المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ محاربة اللغة العربية: - الإستشراق وجهوده وأهدافه في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته

[عبد المنعم محمد حسنين]

الفصل: ‌ محاربة اللغة العربية:

لأن الإسلام يؤاخي بين العلم والدين، ويجعل الدين علما، والعلم رائدا هاديا إلى الدين، وكلمة العلم وما يشتق منها من أكثر الكلمات دورانا في القرآن الكريم؛ فقد ورد ذكر العلم ومشتقاته أكثر من ثمانمائة وعشرين مرّة في الكتاب الكريم.

فالعلم هو رسالة الإسلام، وبالعلم يَعرف الإنسان ربه وخالقه، وما يجب عليه من ولاء لله واستقامة على أوامره واجتناب لنواهيه، حيث لا يكون عمل إلا عن علم، ولهذا كانت دعوة الإسلام إلى طلب العلم، وإلى الاجتهاد الدائب في طلبه، يقول الله جل جلاله:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 1، ويقول سبحانه وتعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} 2، ويقول عز وجل لنبيّه الكريم:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} 3.

فالدعوة إلى العلم دعوة كريمة مستحبة من كل ذي عقل؛ لأن العلم سبيل الإنسان إلى الكمال العقلي والسمو الروحي، حيث يميز به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والخير من الشر، والنافع من الضار.

أما العلمانية التي يروّج لها المستشرقون فتدعو إلى العلم الذي ينعزل عن الدين؛ فلا مجال لها في الإسلام، ولا ينبغي أن تظهر في المجتمع الإسلامي؛ لأن الإسلام جامعة العلم والمعرفة، الأمر الذي لا يمكن أن تقوم معه جفوة بين العلم والدين أبدا؛ فلا ينبغي أن يقبل مسلم دعوة إلى الفصل بين العلم والدين؛ لأن من يقبل هذه الدعوة يكون جاهلا بحقائق الإسلام؛ فلا يكون مسلما ولا عالما.

فينبغي أن نحذر المثقفين من شباب المسلمين من الانقياد الأعمى لمثل هذه الدعوات الضالة المضللة، ومن الغرق في التيارات الفكرية التي يحاول الاستشراق إغراق المسلمين بها؛ للتشويش على عقيدتهم وإبعادهم عن دينهم الذي به صلاحهم وعزتهم {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} 4.

1 سورة الزمر آية 9.

2 سورة المجادلة آية 11.

3 سورة طه آية 114.

4 سورة المنافقون آية 8.

ص: 92

3_

‌ محاربة اللغة العربية:

من الوسائل التي يحارب الاستشراق بها، ويشوش بها على دعوته محاربة

ص: 92

اللغة العربية التي نزل بها القرآن، وقد لجأ المستشرقون إلى هذه الوسيلة بعد عجزهم عن النيل من القرآن الكريم؛ فأخذوا يروّجون بين المثقفين من المسلمين من تلاميذهم أن اللغة العربية في حاجة إلى تطوّر وتجديد، وهم يهدفون من وراء دعوتهم هذه إلى إضعاف اللغة العربية؛ لينصرف المسلمون عنها؛ فتنقطع الصلة بينهم وبين كتاب الله وسنة خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام.

إن المستشرقين يتهمون اللغة العربية بالعجز عن مسايرة ركب الحضارة الحديثة، ويزعمون أن اللغة العربية تعجز بقاموسها اللغوي عن حمل العلوم والفنون التي جاء بها العصر الحديث، وأن التخلّف الذي أصاب المجتمع الإسلامي سببه قصور اللغة العربية وعجزها عن نقل ما جاءت به العقول والقرائح عند الأمم الغربية، ولهذا يجب على أهل العربية - في زعمهم - أن يتركوا هذه اللغة ويبحثوا عن لغة أخرى حتى يلحقوا بركب الحضارة، ويعيشوا مع أهل العصر.

وهذه دعوى باطلة من أساسها؛ فاللغة العربية أوسع اللغات وأقدرها على توليد الألفاظ الجديدة، والدليل على هذا أنها حين خرجت إلى ما وراء موطنها العربي إلى دولتي الفرس والروم استوعبت بألفاظها - من مفردات وتراكيب - كل ما وجدته من حضارات، ثم إنها مدّت ذراعها إلى حضارتي اليونان والرومان القديمتين، فترجمت كل ما أنتجته عقول حكمائها وعلمائها، وكان للتراث العلمي المشرق الذي أنتجته العربية أثره البعيد في تنوير أوربا، وإخراجها من ظلام القرون الوسطى وإدخالها إلى هذا العصر الحديث الذي تفخر به؛ فلا يعقل - بعد هذا - أن تعجز اللغة العربية عن نقل العلوم والفنون التي جاء بها العصر.

وقد لقّن المستشرقون بعض تلاميذهم من المسلمين الدعوة إلى العدول عن الكتابة بالحروف العربية إلى الحروف اللاتينية؛ بحجة أن عملية الطباعة بالحروف العربية شاقة بطيئة؛ لأن لكل حرف صورا عديدة بحسب موقع الحرف في الكلمة، أما كتابة الكلمات العربية بالحروف اللاتينية فإنها لا تحتاج إلى جهد ووقت؛ لأن الحروف تكتب متفرقة على صورة واحدة مهما اختلف موقع الحرف في الكلمة.

وهذه دعوة خبيثة تهدف إلى قطع الصلة بيننا وبين تراثنا القديم إذا طال الزمن وأصبحت الكتابة الإفرنجية هي التي تعلمتها الأجيال المتعاقبة، وصارت هي طريقها إلى القراءة والكتابة؛ فإذا رجع واحد من أبنائنا إلى كتاب مكتوب بالحروف العربية

ص: 93

لا يحسن قراءته، وبذلك تطوى صفحة مكتبتنا العربية التي تضمّ موروثنا من العلوم والمعارف في الدين واللغة وفنون العلم المختلفة.

كما أن في اللغة العربية حروفا لا مثيل لها في الحروف اللاتينية، مثل الثاء والحاء والطاء والعين والقاف، وهذه الحروف لا يتيسر النطق بها نطقا سليما بالحروف اللاتينية.

فالدعوة إلى العدول عن الكتابة بالحروف العربية إلى الحروف اللاتينية تهدف في الحقيقة إلى إضعاف العربية لغة القرآن، ومحاربة الإسلام بهذه الوسيلة.

كما لقّن المستشرقون بعض تلاميذهم من العرب الدعوة إلى استعمال اللغة العامية بدل الفصحى؛ بحجة أن الفصحى لا تستعمل في الحياة العامة حتى بين المثقفين أنفسهم؛ فهي في واد والحياة في واد آخر.

وهي دعوة ظاهرة البطلان؛ لأن اللغة الفصحى هي التي يفهمها من يتكلمون العربية جميعا من مثقفين وغير مثقفين؛ فالعامة حين يستمعون إلى آيات القرآن يفهمون دلالتها وما تحمل من أوامر وزواجر وقصص ومواعظ، أما اللغة العربية العامية فلا تفهم إلا في نطاق ضيق بين المتحدثين بها في إقليم بعينه، وليس عجيبا أن تختلف العامية في بلد عنها في بلد آخر من بلاد اللغة الواحدة، فالإنجليزية تختلف عاميتها في إنجلترا عنها في أمريكا وهكذا..

وهذه الدعوة لا تهدف في الحقيقة إلا إلى محاربة الإسلام؛ لأن اللغة العربية الفصحى هي لغة القرآن الكريم، كتاب هذا الدين الذي يربط بين أتباعه برباط متين، كما أنها اللغة الوحيدة التي يتلقى عنها أهل العربية في جميع أقطارهم في مجال العلوم والآداب والفنون، وفي أخذهم من تراثهم الرائع في فروع المعرفة المختلفة.

وقد لقّن المستشرقون أيضا بعض تلاميذهم من العرب الدعوة إلى ترك الإعراب وتسكين أواخر الكلمات العربية تسكينا لازما في جميع الأحوال، شأنها في ذلك شأن اللغات الأوربية، بحجة أن هذا الأمر ييسر تعلّمها، ويجعل متعلمها في مأمن من الخطأ.

وهذا دعاء باطل يراد به هدم اللغة من أساسها، ومحاربة الإسلام؛ إذ كيف يقرأ كتاب الله جل جلاله وتقرأ أحاديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه؟!

إن الإعراب في اللغة العربية هو أعظم مميزاتها عن اللغات الأخرى، ويكفي اللغة العربيةشرفا أنها حملت المعجزة التي عجز الإنس والجن عن تحديها، وبهذا

ص: 94