الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن دين الله مهما كلفهم هذا الدفاع من تضحيات، وإن أولي العزم والإيمان هم وحدهم الذين يقفون هذه الوقفة لله.
إن العاملين في ميدان الدفاع عن دين الله يجب أن يكونوا على درجة عالية من الفقه في دينهم، وعلى جانب كبير من العلم والإحاطة بما كتبه أعداء الإسلام من المستشرقين وأشباههم، ولا تتيسر لهم هذه الإحاطة إلا إذا كانوا على قدر كبير من الإلمام باللغات الأجنبية كالانجليزية والفرنسية والألمانية والروسية؛ فيجب أن يتكوّن العاملون في ميدان الدفاع عن دين الله من جماعات، تتقن كل جماعة منها لغة أجنبية، إلى جانب درجتها العالية من الفقه في الدين، وبهذا يستطيع المدافعون عن دين الله أن يصرعوا أعداء الإسلام، وأن يفضحوا أكاذيبهم ومفترياتهم وما لفقوا ويلفقون من أباطيل للتشويش على الدعوة الإسلامية.
أما
الميدان التبليغي:
ففيه يقوم الدعاة بالدعوة إلى دين الله في المواطن التي خلت من الدين، وفي المواطن التي خف ميزان الدين فيها؛ فالناس في هذه المواطن في ربوع العالم المختلفة يبحثون عن دين يجدون فيه الحق الذي يلتقي مع الفطرة الكامنة في كل نفس، ومع العقل المتشوق إلى الحق، الباحث عن الحقيقة.
ويحتاج هذا الميدان إلى دعاة يفقهون أمور دينهم بدرجة كبيرة، ويكونون على جانب كبير من الفطنة والذكاء، ويتكونون من جماعات تتقن كل جماعة منها لغة أو أكثر من اللغات الرائجة في أوربا وأمريكا وآسيا وأفريقية، كالانجليزية والفرنسية والفارسية والأردية، حتى يحقق العاملون في هذا الميدان الغاية المرجوة ويصلوا إلى الهدف المنشود.
إن العلم والفقه في الدين والذكاء والفطنة وسائل لا غنى عنها في التصدي للاستشراق، ومواجهة أعداء الإسلام أيا كانت أسماؤهم وصورهم وأشكالهم؛ لأن الذي يعرض حقائق الإسلام إن لم يكن على مستوى عال من العلم والفقه والذكاء والفطنة كان ضرره أكثر من نفعه في هذا المقام.
فيجب أن نعدّ الدعاة الذين يفون بالمطلوب لدعوة الإسلام اليوم في ميدانها الدفاعي والتبليغي، وهنا نتساءل: هل أدّى المسلمون حق دينهم عليهم، وهم
يعلمون أنه الحق من ربهم؟ الحق أن المسلمين مقصّرون متهاونون في أداء هذا الواجب الذي يفرضه الدين عليهم، إن الدين دعوة، ولابدّ لهذه الدعوة من دعاة يبلغونها إلى الناس، ويكشفون لهم عن وجه الحقائق فيها، وهذه هي الحكمة من إرسال رسل الله إلى الناس مع ما يحملون إليهم من رسالات الله، وإلا لوقف الرسول بمهمته عند وضع الرسالة بين أيدي الناس دون أن يقطع عمره كله واقفا عليها، مناعا عنها، متحملا الأذى والضر في سبيلها، ثم كيف يكون هذا موقفنا والله قد أناط بنا حمل أمانة الدعوة إلى دينه؟ فقال جل وعلا:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1.
والدعوة إلى دين الله أمر مطلوب من كل مسلم، وذلك بسيرته المحمودة في الناس، وبخلقه الكريم، وسلوكه الطيب الذي يراه غير المسلمين عنه، في أقواله وأفعاله؛ فإن الدين بأهله، والناس إنما ينظرون إلى الدين فيما يرون من آثاره في المتدينين به، قبل أن ينظروا إليه في حقائقه،؛ فينبغي على أولي الأمر في الأقطار الإسلامية أن يحسنوا اختيار المبعوثين إلى أوربا وأمريكا من الطلاب وغيرهم؛ لأنه كثيرا ما يسيء هؤلاء المبعوثين إلى الإسلام بسوء سلوكهم، ويصيرون أخطر على الإسلام من أعدائه.
أما الدعاة المتخصّصون العاملون في الميدانين الدفاعي والتبليغي فيجب عليهم أن يبينوا للناس حقائق الإسلام؛ لأن بيان هذه الحقائق كاف لإخماد أصوات أعداء الإسلام مهما كانت مرتفعة، كما أنه كاف لإحباط خطط هؤلاء الأعداء الذين يقف المستشرقون في مقدمتهم.
وينبغي أن يبين الدعاة للناس أن الإسلام دين الفطرة، وأنه هو المثل الأعلى للإنسانية؛ لأنه حرّر العقل وأطلقه من عقاله إطلاقا يعود على الإنسانية بكل خير، ودفع العقل دفعا ليتفكر في الكون ليسمو الجانب الروحي، وليفكر في تسخير الأشياء للإنسان ليرتقي الجانب المادي.
ويجب أن يبين الدعاة للناس أن الإسلام حرّر الإنسانية من ظلم البشرية وتناقضاتها، ووحّد القوى الإنسانية التي تقود العالمين إلى السعادة القصوى؛ ولذلك ختم الله به
1 سورة آل عمران: آية 105.
الديانات السماوية، وجعل نبي الإسلام صلوات الله عليه آخر لبنة في بيت النبوة العتيد؛ فتم بها بناؤه، وكمل بها رواؤه.
وينبغي على الدعاة أن يبينوا للناس أن الإسلام هو النظام الإلهي الكامل الذي لا يمكن للإنسانية - في سعيها المتصل لبلوغ الكمال الإنساني - أن تجد أرقى منه في جميع مجالات الرقي؛ عقليا ونفسيا وخلقيا وعاطفيا وروحيا وماديا وفرديا واجتماعيا.
ويجب أن يبين الدعاة أن الدين كله لله؛ فهو الذي يتعبد عباده بما يشاء، ويشرع لهم من الأحكام والحدود والفرائض والآداب ما اقتضته حكمته مما يعلم أن فيه صلاحهم وسعادتهم؛ فلا يجوز لأحد أن يزيد في دين الله ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه، وأنّ دين الله واحد، وهو الإسلام الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه، وأنّ الأنبياء كلهم إخوة؛ دينهم واحد وأمهاتهم شتى، وأنّ الواجب الإيمان بهم وما أنزل إليهم جميعا، قال الله تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} 1.
ينبغي أن يبين الدعاة للناس أن العقيدة الإسلامية تقوم على الإيمان بالله إلها واحدا لا تنبغي الإلهية إلا له، وعلى الإيمان بأن له وحده الأسماء الحسنى والصفات العليا.
ويجب أن يبين الدعاة للناس أن الإيمان باليوم الآخر وبالبعث والجزاء مما يقتضيه العقل تحقيقا لقاعدة العدل؛ إذ ليس في المعقول ولا في الحكمة أن تكون هذه الحياة القصيرة هي الغاية من خلق هذا العالم الكبير، وأن تكون نهاية المؤمن والكافر سواء، ونهاية الظالم والمظلوم سواء، ونهاية البَرّ والفاجر سواء، قال الله تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ. أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} 2،
1 سورة البقرة: آية 285.
2 سورة ص: آية 27-28.