الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَلِكِ فِي
غَزْوَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ فَدَعَا إِلَى الْمُبَارَزَةِ ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ ، فَاقْتَتَلْنَا ، فَسَقَطَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَنْ فَرَسِهِ ، فَأَخَذْتُهُ أَسِيرًا ، فَأَتَيْتُ بِهِ مَسْلَمَةَ فَسَاءَلَهُ هُنَاكَ. وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا فَأَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ إِلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِحَرَّانَ فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي الْوِفَادَةَ بِهِ إِلَيْهِ. قَالَ: إِنَّكَ لَأَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ، فَبُعِثَ مَعِي فَكَلَّمْنَاهُ وَسَاءَلْنَاهُ ، فَجَعَلَ لَا يُكَلِّمُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَوْضِعٍ ، فَقَالَ: مَا يُقَالُ لِهَذَا الْمَوْضِعِ؟ قَالَ: فَإِذَا فَصِيحُ اللِّسَانِ، قُلْنَا: هَذَا الْجُرَيْشُ، وَتَلُّ مَحْرَى ، فَقَالَ:
[البحر الوافر]
ثَوَى بَيْنَ الْجُرَيْشِ وَتلِّ مَحْرَى
…
فَوَارِسُ مِنْ نُمَارَةٍ غَيْرِ مِيلِ
فَلَا جَزِعِينَ إِنْ ضَرَّاءُ نابَتْ
…
وَلَا فَرِحِينَ بِالْخَيْرِ الْقَلِيلِ
قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ ، فَكَلَّمْنَاهُ ، وَقُلْنَا: مَنْ أَنْتَ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا شَيْئًا ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الرُّهَا قَالَ: دَعُونِي فَلْأُصَلِّي فِي بَيْعَتِهَا
، قُلْنَا: دُونَكَ، قَالَ: فَصَلَّى وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُكَلِّمُنَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى حَرَّانَ قَالَ: أَيُّ مَدِينَةٍ هَذِهِ؟ قُلْنَا: هَذِهِ مَدِينَةُ حَرَّانَ، قَالَ: أَمَا إِنَّهَا أَوَّلُ مَدِينَةٍ بُنِيَتْ بَعْدَ بَابِلَ ، ثُمَّ سَكَتَ ، فَأَقْبَلْنَا عَلَيْهِ ، فَقُلْنَا: كَلِّمْنَا مَا حَالُكَ؟ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنَا. فَلَمَّا دَخَلْنَا حَرَّانَ قَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَسْتَحِمَّ فِي حَمَّامِهَا وَأُصَلِّي فَتَرَكْنَاهُ ، ثُمَّ خَرَجَ كَأَنَّهُ بِرْطِيلُ فِضَّةٍ بَيَاضًا وَعِظَمًا، قَالَ: فَأَدْخَلْتُهُ إِلَى هِشَامٍ وَأَخْبَرْتُهُ كَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ؟ وَمَا جَعَلَ يَسْأَلُنَا عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ إِيَادٍ أَحَدِ بَنِي حُذَافَةَ ، فَقَالَ: وَيْحَكَ أَرَاكَ رَجُلًا عَرَبِيًّا ، لَكَ جَمَالٌ وَفَصَاحَةٌ ، فَأَسْلِمْ نَحْقِنْ دَمَكَ وَنُحْسِنْ عَطَاءَكَ، قَالَ: إِنَّ لِي بِالرُّومِ أَوْلَادًا، قَالَ: وَنَفُكُّ وَلَدَكَ، قَالَ: وَمَا كُنْتُ لِأَرْجِعَ عَنْ دِينِي، فَأَقْبَلَ بِهِ هِشَامٌ وَأَدْبَرَ فَأَبَى ، فَقَالَ: دُونَكَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ
27 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيُّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قَالَ: أَنْشَدْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عِمْرَانَ قَاضِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ مِنْ أَعْقَلِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ الْقُرَشِيِّينَ:
⦗ص: 118⦘
يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ مَنْزِلِي
…
تَرَكْتُ فِي الْخَانِ عَلَى نَفْسِي
يَغْدُو عَلَيَّ الْخَبْزُ مِنْ خَابِزٍ
…
لَا يَقْبَلُ الرَّهْنَ وَلَا يَنْسَى
آكُلُ مِنْ كِيسِي وَمِنْ كِسْرَتِي
…
حَتَّى لَقَدْ أَوْجَعَنِي ضِرْسي ،
فَقَالَ لِي: أَكْتُبُهَا، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّمَا يَرْوِي هَذِهِ الْأَحْدَاثُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، الْأَشْرَافُ يُعْجِبُهُمُ الْمَلَاحَةُ "