقوله:
ولم أنس اسعاف الكرى بدنوها
…
وزورتها بعد الهدو وما تدري
إذا الليل أعطانا من الوصل يلغة
…
ثنتنا تباشير الصباح إلى الهجر
وقوله أيضاً:
بعثت طيفها إلي ودوني
…
سير شهرين للمهاري العتاق
زاروا هنا من الشام فحيا
…
مستهاماً صباً بأرض العراق
فقضى ما قضى وعاد إليها
…
والدجى في بردوء الأخلاق
وقوله:
وليلة هومنا على العيش أرسلت
…
بطيف خيال يشبه الحق باطله
فلولا بياض الصبح طال تشبثي
…
بعطفي غزال بت وهنا أغازله
فكم من يد لليل عندي حميدة
…
وللصبح من خطب تذم غوائله
وقال عبد الصمد بن المعدل:
واصل النوم بيننا بعد هجر
…
فاجتمعنا ونحن مفترقان
غير أن الأرواح خافت رقيباً
…
فطوت سرها عن الأبدان
منظر كان لذة القلب إلا
…
أنه منظر بغير عيان
قال المرتضي هذه الأبيات تروي للحميدوني وهي كثيرة من مثله ودخل ابن القطان الشاعر البغدادي يوماً على.
الوزير الزيني وعنده الحيص بيص فقال قد عملت بيتين لا يمكن أن يعمل لهما ثالث لأنني قد استوفيت المعنى فيهما: فقال الوزير وما هما فأنشد:
زار الخيال بخيلاً مثل مرسله
…
فما شفاني منه الضيم والقبل
مازارني قط إلا كي يوافقني
…
على الرقاد فينفيه ويرتحل
فقال الوزير للحيص بيض ما تقول في دعواه فقال إن أعادهما سمع لهما ثالثاً فأعادهما فقال الحيص بيص:
وما درى أن نومي حيلة نصبت
…
لطيفة حين أعيا اليقظة الحيل
وقال آخر:
ألا رب طيف منك بات معانقي
…
إلى أن دعا داعي الصباح محيعلا
وأول من وصف الطيف عمرو بن قمئة فيما حكاه المرتضى في كتاب الطيف والخيال فقال:
نأتك أمامة إلا سؤالا
…
وألا خيالاً يوافي خيالا
خيال يخيل لي نيلها
…
ولو قدرت لم تخيل نوالا
وأول من طرد الطيف طرفة بن العبد حيث قال:
فقل لخيال الحنظلية ينقلب
…
إليها فإني واصل سبل من وصل
وتبعه جرير فقال: طرقتك صائدة الفؤاد وليس ذاوقت الزيارة فأرجعي بسلام وأعجب من جرير في طرد الخيال الراعي حيت هجاء فقال:
طاف الخيال بأصحابي فقلت لهم
…
أتلك ليلى أتت ليلاً أم الغول
وقد رد على جرير مولانا قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي وأحسن ما شاء حيث قال:
يا ليت شعري هل أحب
…
جرير إذ أبدى اعتذاره
إن كان يصدق حبه
…
فالقلب منه كالحجاره
لا بل أشد قساوة
…
فانظر له أبدى عراره
إذ قال قولاً لم يقله
…
عاشق أود وجساره
طرقتك صائدة الفؤاد
…
وليس الزياره
وقال في الرد عليه أيضاً:
هذا مقالك يا جرير
…
لدي أشنع ما يقال
هل ثم وقت ليس يصلح
…
للزيارة والوصال
أم قيل قبلك فارجعي
…
ولذاك ذنب لا يقال
أم كان حبك كاذباً
…
فمنامه ينفي الخيال
أم كان قلبك من حد
…
يد ليس تؤذيه النبال
وقلت أنا:
واخجلتا لك يا جر
…
ير في المحافل والمشاهد
طرقتك صائدة الفؤاد
…
فكنت صباً غير صائد
فرددت طيف خيالها
…
هذا خيال منك فاسد
ألطيف أعشق منك إذ
…
وافى إليك وأنت راقد
؟ لاعاد مثلك ما بقى
…
في الناس للعشاق عائد
وقلت أيضاً من قصيدة:
يطالبني قلبي به فكأنني
…
غريم وقلبي في تقاضيه مغرم
ولي منه في ليل الكرى ونهاره
…
خيال ملم أو حبيب مسلم
وقال شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني:
يا حبذا طيفك من قادم
…
يا أحسن العالم في العالم
طيف تجلى نوره ساطع
…
حتى رأته مقلة النائم
يا غائباً يحكم في مهجتي
…
علي طالت غيبة الحاكم
عار على حسنك أن يشت
…
كي حظي منه أنه ظالمي
وقد أحسن التهامي في تفضيل الخيال على الحقيقة حيث قال:
وصل الخيال ووصل الخود إن بخلت
…
سيان ما أشبه الوجدان بالعدم
ألطيف أحسن وصلاً إن لذته
…
تخلو من الإثم والتنغيص والندم
وقد بلغ النهاية في اللطف كشاجم حيث اعتذر على لسان الحبيب عن تأخر الخيال فقال:
لقد بخلت حتى بطيف مسلم
…
علي وقالت رحمة لحبيبي
أخاف على طيفي إذا جاء طارقا
…
وسادك أن يلقاه طيف رقيبي
وما أحسن أيضاً اعتذار المغربي وقد ضمنه ابن عنين وكتب به من اليمن إلى أخيه بدمشق:
سامحت كتبك في القطيعة عالماً
…
أن الصفيحة أعوزت من حامل
وعذرت طيفك في الجفاء لأنه
…
يسري فيصبح دوننا بمراحل
وقال آخر:
وزارني طيف من أهوى على حذر
…
من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا
فكدت أوقظ من حولي به فرحا
…
وكاد يهتك ستر الحب بي شغفا
ثم انتبهت وآمالي تخيبني
…
نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا
وقال ابن المعتز:
أبصرته في المنام معتذراً
…
إلي مما جناه يقظانا
ولان حتى إذا هممت به
…
وجدته عند الصبح لا كانا