الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هو شر مما كتبه في تلك الرسالة؛ لأن حرية الطعن والتفريق في ظل الحكومة الفرنسية أوسع مما كان في عهد دستور الدولة العثمانية، فألف كتابًا كبيرًا استغرق خمسمائة صفحة في هذا الموضوع جعل عنوانه الرد على الوهابية، ودس فيه ما يبغي من الدعاية الرافضية، وإثبات الخرافات القبورية، والطعن في صاحب المنار لا فيما نشره مما يخالف مذهبه وتقاليده فقط، بل طعن في شخصه ونقل ما كتبه شاب إيراني فرمسوبي (1) متعصب للدولة الإيرانية ولمذهبها لأنه مذهبها!! في بعض الجرائد من الطعن الشخصي فيه والافتراء عليه بضد الواقع، ولا سيما في مسألة الشريف حسين وأولاده والاتحاديين فقد زعم أننا كنا نمدح الشريف في وقت عزه وملكه، وزهدناه بعد فقده (2) ، وهذا كذب وبهتان، كما يعلم جميع المطلعين على المنار، كزعمه أن فيصلا هو الذي عين صاحب المنار رئيسًا للمؤتمر السوري العام في دمشق وكل الناس يعلمون كالشيخ العاملي
أن المؤتمر انتخب صاحب المنار لرياسته انتخابًا، وأنه ما كان لفيصل أن يعينه تعيينًا.
(1) لم يتبين لي معنى هذه الفظة إلا أنه من المحتمل أن تكون مصحفة عن لفظة (فرثوي) نسبة إلى سلالة من سلالات الفرس.
(2)
إن
كلام المؤلف السيد رشيد رضا عن شخصية الشريف حسين
رحمه الله وغفر له وعن الاتحاديين ووصفه التأريخي لما وقع آنذاك من حوادث مبثوث في مجلة المنار في عدة مقالات منها: (آراء الخواص في المسألة العربية واستقلال الشريف في الحجاز مج 19 ص 144) ، (الوثائق الرسمية للمسألة العربية، تطرق فيها إلى المكاتبات بين أمير مكة بالأمس وملك الحجاز اليوم وبين نائب ملك الإنكليز بمصر مج 23 ص 612) ، (الاستفتاء في مَلك الحجاز مج 24 ص 593) ، (زيارة ملك الحجاز لشرقي الأردن مقدماتها وأسبابها ونتيجتها مج 25 ص 230) ، (مبايعة الحجاز لحسين بالخلافة مج 25 ص 463) ، هذا بالإضافة لما أورده في كتبه وخاصة كتاب "الرحلة الحجازية"، وكتاب "الوهابيون والحجاز " حول الموضوع.
طالبني بعض أهل السنة بالرد على هذا الكتاب وقد تصفحت أهم مسائل أبوابه في زهاء ثلاث ساعات فرأيت فيها من الكذب في النقل أو الاقتصار منه على ما يوافق هواه ومن الدعاوي الباطلة والكلم المحرف عن مواضعه وتأويل النصوص القطعية ما يبخل الحريص على وقته أن يقرأه كله فكيف يضيعه في الرد على كل ما فيه من الباطل؟
ولكن في نشر هذا الكتاب ضررًا عظيمًا وإفسادًا كبيرًا لعقائد المسلمين كافة وعقائد أهل السنة خاصة؛ لما فيه من الشبهات الكثيرة الصادرة في صور الأدلة على عبادة موتى الصالحين بالدعاء وغيره وتحريف نصوص القرآن الصريحة في منع ذلك كقوله تعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (1)
(الجن: 18) وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعراف: 194) وقوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (الإسراء: 57) أي أولئك الذين يدعونهم من دون الله توسلاً بهم إليه هم يبتغون الوسيلة والقربى إلى الله {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} (الإسراء: 57) أي
(1) ويوجد منهم من ينسب إلى أبي الحسن الكاظم أنه قال: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} قال: ((هم الأوصياء)) (الكافي 1/352 كتاب الحجة. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية)، وينسبون أيضاً إلى الصادق رحمه الله أنه قال في تفسير الآية:((إن الإمام من آل محمد فلا تتخذوا من غيرهم إماماً)) البرهان: 4/393.
وهكذا تحول عند الغلاة موضوع إفراد الله تعالى بالدعاء إلى إفراد علي بالإمامة، وانتقل الضمير العائد على لفظ الجلالة (الله) إلى علي والأوصياء، فمعنى {فلا تدعو مع الله أحدا} أي: لا تدعو مع الأوصياء إماما آخر!!..
يبتغي ذلك أقربهم إلى الله كالمسيح عليه السلام والملائكة فكيف من دونهم؟ (1)
كما أنه يرد بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك؛ لأنها من رواية أهل السنة، أو يحرفها بالتأويل.
وما أضعف المسلمين في دينهم ودنياهم شيء كما أضعفهم وأفسدهم الاتكال على الميتين في قضاء حاجاتهم ومصالحهم ودفع الأذى عنهم، فهذا مما يضر أهل السنة والشيعة، ولا سيما في هذا العصر، وهو يوهم الفريقين أنه من الإسلام وأنه لم يخالف فيه أحد منهم إلا الوهابية، مع أنه لم يقل به أحد من أئمتهم لا أئمة أهل البيت كالصادق والباقر ولا أئمة الأمصار الآخرين كالأربعة رضوان الله عليهم أجمعين، بل النصوص عن أئمة أهل البيت عليهم السلام موافقة للأحاديث الصحيحة من منع هذه البدع الخرافية كما يعلم من المناظرة بين العالمين الشيعي والسلفي المستقل التي نشرناها في المجلد الثامن والعشرين من المنار. (2)
ومثال ما يضر أهل السنة وحدهم ما صوَّره الرافضي المتعصب في رسالته وكتابه لهم من أن أصول الدين والفقه عند الشيعة
(1) قال الشيخ المؤلف رحمه: ((أي أن أولئك الأولياء الذين يدعونهم لكشف الضر عنهم أو تحويله توسلاً بهم كالمسيح - هم أنفسهم يطلبون الوسيلة إلى الله تعالى بعبادته ويرجون رحمته باتباع سنته والعمل بشريعته ويخافون عذابه إذا قصروا، حتى إن أقربهم من مرضاته هو أخوفهم منه وأرجاهم له.
ذلك بأن عذاب الله في الدنيا والآخرة مخوف ومحذور في نفسه لأن لله فيه سننًا لا تتبدل يوشك أن يخالفها المرء من حيث يدري أو من حيث لا يدري وأن القلوب
تتقلب وأنه لا يجب لأحد من خلقه عليه شيء)) . اهـ انظر: مجلة المنار مج 9 ص 132 - 140.
(2)
العالم السني المعني هنا هو ((الأستاذ الشيخ محمد عبد القادر الهلالي وهو عالم سلفي مستقل لا يتعصب لمذهب من المذاهب المقلدة)) كما وصفه الشيخ المؤلف رحمه الله، وأما العالم الشيعي فهو ((الأستاذ الشهير مهدي كاظمي القزويني)) ، وانظر جميع هذه المناظرات في مجلة المنار مج 28 ص349، 439، 516، 593، 684، 776، مج29 ص57