الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم يُسْتَغْنَى عن الحرس؛ لأنه ليس من أركان الحج ولا من واجباته ولا من سننه.
نتيجة ما تقدم في إبطال زعم الرافضي
زعم الرافضي العاملي أن ابن تيمية أول من أثبت ما ذكر من صفات الله تعالى بدون تأويل، وتبعه بعض تلاميذه ثم الوهابية، وأنهم خالفوا في ذلك جميع المسلمين، وهذا كذب وافتراء وتضليل لعوام أهل السنة، وتمهيد إلى جذبهم إلى الرفض الذي من أصوله تعطيل صفات الله تعالى بالتأويل وجعله عز وجل كالعدم (1)
، تعالى الله عما يقول المبتدعون علوًّا كبيرًا، فما من صفة من تلك الصفات إلا وهي منصوصة في القرآن أو في الأحاديث النبوية الصحيحة، ولعل كل قارئ للقرآن أو سامع له من المسلمين قد قرأ أو سمع قوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح: 10) وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص: 75)(2)
وزعم الرافضي أن ابن تيمية يثبت لله تعالى يمينًا وشمالاً، ونصوصه تدل على أنه يتبع نصوص الكتاب والسنة، وإنما ثبت فيهما لفظ اليدين، ولفظ اليمين في قوله تعالى:{وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (الزمر: 67)
(1) إذا نظرنا إلي أبرز علماء الاثنا عشرية فسنجد أن أبرز المتقدمين يُعتبرون من المشبهة الذين يُشبهون الخالق بالمخلوق، وقد سبقت الإشارة إلى أقوال أبرزهم مثل زرارة وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وغيرهم، ويقول الشريف المرتضى في رسائله (3 / 310) :((معظم الفقه وجمهوره لا يخلو مستنده ممن يذهب مذهب الواقفة اما أن يكون أصلا في الخبر، أو فرعا، راويا عن غيره، ومرويا عنه والى غلاة، وخطابية، ومخمسه، وأصحاب حلول كفلان وفلان ومن لا يحصى أيضا ذكره، والى قمي مشبه مجبر، وأن القميين كلهم من غير استثناء أحد منهم إلا أبا جعفر بن بابويه بالأمس كانوا مشبهة، مجبرة وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به، فليت شعري أي رواية تخلص وتسلم من أن يكون في أصلها وفرعها، واقف، أو غال، أو قمي مشبه مجبر)) .
وتقول رواية في "التوحيد لابن بابويه ص101-102" عن سهل قال: ((كتبت إلى أبي محمد - يعني إمامهم المنتظر - قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد؛ منهم من يقول: هو جسم، ومنهم من يقول: هو صورة)) .
وبدأ تغير المذهب في أواخر المائة الثالثة؛ حيث تأثر بمذهب المعتزلة في تعطيل البارئ سبحانه من صفاته الثابتة له في الكتاب والسنة، وكثر الاتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف المرتضى، وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة، ولهذا لا يكاد القارئ لكتب متأخري الشيعة يلمس بينها وبين كتب المعتزلة في باب الأسماء والصفات فرقًا، إلا في ناحية مهمة وهي: أنه بعد نفي صفات الله سبحانه تم إلصاق أسماء الله تعالى وصفاته بالأئمة، وهذا الإلصاق يتفقون فيه مع متقدمي أصحابهم الإمامية، وقد ذكر المجلسي في بحار الأنوار24/191-203ستًا وثلاثين رواية تقول إن الأئمة هم وجه الله ويد الله ولسان الله وعين الله ونحو ذلك، ويروون عن أبي جعفر في قوله تعالى " وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" قال: إن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته" (الكافي 1/113 كتاب التوحيد: باب النوادر)، ولا ندري ما الفرق بين من يقول كما في رجال الكشي ص184:((وأنا الأول وأنا الآخر وأنا الظاهر وأنا الباطن)) وبين فرعون الذي قال: ((أنا ربكم الأعلى)) ؟!
ثم كذلك فعلوا مع أسماء الله الحسنى فنفوها وما تستلزمه من الصفات العلى وردوا جميعها إلى معنى العلم والإدراك فقالوا: سميع بلا سمع، بصير بلا بصر. . . إلخ أسمائه سبحانه التي أرجعوها إلى معنى العلم والإدراك، ثم لم يكتفوا بذلك حتى نقلوا عن الأئمة أنهم يقولون: إن الأسماء الحسنى الواردة في قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف، آية: 180.] هي الأئمة، ويروون عن أبي عبد الله أنه قال: نحن والله الأسماء الحسنى الذي لا يقبل من أحد إلا بمعرفتنا، قال:{فَادْعُوهُ بِهَا} تفسير العياشي: 2/42، تفسير الصافي: 2/254-255، البرهان: 2/51.
ويلزم من وصف الأئمة بأنهم أسماء الله الحسنى بأن يكون الحسين متكبرا لأن المتكبر من أسماء الله. فهل وصفهم بأنهم أسماء الله الحسنى فيه مدح لهم أم فيه طعن فيهم؟ كما أن الله هو الخالق فيلزم منه أن يكون الإمام هو الخالق، الله هو الإله فيلزم أن يكون الإمام هو الإله، وقد قالها الغلاة في قوله تعالى {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد} أي لا تتخذوا إمامين اثنين إنما هو إمام واحد» (تفسير العياشي2/261 بحار الأنوار23/357 و27/33 مستدرك سفينة البحار1/171) مرآة الأنوار للعاملي ص202، فانظر كيف بلغ بهم الغلو حتى صار معنى الإله هو الإمام!
والخلاصة: أن قولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل، فإنهم يمثلون الله تعالى بالممتنعات والمعدومات والجمادات، ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلاً يستلزم نفي الذات ويجعلونها للأئمة. انظر: الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(2)
أولاً: إن المتقرر عند أهل السنة والجماعة - بل وعند عامة العقلاء - أن أي صفة أُضيفت إلى أي شيء فإنها تكون صفة مناسبة لحال هذا الشيء الذي أضيفت إليه.
ولذلك فإن أضيفت اليد إلى الباب مثلاً أو إلى إنس أو جن كانت يداً مناسبة بحال الباب أو بحال الإنس أو الجن مثلاً، وأما إذا أضيفت الصفة إلى من {ليس كمثله شيء} كانت كذلك صفة ليس كمثلها صفة.
ثانياً: إن دلالات القرآن والسنة على إثبات صفة اليدين لله تعالى قد تنوعت بما يمتنع معه حمل اليدين على المجاز، كصيغة التثنية في قوله تعالى {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} والتي هي صيغة دقيقة؛ لأنها تدل على العدد والنوع دلالة قطعية فلا يجوز أن يُعبَّر باليدين وهي صيغة تثنية عن القدرة التي هي صفة واحدة. انظر: مجموع الفتاوى 6 / 219، دراسات في اللغة والنحو د. عدنان محمد ص 88.
وكدلالة وقوع اليد في هذا السياق الذي أضاف سبحانه فيه الفعل إلى نفسه ثم تعدى الفعل إلى اليد بالباء التي هي نظير كتبت بالقلم وهي اليد ومثل هذا نص صريح لا يحتمل المجاز بوجه من الوجوه. وانظر: الإيضاح لأبي الحسن الزاغوني ص 286، مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم 3 / 951 ط: أضواء السلف، الإبانة لأبي الحسن الأشعري ص 106.
ومن الدلالات جعل ذلك خاصة خص بها صفيه آدم دون البشر كما قال أبو إسحاق ابن شاقلا لمناظره المعطل: ((سويت بين آدم وسواه، فأسقطت فضيلته)) . انظر: طبقات الحنابلة تحقيق العثيمين، والمصادر السابقة.
إضافة للنصوص الأخرى التي فيها استعمال لفظ اليمين ووصفها بالقبض والطي [سورة الزمر: 67]، ووصفها بالبسط [المائدة: 64] وصحيح مسلم (2759)، ووصفها بالكف والأخذ كما في مسلم (1014) : ((ما تصدق أحد بصدقة من طيب
…
إلا أخذها الرحمن بيمينه
…
، فتربو في كف الرحمن
…
)) إلخ، ووصفها بالنضح كما في حديث عند أحمد في المسند (4 / 13) :((فيأخذ ربك بيده غرفة من ماء فينضح بها قِبَلَكم)) ، وصفها بأنها ملأى وبأنها أخرى كما في البخاري (7411) ومسلم (993) : ((يد الله ملأى
…
وبيده الأخرى الميزان)) . وانظر: مختصر الصواعق المرسلة 3 / 946 - 950.
ثالثاً: إن من القواعد المهمة في الرد على المعطلة لهذه الصفة الجليلة أن القول في الذاات كالقول في الصفات، وأن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر ولذلك جاء في الإبانة لأبي الحسن الأشعري رداً على المعتزلة قائلاً:((لم نجد حياً من الخلق، إلا جسماً لحماً ودماً، فاقضوا بذلك على الله عز وجل، وإلا فأنتم لقولكم متأولون ولاعتلالكم ناقضون، وإن أثبتم حياً لا كالأحياء منا، فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله عز وجل عنهما، يدين ليستا نعمتين لا جارحتين ولا كالأيدي؟)) ، وقد ناقشت بعض الأشاعرة فلم يجدوا من هذه القاعدة بإلزامهم بصفة السمع التي يقول الأشاعرة إنهم يثبتونها لله؛ فإننا لا نتصور سمعاً إلا بآلة تكون محلاً يصل إليه الصوت المسموع، فلم يستطع أحد منهم الفكاك من هذا الإلزام بحمد الله. وانظر: اعتقاد أهل السنة للحافظ أبي بكر الإسماعيلي ص 74 (بتحقيق: جمال عزون) ، مختصر العلو للذهبي (مقدمة الشيخ الألباني ص 45 - 46 فصل من كلام الخطيب البغدادي) ، الرسالة التدمرية (ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3 / 17) .
فهذا هو موقف أهل السنة، أما الجهمية ومن سار خلفهم من الفِرق فعطلوا الصفة وقالوا بما حكاه الترمذي عنهم ونقلناه في حاشية سابقة، وأما الغلاة الاثني عشرية فيروون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو يد الله (الكافي 1/145)، مع أن الله سبحانه هو الذي يقول {يا أبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} فعلى هذا من يكون الذي خلق آدم إذن؟! كما يلزم من وصفهم هذا لعلي رضي الله عنه وصف يد الله بالضعف؛ لأنه يقال لهم: ماذا فعلت يد الله عندما ضُربت فاطمة حسب ما يعتقد أغلب الاثنا عشرية؟!
وثبت في حديث مسلم [رقم: 4748]، والنسائي [رقم: 5379] : (
…
وكلتا يديه يمين) والحديث في إثبات الشمال لا يصح كما بيَّنَه الحافظ ابن حجر في الفتح والحافظ البيهقي قبله في كتابه (الأسماء والصفات) . (1)
وكأن الرافضي لم يره وسمع قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) ، وما في معناها (2) وقوله تعالى في الملائكة {يخافون ربهم من فوقهم} (3)، وقوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ} (الفجر: 22)(4)
وقوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (البقرة: 186)(5) إلخ.
وليعلم القارئ أن ما عزاه هذا الرافضي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه الأعلام ثم إلى الوهابية مما ليس في القرآن فهو في الأحاديث الصحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري [1145] ومسلم [758] وغيرهما:((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا)) إلخ. (6)
وأما الصوت (7) فقد ذكر فيه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا تكلم الله بوحي سمع أهل السموات شيئًا فإذا فُزِّعَ عن قلوبهم وسكن الصوت وعرفوا أنه الحق من ربهم ونادوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: (الحق) .
قال البخاري: ويذكر عن جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أُنَيْس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (2 / 160 بتحقيق: الحاشدي) ، فتح الباري 13 / 396، وكذلك حكم الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (مج 7 ح: 3136) على زيادة بـ (شماله) بأنها منكرة.
(2)
تكرر معنى هذه الآية في ستة مواضع أخرى عدا هذه الآية، وهي: سورة الأعراف: 54، سورة يونس: 3، الرعد: 2، الفرقان: 59، سورة السجدة: 4، سورة الحديد: 4، قال ابن عبد البر في التمهيد 7 / 131:((والاستواء معلوم في اللغة مفهوم وهو العلو والارتفاع على شيء)) ولذلك قال ربيعة ومالك وابن عيينة وغيرهم المقالة - التي تلقاها العلماء بالقبول - الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
(3)
والجهمية ومن وافقهم يقولون: لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل
…
إلخ، والآية حجة عليهم، وزعم بعضهم أن الفوقية هنا هي فوقية الرتبة وهو زعم باطال؛ لأن الظروف لها أحوال ومنها (فوق، وتحت)، فإذا دخل عليها حرف الجر (من) تعين فيها وجه واحد كقوله تعالى {وجعل فيها رواسي من فوقها} وقوله {فخر عليهم السقف من فوقهم} . انظر: إثبات علو الله على خلقه للشيخ أسامة القصاص رحمه الله وتقبله في الشهداء ص 86، موسوعة أهل السنة للشيخ د. عبد الرحمن الدمشقية ص 634.
(4)
صفة المجيء لله تعالى يُثبتها أهل السنة على ما يليق بجلاله وعظمته كغيرها من الصفات العليا دون التعرض لها بتحريف لمعناها أو تمثيل بصفات المخلوقين أو تكييفها، قال محمد بن الحسن الشيباني:((قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء - يعني الجهمية -: أرأيتم قول الله عز وجل {وجاء ربك والملك صفا صفا} ؟ قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفا صفا، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى لذاك، ولا ندري كيفية مجيئه. فقلت لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف مجيئه، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيت من أنكر أن الملك يجيء صفا صفا ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب. قلت: فكذلك إن أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب)) . عقيدة السلف للصابوني 1 / 118، وانظر: تفسير ابن جرير الطبري 30 / 118 - 220 والتبصير له أيضاً ص 148 - 149 ففيه مناقشة مفيدة لمن عطل هذه الصفة.
(5)
إن الله سبحانه قريب في علوه، عالٍ في قربه، وقربه سبحانه ليس كقرب الأجسام أو المخلوقات بعضها من بعض تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإذا فُهم معنى اسم الجلالة (القريب) كما ينبغي، عُلم أنه لا منافاة بينه وبين أسماء الجلالة الدالة على علوه سبحانه وكمال مباينته لخلقه واستوائه على عرشه، بل إن ذلك يجامعه ويلازمه، والذي يسهل عليك هذا معرفة عظمة الرب وإحاطته بخلقه فهو سبحانه يقول:{وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} ، مع الأخذ بعين الاعتبار بذلك الأصل الثابت في الكتاب السنة وإجماع الأمة، وهو أن اللهّ تعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته سبحانه. وانظر: مدارج السالكين 2 / 265.
(6)
وهو حديث متواتر كما نص عليه العلماء كابن عبد البر في التمهيد 7 / 128 والحافظ عبد الغني المقدسي كما في اعتقادات أئمة السلف ص 80، أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا - كما نص عليه حديث من لا ينطق عن الهوى - بلا تكييف ولا تمثيل، فكما أنهم يؤمنون أن لله سبحانه إرادة ليست كإرادة المخلوقين وكلام ليس ككلامهم، فكذلك يؤمنون باستواء ونزول لا يشبه نزول المخلوقين، ومن أفضل ومن أوعب ما كتب عن صفة النزول لله عز وجل كتاب (صفة النزول الإلهي ورد الشبهات حولها) للشيخ عبد القادر بن محمد الغامدي.
وبالمناسبة: فقد ورد في بعض الكتب الشيعية عن زيد عن عبد الله بن سنان قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: ((إن الله ينزل في يوم عرفة في أول الزوال إلى الارض على جملٍ أفرقٍ، يصال بفخديه أهل عرفات يمينا وشمالا ولا يزال كذلك حتى إذا كان عند المغرب. . .)) إلخ، وهذا الأثر رواه زيد النرسي في أصله المطبوع ضمن الأصول الـ 16 بتحقيق المصطفوي، ومراد علماء الإمامية بـ (الأصل) أنه كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم مباشرة أو عمن سمع المعصوم، وأصل زيد النرسي قال المامقاني في تنقيح المقال (1 / 59) عنه وعن مؤلفه:((معتمد هو وأصله)) وكذلك النوري الطبرسي في مستدرك الوسائل ج 1 / 62 - 74، ونقل التوثيق لزيد النرسي والتصحيح لأصله هذا أيضاً عن بعض علماء الإمامية كالطباطبائي والغضائري مع الرد على من طعن فيه، وانظر الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم (2 / 370 وما يليها) ، أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق لحجة الإسلام والمسلمين (2 / 32) .
(7)
أهل السنة متفقون على ما دل عليه الكتاب والسنة من أن الله تبارك وتعالى يتكلم متى وكيف شاء بحرف وصوت مسموع، وبما أن القول في الصفات كالقول في الذات، فيكون كلامه صفةً له كذاته العلية سبحانه {ليس كمثله شيء} . قال ابن قدامة رحمه الله في المناظرة في القرآن ص 70:((قد ورد الكتاب والسنة وإجماع أهل الحق)) يعني على إثبات كلامه تعالى بصوت.
يقول: (يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ: أنا الملك أنا الديان) .
أما حديث ابن مسعود فقد رواه البخاري في كتاب التوحيد تعليقًَا موقوفًا عليه، ووصله البيهقي في الأسماء والصفات وغيره كما فصَّله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1)
، وأما حديث عبد الله بن أُنَيْس (بالتصغير) فذكر الحافظ في شرحه من فتح الباري مَن أخرجه مسندًا (2) .
وروى البخاري بعده بسنده المتصل إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله يا آدم فيقول: لبيك وسعديك: فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار)(3)
وذكر الحافظ في شرحه له أن (ينادي) وقع مضبوطًا للأكثر بكسر الدال وفي رواية أبي ذر بفتحها، أي والثانية تحتمل من التأويل ما لا تحتمل الأولى.
وذكر الحافظ في شرح الحديث الأول تأويل من أوَّله من الأشعرية ثم قال ما نصه (ص383ج13) : (وهذا حاصل
(1) ذُكر معلقاً في كتاب التوحيد من صحيح البخاري (فتح الباري 12 / 453 - 454) ، باب رقم (32)، وأخرجه موقوفاً البخاري في خلق أفعال العباد (برقم: 482، 484 بتحقيق د. الفهيد) ، وعبد الله بن أحمد في السنة (536 - 537)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 351) . وانظر: تغليق التعليق للحافظ ابن حجر (5 / 353 - 354) .
وأخرجه مرفوعاً أخرجه أبو داود (4738) وابن خزيمة في التوحيد (1 / 351) بإسناد على شرط الشيخين، وقال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (3 / 283) : ((والموقوف وإن كان أصح من المرفوع
…
فإنه لا يعل المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر، لاسيما وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه)) .
(2)
ذُكر معلقاً في كتاب التوحيد من صحيح البخاري (فتح الباري 12 / 453 - 454) ، باب رقم (32)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (رقم: 750، صحيح الأدب المفرد للألباني) وفي خلق أفعال العباد (2 / 241 رقم 480 بتحقيق د. الفهيد) ، والإمام أحمد في المسند (3 / 495) ، والحاكم في المستدرك (4 / 574 - 575) .
(3)
أخرجه البخاري (4741) ، ومسلم (222) ، وأحمد (3/ 32- 33) ، والسياق المذكور هو للبخاري كما أشار المؤلف رحمه الله، وهذا الحديث موافق- من حيث دلالته على هذه الصفة - لقوله تعالى {هل أتاك حديث موسى. إذ ناداه ربه} والنداء لا يصح على ما ليس بحرف ولا صوت، يقول السجزي في رسالته إلى أهل زبيد ص 166:((والنداء عند العرب صوت لا غير، ولم يرد عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم أنه من الله غير صوت)) ، كما أنه يلزم من قول من ينفي الصوت أن الله لم يُسمع أحداً من ملائكته أو من رسله كلامه بل ألهمهم إياه، وحينئذ فأي فضل يكون لموسى على غيره من الرسل في وصفه كليم الله؟!
والعجيب أن الشيعة الاثني عشرية يرروون أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ((بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟ قال: خاطبني بلغة علي بن أبي طالب، حتى قلت: أنت خاطبتني أم علي؟)) فالنبي صلى الله عليه وسلم يشتبه عليه من الذي يخاطبه: الله أم علي؟!
ثم جاء في تكملة الرواية أن الله قال: ((يا أحمد أنا شيء لا كالأشياء، لا أقاس بالناس..)) وهذا جواب في غاية السقوط والتهافت فخطاب علي ولغته وصوته أليس من الأشياء؟! الجواب: بلى قطعاً، فإذن صار خطاب الله كخطاب علي رضي الله عنه، فما صنعت هذه العبارة شيئاً سوى ذر الرماد في العيون وبيان تهافتها وكذبها. انظر الرواية في: كشف الغمة للأربلي1 / 106، بحار الأنوار 38 / 312، منهاج الكرامة لابن مطهر الحلي ص 125 ذاكراً إياها ضمن البراهين على الإمامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم منه أن الله تعالى لم يُسْمِع أحدًا من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه (1) ، وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين؛ لأنها التي عُهِدَ أنها ذات مخارج ولا يخفى ما فيه؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق، سلمنا لكن نمنع القياس المذكور وصفات الخالق لا تُقَاس على صفات المخلوق، وإذا ثبت الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة (وكان الحافظ قد بيَّن غير ما في البخاري منها) وجب الإيمان بها؛ ثم إما التفويض وإما التأويل وبالله التوفيق) اهـ، وظاهر كلامه أنه يختار التفويض اتباعًا للسلف. (2)
ثم قال الحافظ في شرح حديث أبي سعيد ما نصه (ص 386 ج 13) :
(واختلف أهل الكلام في أن كلام الله تعالى هل هو بحرف وصوت أو لا؟ فقالت المعتزلة: لا يكون الكلام إلا بحرف وصوت والكلام المنسوب إلى الله تعالى قائم بالشجرة، وقالت الأشاعرة: كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام
(1) وهذا اللازم يلتزم به نفاة هذه الصفة، ويلزم منه نفي منقبة موسى علي غيره من الأنبياء باختصاصه بأنه كليم الرحمن، فلا تكون لموسى ميزة على غيره في التكليم؛ لأن الإلهام والإفهام للمعنى يشترك فيه الجميع.
(2)
الصحيح في منهج أهل السنة في الصفات هو إثباتها كما جاءت بلا تفويض في المعنى بل في الكيفية. انظر: منهج الحافظ ابن حجر في العقيدة ص 690.
النفسي، وحقيقته معنًى قائم بنفسه، وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية، واختلافها لا يدل على اختلاف المُعَبَّر عنه، والكلام النفسي هو ذلك المُعَبَّر عنه. (1)
وأثبتت الحنابلة أن الله تعالى متكلم بحرف وصوت: أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن، وأما الصوت فمن منع قال: إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر، وصفات الرب بخلاف ذلك، فلا يلزم المحذور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه، وأن يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه.
وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون: لمَّا كلم الله موسى ولم يتكلم بصوت؟ فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه الأحاديث تروى كما جاءت (2) ، وذكر حديث ابن مسعود وغيره) اهـ.
فهذه النُّقُول من أحفظ الحفاظ صريحة في أن إثبات هذا الصوت لكلام الله المُنَزَّه عن مشابهة أصوات الخلق هو مذهب
(1) الخلاف بين الأشاعرة وبين المعتزلة في هذه المسألة خلاف لفظي، فإن المعتزلة لم يتطرقوا إلى الكلام النفسي حتى يقولوا إنه مخلوق، وإنما أطلقوا القول بأن ((القرآن مخلوق)) ، وعلى من قال خلاف ذلك أن يدلنا أين قالت المعتزلة إن كلام الله -الذي يسميه الأشاعرة (الكلام النفسي) - مخلوق؟!
فالأشاعرة يقولون إن القرآن الذي بين أيدينا هو عبارة ومعنى عن القرآن وأما ألفاظ القرآن المتلوة فهي من جبريل وليست من الله، إلا أنه قد يكون من الفروق بين المعتزلة وبين الأشاعرة في هذه المسألة أن الأشاعرة ينصحون بكتمان هذا القول عن عوام الناس فيقول البيجوري في جوهرة التوحيد ص 72:((يمتنع أن يقال: إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم)) .
(2)
السنة لعبد الله بن أحمد (1 / 280 - 281) المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (1 / 303) .
الإمام أحمد بن حنبل وأتباعه، وأن دعوى الرافضي العاملي أن أول من زقا به هو ابن تيمية وخالفه فيه جميع المسلمين إلا الوهابية كذب وافتراء ولا يزال جمهور أهل الحديث إلى اليوم يتبعون الإمام أحمد في هذا، ولا أقول يقلدونه بل يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح من حديثه فيه كغيره (1) ، وأي فرق بين إثبات الكلام وإثبات الصوت، وكل منهما ثابت للبشر؟ وكذلك السمع والبصر وسائر الصفات، وهل على المؤمن الذي لا يحكم هواه ولا شبهاته النظرية ولا يقلد رجال مذهبه في عقيدته إلا أن يُثْبِتَ لله تعالى جميع ما أثبته له كتابه ورسوله من تنزيه وصفات لم يكن من وسيلة لتبليغها للبشر إلا لغاتهم التي وضعوها لصفاتهم مع نفي التشبيه والتمثيل؟
على أننا لسنا هنا بصدد ترجيح مذهب الحنابلة وسائر أئمة السلف بل نحن في صدد تكذيب الرافضي المتعصب في زعمه أن هذا شيء افتجره ابن تيمية (فحكم علماء المسلمين بكفره) وقلده فيه بعض تلاميذه، ثم الوهابية وخالفهم سائر المسلمين.
ولا يبعد أن يعني الرافضي بالمسلمين الشيعة وحدهم (2) أو مع
(1) فرَّق بعض أهل العلم بين التقليد وبين الاتباع فكل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع. انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2 / 233، إعلام الموقعين لابن القيم 2 /130
(2)
الظاهر أنه لا يعني ذلك؛ فإنهم قد يُطلقون على غيرهم وصف الإسلام، ولكن وصف الإيمان هو وصف خاص بالاثني عشرية وحدهم! كما يقول الخميني في " المكاسب المحرمة 1/250:((المراد بالمؤمن الشيعة الإمامية الاثنى عشرية)) وانظر في النص على هذه النقطة: الحدائق الناضرة للبحراني 10/359، مفتاح الكرامة لمحمد جواد العاملي 4/182، جواهر الكلام لمحمد حسن النجفي 4/80، المسائل المنتخبة للسيستاني ص13، مصباح الفقاهة للخوئي 1/323، وصراط النجاة للخوئي أيضاً 2/438 سؤال رقم (1375)، وقال - أعني الخوئي- في كتاب الطهارة 2/87 وهو يتكلم عن طهارة مخالفيهم:((فالصحيح الحكم بطهارة جميع المخالفين للشيعة الاثنى عشرية وإسلامهم ظاهرا بلا فرق في ذلك بين أهل الخلاف وبين غيرهم وان كان جميعهم في الحقيقة كافرين وهم الذين سميناهم بمسلم الدنيا وكافر الآخرة)) .
من سبقهم في التأويل من مبتدعة الجهمية والمعتزلة الذين صارت الشيعة عيالاً عليهم في مخالفة النصوص بالتأويل كما تقدم عن بعض متعصبيهم في تفسير حديث افتراق هذه الأمة إلى 73 فرقة؛ إذ حاول جعل هذه الفرق كلها من الشيعة؛ ليخرج أهل السنة عن عداد أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وجملة القول: أن ما طعن به الرافضي العاملي على ابن تيمية والوهابية من إثبات ما ورد في الكتاب والسنة من صفات الله تعالى بدون تأويل هو أصل مذهب أهل السنة من الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار كما ثبت في كتب السنة التي صُنِّفَت قبل ابن تيمية وفي عصره وبعده، ومنها كتب خاصة في إثبات علو الله على خلقه.
وهذا الرافضي أراد أن يطعن في أهل السنة ويُبْطل عقائدهم، وأن يَرُوج طعنه عند عوام المسلمين فحصر مذهب السنة في الوهابية (1) ، وزعم أنه لا سلف لهم فيه إلا ابن تيمية وتلاميذه، وأن علماء المسلمين كفروه لقوله بها، والصحيح أن هؤلاء كانوا أظهر أنصار السنة كل في عصره، وهذا عصر الوهابية منذ ظهروا إلى اليوم.
(1) إن أولئك المتعصبين المتلونين من الاثني عشرية لا يستطيعون التصريح بمهاجمة عامة المسلمين، فكان المخرج الوحيد الذي يجدونه هو مهاجمة أهل السنة والجماعة من خلال استغلال اسم الوهابية، فنراهم يحتقرون التاريخ الإسلامي العظيم الذي صنعه أهل السنّة باسم الرد على الوهابية، ويطعنون في الصحابة باسم الرد على الوهابية، ويقتلون أهل السنة في العراق وفي غيرها باسم محاربة البعثيين والوهابية، ويطعنون في أئمة أهل السنة من محدثين وفقهاء وبالمرويات الصحيحة باسم الوهابية!
وإننا ننقل هنا صفوة ما أورد الحافظ ابن حجر في شرحه للبخاري الذي هو عمدة المحدثين وجميع أهل السنة من عصره إلى اليوم في مذهب أهل السنة في صفات الله، وهو ما كتبه في شرح قول البخاري (باب وكان عرشه على الماء) إلخ، وذلك قوله بعد ذكر كثير من أقوال السلف وغيرهم وأقوال أهل اللغة في معنى الاستواء على العرش وغيره وهذا نصه (ص 342 و 343ج 13) :
(وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق بسنده إلى داود بن علي بن خلف قال: كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي يعني محمد بن زياد اللغوي فقال له رجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) فقال: هو على العرش كما أخبر، قال: يا أبا عبد الله إنما معناه استولى فقال: اسكت لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مُضَادٌّ.
ومن طريق محمد بن أحمد بن النضر الأزدي سمعت ابن الأعرابي يقول أرادني أحمد بن أبي دؤاد أن أجد له في لغة العرب {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) بمعنى استولى فقلت: والله ما أصبت هذا،
وقال غيره: لو كان بمعنى استولى لم يختص بالعرش؛ لأنه غالب على جميع المخلوقات. (1)
ونقل محيي السنة البغوي في تفسيره [1 / 78 ط: طيبة] عن ابن عباسٍ وأكثرِ المفسرين أن معناه ارتفع، وقال أبو عبيدة والفراء (2) وغيرهما بنحوه، وأخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت:(الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر) . (3)
ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سُئِلَ كيف استوى على العرش؟ فقال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، وعلى الله الرسالة، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم)(4)، وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال:((كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته)) (5)، وأخرج الثعلبي [4 / 239] من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (الأعراف: 54) فقال: هو كما وصف نفسه.
وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5)
(1) بيَّن أهل العلم بطلان تفسير الاستواء بالاستيلاء وردوا على الجهمية والمعتزلة ومن تابعهم، فانظر: العلو للذهبي (مختصر ص 29، 75) ، تفسير أبي المظفر السمعاني 2 / 188، 366، 3 / 320 وحتى أبو الحسن الأشعري الذي تنتسب له الأشاعرة في الإبانة ص 97 - 103 وفي المقالات 1 / 284، وفي رسالته لأهل الثغر ص 232 - 236 وبين ابن القيم بطلان تفسير الاستواء بالاستيلاء من اثنين وأربعين وجهاً في كتابه الصواعق المرسلة كما في مختصره (3 / 888 - 946)
(2)
قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (2 / 15) : (( {الرحمن على العرش استوى} أي علا، يقال: استويت فوق الدابة وعلى البعير وعلى الجبل وفوق البيت، أي علوت عليه وفوقه)) ، وقال الفراء:((وقد قال ابن عباس في {ثم استوى إلى السماء} صعد وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائما وكان قائما فاستوى قاعدا وكل في كلام العرب جائز)) مختصر العلو ص 75.
(3)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (663)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 5 / 365:((ولكن ليس إسناده مما يُعتمد عليه)) .
(4)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (665) ، وابن قدامة في العلو (74) ، والذهبي في العلو (مختصره ص 75)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 5 / 365:((هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك)) .
(5)
أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 408 بإسناد صحيح، وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم المنكر لكون الله فوق عرشه والنافي لصفاته؛ ليعرف الناس أن مذهب السلف خلاف ذلك. انظر: مجموع الفتاوى (5 / 39) .