الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصادره وتلفيق الأباطيل والإلقاء بها في ساحة الشريعة الغرّاء، ومحاولة إغراق المسلمين بالتيارات الفكرية المضلّلة، ومحاربة اللغة العربية التي نزل بها القرآن، ومساندة الدعوات المضلّلة التي قامت تحت راية الإسلام، واستغلال وسائل الإعلام في إفساد المسلمين بإبعادهم عن دينهم، والحرص على تضليل أبناء المسلمين الذين يتتلمذون عليهم.
فينبغي أن نبين خطر الاستشراق وجهوده وأهدافه في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته، ويجب أن نكشف الأسلحة التي يستعملها في حربه السافرة والخفية، والوسائل التي نتقي بها شره، ونردّ بها كيد أعداء الإسلام في نحورهم.
وهذا ما سأحاوله في هذا البحث وبالله التوفيق.
نشأة الاستشراق
نشأة الاستشراق
…
أولا: نشأة الاستشراق
يخطئ من يقول إن الاستشراق حركة علمية، لا هدف لها إلا دراسة التراث الشرقي في معتقداته وآدابه؛ لأن الاستشراق في الحقيقة والواقع خادم للاستعمار وأهدافه، وهو يتخذ من دراسة التراث الشرقي وسيلة لمحاربة الإسلام، والتشكيك في مصادره ليصرف المسلمين عن دينهم، فلا تتحقق لهم قوة ولا عزة، بل يظلون تابعين للغرب، مقلّدين كل ما في بلاده من ألوان الفساد والانحلال.
إن الاستشراق في الحقيقة امتداد للحروب الصليبية ضدّ الإسلام وحقائقه الناصعة؛ لأن الحروب الصليبية لم تنته، وإنما اتخذت أشكالا وألوانا مختلفة، منها الاستشراق؛ فالمستشرق يجيء إلى الإسلام لابسا العلم الظاهر، ومدّعيا البحث عن الحقيقة، ولكنه في الباطن قد عقد النية على جمع المطاعن الملفقة عن الإسلام؛ فلا يلبث أن يرمي الإسلام بكل ما يحمل صدره من غل، وينفث قلمه من سم؛ فهو يتنكر لمنهج العلم الصحيح الذي من شأنه أن يعرض الحقائق، وأن يترك للناس الحكم عليها، دون أن يمزجها بمرارة حقده، ونفثات عداوته، ودون أن يحاول تشويه هذه الحقائق بصورة من الصور.
والمتتبع لحركة الاستشراق يجد أنه مواكب لحركة الاستعمار الغربي لبلاد الشرق والإسلام، مما يدل على أنه امتداد للحروب الصليبية، وشكل من إشكالها، وقد
نشطت حركة الاستشراق وبلغت أشدها منذ قرنين من الزمان في صورة حركة تابعة لحركة الاستعمار.
والاستشراق مصدر الفعل (استشرق) أي: اتجه إلى الشرق ولبس زى أهله، وقد اتخذ المستشرقون من دراسة لغات الشرق وسيلة للاتجاه إليه، فدرس كل منهم لغة أو أكثر من لغات الشرق كالعربية والفارسية والعبرية والسريانية وغيرها، ثم درس بهذه اللغة علوم تلك اللغة وفنونها وآدابها ومعتقدات أهلها، وكانت اللغة العربية المطلب المقصود عند الكثير من المستشرقين.
قد أقبل المستشرقون على دراسة اللغة العربية والتخصص في علومها من نحو وصرف وأدب وبلاغة؛ ليتمكنوا من اللغة، ثم نظروا بعد ذلك في علوم الدين الإسلامي من عقيدة وشريعة؛ لاتخاذ هذه الدراسة وسيلة لتلفيق الأباطيل للتشكيك في حقائق الإسلام، وصرْف المسلمين عن دينهم الذي يهديهم إلى طريق التقدم والعزة؛ فتتحقق بذلك أهداف الاستعمار في مواصلة احتلال بلاد المسلمين.
وأوضح دليل على صلة الاستشراق بالاستعمار أن سوق الاستشراق رائجة في أوربا وأمريكا في الدول التي لها مصالح في الدول الشرقية بعامة وفي الدول الإسلامية بخاصة، وأن هذه السوق أكثر رواجا في الدول الاستعمارية التي تحاول غزو الدول الشرقية بأية صورة من صور الغزو والمعروفة في العصر الحديث؛ سواء أكان الغزو عسكريا أم اقتصاديا أم سياسيا أم ثقافيا، بل لا تكاد توجد سفارة من سفارات هذه الدول الاستعمارية في دولة من دول الشرق الإسلامية لا يوجد فيها مستشرق أيّا كانت رتبته بين رجال السفارة والعاملين بها.
إن ارتباط الاستشراق بالاستعمار وتبعته له جعلت الاستشراق يواصل جهوده في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته، ويستعمل كل الأسلحة في حربه؛ لأن هذا الدين الحنيف هو السدّ المنيع الذي يقف في وجه الاستعمار والعبودية لغير الله.
إن المستشرقين يعلمون من دراستهم للإسلام أن العقيدة التي جاء بها ترتكز على أسس ثابتة من الفطرة الإنسانية العامة والمنطق العقلي المستقيم، والنصوص الدينية الصريحة، بحيث لا يمكن لعقول المفكرين والفلاسفة أن ينقضوا أصلا واحدا من أصولها إذا التزموا منهج العلم الصحيح، ولذلك يحاول الاستشراق منذ نشأته
التشويش على دعوة الإسلام بتلفيق الأباطيل، واتخاذ البحث العلمي ستارا يلفقون من ورائه هذه الأباطيل.
وقد صار الاستشراق مظلة لكل أعداء الإسلام من المستعمرين والملحدين وغيرهم؛ فأصبح يستظل بها أصحاب العقائد الفاسدة الباطلة من الشيوعيين وأنصار المذاهب الإلحادية الانحلالية في العصر الحديث، فقد جمع هؤلاء بغضهم للإسلام؛ لأن أساسه التوحيد، وهو زبدة الرسالات الإلهية وغايتها، ترتكز كلها عليه وتستند في وجودها إليه، وتبتدئ منه وتنتهي إليه؛ فكل رسول افتتح دعوته لقومه بقوله:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .
والدين فطرة غرزها الله في البشر، وقد كانوا أوّل الأمر متفقين على التوحيد قبل أن تزيّن لهم الشياطين عبادة الطواغيت واتخاذ الأصنام.
والعقيدة الإسلامية عقيدة واضحة بعيدة عن إغراق الوهم، وجموح الخيال، وتحكم الأهواء، وهذا ما يسعى إليه العقل في تفكيره الدائب للوصول إلى الحقيقة التي ينشدها.
من هنا كان الاستشراق هو المطية التي يركبها أعداء الإسلام لعلهم يستطيعون بهذه الوسيلة التشويش على دعوته التي تتفق مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
وقد بذل الاستشراق منذ نشأته جهودا عديدة متواصلة في محاربة الإسلام، واصطنع وسائل متنوعة في حربه، واستفاد من تقصير المسلمين - أحيانا - في الدفاع عن دينهم، وانخداع بعضهم - أحيانا أخرى - بكلام بعض المستشرقين الذين يضعون السمّ في العسل.
وسأعرض فيما يلي جهود الاستشراق المختلفة في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته، وأبيّن أهدافه من وراء هذه العداوة الشديدة، والله غالب على أمره ولو كره الكافرون.