الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
رسم المصحف وموقف قدامى النحويين والقراء منه:
وقف القدامى من المحتجين للقراءات -نحويين وقراء- من رسم المصحف مواقف مختلفات، فمنهم من ينظر إليه، ويستعين به، ويعتمد عليه، ويمنحه فضل اهتمام في الاحتجاج والتعليل، وهؤلاء -في الأعم الأغلب- هم القراء، ويمثلون مدرسة الأثر
…
ومنهم من لا يعتمد عليه، سالكا سبيل أهل الرأي في الاحتجاج والتخريج، وهؤلاء هم فريق من النحاة
…
ويمثلون مدرسة القياس والنظر، وفيما لي بيان لمواقف هؤلاء من الاحتجاج برسم المصحف:
أما سيبويه "180هـ" فكان يحتجّ لبعض الأوجه الإعرابية في القراءات بما هو مرسوم في بعض المصاحف؛ ففي حديثه عن قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} 1:
زعم هارون أنها في بعض المصاحف: "ودوا لو تدهن فيدهنوا"2، وقد أوردها Jeffry في مصحف ابن مسعود3، ووجدها كذلك4، وكذلك وردت في مصحف أُبي، والأعمش5.
وذكر سيبويه قول الله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} 6 ثم قال: وزعموا أنها في مصحف أُبي: "أنهم لا يقدرون"7، وقد ذكرها جفري في كتاب المصاحف بكسر الهمزة، وهو خطأ8.وسيبويه باستشهاده بما جاء في المصاحف على هذا النحو يقرب من أهل النقل والأثر، وهي ظاهرة لو انضمت إلى قوله: "والقراءة لا تخالف؛ لأنها
1 سورة القلم: آية 9.
2 الكتاب: 1/ 422.
3 p. 103.
4 المصاحف للسجستاني: 63.
5 انظر ما أورده p. 47: Jeffry
6 سورة الحديد: آية 29.
7 الكتاب: 1/ 481.
8 p. 169.
سنة"1، فإن ذلك يجعلني أضع سيبويه مع مدرسة القراء الذين يأخذون بالنقل عن الأئمة، ويعتدون برسم المصحف، ولكن ما جاء في كتابه من اعتداد بالقياس وتضعيف بعض الأئمة القراء، يدفعني إلى القول بأنه كان مترددًا بين المذهبين، وهو إلى مذهب القياس ومدرسته أقرب؛ ذلك لأن الملاك العام في احتجاجه للقراءات أنه أراد أن يجريها على مقاييس العربية، ومن هنا رأينا أنه لا يتحرج أن يصف كلا من القارئ والقراء بالضعف2؛ لأنهما لم يتفقا مع ما انتهى إليه من قياس.
فإذا ما انتقلت إلى الفراء "207 هـ" وجدته يتخذ موقفًا من رسم المصحف، والاعتماد عليه في الاحتجاج، ألخص معالمه الكبرى في النقاط الآتية:
أ- فهو حينًا يعلل محتجًّا لرسم كتاب المصاحف {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من غير ألف، ورسم {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} بألف3.
ب- وقد تكون القراءة صحيحة خالفت رسم المصحف المخالفة الجائزة، على النحو الذي بينه في هذا البحث، فيحتج لها الفراء4.
جـ- وقد يرتضي القراءة الشاذة التي تجوزها العربية، وإن كانت مخالفة للرسم5.
د- وقد ينفي شهوته "كذا" قراءة صحيحة؛ لأنها مخالفة للرسم6.
هـ- ورأيته يحتج لرجوع الكسائي عن قراءة إلى أخرى بموافقتها قراءة العامة، والكتاب7.
وهكذا نرى الفراء لا يخضع لاتجاه معين، أو نظرة إلى رسم المصحف مطردة؛ فهو حينًا يرتضي ما يخالف الرسم، وأحيانًا يشير إلى موافقة الكتاب فيحتج برسمه. على أن الاتجاه -في أغلبه- يدل على أنه معتد بالرسم إذا
1 الكتاب: 1/ 481.
2 انظر مثلًا الكتاب: 2/ 423.
3 معاني القرآن للفراء: 2.
4 معاني القرآن: 88.
5 انظر المصدر السابق: 96.
6 معاني القرآن: 125.
7 معاني القرآن: 202، والمقصود بالكتاب هنا رسم المصحف.
وجد له وجهًا من كلام العرب1، وذلك يجعله بين أهل الأثر، ويبعده عن أصحاب القياس والنظر.
وقد رأيت أبا جعفر الطبري "ت 310هـ" يروي في كتابه: جامع البيان في تفسير القرآن، القراءات المختلفة مسندة إلى من قرأها، يستجيز منها بعضًا فيرجحه، ولا يستجيز بعضًا فيفسده، كما رأيته يتخذ من وسائل الترجيح رسم المصحف، ويقول:"ليس لأحد خلاف رسوم مصاحف المسلمين"2. وفي الاحتجاج لقراءة: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} 3 يقول: "وعلى هذه القراءة قراءة الأمصار، وبه رسوم مصاحفهم، وبه نقرأ؛ لإجماع الحجة من القراء عليه، ووفاقه خط مصاحف المسلمين"4.
والرسم عند أبي إسحاق الزجاجي "ت 311هـ" لا يخالف، ويتخذه الزجاج حجة في تحذير القارئ أن يقرأ بما يخالفه، ويحتج الزجاج برسم المصحف في اللغويات، والإعراب، والصرفيات. وإليك مثالًا لكل واحدة من هذه5:
قال في الاحتجاج برسم المصحف في اللغويات: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} أي: سكنت قلوبكم، ويقال: اطمأن الشيء إذا سكن، وطمأنته إذا سكنته، وقد روي: اطبأن -بالباء- ولكن لا تقرأ بها؛ لأن المصحف لا يخالف البتة.
ويقول محتجا برسم المصحف في الإعراب: وأما رفع {يُؤْتُونَ} في قوله تعالى: {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} فعلى الرفع: فلا يؤتون الناس نقيرًا إذًا، ومن نصب فقال: فإذا لا يؤتوا الناس جاز ذلك في غير القراءة، فأما المصحف فلا يخالف.
تعليق: قرأ بالنصب ابن مسعود6.
وأما تحذيره القارئ أن يقرأ بما يخالف الرسم فيما يتعلق بالصرفيات، فذلك
1 انظر الصاحبي لابن فارس: 11.
2 جامع البيان: 2/ 48.
3 سورة المؤمنون: آية 60.
4 جامع البيان: 18/ 23.
5 يرجع إلى معاني القرآن للزجاج، في مواطن الآيات التي وردت في هذه الأمثلة.
6 انظر البحر المحيط: 2/ 273.
قوله: "وأما من يرتدد فهو الأصل؛ لأن التضعيف إذا سكن الثاني من المضاعفين ظهر التضعيف نحو قوله: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} ولو قرئت: "إن يمسّكم قرح" كان صوابًا، ولكن لا تقرأن به لمخالفة المصحف، ولأن القراءة سنة".
ويمثل أبو بكر بن مجاهد "ت 324هـ" مدرسة الأثر تمثيلًا خالصًا، فهو في كتاب القراءات يحتج بما حدّث به الشيوخ مسندًا إلى الإمام القارئ، كما يحتج برسم المصحف.
وفي الاحتجاج بالرسم يقول: "قرأ ابن عامر وحده: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام"1.
ومن أجل تمسك ابن مجاهد بالإسناد عن شيوخه، ورسم المصحف في الاحتجاج، دفع الوزير ابن مقلة إلى تعذيب ابن مقسم الذي خالف في قراءته الأساس الأول؛ إذ كان يقول: إن كل قراءة وافقت المصحف؛ ووجهًا في العربية، فالقراءة بها جائزة، وإن لم يكن لها سند2، كما عذب ابن شنبوذ الذي كان يقرأ معتمدًا على السند، وموافقة العربية، وإن خالف المصحف الإمام3.
وكان ابن خالويه "ت 370هـ" مولعًا بالاحتجاج برسم المصحف، متعبدًا بما رسم الكاتبون في السواد -على حد تعبيره- وقربه ذلك من مسلك أهل الأثر، وفيما يلي أمثلة مختلفات تجلي ما كان لابن خالويه من اتجاه:
أ- قال ابن خالويه: "قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} قرأه حمزة بإشباع فتح الشين، ووقفه على الياء قبل الهمزة، وكذلك يفعل بكل حرف سكن قبل الهمزة، والحجة له في ذلك أنه أراد صحة اللفظ بالهمزة وتحقيقها على أصلها، فجعلها كالمبتدأ، وسهل ذلك عليها أنها في حرف عبد الله مكتوبة في السواد شاي بالألف
…
"4 وقد رسمت كذلك في مصحفه حيثما وردت في القرآن الكريم5.
1 الحجة: 1/ 472، مراد ملا.
2 طبقات القراء: 1/ 124.
3 طبقات القراء: 2/ 54.
4 الحجة لابن خالويه: وجه ورقة ص6.
5 انظر المقنع للداني: 56.
ب- وقال في الاحتجاج لمن قرأ: {اتَّخَذْتُمْ} بالإظهار: "أتى بالكلمة على أصلها، واغتنم الثواب على كل حرف منها"1.
جـ- وقال: "قوله تعالى: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} تقرأ: "هزؤًا"، و"كفؤًا" بالضم والهمز، و"جزءًا" بإسكان الزاي والهمز، والحجة في ذلك اتباع الخط؛ لأن هزؤا وكفؤا2 في المصحف مكتوبان بالواو، وجزءًا بغير واو، فاتبعوا في القراءة تأدية الخط".
د- وقال: "قوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} يقرأ وما شاكله: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} ، {سُلْطَانِيَهْ} ، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} 3 بإثبات الهاء، وطرحها في الإدراج. فالحجة لمن أثبتها أنه اتبع الخط فأدى ما تضمنه السواد، والحجة لمن طرحها أنه إنما أثبت لتبين بها حركة ما قبلها في الوقف، فلما اتصل الكلام صار عوضًا منها، وميزانها في آخر الكلام كألف الوصل في أوله. وكان بعض القراء يتعمد الوقوف على الهاء؛ ليجمع بذلك موافقة الخط، وتأدية اللفظ
…
"4.
فإذا ما أردنا أن نعرف رأي الفارسي "377هـ"، واحتجاجه في هذا الحرف:{لَمْ يَتَسَنَّهْ} ، رأيناه يقول ما يفهم منه أنه لا يذهب مذهب ابن خالويه في الاحتجاج برسم المصحف؛ بل يحكم القياس والنظر، وذلك حيث يقول:
"فأما قراءة ابن كثير، ونافع، وابن عمرو، وعاصم، وابن عامر، هذه الحروف كلها بإثبات الهاء في الوصل:{لَمْ يَتَسَنَّهْ}
…
وما شاكله" فبأن ذلك مستقيم في قياس العربية في {يَتَسَنَّهْ} ، وذلك أنهم يجعلون اللام في {يَتَسَنَّهْ} الهاء، فإذا وقفوا، وقفوا على اللام، وإذا وصلوا، كان بمنزلة: لم يتقه زيد، ولم يجبه عمر
…
" ثم قال أبو علي:
قال أحمد بن موسى: "لم يختلفوا في: {كِتَابِيَهْ} ، و {حِسَابِيَهْ} أنها بالهاء في الوصل، فاتفاقهم في هذا دلالة على تشبيههم ذلك بالقوافي، وذلك أنه لا يخلو
1 الحجة لابن خالويه: ظهر ورقة ص8.
2 الحجة لابن خالويه: ظهر ورقة 10.
3 الحجة لأبي علي الفارسي: 3/ 17، ن البلدية.
4 الحجة لابن خالويه: وجه ورقة ص30.
من أن يكون لهذا والتشبيه، أو لأنهم راعوا إثباتها في المصحف، فلا يجوز أن يكون لهذا الوجه؛ ألا ترى أن تاءات التأنيث أو عامتها قد أثبتت في المصحف هاءات؛ لأن الكتابة على أن كل حرف منفصل من الآخر، وموقوف عليه، فلو كان ذلك للخط لوجب أن يجعل تاءات التأنيث في الدرج هاءات لكتابتهم إياها هاءات، ولوجب في نحو قوله:{إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} 1 أن يكون في الدرج بالألف؛ لأن الكتابة بالألف، فإذا لم يجز هذا علمت أن الكتابة ليست معتبرة في الوقف على هذه الهاءات، وإذا لم تكن معتبرة علمت أنه للتشبيه بالقوافي"2.
وهكذا نرى مسلكين متخالفين: ابن خالويه يعتد اعتدادًا شديدًا برسم المصحف، وأبو علي الفارسي يحكم القياس في الاحتجاج، ولا يرى أن يأخذ برسم المصحف فيه غالبًا.
وقد رأيت علي بن عيسى الرماني "384هـ" في كتابه معاني الحروف، يعتد برسم المصحف، حتى إنه قال في ردّ رواية قنبل عن ابن كثير:"لأقسم" على أن اللام لام القسم، وهذه القراءة فيها نظر من وجهين:
أحدهما: حذف الألف التي بعد "لا" وهي في الإمام ثابتة.
والثاني: حذف النون التي تصحب لام القسم3.
وابن جني "ت 392هـ" يستشهد برسم المصحف، ويعتمد عليه إذا أيد الرسم ما يذهب إليه، وإذا كان رسم المصحف متفقًا هو وسنن العربية، ولا يخالف أصلًا من أصولها:
أ- ذلك ما رواه ابن مجاهد عن ابن عباس في مصحف ابن مسعود: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا} 4، وفيه: {وَالَّذِينَ
1 سورة الحجر: آية 47.
2 الحجة للفارسي، ن البلدية: 3/ 16-20.
3 معاني الحروف للرماني: لوحة رقم 14.
4 سورة البقرة: آية 127، وانظر المصاحف للسجستاني:57.
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} 1، وفيه:{وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا} 2.
قال أبو الفتح: "في هذا دليل على صحة ما يذهب إليه أصحابنا من أن القول مراد مقدر في نحو هذه الأشياء، وأنه ليس كما يذهب إليه الكوفيون من أن الكلام محمول على معناه، دون أن يكون القول مقدرًا معه، وذلك كقول الشاعر:
رجلان من ضبة أخبرانا
…
أنا رأينا رجلًا عريانا
فهو عندنا نحن على "قالا"، وعلى قولهم:"لا إضمار قول هناك؛ لكنه لما كان أخبرانا في معنى "قالا لنا" كأنه قال: "قالا لنا"، فأما على إضمار قالا في الحقيقة فلا، وقد رأيت إلى قراءة ابن مسعود كيف ظهر فيها ما يقدره من القول، فصار قاطعًا على أنه مراد فيما يجري مجراه"3.
ونراه هنا يخرج القراءة على ما يذهب إليه البصريون من تقدير القول في نحو هذه الآيات، ويجعل دليله في تخريجه، وتأييد مذهبه النحوي ما رواه ابن مجاهد في مصحف ابن مسعود.
ب- كذلك استعان ابن جني في الاحتجاج لقراءة: "تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ"4، وأولها معتمدًا على ما جاء في مصحف عبد الله5.
جـ- ثم نراه لا يلتفت إلى الدليل الذي استشهد به يحيى بن الحارث في قراءته: "لنظر كيف تعلمون" بنون واحدة. قال ابن شعيب: "فقلت له: ما سمعت أحدًا يقرؤها" قال يحيى: هذا رأينا في الإمام مصحف عثمان، قال أبو الفتح: ظاهر هذا أنه أدغم نون "ننظر" في الظاء، وهذا لا يعرف في اللغة. ويشبه أن تكون أن مخفاة، فظنها القراء مدغمة على عادتهم في تحصيل كثير من الإخفاء إلى أن يظنوه مدغمًا"6.
1 سورة الزمر: آية 3، وانظر تاريخ المصاحف لجفري: P. 81.
2 سورة الأنعام: آية 93.
3 المحتسب: 1/ 112، 113.
4 سورة سبأ: آية 14.
5 المحتسب: 2/ 235 وما بعدها.
6 المحتسب: 1/ 384.
أما مكي بن أبي طالب "437هـ" في كتابه الكشف، وأبو عمرو عثمان بن سعيد الداني "444هـ" في الموضح، فقد كانت العبارة التي تتردد في كتابيهما حتى اتخذت ما يشبه النماذج التعبيرية:"هذا مع اتباعه -أي القارئ الذي يحتج له- رسم المصحف، أو نحو ذلك1، وهذا ظاهر عند الداني في الاحتجاج لمذاهب القراء في ذوات الياء من الأسماء والأفعال، مما هو مرسوم في المصحف بالياء"2، وسأناقش رأيه بعد حين.
هذه أمثلة لمواقف بعض النحاة، والقراء من رسم المصحف والاحتجاج به، والملاك العام عندي في هذا الأمر:
"أن القراءة سنة؛ فما خالف منها ظاهر الخط فلا سبيل إلا إلى القراءة به، مرجحين جانب النقل والرواية، وما وافق منها الرسم فذلك نور على نور".
وذلك ما يشير إليه أبو شامة "665هـ" حيث يقول: "القراءة نقل، فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى، وليس اتباع الخط بمجرده واجبًا ما لم يعضده نقل، فإن وافق فبها ونعمت"3.
ومن ذلك ما ذكره الداني عن شيوخه، عن عاصم الجحدري قال:
"في الإمام مصحف عثمان بن عفان في الحج: {وَلُؤْلُؤًا} بالألف4، والتي في الملائك5: "ولؤلؤٍ" خفض بغير ألف"6. قال الشيخ السخاوي: وهذا الموضع أول دليل على اتباع النقل في القراءة؛ لأنهم لو اتبعوا الخط، وكانت القراءة إنما هي مستندة إليه، لقرءوا هنا -أي: في سورة الحج- بألف: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} وفي فاطر بالخفض: "جنات عدن يدخلونها فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ"7.
1 انظر مثلًا في الكشف اللوحات: 10، 50، 62، 485، 472.
2 يراجع الموضح في هذا الباب.
3 إبراز المعاني: 406.
4 سورة الحج: آية 23.
5 سورة فاطر: آية 33.
6 انظر المقنع: 42، ومورد الظمآن:22.
7 وانظر عقيلة أتراب القصائد، وشرحها تلخيص الفوائد: 44، 45.
قال أبو عبيد: "لولا كراهة لخلاف الناس، لكان اتباع الخط أحب إلي فيكون في الحج بالنصب، وفي فاطر بالخفض، فإنه رسم بالألف في الحج خاصة دون فاطر"1.
يقول ذلك أبو عبيد، ولكنه لم يقرأ به متبعًا النقل لا الرسم
1 إبراز المعاني: 406.