المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جهود الاستشراق في محاربة الإسلام بسلاح العلم - الإستشراق وجهوده وأهدافه في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته

[عبد المنعم محمد حسنين]

الفصل: ‌جهود الاستشراق في محاربة الإسلام بسلاح العلم

‌‌

‌جهود الاستشراق في محاربة الإسلام بسلاح العلم

جهود الاستشراق في محاربة الإسلام بسلاح العلم

ثانيا: جهود الاستشراق في محاربة الإسلام بسلاح العلم

ينبغي على المهتمين بتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة أن يكونوا على دراية تامة بالجهود التي يبذلها المستشرقون في محاربة الإسلام؛ لأنهم - في الحقيقة - ألدّ أعداء الإسلام.

والمستشرقون يتخذون العلم وسيلة للتشويش على الدعوة الإسلامية ويتسترون وراء البحث العلمي، وهم يلفّقون الأباطيل، ويلقون بها في ساحة الشريعة الإسلامية، ويحاولون تضليل شباب المسلمين الذين يتتلمذون عليهم، وإقناعهم بآرائهم الفاسدة الخبيثة؛ ليشركوهم معهم في الإساءة إلى الإسلام دون وعي.

إن ما يكتبه المستشرقون عن رسالة الإسلام ورسول الإسلام يفضح الحقد الدفين الكامن في قلوبهم، ويكفي أن نذكر - على سبيل المثال - ما كتبه واحد منهم هو (جولد تسيهر) ؛ لينكشف دورهم في الطعن على الإسلام، والتشويش على دعوته متخذين العلم وسيلة لما يهدفون إليه، يقول المستشرق المذكور:"فتبشير النبي العربي ليس إلا مزيجا منتخبا من معارف وآراء دينية عرفها أو استقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها، التي تأثر بها تأثرا عميقا، والتي رآها جديرة بأن توقظ عاطفة دينية حقيقية عند بني قومه"1.

وهذا قول آثم، ردّد به هذا المستشرق الحاقد زعما زعمه المشركون منذ أربعة عشر قرنا، وردّ الله تعالى عليه في حينه؛ فما إن قال المشركون هذا القول حتى فضحهم الله به، يقول الله تعالى على لسان المشركين:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَاّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} ، ويردّ جل جلاله عليهم بقوله:{فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً} ، ثم يقول سبحانه على لسانهم:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأََوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} ، ثم يردّ جل وعلا عليهم بقوله:{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأََرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} .

ثم تحداهم سبحانه وتعالى بأن يأتوا بسورة من مثله؛ فعجزوا ولم يرفع أحد رأسه، يقول جل جلاله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ

1 جولد تسيهر: العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة الدكتور محمد يوسف موسى وزميله، ص 15.

ص: 83

وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} .

إن جولد تسيهر وأمثاله من المستشرقين أعداء الإسلام يردّدون ما كان يردّده مشركو قريش من قبل في موقف العناد والكبر، غير أن مشركي قريش عدلوا عن عنادهم ودخلوا في دين الله وجاهدوا في سبيل الله، وكان منهم سيوف الله على رقاب أعداء الله، أما المستشرقون فمصرّون على محاربة الإسلام والتشويش على دعوته بالتشكيك في القرآن الكريم والإيهام بأنه من عمل محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول كان يتجاوز بعض الوحي القرآني، وينسخ بأمر الله ما سبق أن أوحاه إليه 1.

والحقد واضح في مقولة هذا المستشرق، بل لقد ذهب الحقد بعقله؛ إذ كيف يستسيغ عقل سليم أن يصف محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه رسول ثم يقول إن هذا الرسول بدّل رسالة ربه بأمر من ربه لظروف اضطرته إلى ذلك! هل يعقل هذا؟!.. فأي رسول يحمل رسالة الله ثم يكذب على الله ثم يظلّ رسولا بعد ذلك؟! أليس ما يقوله ذلك المستشرق اللعين هو الحقد الذي يذهب العقول ويقلب حقائق الأشياء؟!

ألم يقرأ هذا الحاقد قول الله تعالى - ردّا على مفتريات المشركين بأن محمدا يفتري على الله الكذب -: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} 2؟!

إن عداوة المستشرقين للإسلام قد بدت من أفواههم، ومن كتاباتهم المسمومة، وما تخفي صدورهم أكبر؛ فينبغي أن نقف منهم موقف الحذر دائما، وأن نكشف زيفهم وبخاصة الذين يصطنعون الحكمة والتعقّل، ويتظاهرون بالإعجاب برسالة

1 جولد تسيهر: العقيدة والشريعة في الإسلام ص 41.

2 سورة الحاقة: آية 44-47.

ص: 84

الإسلام ليدخلوا على العقول دخول اللص في غيبة الحارس!! ويدسّوا السمّ في العسل؛ فلتكن عقولنا حاضرة ونحن نسمع أو نقرأ لهؤلاء المستشرقين ما يكتبون عن الإسلام ولو كان حقا وصدقا؛ فقد تندس كلمة هنا وكلمة هناك فتقع موقعا قاتلا لمن لا ينتبه إليها، ولا يأخذ حذره منها؛ فما أكثر الذين خدعوا من المثقفين من المسلمين بهؤلاء المستشرقين، وأخذوا مقولاتهم على أنها أحكام قاطعة لا تقبل نقاشا؛ فاشتركوا مع المستشرقين في محاربة الإسلام والتشويش على دعوتهم، وضلّ سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، والعياذ بالله!.

إن المستشرقين بعامة قد حاولوا دراسة الإسلام بنية منعقدة على جمع المطاعن الملفقة عن الإسلام، وهم يتزيّون بزي العلم والبحث عن الحقيقة، غير أن العصبية تغلبهم عن أن يقولوا كلمة الحق، وأن ينطقوا بما في أيديهم من شواهد؛ فيكابرون ويلجون في الضلال، ويرمون الإسلام بكل ما تحمل صدورهم من غل، وحتى من يقول منهم في الإسلام كلمة حق - ليبعد عن نفسه تهمة التعصب، ويلصق بنفسه صفات العالم النزيه الذي لا يدلس ولا يدجل - لا يمكن أن تسلم كتابته من بعض التعليقات المضلّلة؛ فيجب أن نحتاط ونكون على حذر ونحن نقرأ كتابات المستشرقين أو نقتبس منها؛ لأنهم لم يستطيعوا التخلّص من أهوائهم ونزعاتهم الموروثة منذ أيام الصلبيين؛ فصرفوا جهودهم في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته دعوة الحق التي يزهق أمامها كل باطل.

إن الإسلام يواجه عداوات متربّصة من كل جانب، وإن المسلمين في مواجهة حرب من أعدائهم المستشرقين؛ ورثة الصلبيين، وهذا ما يقتضيهم أن يكونوا على وعي ويقظة، وأن يتسلح الدعاة منهم بأسلحة الثقافة الواسعة الشاملة، وأن يتعرفوا على ما عند أعدائهم من أسلحة يحاربونهم بها، حتى يلقوهم بأسلحة من دينهم ومن تراثهم؛ ليردوا كيدهم ويبطلوا تدبيرهم، وما يريدونه من سوء بالمسلمين وبدينهم، والله من ورائهم محيط.

وسأعرض في هذا البحث بعض وسائل الاستشراق في محاربة الإسلام بتضليل المسلمين وصرفهم عن دينهم، ولكن الله ردّ كيدهم في نحورهم وحرس دينه الذي ارتضاه لعباده.

ص: 85