المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تاريخ التشيع ومذاهب الشيعة - رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا - جـ ١

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المعتني:

- ‌تاريخ التشيع ومذاهب الشيعة

- ‌أقوال العلماء الشيعة وساستهم في المنار

- ‌تعصب صاحب مجلة العرفان

- ‌زعيم الرافضة وعدو السنة

- ‌الطريقة النقشبندية

- ‌سعينا للتأليف بين الوهابية والشيعة

- ‌ ليس بين مذهب الزيدية ومذهب السنة من البُعْد كما بين الروافض وأهل السنة

- ‌ نبأ عقد المؤتمر الإسلامي في الرياض عاصمة نجد

- ‌ما يدعيه فقهاء الشيعة الجامدين، من تلقي الدين والفتوى من سرداب سامرا

- ‌تفاوت موقف الشيعة الاثنى عشرية من قضية الاجتهاد

- ‌ كلام المؤلف السيد رشيد رضا عن شخصية الشريف حسين

- ‌الفرق بين السني والشيعي

- ‌ حقيقة الفقه الشيعي أو ما يسمى بـ (المذهب الجعفري)

- ‌ المهدي يأتي بأمر جديد وقرآن جديد

- ‌ الإجماع عند الشيعة

- ‌رد السيد الآلوسي على حصون العاملي الرافضي

- ‌جميع القبائل الذين ترفضوا هم أعدى الناس لدولة الإسلام

- ‌بغض الروافض لبعض أهل البيت

- ‌جعفر ابنا موسى الكاظم

- ‌ إبراهيم بن جعفر

- ‌زعم الرافضة تحريف القرآن

- ‌الكتب المعتمدة عند الشيعة الإمامية:

- ‌لم لم يعترض الأئمة على ما فيها من موضوعات

- ‌زرارة بن أعين

- ‌ رقعة علي بن الحسين بن موسى بن مابويه القمي

- ‌ رجَّحوا التوقيع على المروي بالإسناد الصحيح لدى التعارض

- ‌طعن الشيخ محسن في الوهابية:

- ‌ندب الحسين وسب الصحابة

- ‌يقولون: إن الأئمة يوحى إليهم

- ‌يقولون بالرجعة

- ‌طعن العاملي في الوهابية وابن تيمية

- ‌ من عجائب الأيام وفكاهاتها المضحكة قوماً، المبكية

- ‌بيان تَقَوُّلِ العاملي على ابن تيمية والوهابية

- ‌ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (وأما القول بأنّا نكفر بالعموم

- ‌كان أبو الحسن الأشعري من المعتزلة المتأولين ثم رجع عن أشهر قواعد الاعتزال

- ‌الإمام الغزالي

- ‌ مبتدعة التأويل يقيسون الخالق على المخلوق

- ‌نتيجة ما تقدم في إبطال زعم الرافضي

- ‌د بن

- ‌نموذج من نقول في الطعن على ابن تيمية

الفصل: ‌تاريخ التشيع ومذاهب الشيعة

بَرَّأَ اللهُ ورسولَه محمدًا خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا ونهى عباده المؤمنين من هذه الأمة المحمدية وحذَّرهم أن يكونوا من المشركين الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعًا، ولكن التفرق في الدين إلى الشيع والأحزاب كالتفرق في السياسة سنة من سنن الاجتماع تابعة لدأبهم في الاتباع والابتداع.

***

‌تاريخ التشيع ومذاهب الشيعة

كان التشيع للخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه مبدأ تفرق هذه الأمة المحمدية في دينها وفي سياستها، وكان مبتدع أصوله يهودي اسمه عبد الله بن سبأ (1) أظهر الإسلام خداعًا للمسلمين ودعا إلى الغلو في علي كرَّم الله وجه لأجل تفريق هذه الأمة وإفساد دينها ودنياها عليها كما فعل أمثاله في النصرانية قديمًا وحديثًا، وسبب ذلك ما كان من العداوة والقتال بين قومه اليهود وبين النبي صلوات الله وسلامه عليه وكانوا هم المعتدين فيه، وقد انتهى ذلك بنصر الله تعالى لرسوله

(1) نقل القمي (ت 301هـ) في كتابه المقالات والفرق ص 20 أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادّعى أن علياً أمره بذلك، وقد بُحِثت شخصية ابن سبأ بتوسع في عدة كتب منها:(عبد الله بن سبأ حقيقة لا خيال، د. سعدي مهدي الهاشمي) ، (بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود، عبد الله الجميلي) ، (كتاب عبد الله بن سبأ وإمامة علي رضي الله عنه، علي عبد الرحمن السلمان)

ص: 4

عليهم وإخراجهم من جواره في مدينته ودار هجرته، ثم أجلى عمر بن الخطاب الخليفة الثاني بعده من بقي منهم في أرض الحجاز.

ابتدع هذا اليهودي بدعته، وأعانه عليها آخرون من أهل ملته، أظهروا الإسلام نفاقًا ليقبل المسلمون أقوالهم الخادعة، ومنها وضع الأحاديث وغش رواة التفسير بالخرافات الإسرائيلية وغير ذلك.

بيد أن العداوة بين المسلمين واليهود لم تطل عليها الأمد؛ لأن اليهود كانوا مظلومين مُضطهدين في وطنهم القديم في البلاد المقدسة وما جاورها، وفي البلاد التي تفرقوا فيها، فلما فتح المسلمون الأمصار في الشرق والغرب رفعوا عنهم الظلم الذي أرهقهم من نصارى الروم والقوط وعاملوهم بالعدل والرحمة كالمسلمين وغيرهم فكفوا عن الكيد لهم وفضلوا سلطانهم على كل سلطان. (1)

ولكن بدعة التشيع كانت قد سرت وانتشرت في المسلمين

(1) للاستزادة يُراجع كتاب: (العنصرية اليهودية وآثارها في المجتمع الإسلامي والموقف منها، للدكتور: أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي) .

ص: 5

بالدعاية السرية، وكانت أقوى الأسباب في العداوة السياسية بين كبراء الصحابة رضي الله عنهم بما كان مما يسمى في عرف هذا العصر بسوء التفاهم وحسن النية، ومن راجع أخبار واقعة الجمل في تاريخ ابن الأثير مثلاً يرى مبلغ تأثير إفساد السبئيين لذات البَيْن، وحَيْلُولَتهم بالمكر والفساد دون ما كاد يقع من الصلح (1) .

لولا أن خلف زنادقة الفرس هؤلاء السبئيين، في إدارة دعاية التفريق بين المسلمين، بالتشيع والغلو في علي وأولاده وأحفاده الطاهرين رضي الله عنهم لزال خطرها بعد ترك اليهود لزعامتها السرية، ولكن الخليفتين الجليلين أبا بكر وعمر رضي الله عنه حاربا الفرس وتم للثاني فتح جُلّ بلادهم وثَلُّ عرش كسرى والقضاء على ديانتهم المجوسية، فأحفظ ذلك قلوب أمرائهم وزعمائهم من رجال الدين والدنيا، وليس لذي

(1) راجع ص 95، 96، 103 من الجزء الثالث، وفي هذه الصفحة أنهم طعنوا على عليٍّ وهم الدعاة إلى القول بألوهيته. (ر)

ص: 6

العجز عن الثأر بالقوة الحربية إلا المكايد السرية، فتولى مهرة رجال الفرس أمرها وكانوا أجدر بها وأهلها، فمنهم من تولى السعي لإفساد دين العرب الذي انتصروا بتعاليمه وجمعه لكلمتهم على الفرس وغيرهم، ومنهم من تولى السعي للإفساد السياسي بتحويل الخلافة إلى العلويين، ولما لم يجدوا منهم لزهدهم في الدنيا من يواتيهم على كل عمل ولو غير مشروع في الدين حولوها إلى العباسيين، ثم صاروا يكيدون للعباسيين بما كان أغرب طرقهم فيه ما قام به البرامكة من جعل جميع إدارة ملك الرشيد الواسع وسياستهم في أيديهم، حتى تنبَّه لذلك فبطش بطشته الكبرى بهم، وكانوا قد ملكوا عليه سويداء قلبه، مع قبضهم على أزمة ملكه. (1)

وكان أذكى من فطن لدسائس البرامكة وإلحاد الشيعة الباطنية ووقف على كثير من دقائقه العلامة المحقق القاضي أبو بكر بن العربي الأندلسي كما نوَّه به في رحلته وفي كتاب العواصم والقواصم، ويليه حكيم الإسلام ابن خلدون فقد أشار إليه في مقدمة تاريخه.

(1) أقول: هذا أحد الآراء والاحتمالات الواردة في تفسير ما أوقعه الخليفة العباسي هارون الرشيد من قتل للبرامكة بسبب تآمرهم الشعوبي - حسب هذا الرأي - على كيان دولته بإشاعة التهتك وتدمير الاقتصاد بل وربما الزندقة. انظر للاستزادة: تاريخ الإسلام لذهبي (10 / 24 - 30، 16 / 476) ، تاريخ ابن خلدون (3/279) ، محاضرات تاريخ الأمم الاسلامية للخضري (الدولة العباسية ص 111) .

ص: 7

كان من تعليم غلاة الشيعة بدعة عصمة الأئمة الذين استخدموا أسماءهم وشهرتهم لترويج سياستهم، وبدعة تحريف القرآن والنقص منه بفريتهم ثم البدع المتعلقة بالقائم المنتظر محمد المهدي وكونه هو الذي يظهر القرآن التام الصحيح الذي يزعمون أن عليًّا كتبه بيده بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. (1)

وفتحهم أبواب التأويلات لنصوصه بما لا يتفق مع شيء من قواعد اللغة، فكان قدوة سيئة لجميع المبتدعة، دع قول بعضهم بألوهية بعض أئمة أهل البيت الموروثة عند الإسماعيلية وغير الموروثة عند غيرهم من الباطنية، ثم دع كون غايتهم بعد الوصول إلى آخر درجات الدعوة الكفر الصريح كما تراه مبسوطًا في خطط المقريزي [3 / 421 - 424 ط: مدبولي] وغيره.

وأهم ما يجب بيانه في هذه المقدمة:

أنه كان بين من أطلق عليهم لَقَبُ الشيعة أو وَصْفُ التشيع على اختلاف تعاليمهم وعقائدهم الظاهرة والباطنة أناس من أهل السنة والجماعة وكانوا يرون أن عليًّا رضي الله عنه أحق بالخلافة من غيره، ومنهم

(1) يقول محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في " المسائل السروية " ص81-88: ((إن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قد أمروا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه إلى أن يقوم القائم فيقرئ الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين)) ، ويقول آية الله الخراساني صاحب كتاب " الإسلام على ضوء التشيع " ص 204:((كل إمام يحتفظ عليه - يعني القرآن - كوديعة إلهية إلى أن ظل محفوظًا عند الإمام المهدي القائم)) .

وانظر بعض الروايات التي تنص على هذا المعتقد في: كتاب الإرشاد للمفيد ص365 ط: الثالثة مؤسسة الأعلمي، تاريخ ما بعد الظهور لمحمد صادق الصدر ص 637، 638، يوم الخلاص لكامل سليمان ص 371، 372.

ص: 8

من يرى أنه أفضل من سائر الصحابة أو يفضله على من دون الشيخين، ويرون أنه أحق بالخلافة من عثمان لا من أبي بكر وعمر، ولكن لم يقل أحد من هؤلاء ببطلان خلافة الثلاثة، وكان عدد هؤلاء قليلاً من السلف والخلف، ولكن السواد الأعظم من أهل السنة سلفهم وخلفهم يعتقدون أن معاوية كان باغيًا على الإمام الحق أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وإن قدر بدهائه وسياسته على تأليف قوة عظيمة له، ولكن الجمهور تأولوا له بأنه كان مجتهدًا أخطأ في اجتهاده.

والغرض من ذكر هذا أن اسم الشيعة كان يطلق على:

- بعض أهل السنة والجماعة.

- وعلى كثير من المبتدعة الذين حافظوا على أركان الإسلام الخمسة.

- وعلى فرق زنادقة الباطنية حتى إن بعض كبراء علماء الإمامية حاول جعل فرقة الشيعة 73 فرقة وفسر بذلك الحديث الذي ورد بافتراق هذه الأمة إليها ليخرج أهل السنة والجماعة التي هي السواد الأعظم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (1)

(1) قال الذهبي رحمه الله في الميزان (1/ 6) : ((فالشيعي الغالي في زمان السلف وَعُرْفِهم: هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنه، وتَعَرَّض لِسَبِّهم.

والغالي في زماننا وعرفنا: هو الذي يُكَفِّرُ هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضالٌّ مُعَثَّرٌ)) . اهـ

وأما التفاوت الواقع بين متقدمي غلاة الشيعة وبين المتأخرين منهم فسببه حجة غريبة مفادها: أن المذهب يتطور ويتغير، فيصبح ما يعتبر عند القدامى غلواً هو اليوم من ضروريات المذهب الشيعي! فصارت مقاييسهم تتغير من عصر إلى عصر! تبعا لتغير المذهب وتطوره! كما قال المامقاني في تنقيح المقال (3/23 ط: الحجرية) : (إن القدماء ـ يعني من الشيعة ـ كانوا يعدون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب الشيعة غلواً وارتفاعاً، وكانوا يرمون بذلك أوثق الرجال كما لا يخفى على من أحاط خبراً بكلماتهم)

ص: 9

وقد انقسم الشيعة الذين يحافظون على أركان الإسلام إلى:

غلاة أطلق عليهم اسم الرافضة.

وإلى معتدلين وهو الذي خص أكثرهم باسم الزيدية لاتباعهم للإمام زيد بن علي رضي الله عنه الذي أبى على الغلاة البراءة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فرفضوه ويوجد معتدلون في غيرهم أيضًا.

ومن الغريب أن يشتبه أمر زنادقة الباطنية على كثير من مسلمي الشيعة حتى أهل العلم والذكاء منهم كالشريف الراضي المشهور باعتداله في شيعيته الذي قال:

ألبس الذل في ديار الأعادي

وبمصر الخليفة العلوي

من أبوه أبي ومولاه مولاي

إذا ضامني البعيد القصيّ

لف عرقي بعرقه سيد الناس

جميعًا محمد وعلي

إن ذلي بذلك الجو عز

وأوامي بذلك النقع ريّ (1)

فالمراد بالأعادي عنده الخلفاء العباسيون أبناء عمومته وكان الخليفة العباسي يعامله معاملة الأقران حتى إنه كان يفتخر عليه

(1) قال ابن الجوزي في المنتظم (7 / 281) : ((لما كتب أصحاب الأخبار بهذه إلى القادر، غاظه أمرها، واستدعى القاضي أبا بكر محمد بن الطيب، وأنفذه إلى الشريف الطاهر أبي أحمد برسالة في هذا المعنى، فقال القاضي أبو بكر في الرسالة: ((قد علمت موضعك منا ومنزلتك عندنا..، وقد بلغنا أنه - يعني الشريف الرضي - قال شعراً هو كذا، فيا ليت شعرنا على أي مُقامِ ذُلٍّ أقام، وما الذي دعاه إلى هذا المقال، وهو ناظر في النقابة والحج فيما في أجل الأعمال وأقصاها علواً في المنزلة..))

ثم استدعى الشريف ابنيه المرتضى والرضي، وعاتب الرضي العتاب المستوفي.

فقال له: ما قلت هذه الأبيات ولا أعرفها، فقال له: إذا كنت تنكرها فاكتب خطك للخليفة بمثل ما كنت كتبت به في أمر صاحب مصر، واذكره بما أذكره به من الادعاء في نسبه.

فقال: لا أفعل، فقال له: كأنك تكذبني بالامتناع عن مثل قولي.

قال: ما أكذبك، ولكني أخاف الديلم ومن للرجل من الدعاة بهذه البلاد، فقال: يال العجب! تخاف من هو منك على بلاد بعيدة وتراقبه، وتُسخط من أنت بمرأى منه ومسمع وهو قادر عليك وعلى أهلك!

وتردد القول بينهما حتى غلط الرضي في الجواب

وآل الأمر إلى إنفاذ القاضي أبي بكر وأبي حامد الاسفرائيني، وأخذا اليمين على الرضي أنه لم يقل الشعر المنسوب إليه، ولا يعرفه واندرجت القصة على هذا)) .

ص: 10

مخاطبًا له بمثل الأبيات التي أنشدها الخليفة القادر بالله في آخر قصيدة يمدحه بها:

مهلاً أمير المؤمنين فإننا

في دوحة العلياء لا نتفرق

ما بيننا يوم الفخار تفاوت

أبداً كلانا في المفاخر معرق

إلا الخلافة ميزتك فإنني

أنا عاطل منها وأنت مطوّق

فلهذا الاختلاط ترى في تراجم المحدثين والعلماء والأدباء والشعراء أسماء رجال كثيرين وصفوا بالتشيع؛ إذ كان هذا الوصف يطلق كثيرًا على من عرفوا بالمبالغة في حب آل البيت النبوي عليهم السلام ومدحهم وذم الظالمين لهم، وإن لم يكن أحد منهم على مذهب أحد من الشيعة المعتدلين كالزيدية ولا روافض الإمامية، فضلاً عن كونهم من زنادقة الباطنية، بل منهم المجتهد المستقل والمنسوب لأحد مذاهب أهل السنة.

والشيعة الإمامية منهم معتدلون قريبون من الزيدية،

ص: 11

ومنهم غلاة قريبون من الباطنية، وهم الذين لقحوا ببعض تعاليمهم الإلحادية، كالقول بتحريف القرآن وكتمان بعض آياته، وأغربها في زعمهم سورة خاصة بأهل البيت يتناقلونها بينهم حتى كتب إلينا سائح سني مرة أنه سمع بعض خطبائهم في بلد من بلاد إيران يقرؤها يوم الجمعة على المنبر وقد نقلها عنهم بعض دعاة النصرانية (المبشرين) . (1)

فهؤلاء الإمامية الاثني عشرية ويلقبون بالجعفرية درجات، وينقسم جمهورهم إلى أصوليين وإخباريين:

فالأصوليون: هم الذين يعرضون ما يروى من أخبار الأئمة على أصول وضعها المتقدمون فينقلون منها ما وافقها ويردون ما خالفها.

والإخباريون: هم الذين يتلقون جميع تلك الأخبار بالقبول، وإن خالفت المعقول، وما عند أهل السنة والجماعة من المنقول، وهدمت الفروع مع الأصول.

وحدث في المتأخرين

(1) وكذلك فعل قديماً دعاة النصرانية في أزمان متقدمة كما ذكر ذلك ابن حزم رحمه الله في الفِصل راداً على من استند من النصارى على قول أولئك العلماء في مذهب الإمامية في تحريف القرآن على المسلمين. انظر: الفِصل في الملل والنِّحَل 2 / 213.

ص: 12

منهم مذاهب أخرى كالكشفية (1)

، ولهم في الدين فلسفة غريبة، ويرد عليهم الشهاب الآلوسي في تفسيره (روح المعاني) .

ولهذا الاستعداد في الإمامية للغلو وقرب الكثيرين منهم من زندقة الباطنية ظهرت منهم وراجت فيهم بدعة البابية ثم البهائية الذين يقولون بألوهية البهاء ونسخه لدين الإسلام وإبطاله لجميع مذاهبه.

وقد نقل الإمام (المقبلي) في العلم الشامخ (2) عن بعض العلماء أنه قال:

ائتني بزيدي صغير أُخْرِج لك منه رافضيًّا كبيرًا، وائتني برافضي صغير أخرج لك منه زنديقًا كبيرًا، قال: يريد أن مذهب الزيدية يجر إلى الرفض، والرفض يجر إلى الزندقة. اهـ (3)

والمقبلي سلم هذا في أفرادٍ من الزيدية رَدَّ عليهم، لا في جملتهم.

***

(1) أصل هذه الفرقة (الكشفية) هو أن الشيخ أحمد الأحسائي من شيوخ الاثنا عشرية (المتوفى سنة 1241هــ) أنشأ فرقة عرفت فيما بعد بالشيخيَّة، ثم جاء تلميذة كاظم الرشتي (المتوفى سنة 1259هـ) فأنشأ فرقة الكشفية، وقال الشيخ المؤلف رحمه الله في مجلة المنار (مج 17 ص 224) :((ما أفسد دين الشيخ أحمد الأحسائي وأصحابه وأثار في أدمغتهم هذه الخيالات إلا التشبع بما أثروه عن فرق الباطنية، وما رأوه من إقرار الناس لبعض زعماء الباطنية بالإمامة ولبعضهم بالألوهية، وعلمهم بأن أهل زمنهم أجدر من المتقدمين بالتقليد، للإعراض عن القرآن والسنة والجهل بهما وبلغتهما، ولما كان قبل من التمهيد. والظاهر أن كلا من الإحسائي والرشتي والكرماني كان يطمع أن يكون في شيعة العراق والفرس، كإمام بل إله الإسماعيلية في الهند، ولكن كان منتهى شوط أباطيلهم التمهيد للباب ثم للبهاء، اللذين كانا دونهم في الفلسفة والفصاحة والذكاء، وما سبب رواج كفر الباطنية وشركهم المخترع - على اختلاف فرقهم من إسماعيلية ودروز ونصيرية وبكداشية وبابية وبهائية - إلا الغلو في تعظيم آل البيت (وكذا غيرهم من العلماء والصالحين) ، والتقليد في الدين، فهذان السببان هما اللذان أعدا الأذهان لقبول هذا الكفر والطغيان، ولما كانت فرقة الشيعة الإمامية أشد غلوًّا من سائر فرق المسلمين في تعظيم آل البيت جعلها واضعو هذه الأضاليل مباءة لها، وسلمًا لمقاصدهم منها)) .

ولكل من هذه الفرق صراع مرير مع بقية المرجعيات لا يكاد ينتهي. انظر: الشيخية نشأتها وتطورها ومصادر دراستها - محمد الطالقاني، أصول مذهب الشيعة للقفاري 1/136.

(2)

قال الشيخ المؤلف رحمه الله في مجلة المنار 16 / 65: ((الشيخ صالح مهدي المقبلي المتوفى سنة 1108، وكان في الأصل على مذهب الزيدية ولكنه قرأ كتب الكلام والأصول وعرف مذاهب الفرق كلها وكتب التفسير والحديث وسائر العلوم، وطلب بذلك الحق ومرضاة الله تعالى، فانتهى به ذلك إلى ترك التمذهب وقبول الحق الذي يقوم عليه الدليل، وقد شهد له الإمام الشوكاني بالاجتهاد المطلق، وهو يشرح في هذا الكتاب أمهات المسائل التي وقع الخلاف فيها بين المذاهب الشهيرة كالأشعرية والمعتزلة وأهل السنة والشيعة الزيدية والإمامية وكذا الصوفية. ويبين ما يظهر له أنه هو الحق ولا يتعصب لمذهب على مذهب، وهذا هو مراده الذي يدل عليه اسم كتابه.

فيخالف كل مذهب من المذاهب في بعض المسائل، وإن لم يخرج عن مجموعها في شيء، وهو شديد الحملة على ما يعتقد بطلانه، قوي الإنكار لا يتحامى التشنيع والنبذ بالألقاب المنكرة. . .)) .

(3)

جاء في مجلة المنار 16 / 745 ضمن مقالة للعلامة جمال الدين القاسمي رحمه الله يقول فيها عن الزيدية: ((هم إلى أهل السنة أقرب منهم إلى الرافضة؛ لأنهم ينازعون الرافضة في إمامة الشيخين وعدلهما وموالاتهما، وينازعون أهل السنة في فضلهما على علي، والنزاع الأول أعظم، ولكن هم المرقاة التي تصعد منه الرافضة، فهم لهم باب)) .

ص: 13

سعينا للتأليف بين أهل السنة والشيعة

كان من قواعد الإصلاح التي وضعها حكيم الإسلام في هذا العصر وموقظ الشرق السيد جمال الدين الأفغاني رحمه الله تعالى وجوب السعي لجميع المسلمين والتأليف بين فِرَقهم التي يجمعها الإيمان بالقرآن المجيد المعصوم ورسالة محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، والاستعانة على ذلك بالسياسة التي كانت السبب الأول لهذا التفرق الذي ألبس بعد ذلك لباس الدين، ولكن كما يلبس الفرو مقلوبًا (1) ، فكانت سبب ضعف جميع الفرق، ومن أهم أسباب ضعفهم وسلب الأجانب لملكهم.

ولا أعرف أحدًا عُني بعد السيد المصلح رحمه الله بهذا السعي كما عُنِيَ به هذا العاجز (منشئ المنار) في أسفاره ومقامه في هذه البلاد الحرة أدام الله عمرانها، وأتم لها استقلالها،

(1) هذا التشبيه مروي عن أمير المؤمنين علي كرَّم الله وجهه. (ر)

ص: 14