المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تقويم آراء القدماء من النحويين والقراء: - رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم

[عبد الفتاح شلبي]

الفصل: ‌ تقويم آراء القدماء من النحويين والقراء:

7-

‌ تقويم آراء القدماء من النحويين والقراء:

وإذا وصلت إلى تقويم آراء القدامى أقول:

أما سيبويه فقد كان على حق؛ لأنه حين احتج بمصحف ابن مسعود1، ومصحف أُبي مثلًا2، احتج بما هو جائز في العربية، موثق بالأسانيد، وإن خالف رسم المصحف الإمام، ويكفي لتجويز إعراب ما أن تستشهد بما في مرسوم المصاحف التي كانت قبل المصحف الإمام؛ إذ كانت كما قلت موثقة الإسناد، ولكن لا يقرأ بها لمخالفتها المصحف المجمع عليه.

ومسلك سيبويه يبدو طبيعيًّا؛ إذ كانت صفته الأولى والباقية على الدهر أنه نحوي ينظر إلى المصاحف على عمومها، محتجًّا بما جاء في مرسومها، غير متقيد بمصحف الإمام؛ ما دامت المصاحف الأخرى كافية على الاحتجاج على المذاهب الإعرابية في فنون الكلام.

وصحيح من الفراء، والزجاج أن يرفض كل مخالفة رسم المصحف فيما يتعلق بنقص3 أو تبديل4..... من مرسوم المصحف الإمام، فهذه هي المخالفة المردودة على ما انتهت إليه من قريب. أما القراءات التي يحتملها الرسم العثماني وكانت ترجع في أساسها الأول إلى السنة على النحو الذي فصلت في قول الزجاج بالأثر، فلا داعي لإقحام الاحتجاج برسم المصحف فيها، فالنص على ذلك أمر لا ضرورة له، وأرجو أن ترجعوا إلى تفسير ذلكم في مكانه من هذا البحث.

وأقول لابن خالويه من حيث مسلكه في الاحتجاج مثل ما قلت للزجاج، وأزيد أن ابن خالويه بالغ في أن جعل ثواب الله أكبر بقراءة الإظهار في قوله

1 الكتاب: 1/ 281.

2 الكتاب: 1/ 481.

3 كقراءة: "فإذًا لا يؤتوا الناس نقيرًا".

4 كقراءة: "فإذا اطبأننتم".

ص: 72

تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُم

} فإن كرم الله لن يضيق بثوابه على القارئين لكتابه، المتعبدين بما به، ولن يكون ضيقًا حرجًا بالإدغام، وواسعًا عفوًا بالإظهار! فثواب التلاوة ثابت في كلتا الحالين بقدر ما تخشع القلوب، وتلين الجلود!!

أما أبو علي الفارسي، فقد أراد أن يحتج للقراءات بطريق القياس والنظر، فبعُد بذلك عن القول بالنقل والأثر، ولم يقل بأن القراءة سنة إلا حين لا يستطيع أن يجري مقاييس العربية، على قراءة من القراءات المروية.

وقد سلك هذا المسلك؛ لأنه نصب نفسه للدفاع عن كتاب الله في عصر تغشاه الإلحاد، وتفشاه الكيد للإسلام، فكان عليه أن يدافع عن القرآن بالحجج التي يحتج بها أعداؤه: بالقياس والنظر.

وأرجو أن يكون مفهومًا -وهذه عقيدة الفارسي- أنه لا يقول برسم المصحف ركنًا من أركان القراءة الصحيحة، ولكنه ترك جانب الأثر إلى غيره من الجوانب التي دعته إليها دواعي العصر الذي كان يعيش فيه.

والأمر مع الداني -ومن تأسى به كابن القاصح-1 حيث جعل من أسباب الإمالة أن تكون الألف رسمت بالباء، وإن كان أصلها الواو يحتاج في تقويمه إلى كلام مفصل طويل، ولكني أوثر جانب الإيجاز2.

وأختصر المعالم الكبرى للرأي في ذلك فأقول:

لا علاقة بين الإمالة ورسم المصحف، وأدعم ذلك:

أ- بالرسم العثماني.

ب- وبالأثر المروي.

جـ- وبما ورد في أوراق البردي المحفوظة بدار الكتب، والمخطوطة في القرن الرابع الهجري.

1 انظر: كتابه سراج القارئ المبتدئ: 117.

2 يرجع في تفصيل ذلك إلى بحث القراءات واللهجات العربية: الإمالة، للمؤلف من ص167 إلى ص197.

ص: 73

أما فيما يتعلق بالرسم العثماني، فقد تجد كلمات:

أ- رسُمت بالألف، وأُميلت مثل:{الْأَقْصَى} و {أَقْصَى الْمَدِينَةِ} و"طغى الماء".

ب- وأخرى كُتبت بالواو وأميلت، وذلك {كَمِشْكَاةٍ} .

جـ- وحرف {مَا زَكَى} كتب بالياء، ومع ذلك لم يمل على خلاف ما يشير إليه رسم المصحف.

د- و {لَدَى} رسمت بالألف في يوسف، وبالياء في غافر، وكان اتباعًا لرسم المصحف ألا يمال في الأولى، ويمال في الأخرى، ولكنه لم يمل في كليهما.

هـ- وقد وقعت الإمالة في ذوات الراء، وفي الكلمات التي تنتهي بتاء التأنيث عند الوقف، ولم يكن في رسمها ما يدل على الإمالة.

أما ما يكون من طبيعة الكتاب، فثابت من خطئهم في هذا الباب، حيث يضعون الألف مكان الياء وبالعكس، وأن الصحابة -عليهم الرضوان- لم يكونوا من المجودين في هذا الباب، وقد هديت إلى مصحف كوفي قديم في محفوظات دار الكتب خلا خطه من النقط، والشكل مما يدل على أنه مكتوب قبل أبي الأسود الدؤلي -أو على الأقل- بالطريقة التي كانت في عهد عثمان رضي الله عنه وظفرت بعلى وردت ثلاث مرات في صفحتين متقابلتين كتبت إحداها بالألف1.

1 وهذا مما يدل على أن ما كان حقه أن يكتب بالياء كتب بالألف، كما أورد الحافظ أبو بكر السجستاني في كتابه المصاحف: إن الألف والياء في المصحف سواء. المصاحف: 104.

ص: 74

والصفحة اليمنى مكتوب فيها قول الله تعالى:

1-

خوضهم يلعبون

2-

هذا كتاب أنز

3-

لناه مبارك مصدق

4-

لذي بين يديه

5-

لتنذر أم القرى

6-

ومن حولها والذ

7-

ين يؤمنون بالآخرة

8-

يؤمنون به وهم على

9-

صلاتهم يحافظون

10-

ومن أظلم ممن

11-

فترى على الله كذ

12-

بًا أو قال أوحي

والصفحة اليسرى مكتوب فيها:

1-

إلي ولم يوح

2-

إليه شيء ومن قال

3-

سأنزل مثلما أنزل

4-

الله ولو ترى إ

5-

ذ الظالمون في

6-

غمرات الموت

7-

والملائكة باسطو

8-

أيديهم أخرجوا

9-

أنفسكم اليوم

10-

تجزون عذاب

11-

الهون بما كنتم تقو

12-

لون على الله غير

ص: 76

هذا، وتعليل الداني إخلاص أبي عمرو وفتح بشراي بقوله:"لما رسمت في المصحف ألفا، أخلص أبو عمرو فتحه؛ اتباعًا للرسم؛ حتى لا تجتمع ياءان"، هذا التعليل مردود بإمالة أبي عمرو نفسه:{الْعُلْيَا} ، و {الدُّنْيَا} ، و {الرُّؤْيَا} ، و {رُؤْيَاكَ} ، و {رُؤْيَايَ} ، و {الْحَوَايَا} ، {وَمَحْيَايَ} ، و {هُدَايَ} مع أن كلا منها مرسومة في المصحف بالألف وبإمالتها تجتمع ياءان.

وأنتهي بعد هذه المعالم إلى القول بأن ما بين الإمالة والخط من توافق أساسه أن كلا منهما يراعى فيه الرجوع بالألف إلى الياء أو أنها ناشئة من الياء؛ لكن هذا التوافق بين الإمالة والخط ليس بدائم؛ لأن للإمالة أسبابًا أساسها التلقي والرواية، وأن الذين ربطوا بين الإمالة والخط -كالداني، وابن القاصح- لحظوا فقط كثرة التوافق، وجروا وراء القول بالرسم من غير أن يدققوا أو يتعمقوا.

ص: 78