الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُ على منابره الشَّرِيفَة المستغني بشهرته عَن الإطناب بالإيجاز فِي مناقبه المنيفة حامي حمى الْحَرَمَيْنِ الشريفين بسمهريه وحسامه النامي فِي حفظ المحلين المنيفين أجره بشديد قِيَامه أجل مُلُوك هَذَا الْبَيْت وَأعظم من ركب صهوة أدهم وامتطى ظهر كميت الْمُنْتَخب من آل عبد منَاف ولؤي سيدنَا ومولانا الشريف أَحْمد ابْن مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد بن محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن أبي نمى لَا زَالَ النَّصْر لملكه خَادِمًا والعز لأعقابه وزيراً ملازماً وَعلم رفعته على رُءُوس الأشهاد قَائِما وقلم السعد بمنشور مهابته على صَحَائِف الدَّهْر راقماً وثغر الزَّمَان بمزيد سروره باسماً وكل من الْقَضَاء وَالْقدر بدوام سموهُ حَاكما ولسائر أُمُوره على السداد بارماً وَلَا برح النَّصْر والسد مقرونين بعذبات علمه والآجال والأرزاق فِي ماضي سَيْفه وقلمه والتوفيق مستصحب ارائه ومصائب الْحَوَادِث أصدقاء اعدائه أَمِين أَمِين آمين ليَكُون تحفة لمجلسة العالي وعندليب أنس على غُصْن انبساطه فِي رياض الْمحْضر يصدح بالسجع الحالي أسأَل الله أَن يرزقه مِنْهُ مسحة قبُول بجاه جده الرَّسُول
وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَقد آن أَوَان الشُّرُوع فِي مَقْصُود الْكتاب فَنَقُول بعون الْملك الْوَهَّاب
(الْمَقْصد الأول)
(فِي ذكر نسبه عليه الصلاة والسلام وتعداد آبَائِهِ الْكِرَام من لدن نَبِي الله آدم أبي الْبشر صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى سَائِر النَّبِيين وَسلم إِلَى أَبِيه سيدنَا عبد الله بن عبد الْمطلب ولمع من أخبارهم ومقادير أعمارهم)
فَفِي ذَلِك نقُول متوكلين على الله مستمدين من الرَّسُول قَالَ صَاحب تَارِيخ الْخَمِيس لما أَرَادَ الله تَعَالَى خلق آدم عليه الصلاة والسلام قَالَ للْمَلَائكَة {إِنّيِ جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةٌ} الْبَقَرَة 30 فَأَجَابُوا بقَوْلهمْ {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} الْبَقَرَة 30 فَرد عَلَيْهِم (إِنّيِ أَعْلَمُ مَا لَا
تعلمُونَ} الْبَقَرَة 30 وَفِي الْآيَة الْأُخْرَى {إِنِّي خَالق بشرا من طين فَإِذا سويته} الْآيَة ص 71 72 فَسجدَ الْمَلَائِكَة فَكَانَ من إِبْلِيس مَا اقْتضى لَعنه وَبعده وَنصب الْعَدَاوَة لآدَم عليه السلام وَذريته قَالَ فِي بَحر الْعُلُوم لما قَالَت الْمَلَائِكَة {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ} الْآيَة الْبَقَرَة 30 أَرَادَ الله أَن يظْهر فضل آدم عليه الصلاة والسلام عَلَيْهِم فَعلمه مَا لَا يعلمُونَ قَالَ ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك علمه اسْم كل شَيْء حَتَّى الْقَصعَة والقصيعة والمغرفة ثمَّ لما طرد إِبْلِيس وأهبط من الْجنَّة بِسَبَب الِامْتِنَاع من السُّجُود لآدَم أصر على عداوته ووقف على بَاب الْجنَّة وَتعبد هُنَالك ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ عَاما انتظاراً لِأَن يخرج مِنْهَا أحد يَأْتِيهِ بِخَبَر آدم عليه السلام وحواء فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ خرج طَائِر موشى مزين يتبختر فِي مشيته فَلَمَّا رَآهُ إِبْلِيس قَالَ أَيهَا الطَّائِر مَا اسْمك قَالَ اسْمِي طَاوس قَالَ من أَيْن أَقبلت قَالَ من حديقة آدم وبستانه قَالَ مَا الْخَبَر عَن آدم قَالَ هُوَ بِخَير فِي أحسن حَال وأطيبه وَنحن من خُدَّامه فَقَالَ وَهل تَسْتَطِيع أَن تدخلني فَقَالَ لَا أقدر وَلَكِن أدلك على من يقدر فَقَالَ افْعَل فَذهب الطاوس إِلَى الْحَيَّة وَكَانَت يَوْمئِذٍ كأعظم البخاتى وَكَانَت أحسن حيوانات الْجنَّة لَهَا أَربع قَوَائِم كَالْإِبِلِ من زبرجد أَخْضَر وفيهَا كل لون رَأسهَا من الْيَاقُوت الْأَحْمَر ولسانها من الكافور وَأَسْنَانهَا من الدّرّ وذوائبها كذوائب الْجَوَارِي الْأَبْكَار فَقَالَ لَهَا الطاوس إِن خلقا بِبَاب الْجنَّة يَقُول عِنْدِي نصيحة لآدَم فَمن يذهب بِي أعلمهُ فَخرجت الْحَيَّة إِلَيْهِ وَقَالَت إِنِّي أدْخلك الْجنَّة وَلَكِن أَخَاف من لُحُوق الْبلَاء فَقَالَ لَهَا إِبْلِيس أَنْت فِي ذِمَّتِي وجواري لَا يلحقك مَكْرُوه
قَالَ النَّبِي
اقْتُلُوا الْحَيَّة وَلَو فِي الصَّلَاة وَإِنَّمَا أَمر بذلك إبطالاً لذمة إِبْلِيس فَقَالَت الْحَيَّة أَنا أَخَاف أَن يُصِيبنِي مثل مَا أَصَابَك فَقَالَ لَهَا إِبْلِيس أَنا أُعْطِيك جَوْهَرَة أَيْنَمَا تضعينها تكون لَك جنَّة فَأَعْطَاهَا إِبْلِيس فجعلتها فِي فِيهَا فتخرجها فِي اللَّيْل وتضعها حَيْثُ شَاءَت تستضيء بهَا وَفِي العرائس قَالَت الْحَيَّة كَيفَ أدْخلك الْجنَّة ورضوان لَا يمكنني من ذَلِك فَقَالَ إِبْلِيس أَنا أتحول ريحًا فاجعليني بَين أنيابك فتدخليني وَهُوَ لَا يعلم فأطبقت الْحَيَّة عَلَيْهِ فاها بعد أَن تحول ريحًا فَقَالَ لَهَا إِبْلِيس اذهبي بِي إِلَى الشَّجَرَة الَّتِي نهى آدم عَنْهَا فَلَمَّا انْتَهَت الْحَيَّة إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة تغنى إِبْلِيس بمزمار فَلَمَّا سمع آدم وحواء صَوت المزمار جَاءَا إِلَيْهِ يسمعان فَإِذا هُوَ ريح خَارج من فَم الْحَيَّة فأعجبهما الصَّوْت فَتَقَدما إِلَيْهِ شَيْئا فشيئاَ حَتَّى وَقفا عَلَيْهِ وهما يظنان أَن الْحَيَّة هِيَ الَّتِي تتغنى فَقَالَ لَهما إِبْلِيس فَقَالَا نهينَا عَن قرب هَذِه الشّجر فَقَالَ {مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة} الْأَعْرَاف 20 إِلَى {فدلاهما بِغُرُورٍ} الْأَعْرَاف 22 قسما كَاذِبًا فَهُوَ لَعنه الله أول من حلف كَاذِبًا وَأول من غش وَأول من حسد لَعنه الله وأعاذنا مِنْهُ فسبقت حَوَّاء إِلَى الشَّجَرَة فتناولت مِنْهَا خمس حبات فَأكلت وَاحِدَة وخبأت وَاحِدَة وأعطت آدم ثَلَاث حبات فَأعْطى حَوَّاء مِنْهَا وَاحِدَة وَأمْسك حبتين قيل لما خبأت حَوَّاء إِحْدَى الحبات من زَوجهَا آدم عليه السلام صَار خبء النِّسَاء عَن أَزوَاجهنَّ بعض الْأَشْيَاء عَادَة لَهُنَّ ولإمساك آدم لنَفسِهِ حبتين من ثَلَاث وَإِعْطَاء حَوَّاء وَاحِدَة مِنْهَا شرع للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَأوحى الله إِلَى آدم
لأدمين حَوَّاء فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ فاعترت آدم عَلَيْهَا الرَّحْمَة فَأوحى إِلَيْهِ قد علمنَا مَا لحقك على حَوَّاء من الرأفة والشفقة وَقد رفعت عَنْهَا وبناتها هم النَّفَقَة وَلما أكلا من الشَّجَرَة تطاير عَنْهُمَا لباسهما وبدت لَهما سوآتهما فطلبا وَرقا من أَشجَار الْجنَّة فَكلما طلبا شَجَرَة تعالت عَنْهُمَا إِلَّا شَجَرَة التِّين فتدلت لَهما فأخذا مِنْهَا وسترا سوأتيهما ثمَّ أهبطوا من الْجنَّة آدم وحواء وإبليس أهبط آدم بسرنديب جبل عَال يرَاهُ البحريون من مَسَافَة أَيَّام وَأثر قدمي آدم عليه الصلاة والسلام عَلَيْهِ مغموستان فِي الْبَحْر وحواء بجدة والحية بأصبهان وإبليس بأبلة وَيرى على هَذَا الْجَبَل كل لَيْلَة كَهَيئَةِ برق من غير سَحَاب وَلَا بُد لَهُ فِي كل يَوْم من مطر يغسل اثر قديمه عليه السلام وَيُقَال إِن الْيَاقُوت الْأَحْمَر يُؤْخَذ من ذَلِك الْجَبَل تحده السُّيُول والأمطار إِلَى الحضيض وروى أَن آدم عليه السلام لما أهبط كَانَت رِجْلَاهُ على الأَرْض وَرَأسه فِي السَّمَاء يسمع دُعَاء الْمَلَائِكَة وتسبيحهم فَكَانَ يأنس بذلك فهابته الْمَلَائِكَة واشتكت نَفسه إِلَى الله تَعَالَى فنقص قامته إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا وَلما يبس مَا كَانَ على آدم من ورق الْجنَّة وتناثر كَانَ هُوَ السَّبَب لوُجُود الأفاويه بِبِلَاد الْهِنْد كالجوز والقرنفل والفلفل والهيل وأشباهها فَكَانَ ذَلِك المتناثر بذراً لَهَا فسبحان الْحَكِيم جلّ وَعلا فَلَمَّا عريا بعد تناثر ولبسه شكا آدم عليه السلام ذَلِك إِلَى جِبْرِيل فَجَاءَهُ بِأَمْر الله بِشَاة عَظِيمَة من الْجنَّة لَهَا صوف عَظِيم كثير وَقَالَ لآدَم قل لحواء تغزل من هَذَا الصُّوف وتنسج فَمِنْهُ لباسك ولباسها فغزلت حَوَّاء ذَلِك الصُّوف ونسجت مِنْهُ لنَفسهَا درعاً وخماراً ولآدم قَمِيصًا وإزاراً ثمَّ دَعَا آدم ربه فَقَالَ يَا رب كنت جَارك فِي دَارك آكل رغداً مِنْهَا حَيْثُ شِئْت فأهبطتني إِلَى الأَرْض وكلفتني مشاق الدُّنْيَا فَأَجَابَهُ الله يَا آدم بمعصيتك كَانَ ذَلِك إِن لي حرما بحيال عَرْشِي فَانْطَلق فَإِن لي فِيهِ بَيْتا ثمَّ طف بِهِ كَمَا رَأَيْت ملائكتي يحفونَ بعرشي فهنالك أستجيب لَك ولأولادك من كَانَ مِنْهُم فِي طَاعَتي
فَقَالَ يَا رب وَكَيف لي بذلك الْمَكَان فأهتدى إِلَيْهِ فَأمر الله جِبْرِيل فَتوجه بِهِ إِلَى الْحَج فَصَارَت المسافات تطوى لَهُ وَكَانَت خطْوَة آدم مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يزل يسير حَتَّى وصل إِلَى جدة لِأَنَّهُ شم رَائِحَة ورق الْجنَّة الَّذِي كَانَ على حَوَّاء قَالَ يَا حَوَّاء أَترَانِي أنظر إِلَيْك نظرة فنادته الْجبَال تسير فِي أَثَرهَا تدركها فَسَار إِلَى قرن فَأمره جِبْرِيل فَأحْرم فَأنْزل الله الْبَيْت الْمَعْمُور فاوقفه فِي الْهَوَاء بِحَيْثُ يرَاهُ فيعرفه حِيَال المهاة الْبَيْضَاء الَّتِي هِيَ مَوضِع الْبَيْت وَمِنْهَا دحيت الأَرْض وَهِي أم الْقرى فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن طف بِالْبَيْتِ وصل عِنْده واسأل حَاجَتك وَأخْبرهُ بمَكَان حَوَّاء فَلَمَّا رَأَتْهُ جَاءَت إِلَيْهِ تبْكي فعرفها جِبْرِيل بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَة فسجدت لله تَعَالَى شكرا وتطهرت وتوضأت فأهلت بِعُمْرَة ولبت وأتى بهَا جِبْرِيل إِلَى جَمِيع مواقفها وَجمع بَينهمَا جِبْرِيل فِي جمع فَسمى بذلك لاجتماعهما وَقيل بل تعارفا بِعَرَفَات وَبِهِمَا سمى ذَلِك الْمحل عَرَفَات فبادرت إِلَيْهِ وتعانقا وَلما أكمل حجَّة ووقف بمنى قَالَ لَهُ جِبْرِيل تمن على رَبك مَا شِئْت فَلذَلِك سمى ذَلِك الْمحل منى كَمَا هُوَ أحد الْوُجُوه فِي تَسْمِيَته بذلك وَقرب قرباناً وَحلق لَهُ جِبْرِيل رَأسه بياقوتة من الْجنَّة ثمَّ أمره الله أَن يتَّخذ لحواء منزلا خَارج الْحرم إِلَى أَوَان الْحَج فَفعل وَفِي كتاب المبتدا أَن آدم لم يكن يأحواء مُنْذُ هبطا إِلَى الأَرْض وَلَا خطر بِقَلْبِه وَلَا قَلبهَا ذكره حَيَاء من الله تَعَالَى فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا آدم مَا هَذَا الْجزع وَأَنت صفوتي وَأَبُو الْمُصْطَفى رَسُولي فأبشر بنعمتي وكرامتي أَنْت وزوجك حَوَّاء فألم بهَا فبشر حَوَّاء فسجدت شكر لله ثمَّ بَاشَرَهَا فَحملت مِنْهُ فَولدت ذكرا وَأُنْثَى فِي بطن فَسَمت الْوَلِيد قابيل وَالْأُنْثَى إقليميا ثمَّ وَاقعهَا فَحملت بهابيل وَأُخْته ليوذا ثمَّ حملت بَطنا ثَالِثا فَولدت توأمين وَأَوْلَادهَا يكثرون ويمشون بَين يَديهَا والنور لَا ينْتَقل من وَجه آدم وَلم تزل حَوَّاء تَلد فِي كل تِسْعَة أشهر وَلدين ذكرا وَأُنْثَى فَقيل إِن جَمِيع من ولدت مِائَتَا ولدا فِي مائَة بطن فِي كل بطن ولدان إِلَّا شيثا وعنق فانهما ولدتهما مفردتين كل وَاحِد فِي بطن وَقيل ولدت لَهُ خَمْسمِائَة بطن بِأَلف ذكر وَأُنْثَى
وَسَيَأْتِي حَدِيث شِيث قَرِيبا وَحَدِيث عنق عِنْد ذكر ابْنهَا عوج بن عنق عِنْد ذكر قتل مُوسَى إِيَّاه عليه الصلاة والسلام وَفِي رَوْضَة الأحباب كَانَت الأَرْض تطوى لآدَم فِي كل خطْوَة اثْنَان وَخَمْسُونَ فرسخا حَتَّى بلغ مَكَّة فِي زمن قَلِيل فَكل مَوضِع أَصَابَهُ قدمه صَار عمرانا ومابين قَدَمَيْهِ مفازاً وقفراً وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَتَلَقَّى آدم من ربه كَلِمَات} الْبَقَرَة 37 قَالَ ابْن بابويه أخبرنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد وَالْحسن بن أَحْمد بن الْوَلِيد عَن مُحَمَّد بن الْحسن الصفار عَن أبي نصر عَن أبان بن عُثْمَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم عَن أبي جَعْفَر قَالَ الْكَلِمَات الَّتِي تلقاها آدم من ربه فَتَابَ عَلَيْهِ هِيَ قَوْله اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت خير الغافرين وَلما رَجَعَ آدم عليه السلام من الْحَج وجد وَلَده قابيل قتل وَلَده هابيل وَلم يدر مَا يصنع بِهِ فَحَمله على عَاتِقه فِي جراب وَقد أروح وأنتن شدخ رَأسه بَين حجرين قيل عِنْد عقبَة حراء وَقيل بعقبة أَيْلَة وَقيل بالقدس وبسبب قَتله شاكت الْأَشْجَار وتغيرت الْأَطْعِمَة وحمضت الْفَوَاكِه وتمرر المَاء فَحزن آدم على هابيل حزنا عَظِيما وَسبب قَتله أَن من شرع آدم عليه السلام تَزْوِيج أُنْثَى الْبَطن الأول بِذكر الْبَطن الثَّانِي لِأَن حمل حَوَّاء توأم فولد قابيل وَأُخْته إقليميا وَولد هابيل وَأُخْته ليوذا وَكَانَت أُخْت قابيل بديعة جدا فكره قابيل أَن يُعْطِيهِ إِيَّاهَا وَأَرَادَهَا لنَفسِهِ فقربا إِلَى الله قرباناً فَمن قبل قربانه أَخذ إقليميا فَقَالَ هابيل أَنا رَاض بِكُل مَا حكمت قربت أَو لَا تقبل مني أَو لَا فَقَالَ قابيل تقرب فَخَرَجَا إِلَى جبل من جبال مَكَّة وَقيل
إِلَى منى ثمَّ قرب كل مِنْهُمَا قربانه فَكَانَ قرْبَان هابيل من أبكار غنمه وأسمنها بسماحة وَطيب نفس وقربان قابيل قمحاً لم يبلغ وَأَكْثَره زيوان وَعَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد الباقر بن عَليّ قرب قابيل من زرعه مَا لم ينق وَقَامَ هابيل يَدْعُو الله وقابيل يُغني ويلهو وَإِذا رأى هابيل يُصَلِّي يضْحك وَقَالَ أَظن صَلَاتك لتخدع آدم ليزوجك أُخْتِي لَئِن تقبل قربانك لأَقْتُلَنك فاقل هابيل {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَقِينَ} الْمَائِدَة 27 الْآيَات فَنزلت نَار بَيْضَاء من السَّمَاء يسمع لَهَا زجل بالتسبيح فَرفعت قرْبَان هابيل فَوَثَبَ إِلَيْهِ قابيل ليبطش بِهِ قَائِلا وَالله لأَقْتُلَنك فَتَركه هابيل وَانْصَرف ليعلم أَبَاهُ فَلحقه قابيل قيل بعقبة حراء دون ثبير وَقيل فِي مَوضِع آخر كَمَا تقدم قَالَ الإِمَام الْعَلامَة الْحسن بن عَليّ الحائني فِي كِتَابه الْمُسَمّى حقيبة الْأَسْرَار وجهينة الْأَخْبَار فِي معرفَة الأخيار والأشرار فَذكر فِيهِ زَوَائِد أَحْبَبْت إيرادها تَكْمِلَة للفائدة وَإِن كَانَ بَعْضهَا قد تقدم قَالَ روينَا عَن مَشَايِخنَا بسندنا الْمُتَقَدّم وَكَانَ سرد سنداً لَا نطول بِذكرِهِ عَن الشَّيْخ منتجب الدّين أبي الْحسن عَليّ بن عبيد الله ابْن الْحسن الْمَدْعُو حسكاً عَن الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَليّ بن الْحُسَيْن ابْن بابويه يرفعهُ إِلَى جَابر عَن أبي جَعْفَر عليه السلام قَالَ سُئِلَ أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل كَانَ فِي الأَرْض خلق من خلق الله يعْبدُونَ الله قبل آدم وَذريته قَالَ نعم كَانَ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض خلق من خلق الله يقدسون الله ويسبحونه ويعظمونه بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار لَا يفترون فَإِن الله لما خلق الْأَرْضين خلقهَا قبل السَّمَوَات ثمَّ خلق الْمَلَائِكَة روحانيين لَهُم أَجْنِحَة يطيرون بهَا حَيْثُ شَاءَ الله فأسكنهم الله فِيمَا بَين أطباق السَّمَوَات يقدسونه وَاصْطفى مِنْهُم إسْرَافيل وَمِيكَائِيل وجبرائيل ثمَّ خلق فِي الأَرْض الْجِنّ روحانيين لَهُم أَجْنِحَة فخلقهم دون الْمَلَائِكَة وخفضهم أَن يبلغُوا مبلغ الْمَلَائِكَة فِي الطيران وَغَيره وأسكنهم فِيمَا بَين أطباق الْأَرْضين السَّبع وفوقهن يقدسون الله لَا يفترون ثمَّ خلق خلقا دونهم لَهُم أبدان وأرواح بِغَيْر أَجْنِحَة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ نسناس أشباه خلقهمْ وَلَيْسوا بإنس وأسكنهم أوساط الأَرْض على ظهرهَا مَعَ الْجِنّ يقدسون الله لَا يفترون وَكَانَ الْجِنّ تطير فِي السَّمَاء فَتلقى الْمَلَائِكَة فيسلمون عَلَيْهِم ويزورونهم ويستريحون إِلَيْهِم ويتعلمون مِنْهُم الْخَيْر ثمَّ إِن طَائِفَة
من الْجِنّ والنسناس الَّذين خلقهمْ الله وأسكنهم أوساط الأَرْض تمردوا وبغوا فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَعلا بَعضهم على بعض من العتو وَسَفك الدِّمَاء فِيمَا بَينهم وجحدوا الربوبية وأقامت الطَّائِفَة المطيعون على طَاعَة الله وباينوا الطَّائِفَتَيْنِ من الْجِنّ والنسناس الَّذين عتوا عَن أَمر الله فحط الله أَجْنِحَة الطَّائِفَة العاتية من الْجِنّ فَكَانُوا لَا يقدرُونَ على الطيران إِلَى السَّمَاء لما ارتكبوا من الذُّنُوب وَكَانَت الطَّائِفَة المطيعة من الْجِنّ تطير إِلَى السَّمَاء اللَّيْل وَالنَّهَار على مَا كَانَت عَلَيْهِ وَكَانَ إِبْلِيس واسْمه الْحَارِث يظْهر للْمَلَائكَة أَنه من الطَّائِفَة المطيعة ثمَّ خلق الله خلقا على خلاف خلق الْمَلَائِكَة وعَلى خلاف خلق الْجِنّ وعَلى خلاف خلق النسناس يدبون كَمَا تدب الْهَوَام فِي الأَرْض يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام من مرَاعِي الأَرْض كلهم ذكران لَيْسَ فيهم أُنْثَى لم يَجْعَل الله فيهم شَهْوَة النِّسَاء وَلَا حب الْأَوْلَاد وَلَا الْحِرْص وَلَا طول الأمل وَلَا لَذَّة عَيْش لَا يلْبِسهُمْ اللَّيْل وَلَا يَغْشَاهُم النَّهَار لَيْسُوا ببهائهم وَلَا هوَام لباسهم ورق الشّجر وشربهم من الْعُيُون الغزار والأودية الْكِبَار ثمَّ أَرَادَ الله أَن يُفَرِّقهُمْ فرْقَتَيْن فَجعل فرقة خلف مطلع الشَّمْس من وَرَاء الْبَحْر فكون لَهُم مَدِينَة أَنْشَأَهَا لَهُم تسمى جابرسا طولهَا اثْنَا عشر ألف فَرسَخ فِي اثْنَي عشر ألف فَرسَخ وَكَون عَلَيْهَا سوراً من حَدِيد يقطع الأَرْض إِلَى السَّمَاء ثمَّ أسكنهم فِيهَا وأسكن الْفرْقَة الْأُخْرَى خلف مغرب الشَّمْس من وَرَاء الْبَحْر وَكَون لَهُم مَدِينَة أَنْشَأَهَا لَهُم تسمى جابلقا طولهَا اثْنَا عشر ألف فَرسَخ فِي اثْنَي عشر ألف فَرسَخ وَكَون لَهُم سوراً من حَدِيد يقطع إِلَى السَّمَاء وأسكن الْفرْقَة الْأُخْرَى فِيهَا لَا يعلم أهل جابرسا بِموضع أهل جابلقا وَلَا يعلم أهل جابلقا بِموضع أهل جابرسا وَلَا يعلم بهَا أهل أوساط الأَرْض من الْجِنّ والنسناس فَكَانَت الشَّمْس تطلع على أهل أوساط الأَرْض من الْجِنّ والنسناس فينتفعون بحرها ويستضيئون بنورها ثمَّ تغرب فِي عين حمئة فَلَا يعلم بهَا أهل جابلقا إِذا غربت وَلَا يعلم بهَا أهل جابرسا إِذا طلعت لِأَنَّهَا تطلع من دون جابرسا وتغرب من دون جابلقا فَقيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ يبصرون
ويحيون وَكَيف يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَلَيْسَ تطلع عَلَيْهِم فَقَالَ رضي الله عنه إِنَّهُم يستضيئون بِنور الله فهم فِي أَشد ضوء من لون الشَّمْس وَلَا يرَوْنَ الله خلق شمساً وَلَا قمراً وَلَا نجوماً وَلَا كواكب لَا يعْرفُونَ شَيْئا غَيره قيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَيْنَ إِبْلِيس عَنْهُم؟ قَالَ لَا يعْرفُونَ إِبْلِيس وَلَا يسمعُونَ بِذكرِهِ وَلَا يعْرفُونَ إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لم يكْتَسب أحد مِنْهُم قطّ خَطِيئَة وَلم يقترف إِثْمًا لَا يسقمون وَلَا يهرمون وَلَا يموتون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يعْبدُونَ الله لَا يفترون اللَّيْل وَالنَّهَار عِنْدهم سَوَاء قَالَ وَإِن الله أحب أَن يخلق خلقا وَذَلِكَ بعد مَا مضى للجن والنسناس سَبْعَة آلَاف سنة فَلَمَّا كَانَ من خلق الله أَن يخلق آدم للَّذي أَرَادَ من التَّدْبِير وَالتَّقْدِير فِيمَا هُوَ مكونه فِي السَّمَوَات وَالْأَرضين كشط عَن أطباق السَّمَوَات ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة انْظُرُوا إِلَى أهل الأَرْض من خلقي من الْجِنّ والنسناس هَل ترْضونَ أَعْمَالهم وطاعتهم فَاطَّلَعُوا وَرَأَوا مَا يعْملُونَ من الْمعاصِي وَسَفك الدِّمَاء وَالْفساد فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق فأعظموا ذَلِك وغضبوا لله وأسفوا على أهل الأَرْض وَلم يملكُوا غضبهم وَقَالُوا يَا رَبنَا أَنْت الْعَزِيز الْجَبَّار الظَّاهِر الْعَظِيم الشَّأْن وَهَؤُلَاء كلهم خلقك الضَّعِيف الذَّلِيل فِي أَرْضك كلهم يَتَقَلَّبُونَ فِي قبضتك ويعيشون برزقك ويتمتعون بعافيتك وهم يعصونك بِمثل هَذِه الذُّنُوب الْعِظَام لَا تغْضب عَلَيْهِم وَلَا تنتقم مِنْهُم لنَفسك بِمَا تسمع مِنْهُم وتري وَقد عظم ذَلِك علينا وأكبرناه فِيك فَلَمَّا سمع الله تَعَالَى الْمَلَائِكَة قَالَ إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة فَيكون حجتي على خلقي فِي أرضي فَقَالَت الْمَلَائِكَة سُبْحَانَكَ {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} الْبَقَرَة 30 فَقَالَ الله تَعَالَى يَا ملائكتي {إِنّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} الْبَقَرَة 30 إِنِّي أخلق خلقا بيَدي أجعَل من ذرياته خلفائي على خلقي فِي أرضي ينهونهم عَن معصيتي وينذرونهم ويهدونهم إِلَى طَاعَتي ويسلكون بهم طَرِيق سبيلي أجعلهم حجَّة لي عذرا أَو نذرا وَألقى الشَّيَاطِين من أرضي وأطهرها مِنْهُم فأسكنهم فِي الْهَوَاء وأقطار الأَرْض والفيافي فَلَا يراهم خلق وَلَا يرَوْنَ شخصهم فَلَا يجالسونهم وَلَا يخالطونهم وَلَا يواكلونهم وَلَا يشاربونهم وأنفر مَرَدَة الْجِنّ العصاة من نسل بريتي وَخلقِي وخيرتي
وَلَا يجاورون خلقي وَأَجْعَل بَين خلقي وَبَين الجان حِجَابا فَلَا يرى خلقي شخص الْجِنّ وَلَا يجالسونهم وَلَا يشاربونهم وَلَا يتهجمون بهمجهم وَمن عَصَانِي من نسل خلقي الَّذِي عَظمته واصطفيته لنَفْسي أسكنهم مسَاكِن العصاة وأوردهم موردهم وَلَا أُبَالِي فَقَالَت الْمَلَائِكَة {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَاّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنَتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الْبَقَرَة 32 فَقَالَ للْمَلَائكَة إِنِّي خَالق بشرا من صلصال من حمأ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فقعوا لَهُ ساجدين} الْحجر 28 29 وَكَانَ ذَلِك من الله تقدمة للْمَلَائكَة قبل أَن يخلقه احتجاجاً مِنْهُ عَلَيْهِم وَمَا كَانَ الله ليغير مَا بِقوم إِلَّا بعد الْحجَّة عذرا أَو نذرا فَأمر تبارك وتعالى ملكا من الْمَلَائِكَة فاغترف غرفَة بِيَمِينِهِ فصلصلها فِي كَفه فجمدت فَقَالَ الله عز وجل مِنْك أخلق وَفِي رِوَايَة اغترف تبارك وتعالى غرفَة من المَاء العذب الْفُرَات فصلصلها فجمدت فَقَالَ لَهَا مِنْك أخلق النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وعبادي الصَّالِحين وَالْأَئِمَّة المهديين والدعاة إِلَى الْجنَّة وأتباعهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون يَعْنِي خلقه ثمَّ اغترف غرفَة من المَاء المالح الأجاج ذَات الشمَال فصلصلها فجمدت فَقَالَ لَهَا مِنْك أخلق الجبارين والفراعنة وأئمة الْكفْر الدعاة إِلَى النَّار وأتباعهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَشرط فِي هَؤُلَاءِ النداء وَلم يشْتَرط فِي أَصْحَاب الْيَمين النداء ثمَّ خلط الطينتين ثمَّ أكفأهما ثَلَاثَة قُدَّام عَرْشه وروى أَنه تَعَالَى فرق الطينتين ثمَّ رفع لَهما نَارا فَقَالَ ادخلوها بإذني فَدَخلَهَا أَصْحَاب الْيَمين وَكَانَ أول من دَخلهَا مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد عليه السلام ثمَّ اتبعهم أولو الْعَزْم وأوصياؤهم وأتباعهم فَكَانَت عَلَيْهِم بردا وَسلَامًا وأبى أَصْحَاب الشمَال أَن يدخلوها فَقَالَ للْجَمِيع كونُوا طيناً بإذني ثمَّ خلق آدم عليه السلام قَالَ فَمن كَانَ من هَؤُلَاءِ لَا يكون من هَؤُلَاءِ من كَانَ من هَؤُلَاءِ لَا يكون من هَؤُلَاءِ ثمَّ قَالَ الْعَالم عليه السلام للَّذي حَدثهُ من موَالِيه فَمَا ترى من ترف أَصْحَابك فمما أَصَابَهُم من لطخ أهل الشمَال وَمَا رَأَيْت من حسن سِيمَا ووقار فِي مخالفيك فمما أَصَابَهُم من لطخ أَصْحَاب الْيَمين وروى أَن جِبْرِيل عليه السلام أَتَى الله فَأمره بِأَرْبَع طَبَقَات بَيْضَاء وحمراء
وغبراء وسوداء من حزن الأَرْض وسهلها ثمَّ أَتَاهُ بِأَرْبَع مياه عذب ومالح وَمر ونتن وَأمره بِأَن يفرغ المَاء فِي الطين فَلم يفضل من الطين شَيْء يحْتَاج إِلَى المَاء وَلَا من المَاء شَيْء يحْتَاج إِلَى الطين وَجعل المَاء العذب فِي حلقه ليجد لَذَّة الْمطعم وَالْمشْرَب والمالح فِي عَيْنَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِك لذابتا والمر فِي أُذُنَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِك لدخلها الْهَوَام والمنتن فِي أَنفه ليجد بِهِ الْإِنْسَان الروائح الطّيبَة وروى فِي القبضة الَّتِي من الطين الَّذِي خلق مِنْهُ آدم أَن الله أَمر جِبْرِيل أَن ينزل إِلَى الأَرْض يبشرها أَن الله يخلق مِنْهَا خلقا يكون صفوة لَهُ يسبحونه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيجْعَل مستقره ومستقر وَلَده بَين أطباقها يخلقهم مِنْهَا ويعيدهم إِلَيْهَا فَفعل ذَلِك جِبْرِيل فاهتزت وابتهجت وَقَامَت تنْتَظر أَمر الله فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يتم وعده أرسل جِبْرِيل ليقْبض مِنْهَا كَمَا أمره فَلَمَّا مد يَده إِلَيْهَا ارتعدت واستعاذت مِنْهُ وَقَالَت أَسأَلك بعزة الله إِلَّا مَا أَمْسَكت عني فتوقف إجلالاً للقسم وَرجع وَقَالَ يَا رب تعوذت بك فَأرْسل الله إسْرَافيل فَقَالَت لَهُ مثل ذَلِك فَرجع فَأرْسل الله مِيكَائِيل فَقَالَت لَهُ مثل ذَلِك فَرجع فَأرْسل إِلَيْهَا عزرائيل فهبط وَمَعَهُ حَرْبَة فركزها فِي وسط الأَرْض ركزة ارتجت واهتزت لَهَا الأرضون وَمَاجَتْ وارتعدت فَمد يَده فَقَالَت لَهُ كَمَا قَالَت لمن قبله فَقَالَ لَهَا اسكتي فإكراهك أحب إِلَيّ من مَعْصِيّة رَبِّي وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أرجع إِلَيْهِ حَتَّى آخذ مِنْك قَبْضَة ثمَّ قبض قَبْضَة من كل لون مِنْهَا فَعَن وهب أَنه نُودي بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَا ملك الْمَوْت مَا الَّذِي صنعت فَأخْبرهُ بِمَا قَالَت الأَرْض فَقَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأسلطنك على قبض أَرْوَاحهم فأعلمها أَنَّك راد عَلَيْهَا جَمِيع مَا أَخَذته مِنْهَا ومعيده إِلَيْهَا فَنزل عزرائيل إِلَى الأَرْض فَقَالَ أيتها الأَرْض لَا تحزني فَإِنِّي راد عَلَيْك الَّذِي أَخَذته مِنْك بِإِذن الله تَعَالَى وجاعله فِي طباقك كَمَا أَمرنِي رَبِّي وسماني ملك الْمَوْت فَلَمَّا جَاءَ ملك الْمَوْت بالقبضة أمره الله أَن يَضَعهَا على بَاب الْجنَّة فوضعها على بَاب جنَّة الفردوس وَأمر الله خَازِن الْجنَّة أَن يعجنها من مَاء التسنيم فعجنها وَقد مضى من يَوْم الْجُمُعَة سبع سَاعَات لِأَن قَبضته أخذت فِي آخر السَّاعَة السَّادِسَة وَأول السَّابِعَة ثمَّ صَارَت طيناً على بَاب الْجنَّة حَتَّى صَارَت لازباً ثمَّ حمأ مسنوناً فِي السَّاعَة الثَّامِنَة فَلَمَّا صوره الله تَعَالَى