المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌وسائل الإستشراق في التشويش على دعوة الإسلام ‌ ‌التبشير الصليبي … ثالثا: وسائل الاستشراق - الإستشراق وجهوده وأهدافه في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته

[عبد المنعم محمد حسنين]

الفصل: ‌ ‌وسائل الإستشراق في التشويش على دعوة الإسلام ‌ ‌التبشير الصليبي … ثالثا: وسائل الاستشراق

‌وسائل الإستشراق في التشويش على دعوة الإسلام

‌التبشير الصليبي

ثالثا: وسائل الاستشراق في التشويش على دعوة الإسلام

للاستشراق وسائل عديدة في التشويش على دعوة الإسلام ينبغي أن يتنبّه إليها المسلمون، حتى يتقوا شرّ أعدائهم ويحبطوا خططهم، وسأعرض في هذا البحث أهمّ هذه الوسائل وأكثرها خطورة؛ والله ولي الذين آمنوا!.

1_

التبشير الصليبي:

إن الشيء الذي يجب أن لا يشك فيه المسلمون هو أن الحروب الصليبية لم تنته، فمنذ خرجت أوربا من ظلام القرون الوسطى تطلّعت إلى الشرق الذي كان الضعف قد دبّ فيه، الأمر الذي جعله فريسة للدول الأوربية؛ فاستعمرت أكثر دوله، وكانت أوطان المسلمين أول ما أحكمت عليه قبضتها.

وكان الاستعمار الغربي يهدف من وراء السيطرة على أوطان المسلمين إلى استغلال هذه الأوطان أرضا وبشرا، ثم إلى محاربة العقيدة وإجلائها من قلوب المسلمين، ومحاولة ما عجزت عنه الحروب الصليبية من قبل، وذلك لما يعلمه المستعمرون - بواسطة أعوانهم المستشرقين - من خطر الإسلام على خططهم التي يرسمونها على أساس قتل المعاني الإنسانية في الأوطان المستعمرة حتى تموت مشاعر الناس هناك؛ فلا يحاول أحد أن يثور في وجه المستعمرين له المستغلين لأرضه وجهده، الأمر الذي لا يصبر عليه المسلم الذي يستظلّ براية التوحيد؛ فلا يخفض رأسه إلا لله ولا يحني قامته لغير الله، وهذا من شأنه أن يبعث في نفسه العزة والكرامة وإباء الضيم؛ ولهذا عمل المستعمرون - بواسطة المستشرقين - على محاربة الإسلام حرباً خفية بعد أن حاربوا المسلمين بالحديد والنار.

وظهرت هذه الحرب في صورة تجنيد جيوش من المبشّرين بقيادة المستشرقين، ودفع هؤلاء المبشرين إلى بلاد المسلمين، وحمايتهم بجيوش المستعمرين، والتمكين لهم من التغلغل في المدن والقرى، وإمدادهم بالمال؛ لقيموا المستشفيات والملاجئ والمدارس ليتخذوا منها شباكا لتضليل الناس، مختفين في زي المبعوثين إليهم لإنقاذهم من المرض والفقر والجهل باسم المسيح.

وكان مما حاوله المبشرون - بتوجيه من المستشرقين - محاربة اللغة العربية وإجلاؤها من الألسنة؛ حتى تنقطع الصلة بين المسلمين وبين كتاب الله الذي هو

ص: 86

دستور دينهم ولسان شريعتهم، وكان من تدبيرهم لتحقيق هذه الغاية أن أشاروا على المستعمرين بأن يقربوا إليهم كل من يحسن لغتهم، وأن يمكنوا لهم من تولى المناصب العالية، الأمر الذي دعا كثيرا من المسلمين إلى تعلّم لغة المستعمر وحذقها، في الوقت الذي انصرف هؤلاء المتعلمون عن لغتهم العربية، معتقدين أن هذا لا ينتقص شيئا من دينهم، ولا يمسّ شيئا من عقيدتهم، وبهذا أصبحت دول كثيرة من الدول الإسلامية التي كان لسانها عربيا لا تكاد تنطلق بتلك اللغة، ولا تعرف من كلماتها إلا ما تؤدي به الصلاة في ركاكة عجمية، كما كان ذلك مشاهدا في البلاد الإسلامية الواقعة في شمالي أفريقية، وهذه البلاد تحاول جاهدة الآن - بعد أن جلا الاستعمار عنها - أن تسترد لسانها العربي بعد تلك الغربة الطويلة التي انقطعت فيها الأسباب بينها وبينه.

وقد استغلّ المبشرون وضعهم في البلاد الإسلامية المستعمرة في التشويش على دعوة الإسلام، مستفيدين من غياب اللسان العربي، الأمر الذي أدّى إلى إضعاف الغيرة الدينية عند كثير من المسلمين، وتراخي أيديهم عن التمسك بشعائر الدين، والتأدّب بآداب الإسلام والتخلق بأخلاقه.

وقد جهل المستعمرون وأعوانهم من المستشرقين والمبشرين أن السرّ في فشلهم في حمل المسلمين على التخلي عن دينهم هو أنهم يعملون في اتجاه مضاد لطبيعة الأشياء؛ لأن الإسلام دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ فلا يمكن للفطرة أن تنفصل عنه، مهما بذل أعداء الإسلام من الجهد والمال.

وهذا هو السرّ الذي دخل به الإسلام إلى أوطان كثيرة؛ فغزا القلوب ونفذ إلى العقول، بدون جيوش زاحفة وحملات تبشيرية غازية، وإنما كان الإسلام بذاته هو الذي يفتح أوطانا بأسرها، على يد بعض التجار الذين لم يكن من قصدهم الدعوة إلى الدين، وإنما كانت هذه الدعوة تأتي عرضا في حديث جار، فإذا هي تسري بين الناس سريان العافية في الأجسام العليلة، وإذا الناس على دين الله وعلى فطرة الله.

هكذا دخل الإسلام كثيرا من بلاد إفريقية ومن بلاد آسيا، ودخل بلادا عديدة في أوربا، ودخله كثيرون في أمريكا، ولم يدخل أحد الإسلام في البلاد بحملات حربية أو تبشيرية، وإنما دخله طبيعيا بدعوة من الفطرة؛ لهذا فشلت حملات التبشير في بلاد الإسلام، وتكسّرت نصالهم على صخرة هذا الدين.

ص: 87