الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
قصة كتاب سبيل الرشاد
تعلمنا كيف نكفر بالطاغوت، بل بالطواغيت جميعها، وأَن نُؤمن بالله وحده، وأَن علامة هذا الإِيمان هي الاحتكام إِلى كتاب الله عز وجل، وإِلى هَدْي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأَن لا نجد في أَنفسنا حرجًا من أَي حكم، أَو أَمر أَو نهي، ما دام ذلك صادرًا عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
من هنا؛ عندنا كتابُ الله، القرآن الكريم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تكفل الله بحفظه، ويَسَّره بلسان محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن، وللحقيقة، تبقى مشكلةُ الأَحاديث المنسوبة إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكثرتُها، حتى قَسَمها كُتَّاب المصطلح إِلى عشرات الأَنواع، حتى صرنا نسمع وراء كل قصة حديثًا من الأَحاديث، في الباذنجان، والبطيخ، والعدس، وأَبغض الحلال عند الله الطلاق، واختلاف أُمتي رحمة، لدرجة أَنه من بين كل أَلف حديث تسمعها، ربما تجد فيها أَربعةً صحاحًا! ! .
ومن هنا؛ كان البدء بالطريق الصعب، والعمل الشاق، والهدف هو الوصول إِلى الحديث الصحيح الثابت، المروي بنقل العالِم الأَمين الثقة العدل الحافظ.
لأَن الأَمر دينٌ، صلاة وصوم، زكاةٌ وحج، جنةٌ ونار، إيمان وكفر.
فلم يكن البحث هنا عن أَيَّة أَحاديث، ولا عن أَي نوع من الرواة
الله سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} الزُّمَر: (17 و 18).
وهنا، شعرتُ وإخواني، بمشقة الطريق، ووحشته، وقد قل فيه السائرون، وكثر حوله المشككون، والمثبطون، والذين تثاقلوا إِلى الأَرض.
ووفق الله تعالى بفضله ورحمته، ويسر الله تعالى بعطائه وكرمه، وبَصَّر بمدد من عنده، لم ينقطع، فإذا نحن على بداية الطريق، ونرى في آخره بداية الأَمل.
فمن أَجل الوقوف على معرفة صحة الحديث من ضعفه، كان يجب جمع طرق كل حديث.
وهناك؛ في هذه القرية الصغيرة، أَولاد صقر، من أَعمال محافظة الشرقية، في عام 1398 هـ، 1978 م، بدأَ العمل في جمع الأَسانيد، أَو ما صدر بعد ذلك باسم «المسند الجامع» وعندها لم يكن في تصورنا لا المسند، ولا الجامع، كل الذي كان أَمامنا، وما زال حتى الساعة، ونحن في عام (1441 هـ - 2020 م)، هو أَننا كفرنا بالطواغيت كلها، وعندنا كتاب الله، ويجب جمع طرق الأَحاديث، من أَجل تمحيصها، للوصول إِلى الحديث الصحيح، للعمل به، والدعوة إليه
وبدأَ العمل أَولا، في تلك القرية، من سنة 1978، وحتى سنة 1981، وفي هذه السنة سافرنا إِلى الأردن، على أَمل الانتقال منها إِلى العراق، ووصلنا إِلى العراق، وهناك فتح الله أَمامنا أَبواب النور، حيث آلاف المخطوطات، والكتب المطبوعة، والتي يسر الله لنا بفضله مفاتيحها، وعشنا هناك بنسائنا وأَولادنا، في أَمان تام، لا يعرف أَحدٌ عنا شيئا، إلا كبار المحققين العراقيين.
وانتهت بفضل الله تعالى المرحلة الأُولى، من الهدف الذي شعرنا أَن الله سبحانه قد حمَّلنا أَمانته، وصدر «المسند الجامع»
(1)
في عشرين مجلدًا، وجمع أَسانيد الكتب التي التزم بجمعها، صحيحها وضعيفها.
وبدأَت عملية تمحيص وتدقيق هذا الكتاب، والذي يحتوي على عشرات الآلاف من الأَسانيد، وذلك للوصول إِلى الإصدار الأَول لكتاب «سبيل الرشاد» ، والذي يحتوي على الأَحاديث الصحيحة فقط.
(1)
صدر «المسند الجامع لأَحاديث الكتب الستة، ومؤلفات أَصحابها الأُخرى، وموطأ مالك، ومسانيد الحميدي، وأحمد بن حنبل، وعبد بن حميد، وسنن الدارمي، وصحيح ابن خزيمة» في عشرين مجلدًا، وذلك سنة 1413 هـ 1993 م، عن دار الجيل ـ بيروت.
وتم عرض جميع أَسانيد «المسند الجامع» على أُمهات كتب رجال الحديث، لمعرفة الثقات والضعفاء، وبعد استخراج الأَحاديث الصحيحة فقط، أُعيد عرضها على كتب علل الحديث، وانتهى ذلك وتم، بمددٍ من العزيز الحكيم، وصدر كتاب «سبيل الرشاد» هَدْي محمد صلى الله عليه وسلم
(1)
.
فصار عندنا «المسند الجامع» ، و «سبيل الرشاد» .
وبدأَت المرحلة الثانية، وشاء الله أَن تكون في هذه القرية، التي عُدنا إليها من العراق عام (1990)
(1)
صدر «سبيل الرشاد ـ هَدْي محمد صلى الله عليه وسلم» ، في ثلاثة مجلدات، وذلك سنة 1413 هـ 1993 م، عن عالم الكتب ـ بيروت.
ومع إخواني، وفي عام 1993، بدأَت رحلة «المُسند المُصَنَّف المُعَلَّل» ، فأَضفنا على «المسند الجامع» كُتبًا جديدة، وقمنا، حسب الطاقة، بتفريغ كتب علل الحديث فيه، في الموضع المناسب، بل وقمنا بتخريج أَحاديثه من الكتب التي ليست من مصادر الكتاب.
ولأَننا في أَمس الحاجة إِلى المصادر الأُولى لرجال الحديث، مصادر القرون الثلاثة الأُولى، من أُصول علماء الحديث الأَوائل، الذين حملوا الحديث روايةً ودراية، فبجانب «المُسند المُصَنَّف المُعَلَّل» كان العمل يجري لإِخراج الكُتب التي تساعد في معرفة الرواة، للعمل بالصحيح الثابت، وترك الضعيف.
فكان أَن صدر لنا قبل، وأَثناء مرحلة العمل في «المُسند المُصَنَّف المُعَلَّل»:
1 ـ «الجامع في الجرح والتعديل»
(1)
، لأَقوال البخاري، ومسلم، والعِجلي، وأَبي زُرعة الرازي، وأَبي داود، ويعقوب الفَسوي، وأَبي حاتم الرازي، والتِّرمِذي، وأَبي زُرعة الدِّمشقي، والنَّسائي، والبزار، والدَّارَقُطني.
(1)
صدر الكتاب في ثلاثة أجزاء، عن عالم الكتب، بيروت، عام 1992 م.
2 ـ موسوعة أَقوال أَحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله
(1)
.
3 ـ موسوعة أَقوال أَبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله
(2)
.
4 ـ موسوعة أَقوال يحيى بن مَعين في رجال الحديث وعلله
(3)
.
واستمر العمل في «المُسند المُصَنَّف المُعَلَّل» ، على قواعد «المسند الجامع» ، وذلك بَدءًا من سنة (1993)، قاطعًا الأَيامَ والليالي، جَمعًا، وتصنيفًا، وتحقيقًا، فما عرَضت لنا من عَقَبةٍ إلا ويسرها الله، وما وقف أَمامنا من صعب إلا وجعله الرحمن سهلًا، حتى بلغنا بلطفه وعونه سنة (2013)، وفي الشهر الثالث منها، كنا على موعدٍ مع السطر الأَخير من «المُسند المُصَنَّف المُعَلَّل»
(4)
، والذي وقع في أَربعين مجلدًا، وذلك تقدير العزيز العليم.
(1)
صدر الكتاب في أربعة أجزاء، عن عالم الكتب، بيروت، عام 1997 م.
(2)
صدر الكتاب في مجلدين، عن عالم الكتب، بيروت، عام 2001 م.
(3)
صدر الكتاب في خمسة أجزاء، عن دار الغرب، بيروت، عام 2009 م.
(4)
صدر الكتاب في أربعين مجلدًا، عن دار الغرب، بيروت، عام 2013 م.
ولم، ولن يكون الهدف، هو مجرد التأليف، وجمع الأَحاديث للعمل على كثرة المجلدات، بل هي النِّية الأُولى التي بدأَ بها العمل منذ عشرات السنين:
جمع الأَحاديث، للوقوف على مجموع طُرُق كل حديث، وعرضها على كتب الرجال والعلل، والقصد: الوصول إِلى الحديث الصحيح، للعمل به، والدعوة إليه
وكما فعلنا بعد صدور «المسند الجامع» ، وخرج «سبيل الرشاد» بطبعته الأُولى، جرى العمل مع «المُسند المُصَنَّف المُعَلَّل» ، بتدقيق أَسانيده، ومراجعة علله، وبذلنا في ذلك ما وفقنا الله إِلى بذله، ليكون بين يديك الآن «سبيل الرشاد» بطبعته الثانية
هنا حديث محمد صلى الله عليه وسلم، فهنا: سمعنا وأَطعنا.
وسوف ترى حديثه هو النور في جميع ما يتصل بعلاقتك برب العالمين، وستدرك حتمًا بأَنه صلى الله عليه وسلم، ما ترك من خيرٍ إلا وهدى إليه، وأَمر به، وما ترك من شر إِلا وحَذَّر منه، ونهى عنه.
فقد تحدث إليك النبي صلى الله عليه وسلم هنا، في أَبواب: الإيمان، والقَدَر، والطهارة، والصلاة، والجنائز، والزكاة، والصيام، والحج، والنكاح، والطلاق، والعتق، والبيوع والمعاملات، واللقطة، والمزارعة، والوصايا، والفرائض، والهبة، والعُمرى، والأَيمان، والنذور، والحدود والديات، والأَقضية، والأطعمة، والأشربة، واللباس والزينة، والصيد والذبائح، والأَضاحي، والطب والمرض، والأَدب، والذكر والدعاء، والتوبة، والرؤيا، والقرآن، والسنة، والعلم، والجهاد، والإمارة، والمناقب، والزهد والرقائق، والفتن، وأَشراط الساعة، والقيامة والجنة والنار.
وراعينا في ترتيب الأَحاديث الواردة في الكتاب الواحد، ما راعاه البخاري ومسلم، وغيرهما من علماء الحديث، في ترتيب طريقة سرد الأَحاديث، فأَحاديث الصلاة مثلًا، روعي في ترتيبها بأَن تبدأَ بفضائل الصلاة، ثم المواقيت، ثم الأَذان، ثم ما يُصلى عليه وإليه، ثم التكبير، وهكذا، وروعي في كتاب المناقب، البدء بمناقب الأَنبياء، صلى الله عليهم جميعًا وسلم، ثم مناقب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مناقب الصحابة، بدءًا بخيرهم، وخليفة نبيهم، وثاني اثنين، أَبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم رتبنا باقي الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا بعدهم على حروف الأَلف باء.
وسترى عقب الأحاديث شرحا مختصرا لمعاني الكلمات التي صارت صعبة لابتعادنا عن لغتنا العربية، لكنها في الأَساس من أَيسر كلمات اللغة.
وسترى في حواشي الكتاب، تخريجات أَحاديثه في أمهات الكتب.
هذا «سبيل الرشاد» ، فيه الصحيح من الأَسانيد التي نَقَلَت حديثَ محمد صلى الله عليه وسلم، فخذها، واجعل من عينيك لها سكنًا، ومن أذنيك لها السمع، ومن جوارحك لها الطاعة، ومن قلبك لها مستقرًا ومقامًا.
هذا هو الصحيح من حديث النبي والرسول والشاهد والمبشر والنذير، محمد صَلى الله عَليه وسَلم
وصدق رب العالمين؛
{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} النساء: (165).
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
* * *
المجلد الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
سبيل الرشاد
هدي محمد صلى الله عليه وسلم
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، له الحمد في الأُولى والآخرة، وله الحُكم وإليه تُرجعون، أنعم علينا بنعمة الإسلام فأكمله، وتفضل علينا بهذه النعمة فأتمها، فله الشكر على أن رَضي لنا الإسلام دينًا، ثم تفضل وتَكَرَّم، فأجزل من عطائه وأَنْعَم، فاختار محمدًا صلى الله عليه وسلم من بين خلقه جميعًا، ليكون خاتَمَ النبيين، وآخِرَ من يحمل رسالةً من ربه إلى الناس أجمعين، قال له:{اقْرَأْ} وهو النبي الأُمي، فأنزل عليه الكتاب والحكمة، وعَلَّمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيمًا.
حمل الرسالةَ فبَلَّغَها، وتلقى الأمانة فأَداها، أمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر، وأحل لنا الطيبات، وحَرَّم علينا الخبائث، وأوجب الله تعالى طاعته، وحذرنا من مخالفة أمره، أو الاحتكام إلى سواه.
فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، كبيرِهم وصغيرهم، أولهم وآخرهم، وعلى التابعين له صلى الله عليه وسلم بإحسان إلى يومٍ يقوم الناس فيه لرب العالمين.
* * *