الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
رسم المصحف:
ما المراد بالرسم؟ وماذا يعنون بالمصحف؟
الرسم: أصله الأثر، والمراد: أثر الكتابة في اللفظ، وهو تصوير الكلمة بحروف هجائها بتقدير الابتداء بها، والوقوف عليها.
والمراد بالمصحف: المصاحف العثمانية التي أجمع عليها الصحابة1.
وقد جمع أبو بكر القرآن مشتملًا على سبعة الأحرف التي أذن الله عز وجل للأمة في التلاوة بها، ولم يخص حرفًا بعينه2، ثم كان لكثير من أئمة الصحابة مصاحف: عمر بن الخطاب3، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب4، وعبد الله بن مسعود5، وابن عباس6، كما كان لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك: عائشة، وحفصة، وأم سلمة7. كذلك كان للتابعين من أمثال عطاء بن رباح، وعكرمة، ومجاهد8؛ وفي هذه المصاحف ما صح سنده، وثبتت تلاوته، ووافق العربية، ولكن اختلف بعضها عن بعض حتى كان المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يتلقون فيختلفون، ويختلف القراء من أهل العراق والشام9، هذا الاختلاف الذي أغضب حذيفة بن اليمان10 حتى احمرّت عيناه.
ويفزع حذيفة إلى سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ويشرح الله صدر عثمان إلى هذا العمل الجليل، فيجمع الأمة على حرف واحد، ورسم واحد11 -ما عدا اختلافات أحصاها المشتغلون بالدراسات القرآنية12- خالٍ من
1 انظر ص 211، لطائف الإشارات في علم القراءات، لشهاب الدين أبي العباس القسطلاني.
2 المقنع: 129.
3 انظر المصاحف للسجستاني: 50.
4 المصدر السابق: 53.
5 المصدر السابق: 54.
6 المصدر السابق: 73.
7 المصاحف: 83-88.
8 انظر المصاحف: من 88-91.
9 المقنع: 129.
10 انظر الخبر بتمامه ص12، المصاحف للسجستاني.
11 النشر: 1/ 11.
12 انظر المقنع: ص88-131.
النقط والشكل وبعث بالمصاحف إلى الأمصار، وأمر أهل كل مصر أن يقيموا مصاحفهم على المصحف المبعوث إليهم1، فأصبحت قراءة كل قطر تابعة لرسم مصحفهم2، ومنع عثمان رضي الله عنه القراءات بما خالف خطها، وساعده على ذلك زهاء اثني عشر من الصحابة والتابعين، واتبعه على ذلك جماعة من المسلمين بعده، وصارت القراءة عند جميع العلماء بما يخالفه بدعة وخطأ، وإن صحت ورويت3.
هذا الرسم الذي أجمعت عليه الأمة، وتلقته بالقبول بترتيب آياته، بل كلماته، بل حروفه، ليس لنا إلى إنكاره من سبيل، وأصبح مصحف عثمان الإمام والدليل فيما يعنيه من ترتيب يمنع التقديم والتأخير، ومن حصر يمنع الزيادة والنقصان، وإبدال لفظ بلفظ آخر4، وهو حجة على القارئين والمقرئين إلى يوم الدين، وأصبحت القراءة بما يخالف الرسم وإن وافق العربية وصح سنده -كالذي جاء في مصاحف الصحابة والتابعين- شاذة؛ لكونها شذت عن رسم المصحف الإمام المجمع عليه، فلا يجوز القراءة بها لا في الصلاة، ولا في غيرها5.
أورد القرطبي في تفسيره: قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "وطلع منضود" بالعين وتلا هذه الآية: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} ، وهو خلاف المصحف.
وفي رواية أنه قرئ بين يديه: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} فقال: وما شأن الطلح؟ إنما هو: "وطلع منضود"، ثم قال:{لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} فقيل له: أفلا نحوّلها؟ 6 فقال: لا ينبغي أن يهاج القرآن ولا يحوّل7.
فقد اختار هذه القراءة، ولم ير إثباتها في المصحف؛ لمخالفة ما رسمه مجمع عليه.
1 فضائل القرآن لابن كثير: 39.
2 غيث النفع للصفاقسي: 114.
3 الإبانة لمكي بن أبي طالب: 1.
4 التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن: 86.
5 منجد المقرئين: 16 وما بعدها.
6 وفي رواية: قيل له: يا أمير المؤمنين! أنَحُكها من المصحف؟ فقال: لا يهاج القرآن اليوم. قال أبو بكر "الأنباري": ومعنى هذا أنه رجع إلى ما في الصحف، وعلم أنه هو الصواب، وأبطل الذي كان من قوله.
7 تفسير القرطبي: جـ17/ 208.
شاذ إذًا بعد المصحف الإمام أن نقرأ الآيات الآتية كما كانت تقرأ من قبل هذا الإمام، وكانت حلًّا فيما سبقه من أيام، بل كانت مما دونت في مصاحف كبار الصحابة -عليهم الرضوان- مثل:
أ- زيادة كلمة1: "لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلًا من ربكم"2، في مواسم الحج3.
ب- نقص كلمة: "ومن الشياطين من يغوص له ويعمل وكنا لهم حافظين"4.
جـ- إبدال كلمة بأخرى: "إن الله لا يظلم مثقال نملة"5.
د- تقديم وتأخير:
"إذا جاء فتح الله والنصر"6، "وجاءت سكرة الحق بالموت"7.
هـ- تأويل أثبت مع التنزيل: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر"8.
و منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه9.
وهكذا، كان عمل سيدنا عثمان من قبيل صون القرآن عن التحريف والتبديل والاختلاف، وأخلص من هذا إلى بيان أنهم كانوا -وهم يكتبون المصحف الإمام- يتحرون الدقة والتثبت؛ حتى إنهم كانوا يتوقفون عن الكتابة حتى يثقوا من صحة ما يكتبون، وأنه عن رسول الله وارد، ومنه منقول. كانوا إذا تماروا في الآية يقولون: إنه قد أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فلان بن فلان، وهو على رأس أميال من المدينة، وفي رواية: على رأس ثلاث ليالٍ. فيبعث إليه
1 انظر المواهب الفتحية: 86، والانتصار للباقلاني.
2 المصاحف للسجستاني: 82.
3 مصحف عبد الله بن الزبير 82، وابن عباس 74.
4 المصدر السابق: مصحف عبد الله بن مسعود ص95.
5 المصدر السابق: مصحف عبد الله بن مسعود ص54.
6 المصدر السابق: مصحف ابن عباس ص81.
7 الإبانة لمكي: ص7.
8 النشر: 1/ 14.
9 مقدمة المصاحف Geffry P. "181".
من المدينة فيجيء، فيقولون: كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا، فيكتبون1 كما قال، ومن هنا جعلت موافقة القراءة رسم المصحف ركنًا من أركان القراءة الصحيحة2، وهم لا يريدون بذلك إلا الرسم العثماني الذي يتفق هو والمروي الثابت من صحيح القراءات، دون ما عداه من قراءات كانت في المصاحف الأخرى، وانتزعها عثمان رضي الله عنه3.
وهكذا ألف القرآن -كما قال مالك عليه الرضوان- على ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم4- وإجماع القراء عليه5، أممًا عن أمم6.
1 المقنع: 8.
2 النشر: 1/ 9.
3 انظر المصاحف للسجستاني: 34.
4 وانظر تاريخ القرآن للزنجاني: من ص40-46.
5 المقنع: 9.
6 منجد المقرئين: 60.
نماذج من كتاب المقنع في رسم مصاحف الأمصار:
باب ذكر ما رسم في المصاحف بالحذف والإثبات:
ذكر ما حذفت منه الألف اختصارًا:
حدثنا أحمد بن عمر بن محمد بن عمرو الجيزي قراءة مني عليه، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد العزيز الإمام، قال: حدثنا عبد الله بن عيسى المدني، قال: حدثنا عيسى بن مينا قالون، عن نافع بن أبي نعيم القارئ، قال: الألف غير مكتوبة -يعني في المصاحف- في قوله:
- في البقرة: {وَمَا يَخْدَعُونَ} "9""وإذ وعدنا""51""وواعدنا موسى"1 "7-142""وواعدناكم""20-80" حيث وقعن، و"فأخذتكم الصعقة""2-55" و"تشبه علينا""2-70" و"به خطيئته""2-81" و"تظهرون""2-85" و"أسرى""2-85" و"تفدوهم""2/85" و"أوكلما عهدوا""2-100" و"تصريف الريح""2-164" و"طعام مسكين""2-184" و"فيضعفه""2-245" و"يضعف" و"مضعفة" حيث وقعن، "ولولا دفع الله""2-251" حيث وقعت "22-40" وفي "فرهن مقبوضة""2-283".
[البقرة: 2] .
- وفي آل عمران: "منهم تقة""28" مكتوبة بالياء "فيكون طيرا""49" حيث وقع "5-110""وقتلوا وقُتلوا""3- 195".
[آل عمران: 3] .
- وفي النساء: "وثلث وربع""3""ذرية ضعفا""9""كتب الله عليكم""24""والذين عقدت أيمنكم""33""حسنة يضعفها""40""أو لمستم النساء""43". ومثله في المائدة "5-6""فلقتلوكم""4-90""مرغما كثيرا""4-100".
[النساء: 4] .
- وفي المائدة: "سبل السلم""16" فما بلغت رسالته" "67" "بلغ
1 سقطت في ب.
الكعبة، طعام مسكين" "95" "قيما للناس" "97" "عليهم الأولين" "107" "فيكون طيرا" "110" "أكلون للسحت" "42".
[المائدة: 5] .
- وفي الأنعام: "طير يطير""38""وذريتهم""87""أكبر مجرميها""123""حيث يجعل رسالته""124""دار السلم""127".
[الأنعام: 6] .
- وفي الأعراف: "إنما طيرهم""131""وبطل ما كانوا يعملون""139""عليهم الخبيث""157""وكلمته""158" حيث وقعت "خطيئتكم""161""إذا مسهم طيف""20".
[الأعراف: 7] .
- وفي الأنفال: "الحق بكلمته""7""وتخونوا أمنتكم""27".
[الأنفال: 8] .
- وفي التوبة: "أن يعمروا مسجد الله""17""خلف رسول الله""81".
[التوبة: 9] .
- وفي يونس: "كلمت ربك""33".
[يونس: 10] .
- وفي هود: "وبطل ما كانوا يعملون""16""يضعف لهم""20""قالوا سلما قال سلم""69" حيث وقع "51-25".
[هود: 11] .
- وفي يوسف: "آيت للسائلين""7" و"في غيبت""10 و15" بحذف الألف في الحرفين.
[يوسف: 13] .
- وفي الرعد: "وسيعلم الكفر""42".
[الرعد: 13] .
- وفي إبراهيم: "به الريح""18".
[إبراهيم: 14] .
- وفي بني إسرائيل: "طيره في عنقه""13".
[بنو إسرائيل: 17] .
- وفي الكهف: "تزور عن كهفهم""17""لكلمته ولن""27""نفسًا زكية""74""لتخذت عليه""77""تذروه الرياح""45""لكلمت ربي""109".
[الكهف: 18] .
- وفي مريم: "تسقط عليك""25".
[مريم: 19] .
- وفي طه: "الأرض مهدا""53" حيث وقع "43-10" و"78-6" و"ووعدنكم""20-80".
[طه: 20] .
- وفي الأنبياء: "فجعلهم جذاذا""58""تعمل الخبيث""74""كانوا يسرعون""90""وحرم على قرية""95".
[الأنبياء: 21] .
- وفي الحج: "إن الله يدفع""38""ولولا دفع الله""40""للذين يقتلون""39""معجزين""51".
[الحج: 22] .
- وفي "المؤمنون": "لأمنتهم""8""المضغة عظما فكسونا العظم""14""سمرا تهجرون""67".
[المؤمنون: 23] .
- وفي النور: "يخرج من خلله""43".
[النور: 24] .
- وفي الفرقان: "ارسل الريح""48""فيها سرجا""61""أزواجنا وذريتنا""74".
[الفرقان: 25] .
- وفي النمل: "آيتنا مبصرة""13""قال طيركم عند الله""47""بل ادّرك علمهم""66".
[النمل: 27] .
- وفي القصص: "فرغا إن كادت""10""قالوا سحرن تظهرا وقالوا""48".
[القصص: 28] .
- وفي العنكبوت: "ءايت من ربه""50".
[العنكبوت: 29] .
- وفي لقمان: "وفصله""14""ولا تصعر""18".
[لقمان: 31] .
- وفي الأحزاب: "تظهرون منهن""4".
[الأحزاب: 33] .
- وكذلك في المجادلة: في الحرفين "2 و3" وكذلك حيث وقع "يضعف لها""33-30".
[المجادلة: 58] .
- وفي سبأ: "في مسكنهم""15""وهل يجزى""17""ربنا بعد""19".
[سبأ: 34] .
- وفي فاطر: "على بينت منه""40".
[فاطر: 35] .
- وفي يونس: "فكهون""55" حيث وقع "حملنا ذريتهم""41""بقدر على أن""81".
[يونس: 36] .
- وفي والصافات: "فهم على أثرهم""70".
[الصافات: 37] .
- وفي الزمر: "من هو كذب""3".
[الزمر: 39] .
- وفي غافر: "كلمت ربك""6".
[غافر: 40] .
وفي فصلت: "وما تخرج من ثمرت""47".
[فصلت: 41] .
- وفي حم عسق: "ويحق الحقّ بكلمته""24" و"إن يشأ يسكن الريح""33".
[حم عسق: 42] .
- وفي الزخرف: "عليه أسورة""53""وقل سلم""89".
[الزخرف: 43] .
- وفي الأحقاف: "أو أثرة من علم""4" و"بقدر على""33".
[الأحقاف: 46] .
- وفي القتال: "والذين قتلوا""4".
[القتال: 47] .
- وفي الفتح: "بما عهد عليه الله""10".
[الفتح: 48] .
- وفي الذاريات: "فقالوا سلما قال سلم""25".
[الذاريات: 51] .
- وفي والطور: "واتبعتهم ذريتهم، بهم ذريتهم""21".
[الطور: 52] .
- وفي التحريم: "وإن تظهرا عليه""4""بكلمت ربها وكتبه""12".
[التحريم: 66] .
- وفي ن والقلم: "لولا أن تدركه""49".
[ن والقلم: 68] .
- وفي المعارج: "برب المشرق والمغرب""40".
[المعارج: 70] .
- وفي نوح: "مما خطيئتهم""25".
[نوح: 71] .
- وفي الإنسان: "عليهم ثيب سندس""21".
[الإنسان: 76] .
- وفي النبأ: "لغوا ولا كذبا""35".
[النبأ: 78] .
قال أبو عمرو: فهذا جميع ما في رواية عبد الله بن عيسى، عن قالون، عن نافع مما حذفت منه الألف في الرسم.
وحدثنا أبو الحسن بن غلبون، قراءة مني عليه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن قالون، عن نافع، بعامة هذه الحروف، وزاد في الكهف:"فلا تصحبني""76". وفي الحج "سكرى وما هم بسكرى""2". وفي حم عسق "كبير الإثم""37". ومثله في والنجم "32". وفي الواقعة "بموقع النجوم""75". وفي المطففين "ختمه مسك""26". وفي الفجر "فادخلي في عبدي""29".
قال أبو عمرو: ورأيت رسم عامة الحروف المذكورة في مصاحف أهل العراق وغيرها على نحو ما رويناه عن مصاحف أهل المدينة.
حدثنا خلف بن إبراهيم بن محمد قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: رأيت في الإمام مصحف عثمان بن عفان -استخرج لي من بعض خزائن الأمراء ورأيت فيه أثر دمه- في سورة البقرة "خطيكم""58" بحرف واحد والتي في الأعراف "خطيئتكم""161" بحرفين، قال أبو عمرو: وكذلك التي في نوح "25" في جميع المصاحف بحرفين "وميكيل""2-98" بغير ألف. وفي يوسف "حش لله""31 و51". وفي الرعد "وسيعلم الكفر""42". وفي طه "إن هذان""63".
قال: وكذلك رأيت التثنية المرفوعة كلها فيه بغير ألف، وفي "المؤمنون""أم تسئلهم خرجًا""72" وفيها "85، 87، 89""سيقولون لله لله لله" وفي الإنسان "قواريرا""15" الأولى بالألف والثانية "16" كانت بالألف، فحكت ورأيت أثرها بينا هناك، وأما "سلسلا""4" فرأيتها قد درست.
حدثنا الخاقاني قال: حدثنا أحمد المكي قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن هارون قال: حدثنا عاصم الجحدري قال: هو في الإمام مصحف عثمان بن عفان الذي كتبه للناس كلهن "لله لله" يعني قوله في "المؤمنون": "سيقولون لله" قال عاصم: وأول من زاد هاتين الألفين نصر بن عاصم الليثي. قال أبو عبيد: ثم تأملتها في الإمام فوجدتها على ما رواه الجحدري قال: وهكذا رأيتها في مصحف قديم بالثغر بُعث به إليهم قبل خلافة عمر بن عبد العزيز، وكذلك هي في مصاحف المدينة وفي مصاحف الكوفة جميعًا وأحسب
مصاحف الشام عليها، حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا محمد بن قطن قال: حدثنا سليمان بن خلاد قال: حدثنا اليزيدي قال: في مصاحف أهل المدينة ومكة "وسيعلم الكفر""13-42" على واحد.
فصل:
قال أبو عمرو: أجمع1 كتاب المصاحف على حذف الألف من الرسم بعد يا التي للنداء وبعدها التي للتنبيه اختصارًا أيضًا؛ وذلك في نحو قوله: "يأيها الناس" و"يأرض" و"يأولي الألبب" و"يأخت هرون" و"يئادم" و"ينوح" و"يلوط" و"يهود" و"يشعيب" و"يصلح" و"يهرون" و"يمريم" و"يفرعون" و"يهمن" و"يملك" و"ياسفى" و"يويلتى" و"ويحسرتى" و"يربّ" و"يبنيّ" و"يبَنِيَّ" و"يقوم" و"هانتم" و"هؤلاء" و"هذا" و"هذه" و"هذن" و"هتين" و"هكذا" وما كان مثله حيث وقع، والألف الثانية في الخط بعد الياء والهاء فيما كان بعدهما فيه همزة هي2 الهمزة لكونها مبتدأة.
وكذلك أجمعوا على حذف الألف في قوله: "الرحمن" عز وجل حيث وقع، وفي قوله:"ذلك" و"ذلكم" و"ذلكن" و"أولئك".
باب ذكر ما حذفت منه الياء اجتزاء بكسر ما قبلها منها "ويلحظ السند الدقيق المبني على الرواية الصحيحة":
حدثنا محمد بن أحمد بن علي البغدادي قراءة عليه، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري النحوي قال: والياءات المحذوفات من كتاب الله عز وجل اكتفاء بالكسرة منها على غير معنى نداء في سورة البقرة "فإيي فارهبون""40""وإيي فاتقون""41""ولا تكفرون""152""دعوة الداع إذا دعان""186""واتقون يا أولي الألبب""197"، وفي سورة آل عمران:"ومن اتبعن وقل""20""وأطيعون""50""وخافون إن كنتم""175"، وفي النساء:"وسوف يؤت الله""146"، وفي المائدة:"واخشون اليوم""3""واخشون ولا تشتروا""44"، وفي سورة الأنعام:"يقض الحق""57" وفيها "وقد هدن""80"،
1 كذا في 46 وب، وفي 47 واجتمع، وفي 48 واجتمعوا كتاب.
2 من في 46.
في الأعراف: "ثم كيدون فلا تنظرون""195"، وفي يونس:"ولا تنظرون""71""ننج المؤمنين""103"، وفي هود:"فلا تسئلن ما ليس""46""ثم لا تنظرون""55""ولا تخزون في ضيفي""78""يوم يأت لا تكلم""105"، وفي يوسف:"فأرسلون""45""ولا تقربون""60""حتى تؤتون موثقا""66""لولا أن تفندون""94"، وفي الرعد:"الكبير المتعال""9""وإليه متاب""30""وإليه مئاب""36""فكيف كان عقاب""32"، وفي إبراهيم:"وخاف وعيد""14""بما أشركتمون من قبل""22""وتقبل دعاء ربنا""40"، وفي الحجر:"فلا تفضحون""68""ولا تخزون""69"، وفي النحل:"فاتقون""2""فإيي فارهبون""51"، وفي بني إسرائيل:"لئن أخرتن""62""فهو المهتد""97"، وفي الكهف:"فهو المهتد""17""إن يهدين""24""إن ترن""39""أن يؤتين خيرا""40""على أن تعلمن""66""ما كنا نبغ""64"، وفي طه:"ألا تتبعن""93"، وفي الأنبياء:"فاعبدون""25""فلا تستعجلون""37""وأنا ربكم فاعبدون""92"، وفي الحج:"والباد ومن يرد""25""فكيف كان نكير""44""وإن الله لهاد الذين""54"، وفي المؤمنون:"بما كذبون""26""بما كذبون""39""فاتقون"1 "52""أن يحضرون""98""رب ارجعون""99""ولا تكلمون""108"، وفي الشعراء:"أخاف أن يكذبون""12""أن يقتلون""14""فهو يهدين""78""ويسقين""79""فهو يشفين""80""ثم يحيين""81""وأطيعون" في ثمانية مواضع2 "وإن قومي كذبون""117"، وفي النمل:"واد النمل""18""أتمدونن بمال فما آتان الله""36""حتى تشهدون""33"، وفي القصص:"أن يقتلون""33""أن يكذبون""34"، وفي العنكبوت:"فاعبدون""56"، وفي الروم:"يهد العمي""53"، وفي سبأ:"الجواب""13" و"نكير""45"، وفي فاطر "نكير""26"، وفي يس:"إن يردن الرحمن""ولا ينقذون""23""فاسمعون""25"، وفي
1 زيادة في 48 فقط.
2 هي: 108، 110، 126، 131، 144، 150، 163، 179.
والصافات: "لتردين""56""إلى ربي سيهدين""99""صال الجحيم""163"، وفي ص:"عذاب""8""فحق عقاب""14"، وفي الزمر:"يعباد فاتقون""16""فبشر عباد الذين""17"، وفي المؤمن1:"عقاب""5""يوم التلاق""15""يوم التناد""32""اتبعون أهدكم""38"، وفي عسق2 "الجوار""32"، وفي الزخرف:"سيهدين""27""واتبعون هذا""61""وأطيعون""63"، وفي الدخان:"أن ترجمون""20""فاعتزلون""21" وفي ق: "فحق وعيد""14" و"المناد""41" و"وعيد""45"، وفي الذاريات:"ليعبدون""56""أن يطعمون""57""فلا تستعجلون""59"، وفي القمر:"فما تغن النذر""5""يدع الداع""6""مهطعين إلى الداع""8" وفيها ستة مواضع "ونذر"3، وفي الرحمن:"الجوار""24"، وفي الملك:"نذير""17" و"نكير""18"، وفي نوح:"وأطيعون""3"، وفي والمرسلات:"فكيدون""39"، وفي كورت:"الجوار الكنس""16"، وفي والفجر:"إذا يسر""4""وبالواد""9" و"أكرمن""15" و"أهنن""16"، وفي قل يا أيها الكفرون:"ولي دين""6".
قال أبو بكر: فهذه الحروف كلها الياء ساقطة منها في المصحف والوقف عليها بغير ياء وما سوى ذلك فهو بالياء، قال أبو عمرو: وقد أغفل ابن الأنباري من الياءات المحذوفات في الرسم خمسة مواضع، فلم يذكرها مع نظائرها، فأولها في طه "بالواد المقدس""12"، وكذلك في القصص "الواد الأيمن""30"، وكذا في والنازعات:"بالواد المقدس""16"، وفي الشعراء:"إن معي ربي سيهدين""62"، وفي ق:"واستمع يوم يناد""41"، ولا خلاف بين المصاحف في حذف الياء من هذه المواضع كسائر ما تقدم، فأما قوله:"فبم تبشرون""54"، في الحجر و"تشقون فيهم" "27" في النحل: فمن كسر النون فيهما ألحقهما بنظائرهما من الياءات المحذوفات، ومن فتح النون فيهما أخرجهما من جملة الياءات.
حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: وكل اسم
1 وتسمى: غافر.
2 هي الشورى.
3 هي في الآيات: 16، 18، 21، 30، 37، 39.
منادى أضافه المتكلم إلى نفسه فالياء منه ساقطة، كقوله:"يقوم""يعباد فاتقون""16""يعباد الذين ءامنوا""10" في سورة الزمر، إلا حرفين أثبتوا فيهما الياء في العنكبوت "يعبادي الذين ءامنوا""56"، وفي الزمر:"يعبادي الذين أسرفوا""53"، قال: واختلفت المصاحف في حرف في الزخرف "يعبادي لا خوف عليكم""68" فهو في مصاحف أهل المدينة بياء، وفي مصاحفنا يعني مصاحف أهل العراق بغير ياء.
حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا محمد بن قطن قال: حدثنا أبو خلاد قال: حدثنا اليزيدي عن أبي عمرو أنه رأى ذلك في مصاحف أهل المدينة والحجاز بالياء، قال اليزيدي: وهو في مصاحفنا بغير ياء، وروى معلى بن عيسى عن عاصم الجحدري قال:"إبراهيم" في البقرة بغير ياء، كذا وجد في الإمام وهو في كل القرآن بالياء.
فصل:
قال أبو عمرو: وكل اسم مخفوض أو مرفوع آخره ياء ولحقه التنوين، فإن المصاحف اجتمعت على حذف تلك الياء بناء على حذفها من اللفظ في حال الوصل لسكونها وسكون التنوين بعدها، وذلك في نحو قوله:" {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} ، و {مِنْ هَادٍ} ، و {مِنْ وَالٍ} ، و {مِنْ وَاقٍ} ، وغواش، وليال، وبواد، وفي كل واد، ومستخف، وإلا زان، ودان، و {لَآتٍ} ، و {مُلاقٍ} ، و {مَنْ رَاقٍ} " وشبهه.
حدثنا بذلك محمد بن أحمد بن علي، عن محمد بن القسم الأنباري، وكذلك وجدنا ذلك في كل المصاحف، وبالله التوفيق.
باب ذكر ما حذفت منه الواو اكتفاء بالضمة منها، أو لمعنى غيره:
حدثنا أبو مسلم1 محمد بن أحمد الكاتب قال: حدثنا ابن الأنباري قال: وحذفت الواو من أربعة أفعال مرفوعة، أولها في سبحان:"ويدع الإنسن بالشر"
1 كذا في 46 وب، وفي 47 أبو هشام، وفي 48 بحذف الكنية. ترجم في غاية النهاية ج2 ص13 وكني بأبي مسلم.
"11"، وفي عسق:"ويمح الله البطل""24"، وفي القمر:{يَدْعُ الدَّاعِ} "6"، وفي العلق:{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} "18"، قال أبو عمرو: ولم تختلف المصاحف في أن الواو من هذه المواضع ساقطة، وكذا اتفقت على حذف الواو من قوله في التحريم:"وصلح المؤمنين""4" وهو واحد يؤدى عن جمع1.
حدثنا الخاقاني قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: رأيت في الإمام مصحف عثمان: {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [63-10] بحذف الواو، واتفقت بذلك المصاحف فلم تختلف، وقال الحلواني أحمد بن يزيد عن خالد بن خداش قال: قرأت في الإمام أمام عثمان: "وأكون" بالواو وقال: رأيت المصحف ممتلئًا دما وأكثره في النجم.
وحدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن القاسم قال: قال الفراء: حذفت واو الجمع في المصحف في قوله: {نَسُوا اللَّهَ} [9-67]، [59-19] قال أبو عمرو: ولا نعلم أن ذلك كذلك في شيء من مصاحف أهل الأمصار والذي حُكي عن الفراء غلط من الناقل.
باب ذكر ما رسم بإثبات الألف على اللفظ أو المعنى:
حدثنا خلف بن حمدان المقرئ قال: حدثنا أحمد بن محمد المكي قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: رأيت في الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه في البقرة: "اهبطوا مصرا""61" بالألف، وفي يوسف "ءايات للسائلين""7" بالألف والتاء، وفي الكهف:"لكنا هو الله""38" بالألف، وفي الأحزاب:"الظنونا""10" و"الرسولا""66" و"السبيلا""67" ثلاثتهن بالألف. قال أبو عبيد: وقوله "سلسلا"[76-4] و"قواريرا قواريرا"[76-15 و16] الثلاثة الأحرف في مصاحف أهل الحجاز والكوفة بالألف، وفي مصاحف أهل البصرة:"قواريرا" الأولى بالألف والثانية بغير ألف.
1 في 48 و46 يؤدى عن جميع، وفي 47 عن الجميع.
وحدثنا محمد بن أحمد الكاتب قال: حدثنا محمد بن القاسم النحوي قال: حدثنا إدريس عن خلف قال: في المصاحف كلها الجدد والعتق "قواريرا" الأولى بالألف، والحرف الثاني "قوارير" فيه اختلاف، فهو في مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة "قواريرا قواريرا" جميعًا بالألف، وفي مصاحف أهل البصرة الأولى بالألف والثاني "قوارير" بغير ألف.
قال أبو عمرو: وكذلك في مصاحف أهل مكة، وروى محمد بن يحيى القُطي عن أيّوب بن المتوكّل قال: في مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل مكة وعتق مصاحف أهل البصرة "قواريرا قواريرا" بألفين، قال أبو عمرو: ولم تختلف مصاحف أهل الأمصار في إثبات الألف في {الظُّنُونَا} و {الرَّسُولا} و {السَّبِيلا} و {سَلاسِلا} واختلف في "قواريرا قواريرا".
وحدثنا أحمد بن عمر بن محمد القاضى قال: حدثنا محمد بن أحمد بن منير قال: حدثنا عبد الله بن عيسى قال: حدثنا قالون عن نافع أن الثلاثة الأحرف التي في الأحزاب "10 و66 و67" والثلاثة الأحرف التي في الإنسان "4 و15 و16" في الكتاب بالألف.
وحدثنا محمد بن أحمد، حدثنا ابن الأنباري قال: حدثنا إدريس عن خلف قال: سمعت يحيى بن آدم يحدث عن ابن إدريس قال: في المصاحف الأول الحرف الأول والثاني يعني "قوارير قوارير" بغير الألف.
حدثنا خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد قال: وقوله عز وجل: {عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ} "40" في سورة فاطر رأيتها في بعض المصاحف بالألف والتاء، قال أبو عمرو: وكذلك وجدت أنا ذلك في بعض مصاحف أهل العراق الأصلية القديمة، ورأيت ذلك في بعضها بغير ألف. وحدثنا أحمد بن عمر بن محفوظ قال: حدثنا محمد بن أحمد الإمام قال: حدثنا عبد الله بن عيسى قال: حدثنا قالون عن نافع أن ذلك مرسوم في الكتاب بغير ألف، وكذلك "ءايت للسائلين""7" في يوسف.
حدثنا خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن هارون قال: حدثني عاصم الجحدري قال
في الإمام مصحف عثمان بن عفان في الحج "ولؤلؤا" 23" بالألف والتي في الملائكة1 "ولؤلؤ" "33" خفضٌ بغير ألف. قال أبو عبيد: وكان أبو عمرو يقول: إنما أثبتوا فيها الألف كما زادوها في "كانوا" و"قالوا" قال: وكان الكسائي يقول: إنما زادوها لمكان الهمزة، حدثنا محمد بن أحمد بن علي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن قَطَن قال: حدثنا سليمان بن خلاد قال: حدثنا اليزيدي قال: قال أبو عمرو: إنما كتبوا الألف في قوله: "ولؤلؤا" "23" في الحج كتبوا ألف2 "قالوا" وما أشبهه.
قال أبو عمرو: ولم تختلف المصاحف في رسم الألف في الحج "23" وإنما اختلفت3 في فاطر "33". وزعم نصير أن المصاحف اتفقت على حذف الألف في فاطر4، وروى إبراهيم بن الحسن عن بشار بن أيوب عن أسيد عن الأعرج قال: كل موضع فيه "اللؤلؤ" فأهل المدينة يكتبون فيه ألفًا بعد الواو الأخيرة وحدثنا أحمد بن عمر الجيزي قال: حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن عيسى قال: حدثنا قالون عن نافع أن الحرف الذي في فاطر "ولؤلؤا" بألف مكتوبة5.
وحدثنا ابن خاقان المقرئ إجازة قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله الأصبهاني بإسناده عن محمد بن عيسى الأصبهاني قال: كل شيء في القرآن من ذكر "اللؤلؤ" فإنما يكتب "لؤلؤ" ليس فيه6 ألف في مصاحف البصريين إلاّ في مكانين ليس في القرآن غيرهما: في الحج "ولؤلؤا""23" وفي هل أتى على الإنسان "حسبتهم لؤلؤا""19" قال: وقال عاصم الجحدري: كل شيء في الإمام مصحف عثمان: من ذكر اللؤلؤ"7 فيها ألف إلاّ التي في الملائكة8 "33" وقال الفراء: هما في مصاحف أهل المدينة والكوفة بألفين. حدثنا فارس بن أحمد قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عمر بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن شيْرَك قال: حدثنا أبو حمدون قال: حدثنا اليزيدي في قوله: "نفسا زاكية" [18-74] قال: هي مكتوبة بالألف في مصاحف أهل المدينة وأهل مكة.
1 هي سورة فاطر.
2 في 47: الألف في.
3 في 47: اختلفوا.
4 من: وزعم، إلى: في فاطر غير موجود في 46 و48.
5 في ب: بالألف مكتوب.
6 فيها في 47.
7 زيادة ملحقة بهامش 47.
8 هي سورة فاطر.
وحدثنا أحمد بن عمر، قال: حدثنا محمد بن منير قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا قالون عن نافع أنها مكتوبة بغير ألف، وحدثنا خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد المكي قال: حدثنا علي قال: قال أبو عبيد في الكتاب "ألا أن ثمودا""68" في هود وفي الفرقان "38" وفي العنكبوت "38" والنجم "51" بالألف مثبتة، وحدثنا أحمد بن محفوظ قال: حدثنا ابن منير قال: حدثنا المدني عن قالون عن نافع أن الأربعة في الكتاب بألف، قال أبو عمرو: ولا خلاف بين المصاحف في ذلك.
فصل:
ولا خلاف ترد بينها1 في زيادة الألف بعد الميم في قوله "مائة" و"مائتين" حيث وقعا ولم تزد في قوله "فئة" و"فئتين" وكذلك زيدت الألف بعد الواو في قوله عز وجل: "الربوا" في جميع القرآن، وفي قوله:"إن امرؤٌا هلك""176" في النساء وكذلك زيدت في نحو قوله: "يعبؤا وتفتؤا ولا تظلموا ويبدؤا والضعفؤا وآنِّا بُرَءؤا" وشبهه مما رسمت الهمزة المتطرفة المضمومة فيه واوا على مراد الوصل للمشابهة التي بين هذه الواو في هذه المواضع، وبين واو الجمع وواو الأصل في الفعل من حيث وقعت طرفا كهنّ.
وقال محمد بن عيسى: رأيت في المصاحف كلها: "شيء" بغير ألف، ما خلا الذي في الكهف يعني قوله:"ولا تقولن لشاي""23" قال: وفي مصحف2 عبد الله رأيت كلها بالألف "شاي" قال أبو عمرو: ولم أجد شيئًا من ذلك في مصاحف أهل العراق وغيرها بألف.
حدثنا خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا علي3 بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد أن المصاحف كلها اجتمعت على رسم ألف بعد اللام في قوله في مريم: "لأَهب لك""19".
1 كذا في ب، وفي ثلاثة أصولنا: ولا خلاف أيضًا بينهما.
2 كذا في ب، وفي ثلاثة أصولنا مصاحف. وفي 47 مصاحف عبد الله يعني ابن مسعود.
3 في ب محمد، والذي في غاية النهاية علي بن عبد العزيز، روى عن أبي عبيد القاسم بن سلام، وروى عنه أحمد بن محمد.
فصل:
قال أبو عمرو: واتفق1 كتاب المصاحف على رسم ألف بعد الواو صورة للهمزة في قوله في المائدة: "أَنْ تبوأ بإثمي""29" وفي القصص "لتنوأ بالعصبة""76" ولا أعلم همزة متطرفة قبلها ساكن صوّرت خطّا في المصحف إلا في هذين الموضعين لا غير، وكذلك اتّفقوا على أن رسموا ألفًا بعد الشين في قولة "النشأة""20" في العنكبوت والنجم "47" والواقعة "62" ولا أعلم همزة متوسطة قبلها ساكن رسمت في المصحف إلا في هذه الكلمة، وفي قوله "موئلا""58" في الكهف لا غير، ويجوز عندى أن يكون رسموها ههنا على قراءة من فتح الشين ومدّ.
واختلفت المصاحف في قوله في الأحزاب "يسئلون عن أنبائكم""20" وسيأتي ذلك في موضعه إن شاء الله، وقد بقي من هذا الباب مواضع يأتي ذكرها فيما اجتمعت المصاحف على رسمه إن شاء الله.
فصل:
قال أبو عمرو: واجتمع أيضًا كتّاب المصاحف على رسم النون الخفيفة ألفًا، وجملة ذلك موضعان: في يوسف "وليكونا من الصغرين""32" وفي العلق {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} "15" وذلك على مراد الوقف وكذلك رسموا النون ألفًا لذلك في قوله: {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ} و {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ} و"إذا لأذقنك" و"قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا" وشبهه من لفظه حيث وقع، وكذلك رسموا التنوين نونًا في قوله {وَكَأَيِّنْ} حيث وقع وذلك على مراد الوصل، والمذهبان قد يستعملان في الرسم دلالة على جوازهما فيه، وقال الغازي بن قيس: العذاب، والعقاب، والحساب، والبيان، والغفار، والجبّار، والساعة، والنهار، بألف يعني في المصاحف وذلك على اللفظ.
قال أبو عمرو: وكذلك رسموا كل ما كان على وزن فَعال -بفتح الفاء وبكسرها- وعلى وزن فاعل نحو: "ظالم، وكاتب، وشاهد، ومارد، وشارب، وطارد" وعلى وزن فعَّال نحو: "خوان، وختار، وصبار، وكفار" وعلى وزن
1 واتفقت في ب.
فُُعلان نحو: بنيان، وطغيان، وكفران، وقربان، وخسران، وعدوان. وفعلان نحو:"صنوان، وقنوان" "وكذلك الميعاد، والميزان، والميقات، وميراث] 1. وكذلك ما أشبهه مما ألفه زائدة للبناء، وكذلك إن كانت منقلبة من ياء أو من واو حيث وقع.
وحدثنا فارس بن أحمد قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عمر بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن شيراك2 قال: حدثنا أبو حمدون قال: حدثنا اليزيدي قال: كُتبت "تترا"[23-44] بالألف، وكذلك رأيتها أنا في مصاحف أهل العراق وغيرها وأحسبهم رسموها كذلك على قراءة من نون أو على لفظ التفخيم، وكذلك وجدت فيها {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} في الكهف "33" بالألف، وذلك على أن الألف للتثنية أو على مراد التفخيم إِن كانت للتأنيث. وروى محمد بن يحيى القطعي عن سليمان بن داود عن بشر بن عمر عن هارون عن عاصم الجحدري قال الإمام:"ولا أوضعوا" في التوبة "47" و"أو لا أذبحنه" غير النمل "21" بألف، وقال نصير: اختلفت المصاحف في الذي في التوبة واتّفقت على الذي في النمل وحُدثتُ عن قاسم بن أصبغ قال: حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: كتبوا في المصحف "ولا أوضعوا" و"أو لا أذبحنه" بزيادة ألف، وبالله التوفيق.
باب ذكر ما رسم بإثبات الياء على الأصل:
اعلم أن الياء التي هي لام الفعل، والزائدة التي للإضافة أثبتت في الرسم في كل المصاحف في أربعين موضعًا، فأول ذلك في البقرة {وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمّ} "150" و {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ} "258" وفي آل عمران:{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} "31" وفي الأنعام {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي} "77" و"أتحجونّي في الله""80" و"يومَ يأتى بعض ءايت ربك""158" و"قل إنني هديني ربي""161" وفي
1 هذه زيادة في ب فقط.
2 في أصولنا الثلاثة: شيرك، وفي ب شريك، ترجمه في غاية النهاية ج1 ص241 فقال: الحسين بن شيرك، ويقال: شارك وقيل: شريك.
الأعراف {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} "53" و"لن تريني" و"فسوف تريني""143" و {اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} "150" و {فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ} "178" وفي هود {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} "55" وفي يوسف {مَا نَبْغِي هَذِهِ} "65" و {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} "108" وفي إبراهيم {فَمَنْ تَبِعَنِي} "36" وفي الحجر {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي} "54" و {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} "87" وفي النحل {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ} "111" وفي سبحان {وَقُلْ لِعِبَادِي} "53" وفي الكهف {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي} "70" وفي مريم {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ} "43" وفي طه "أن أسْر بعبادي""77" و {فَاتَّبِعُونِي} "90" وفي النور {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} "2" و {أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي} "55" وفي القصص {أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} "22" وفي يس {وَأَنِ اعْبُدُونِي} "61" وفي ص "أولي الأيدي والأبصر""45" وفي الزمر {أَفَمَنْ يَتَّقِي} "24" و"لو أن الله هدني""57" وفي الدخان {فَأَسْرِ بِعِبَادِي} "23" وفي الرحمن "فيؤخذ بالنوصي""41" وفي الصف {لِمَ تُؤْذُونَنِي} "5" و {بِرَسُولٍ يَأْتِي} "6" وفي المنافقون {لَوْلا أَخَّرْتَنِي} "10" وفي الفجر "فادخلي في عبدي وادخلي جنّتي"[29 و30] .
قال أبو عمرو: فهذا جميع ما وجدته من هذا الباب مرسومًا في الخط، وثابتًا في التلاوة بإجماع من القراءة مما يشاكل في اللفظ والمعنى مما حذفت منه الياء، مما قد تقدم ذكرنا له، وبالله التوفيق.
فصل:
وكل ياء سقطت من اللفظ لساكن لقيها في كلمة أخرى فهى ثابتة في الرسم نحو قوله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} و"وما تغني الأيت والنذر" في يونس "101" وفي يوسف {أَنِّي أُوفِي الْكَيْل} "59" وفي الرعد {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ} "41" وفي مريم "إلاّ ءاتي الرحمن""93" و"بهدي العمي""81" في النمل و"لا نبتغي الجهلين""55" وفي القصص {أَيْدِيَ النَّاسِ} [48-20]{إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ} [16-107] و"يلقى الروح"[40-15] وما كان مثله حاشا خمسة عشر موضعًا من ذلك، فإن المصاحف اتفقت على حذف الياء فيها وقد تقدم ذكرها في جملة الياءات المحذوفات، فأغنى ذلك عن إعادتها ههنا، وبالله التوفيق.
باب ذكر ما رسم في المصاحف من هاءات التأنيث بالتاء على الأصل، أو مراد الوصل:
ذكر "الرحمة":
حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن القاسم النحوي قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "الرحمة" فهو بالهاء -يعني في الرسم- إلاّ سبعة أحرف: في البقرة "أولئك يرجون رحمت الله""218" وفي الأعراف "إِنّ رحمت الله قريب من المحسنين""56" وفي هود "رحمت الله وبركاته""73" وفي مريم "ذكر رحمت ربك""2" وفي الروم "إلى ءاثر رحمت ربك""50" وفي الزخرف "أهم يقسمون رحمت ربك""32" وفيها "ورحمت ربك خير ممّا يجمعون""32".
ذكر "النعمة":
قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "النعمة" فهو بالهاء، إلاّ أحد عشر حرفًا: في البقرة "واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم""231" وفي آل عمران "واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء""103" وفي المائدة "اذكروا نعمت الله عليكم إذ هَمَّ قوم""11" وفي إبراهيم "ألم تر إلى الذين بدَّلوا نعمت الله كفرًا""28" وفيها "وإن تعدّوا نعمت الله لا تحصوها""34" وفي النحل "وبنعمت الله هم يكفرون""72" وفيها "يعرفون نعمت الله""83" وفيها "واشكروا نعمت الله""114" وفي لقمان "في البحر بنعمت الله""31" وفي فاطر "اذكروا نعمت الله عليكم هل""3" وفي الطور "29""بنعمت ربك".
ذكر "السُّنَّة":
قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "السنة" فهو بالهاء، إلاّ خمسة أَحرف، في الأنفال "فقد مضت سنت الأوَّلين""38" وفي فاطر ثلاثة أحرف "إلاّ سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا""43" وفي المؤمن "سنت الله التى قد خلت""58".
ذكر "المرأة":
قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "المرأة" فهو بالهاء، إلاّ سبعة أحرف: في آل عمران {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} "35" وفي يوسف "امرأت العزيز ترود""30" وفيها "قالت امرأت العزيز الئن حصحص الحق""51" وفي القصص {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} "9" وفي التحريم {امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} "10"{امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} "11".
ذكر "الكلمة":
قال أبو عمرو: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "الكلمة" على لفظ الواحد فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في الأعراف {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى} "137" فإن مصاحف أهل العراق اتّفقت على رسمه بالتاء ورسمه الغازي بن قيس في كتابه بالهاء، فأما قوله في الأنعام:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} "115" وفي يونس {كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} "33" وفيها {كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} "96" وفي غافر {حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} "6" فإني وجدت الحرف الثاني من يونس في مصاحف أهل العراق بالهاء وما عداه بالتاء من غير ألف قبلها، وهذه المواضع الأربعة تُقرأ بالجمع والإفراد، وحدثنا ابن خاقان قال: حدثنا أحمد المكي قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد بإسناده عن أبي الدرداء أن الحرف الثاني من يونس في مصاحف أهل الشام {كَلِمَتُ} على الجمع، قال أبو عمرو: ووجدته أنا في مصاحف المدينة {كَلِمَتُ} بالتاء على قراءتهم، وروى محمد بن يحيى عن سليمان بن داود عن بشر بن عمر عن معلّى الوراق قال: سألت عاصما عن {كَلِمَتُ رَبِّكَ} فقال التى في الأنعام تاء والتى في الأعراف هاء، وقال محمد بن عيسى عن نصير {كَلِمَتُ} بالتاء ثلاثة، فذكر الذي في الأنعام والأول من يونس والذي في غافر وقال في اختلاف المصاحف: إنها اختلفت في الذي في غافر، ففي بعضها بالتاء وفي بعضها بالهاء، وحدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا ابن الأنباري أن المرسوم من ذكر "الكلمة" بالتاء ثلاثة أمكنة، فذكر الذي في الأعراف والأول من يونس والذي في المؤمن وقال غيره: هي أربعة وزاد الثاني من يونس، وكذلك وجدت أنا الأربعة الأحرف في المصاحف المدنية، وحدثنا أبو
الفتح قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عمر بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن شيرك قال: حدثنا اليزيدي قال: كتبوا "كَلِمَتُ" في الأول من يونس وفي غافر بالتاء، قال أبو عمرو: ولما وقع هذا الاختلاف تتبعت ذلك في المصاحف فوجدته على ما أثبتُّه.
ذكر "اللَّعْنة":
قال ابن الأنباري: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "اللعنة" فهو الهاء إلاّ حرفين، في آل عمران "فنجعل لعنت الله على الكذبين""61" وفي النور {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ} "7".
ذكر "المعْصِيَة":
قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "المعصية" فهو بالهاء إلاّ حرفين في المجادلة {وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} "8" و {وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} "9" قال أبو عمرو: وكالذي رويناه عن ابن الأنباري في رسم هذه التاءات روى محمد بن عيسى عن نصير سواء.
ذكر حروف منفردة من هذا الباب:
حدثنا أبو مسلم محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن القاسم قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "الشجرة" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في الدخان {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} "13" قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "قُرة عين" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في القصص {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} "9" قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "الثمرة" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في فصلت "من ثمرت من أكمامها""47" قال أبو عمرو: وهذا يختلف فيه بالجمع والإفراد قال: وكتبوا في هود {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} "86" بالتاء قال أبو عمرو: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "الجنة" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في الواقعة: {وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} "89" وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "آية" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في العنكبوت "لولا أنزل عليه ءايت من ربه""50" وهذا أيضًا يُقرأ بالجمع والإفراد وكتبوا في كل المصاحف في يوسف "ءايت للسائلين""7" و"غيبتِ الجبّ"[10 و15] في الموضعين وفي سبأ "في الغرفت ءامنون""37"
وفي فاطر {عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ} "40" وفي والمرسلات "كأنّه جملتٌ صفر""33" بالتاء وهذه المواضع تقرأ أيضًا بالجمع والإفراد، وكذلك رسموا {مَرْضَاتِ اللَّهِ} و"يأبت" حيث وقعا و {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} [23-36] في الموضعين و {ذَاتَ بَهْجَةٍ} "60" في النمل و {ذَاتِ الشَّوْكَةِ} [8-7] و {بِذَاتِ الصُّدُورِ} حيث وقع و {فِطْرَتَ اللَّهِ} "30" في الروم و {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} "3" في ص و"اللتَ والعزّى""19" في النجم و {مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ} "12" في التحريم بالتاء في الجمع.
حدثنا فارس بن أحمد المقرئ قال: حدثنا جعفر بن محمد البغدادي قال: حدثنا عمر بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن شيرك قال: حدثنا أبو حمدون قال حدثنا اليزيدي قال: كتبوا يعني في المصاحف {بَقِيَّتُ اللَّهِ} و {فِطْرَتَ اللَّهِ} و"غيبت الجب" في الموضعين، و {كَلِمَتُ رَبِّكَ} في الحرف الأول من يونس وفي فاطر {عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ} و"من ثمرت" و"أن شجرة الزقوم" بالتاء، وروى مضر بن محمد عن إسحاق بن الحجاج عن عبد الرحمن بن أبي حماد عن حمزة وأبي حفص الخزاز "بينت" في الملائكة و"من ثمرت" في السجدة و {جَنَّتُ نَعِيمٍ} في الواقعة بالتاء، وقال محمد عن نصير في اتفاق المصاحف "قرت عين" و"ءايت من ربه" و {فِطْرَتَ اللَّهِ} و"من ثمرت" و"يأبت" و"غيبت الجب" و"جنت نعيم" و"شجرت الزقوم" بالتاء قال أبو عمرو: وكتبوا {لَوْمَةَ لائِمٍ} [5-54] و {نَاقَةُ اللَّهِ} [91-13] و {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} في السجدة "17" بالهاء وكذلك سائر هاءات التأنيث سوى ما تقدم ذكرنا له، وذلك على مراد الوقف؛ إذ التاء تبدل فيه هاء وبالله التوفيق.
2-
جولدتسيهر والقراءات:
وأخلص بعد هذا العرض السريع إلى مناقشة "جولدتسيهر" حيث يقرر في كتابه "المذاهب الإسلامية" أن القراءات ترجع في معظمها إلى أن الخط العربي كان غفلًا من النقط والحركات، وأرجو أن أدفع ما رمى به عقيدة المسلمين في كتابهم المحفوظ إلى يوم الدين، ذلك أنه قال ما ترجمته:"والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجع السبب في ظهوره إلى خاصية الخط العربي؛ فإن من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة الواحدة قد يقرأ بأشكال مختلفة؛ تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها، كما أن عدم وجود الحركات النحوية، وفقدان الشكل في الخط العربي، يمكن أن يجعل للكلمة حالات مختلفة من ناحية موقعها من الإعراب، فهذه التكميلات للرسم الكتابي، ثم هذه الاختلافات في الحركات والشكل، كل ذلك كان السبب الأول "؟؟ " لظهور حركة القراءات فيما أهمل نقطه، أو شكله من القرآن"1.
فها نحن أولاءِ نراه يرجع اختلاف القراءات إلى سببين رئيسين:
أ- تجرد المصحف من النقط.
ب- عدم وجود الحركات النحوية، وفقدان الشكل في الخط العربي.
ثم ضرب أمثلة لألفاظ وقع فيها الاختلاف بين القرّاء، وكان ذلك الاختلاف نتيجة تجرد المصحف من النقط مثل:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} 2 بالباء الموحدة، وفي قراءة:"تستكثرون" بالثاء المثلثة3. وفي هذه السورة4: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} 5 بالباء وفي قراءة: "نشرا"6.
1 المذاهب الإسلامية: ص4.
2 سورة الأعراف: آية 48.
3 لم ترد هذه في القراءات الأربع عشرة، انظر إتحاف فضلاء البشر:225.
4 آية 75.
5 هي قراءة عاصم، انظر النشر 2 ص269، وقرأ ابن عامر:"نُشْرًا"، وقرأ حمزة والكسائي:"نَشْرًا".
6 وقرأ الباقون: "نُشُرًا".
وفي سورة التوبة1: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} 2 بالياء المثناة التحتية، وفي قراءة غريبة لحماد الراوية:"أباه"3 بالباء الموحدة، ثم قال:"في آية "94" من سورة النساء تظهر على الأخص هذه الظاهرة، في كل الحروف تقريبًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} وفي قراءة: "فتثبتوا" ورسم هذه الكلمة {فَتَبَيَّنُوا} محتمل4 للقراءتين".
ثم ضرب أمثلة للقراءات المسببة عن فقدان الشكل في الخط العربي، وعدم وجود الحركات النحوية بما جاء في سورة الحجر:{مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} 5 فاختلفت القراءات في {نُنَزِّلُ} ، وتبع ذلك الاختلاف في كيفية نزول الملائكة، فبعض يقرؤها:{نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ} 6 وذلك على معنى: أننا ننزلها، أو أنها هي التي تنزل7، وبما جاء في سورة الرعد:{وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} 8، وفي قراءة أخرى:"وَمِنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ"9، وهناك قراءة ثالثة10:"وَمِنْ عندِه عُلِمَ الكتابُ"11.
وقول جولدتسيهر هو الضلال ابن السبهلل12!! هل الأمر في القراءات لا ضابط له من أثر أو رواية؟ وإذا كان الدكتور "آثر جفري"13، قد نقل هذا الرأي في مقدمته لكتاب المصاحف للسجستاني "316هـ"، وضرب مثلًا لذلك:{بِعِلْمِهِ} قال: "كان يقرؤها الواحد "يُعَلِّمُهُ"، والآخر "نُعَلِّمُهُ" أو "تُعَلِمُهُ" أو "بِعِلْمِهِ" إلخ على حسب تأويله للآية"
…
أقول: إذا كان الدكتور
1 انظر النشر: 2/ 269.
2 آية: 114.
3 لم ترد في القراءات الأربع عشرة، انظر إتحاف فضلاء البشر للدمياطي:245.
4 المذاهب الإسلامية: ص5.
5 آية: 8.
6 انظر: إتحاف فضلاء البشر ص274. ففيها القراءات: "تُنَزَّلُ" "تُنَزِّلُ" "نُنْزلُ" "تَنَزَّلُ".
7 المذاهب الإسلامية: 7.
8 آية 43، هذه قراءة الجمهور، انظر إتحاف فضلاء البشر: ص270.
9 قراءة الحسن، انظر الإتحاف ص270، ولم ترد هذه القراءة في النشر، انظر: ص298.
10 قال البنا الدمياطي: هذه القراءة ليست من طرق كتابه إتحاف فضلاء البشر، انظر: ص270.
11 المذاهب الإسلامية: 7.
12 الضلال ابن السبهلل: الباطل.
13 مقدمة كتاب المصاحف ص70.
"آثر جفري" قد قال بهذا الذي قاله "جولدتسيهر" من قبل ونقل عنه، وكان له عذره في ذلك بثقافته الإسلامية الضيقة، وتعصبه الذي به يلحد في آيات الله، فما عذر الدكتور "علي عبد الواحد وافي" في متابعة هؤلاء، وقوله بما يقولون؟! وذلك ما أورد في كتابه فقه اللغة:"يرجع بعض مظاهر الاختلاف في قراءات القرآن إلى اختلافهم في قراءة الكلمة حسب رسمها في المصحف العثماني، فقد كان الرسم مجردًا من الإعجام والشكل؛ ولذلك كان يمكن قراءة بعض الكلمات على وجوه مختلفة"1!!!
من فضيلة الدكتور عبد الفتاح شلبي:
أطلعني فضيلة الأستاذ وهبة حسن وهبة -صاحب مكتبة وهبة- على ما كتبه المستشرق جاك بيرك "بين قراءتين"
…
وأخبرني فضيلته بأنه أشد سطوة في تفسيره لمنشأ القراءات من جولدتسيهر.. وهما يأخذان من معين واحد
…
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ} ..1 مقال مجلة منبر الإسلام، عدد رجب 1419هـ، بقلم: د. جمال رجب سيدبي.
وللرد على المستشرقين، ومن تابعهم من المحدثين أسوق الأدلة الآتية:
1 فقه اللغة، حاشية ص119، الطبعة الأولى.