المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(في أولاده عليه الصلاة والسلام وما اتفق عليه منهم وما اختلف فيه) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ١

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين رب يسر يَا كريم)

- ‌(الْمَقْصد الأول)

- ‌(فِي ذكر نسبه عليه الصلاة والسلام وتعدد آبَائِهِ الْكِرَام)

- ‌(الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(فِي أَحْوَاله عليه الصلاة والسلام وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب)

- ‌(الْمَقْصد الثَّالِث)

- ‌(فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ)

- ‌(الْمَقْصد الرَّابِع)

- ‌(وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب)

- ‌(واما الخاتمة فتشمل على ثَلَاثَة أَبْوَاب)

- ‌(الْمَقْصد الأول)

- ‌(فِي ذكر نسبه عليه الصلاة والسلام وتعداد آبَائِهِ الْكِرَام من لدن نَبِي الله آدم أبي الْبشر صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى سَائِر النَّبِيين وَسلم إِلَى أَبِيه سيدنَا عبد الله بن عبد الْمطلب ولمع من أخبارهم ومقادير أعمارهم)

- ‌(آدم وحواء)

- ‌(ذكر صفة الإنساء)

- ‌(الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(فِي بَيَان أَحْوَاله عليه الصلاة والسلام وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب)

- ‌(الْبَاب الأول من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(فِي الْحمل بِهِ وولادته ورضاعته وَمَوْت خَدِيجَة وَأبي طَالب وَخُرُوجه إِلَى الطَّائِف)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(فِي ذكر هجرته إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(فِي ذكر أَعْمَامه عليه الصلاة والسلام وَأَوْلَادهمْ وعماته وأولادهن)

- ‌(الْبَاب الرَّابِع من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(فِي ذكر أَزوَاجه الطاهرات أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وسراريه)

- ‌(الْبَاب الْخَامِس من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(فِي أَوْلَاده عليه الصلاة والسلام وَمَا اتّفق عَلَيْهِ مِنْهُم وَمَا اخْتلف فِيهِ)

الفصل: ‌(في أولاده عليه الصلاة والسلام وما اتفق عليه منهم وما اختلف فيه)

(الْبَاب الْخَامِس من الْمَقْصد الثَّانِي)

(فِي أَوْلَاده عليه الصلاة والسلام وَمَا اتّفق عَلَيْهِ مِنْهُم وَمَا اخْتلف فِيهِ)

جملَة مَا اتّفق عَلَيْهِ سِتَّة ذكران الْقَاسِم وَإِبْرَاهِيم وَأَرْبع بَنَات زَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم وَفَاطِمَة رضي الله عنهم وكلهن ادركهن الْإِسْلَام وهاجرن مَعَه

وَاخْتلف فِيمَا سواهن فَقيل لم يكن لَهُ عليه الصلاة والسلام سواهُم وَالْمَشْهُور خِلَافه قَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ لَهُ الطّيب والطاهر أَيْضا فَيكون على هَذَا جُمْلَتهمْ ثَمَانِيَة أَرْبَعَة ذُكُور وَأَرْبع إناث وَقَالَ الزبير بن بكار فِيمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال ثِقَات كَانَ لرَسُول الله

غير إِبْرَاهِيم وَالقَاسِم عبد الله وَهُوَ قَول أَكثر أهل النّسَب وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ لَا يثبت وَصَححهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَسمي عبد الله بالطيب والطاهر لِأَنَّهُ ولد بعد النُّبُوَّة فَتكون على هَذَا جُمْلَتهمْ سَبْعَة ثَلَاثَة ذُكُور وَأَرْبع إناث وَقيل كَانَ لَهُ عليه الصلاة والسلام الطّيب والمطيب ولدا فِي بطن والمطهر والطاهر ولدا فِي بطن فَيكون على هَذَا جُمْلَتهمْ أحد عشر قَالَ ابْن إِسْحَاق ولد أَوْلَاده كلهم غير إِبْرَاهِيم قبل الْإِسْلَام وَمَات البنون قبل الْإِسْلَام وهم يرضعون وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول غَيره إِن عبد الله ولد بعد النُّبُوَّة وَلذَلِك يُسمى بالطيب الطَّاهِر وَالأَصَح قَول الْجُمْهُور إِنَّهُم ثَلَاثَة ذُكُور الْقَاسِم وَعبد الله وابراهيم وَالْبَنَات الْمُتَّفق عَلَيْهِنَّ كُلهنَّ من خَدِيجَة بنت خويلد الأَسدِية إِلَّا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة

ص: 488

قَالَ مُحَمَّد بن عمر كَانَت سلمى مولاة صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب هِيَ قَابِلَة خَدِيجَة فِي أَوْلَادهَا وَكَانَت خَدِيجَة تعق عَن كل غُلَام بشاتين وَعَن الْجَارِيَة بِشَاة وَكَانَ بَين كل وَلدين لَهَا سنة وَكَانَت تسترضع وتعد بِضَم التَّاء وَكسر الْعين ذَلِك قبل ولادها واكبر بَنَاته

زَيْنَب كَمَا ذكره الْجُمْهُور وَقَالَ الزبير بن بكار وَغَيره أكبر بَنَاته رقية وَالْأول أصح وَقَالَ الزبير فِيمَا نَقله أَبُو عَمْرو عَنهُ ولد لَهُ

الْقَاسِم وَهُوَ أكبر وَلَده ثمَّ زَيْنَب ثمَّ عبد الله ثمَّ أم كُلْثُوم ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ رقية هَكَذَا الأول فَالْأول وَقيل رقية أكبر من أم كُلْثُوم وَهُوَ الْأَشْبَه لِأَن عُثْمَان رضي الله عنه تزَوجهَا أَولا فِي أول إِسْلَامه وَهَاجَرت مَعَه وَمَاتَتْ وَرَسُول الله

فِي غَزْوَة بدر وَجَاء بشيره إِلَى الْمَدِينَة بالنصر وَقد نفضوا أَيْديهم من دَفنهَا وبسبب تمريضها تخلف عُثْمَان عَن شُهُود وقْعَة بدر ثمَّ أم كُلْثُوم بعْدهَا بعد وقْعَة بدر وَالظَّاهِر أَن الْكَبِيرَة تزوج أَولا وَإِن جَازَ خِلَافه وَالْأَكْثَر على أَن فَاطِمَة أصغرهن سنا وَلَا خلاف إِن اكبرهن سنا زَيْنَب قَالَ فِي الْخَمِيس ثمَّ مَاتَ الْقَاسِم بِمَكَّة وَهُوَ أول ميت مَاتَ من ولد رَسُول الله

ثمَّ مَاتَ عبد الله أَيْضا بِمَكَّة وَقَالَ ابْن إِسْحَاق ولدت خَدِيجَة رضي الله عنها زَيْنَب ثمَّ رقية ثمَّ أم كُلْثُوم ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ الْقَاسِم ثمَّ الطَّاهِر ثمَّ الطّيب فَأَما الْقَاسِم وَالطّيب والطاهر فماتوا فِي الْجَاهِلِيَّة وَأما بَنَاته فأدركهن الْإِسْلَام كُلهنَّ وهاجرن مَعَه قَالَ أَبُو عَمْرو وَقَالَ عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْجِرْجَانِيّ اولاد رَسُول الله

الْقَاسِم وَهُوَ أكبر أَوْلَاده ثمَّ زَيْنَب وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ زَيْنَب ثمَّ الْقَاسِم ثمَّ أم كُلْثُوم ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ رقية ثمَّ عبد الله هَكَذَا ذكره على سَبِيل الْإِجْمَال وَسَيَأْتِي ذكرهن على التَّفْصِيل والمحتصل من مَجْمُوع الْأَقْوَال الْأَصَح مِنْهَا أَنهم سَبْعَة ثَلَاثَة ذُكُور

ص: 489

الْقَاسِم وابراهيم وَعبد الله الْمُسَمّى بالطيب الطَّاهِر وَأَرْبع بَنَات مُتَّفق عَلَيْهِنَّ وَكلهمْ من خَدِيجَة بنت خويلد إِلَّا إِبْرَاهِيم كَمَا تقدم روى الْهَيْثَم بن عدي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ ولدت خَدِيجَة للنَّبِي

عبد الْعُزَّى وَعبد منَاف قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان والحافظ فِي اللِّسَان هَذَا من افتراء الْهَيْثَم على هِشَام وَقَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ الْهَيْثَم كَذَّاب لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله قَالَ شَيخنَا ابْن نَاصِر لم يسم عليه الصلاة والسلام عبد منَاف وَلَا عبد الْعُزَّى قطّ والهيثم كذبه البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالْعجلِي والساجي وَقَالَ ابْن حبَان لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا على سَبِيل الِاعْتِبَار وَقَالَ فِي المورد وَلَا يجوز لأحد أَن يَقُول إِن هَذِه التَّسْمِيَة وَقعت من رَسُول الله

وَلَئِن قيل إِن هَذِه التَّسْمِيَة وَقعت يَعْنِي على فرض صِحَة رِوَايَة الْهَيْثَم فَيكون من غَيره

وَيحْتَمل أَن يكون ولد هَذَا الْمَوْلُود وَالنَّبِيّ

مشتغل بِعبَادة ربه أَو بِغَيْر ذَلِك من شئونه وَسَماهُ بعض أهل خَدِيجَة بذلك وَلم يسمعهُ عليه الصلاة والسلام وَلم يره أَو يكون أحد من شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ اختلق ذَلِك لما ولد أحد أَوْلَاده الْمَذْكُورين ليدْخل فِي ذَلِك لبساً فِي قلب ضَعِيف الْإِيمَان وَيكون النَّبِي

لما بلغه ذَلِك غَيره أَو يكون غير ذَلِك مِمَّا الله تَعَالَى عالمه وَأورد الطَّحَاوِيّ فِي فشكل الحَدِيث وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن وَأَبُو سعد النقاش والجوزقاني فِي الموضوعات وَغَيرهم مَا نَقله الْهَيْثَم عَن هِشَام بن عُرْوَة وَلم ينْقل أحد من الثِّقَات مَا نَقله الْهَيْثَم عَن هِشَام كَذَا فِي سيرة الشَّامي قَالَ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْأَطِبَّاء عَلَاء الدّين بن نَفِيس رحمه الله لما كَانَ مزاجه

شَدِيد الِاعْتِدَال لم يكن أَوْلَاده إِنَاثًا فَقَط لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يكون لحرارة المزاج وَلما كَانَ مزاج النَّبِي

معتدلاً فَيجب أَن يكون لَهُ بنُون وَبَنَات وَبَنوهُ

ص: 490

يجب أَلا تطول أعمارهم وَإِذا طَالَتْ بلغُوا إِلَى سنّ النُّبُوَّة وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونُوا أَنْبيَاء أَو لَا يَكُونُوا كَذَلِك وَلَا جَائِز أَن يَكُونُوا أَنْبيَاء وَإِلَّا لما كَانَ هُوَ خَاتم النَّبِيين وَلَا يجوز أَن يَكُونُوا غير أَنْبيَاء وَإِلَّا كَانَ نقصا فِي حَقه وانحطاطاً عَن دَرَجَة كثير من الْأَنْبِيَاء فَإِن كثيرا من الْأَنْبِيَاء كَانَ أَوْلَادهم انبياء أَيْضا وَأما بَنَات هَذِه النَّبِي

فَيجوز أَن تطول أعمارهن لِأَن النِّسَاء لسن بِأَهْل للنبوة انْتهى أما سيدنَا الْقَاسِم ابْن سيدنَا رَسُول الله

فَكَانَ أكبر أَوْلَاده عليه الصلاة والسلام كَمَا تقدم وَبِه كَانَ يكنى وَهُوَ أول من مَاتَ مِنْهُم بِمَكَّة قبل النُّبُوَّة مَاتَ صَغِيرا عَاشَ حَتَّى مَشى وَقيل عَاشَ سنتَيْن وَقيل عَاشَ سبع لَيَال قَالَ مُجَاهِد وَخَطأَهُ الملا وَقَالَ الصَّوَاب أَنه عَاشَ سَبْعَة عشر شهرا وَقَالَ ابْن فَارس بلغ أَن يركب الدَّابَّة وَأَن يسير على النجيب وَقَالَ السُّهيْلي بلغ الْمَشْي غير أَن رضاعته لم تكمل وروى يُونُس بن بكير عَن أبي عبد الله الْجعْفِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن رضي الله عنهم قَالَ كَانَ الْقَاسِم بلغ أَن يركب الدَّابَّة ويسير على النجيب فَلَمَّا قبض قَالَ الْعَاصِ بن وَائِل لقد أصبح مُحَمَّد أَبتر فَنزلت {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَرَ} الْكَوْثَر 1 أَي عَن مصيبتك يَا مُحَمَّد قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد الشَّامي فَهَذَا يدل على أَن الْقَاسِم مَاتَ بعد الْبعْثَة خلاف مَا تقدم أَنهم مَاتُوا قبلهَا يَعْنِي الْبَنِينَ الثَّلَاثَة وروى الطَّيَالِسِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَرْبِيّ عَن فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن عَن أَبِيهَا رضي الله عنهما قَالَت لما هلك الْقَاسِم قَالَت خَدِيجَة يَا رَسُول الله درت لبينة الْقَاسِم

ص: 491

فَلَو كَانَ الله أبقاه حَتَّى يتم رضاعه قَالَ عليه الصلاة والسلام إِن تَمام رضاعه فِي الْجنَّة زَاد ابْن مَاجَه فَقَالَت لَو أعلم ذَلِك لهون عَليّ قَالَ إِن شِئْت دَعَوْت الله فأسمعك صَوته فَقَالَت بل أصدق الله وَرَسُوله قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ وَهَذَا ظَاهر جدا فِي أَنه مَاتَ فِي الْإِسْلَام بعد الْبعْثَة لَكِن فِي السَّنَد ضعف وروى البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْأَوْسَط من طَرِيق سُلَيْمَان بن بِلَال عَن هِشَام بن عُرْوَة أَن الْقَاسِم مَاتَ قبل الْإِسْلَام وَهَذَا يُؤَيّد الأول السَّابِق أَنهم درجوا صغَارًا قبل الْبعْثَة وَأما سيدنَا عبد الله ابْن سيدنَا رَسُول الله

فَمَاتَ صَغِيرا بِمَكَّة كَمَا تقدم وَيُقَال لَهُ الطّيب والطاهر ثَلَاثَة أَسمَاء وَهُوَ قَول أَكثر أهل السّير وَالْعلم قَالَه أَبُو عَمْرو وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ الأثبت وَيُسمى عبد الله بالطيب والطاهر لِأَنَّهُ ولد بعد النُّبُوَّة أَي على خلاف فِي ذَلِك كَمَا تقدم ذكره فبه كَانَت جُمْلَتهمْ سَبْعَة ثَلَاثَة ذُكُور وَأَرْبع إناث كَمَا تقدم وَأما سيدنَا إِبْرَاهِيم ابْن سيدنَا رَسُول الله

فَهُوَ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة وَقد تقدم ذكرهَا فِي سراريه عليه الصلاة والسلام ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بِالْعَالِيَةِ قَالَه مُصعب بن الزبير وروى ابْن سعد عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة قَالَ كَانَ رَسُول الله

معجباً بمارية الْقبْطِيَّة وَكَانَت بَيْضَاء جميلَة فأنزلها عليه الصلاة والسلام على أم سليم بنت ملْحَان وَعرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَأسْلمت فوطئا بِالْملكِ وحولها إِلَى مَال لَهُ بِالْعَالِيَةِ وَكَانَ من أَمْوَال بني النَّضِير وَكَانَت فِيهِ فِي الصَّيف وَفِي خرافة النّخل فَكَانَ يَأْتِيهَا هُنَاكَ وَكَانَت حَسَنَة

ص: 492

الدّين وَولدت لَهُ عليه الصلاة والسلام غُلَاما فَسَماهُ إِبْرَاهِيم وعق عَنهُ بِشَاة يَوْم سابعه وَحلق رَأسه وَتصدق بزنة شعره فضَّة على الْمَسَاكِين وَأمر بِشعرِهِ فَدفن فِي الأَرْض وَكَانَت قابلتها سلمى مولاة رَسُول الله

فَخرجت إِلَى زَوجهَا أبي رَافع فاخرته بَان مَارِيَة قد ولدت غُلَاما فجَاء أَبُو رَافع إِلَيْهِ عليه الصلاة والسلام فبشره فوهب لَهُ عبدا وغار نسَاء رَسُول الله

مِنْهَا وَاشْتَدَّ عَلَيْهِنَّ حِين رزق مِنْهَا الْوَلَد كَذَا فِي سيرة الشَّامي قلت سلمى هِيَ مولاة صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب وَقد تقدم أَنَّهَا قَابِلَة خَدِيجَة على اولادها مِنْهُ

ووصفها هُنَا بمولاة رَسُول الله

لَا شَيْء فِيهِ إِذْ مولاة عمَّة الشَّخْص مولاته وروى ابْن سعد وَالزُّبَيْر بن كبار عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة قَالَ لما ولد إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله

تنافس فِيهِ نسَاء الْأَنْصَار أيتهن ترْضِعه وأحببن أَن يفرغن مَارِيَة لرَسُول الله

لما يعلمن من ميله إِلَيْهَا فَدفعهُ عليه الصلاة والسلام إِلَى أم بردة بنت الْمُنْذر بن زيد بن لبيد بن النجار وَزوجهَا الْبَراء بن أَوْس بن خَالِد بن الْجَعْد بن النجار وَكَانَت ترْضِعه فَكَانَ يكون عِنْد أَبَوَيْهِ فِي بني النجار وَيَأْتِي رَسُول الله

أم بردة فيغتسل عِنْدهَا وَيُؤْتى إِبْرَاهِيم واعطى رَسُول الله

أم بردة قِطْعَة نخل وروى الشَّيْخَانِ عَن أنس رضي الله عنه أَنه عليه الصلاة والسلام دفع إِبْرَاهِيم إِلَى أم سيف وَهُوَ قين أَي حداد بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ سيف فَانْطَلق رَسُول الله

وتبعته حَتَّى انتهينا إِلَى أبي سيف وَهُوَ ينْفخ بكيره وَقد امْتَلَأَ الْبَيْت دخاناً فأسرعت فِي الْمَشْي بَين يَدي رَسُول الله

حَتَّى انْتَهَيْت فِي الْمَشْي إِلَى أبي سيف فَقلت يَا أَبَا سيف أمسك جَاءَ رَسُول الله

فَأمْسك ودعا رَسُول الله

بِالصَّبِيِّ

ص: 493

فضمه إِلَيْهِ وَقَالَ مَا شَاءَ الله أَن يَقُول وروى أَيْضا عَن أنس رضي الله عنه مَا رَأَيْت أحدا أرْحم بعياله من رَسُول الله

كَانَ ابْنه إِبْرَاهِيم مسترضعاً فِي عوالي الْمَدِينَة فَكَانَ يَأْتِيهِ وَنحن مَعَه فَيدْخل الْبَيْت وَإنَّهُ ليدخن وَكَانَ ظئره قينا فَيَأْخذهُ قيقبله مَاتَ إِبْرَاهِيم سنة عشر من الْهِجْرَة قَالَه الْوَاقِدِيّ جَازِمًا بِهِ وَقَالَ يَوْم الثُّلَاثَاء لعشر خلون من ربيع الأول وكسفت الشَّمْس يَوْم مَوته فَقَالُوا كسفت لمَوْته فَقَامَ خَطِيبًا عليه الصلاة والسلام فَقَالَ فِيهَا إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله لَا ينخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِن يخوف الله بهما عباده فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فافزعوا إِلَى ذكر الله وَالصَّلَاة وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار

ص: 494

وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَاشَ سَبْعَة عشر شهرا أَو ثَمَانِيَة عشر عَن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول الله

أَخذ بيد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَانْطَلق بِهِ إِلَى النّخل الَّذِي فِيهِ إِبْرَاهِيم فَدخل وَإِبْرَاهِيم يجود فِي نَفسه فَوَضعه عليه الصلاة والسلام فِي حجره فَلَمَّا مَاتَ دَمَعَتْ عينا رَسُول الله

فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف تبْكي يَا رَسُول الله أَو لم تنه عَن الْبكاء قَالَ إِنَّمَا نهيت عَن النوح وَعَن صَوْتَيْنِ أخنعين فاجرين صَوت عِنْد نَغمَة لَهو وَلعب وَمَزَامِير الشَّيْطَان وَصَوت عِنْد مُصِيبَة خَمش وَجه وشق جيب وَرَنَّة الشَّيْطَان وَفِي رِوَايَة إِنَّمَا نهيت عَن النِّيَاحَة وَأَن ينعَت الْمَيِّت بِمَا لَيْسَ فِيهِ ثمَّ قَالَ وَإِنَّمَا هَذِه رَحْمَة وَمن لَا يرحم لَا يرحم يَا إِبْرَاهِيم لَوْلَا أَنه أَمر حق ووعد صدق وَيَوْم جَامع وَفِي رِوَايَة لَوْلَا أَنه أجل مَحْدُود وَوقت صَادِق لحزنا عَلَيْك حزنا أَشد من هَذَا وَإِنَّا بك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب وروى ابْن مَاجَه والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أنس لما قبض إِبْرَاهِيم ابْن النَّبِي

قَالَ لَهُم لَا تدرجوه فِي أَكْفَانه حَتَّى أنظر إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فانكب عَلَيْهِ وَبكى

ص: 495

وَاخْتلف هَل صلى عَلَيْهِ فروى الإِمَام أَحْمد وَابْن سعد من طَرِيق جَابر الْجعْفِيّ وَهُوَ ضَعِيف عَن الْبَراء وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح مُرْسلا أَنه عليه الصلاة والسلام صلى على ابْنه إِبْرَاهِيم زَاد الْبَيْهَقِيّ فِي القاعة وَهُوَ مَوضِع الْجَنَائِز زَاد أنس وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا وَهَذِه الطّرق يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا وَعَن مَكْحُول أَن رَسُول الله

كَانَ على شَفير قبر ابْنه إِبْرَاهِيم فَرَأى فُرْجَة فِي اللَّحْد فناول الحفار مَدَرَة وَقَالَ إِنَّهَا لَا تضر وَلَا تَنْفَع وَلكنهَا تقر عين الْحَيّ وَجعل رَسُول الله

يُسَوِّي بِأُصْبُعِهِ وَيَقُول إِذا عمل أحدكُم عملا فليتقنه قلت هُوَ معنى الحَدِيث الْمُتَقَدّم الَّذِي روته سِيرِين أُخْت مَارِيَة وَقد ذكرته فِي ذكرهَا عِنْد ذكر أُخْتهَا وروى ابْن سعد عَن عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت عَن أمه سِيرِين أُخْت مَارِيَة قَالَت حضرت موت إِبْرَاهِيم فرأيته عليه الصلاة والسلام كلما صحت أَنا وأختي مَارِيَة مَا ينهانا فَلَمَّا مَاتَ نَهَانَا عَن الصياح وغسله الْفضل بن عَبَّاس وَرَسُول الله وَالْعَبَّاس جَالس إِلَى جنبه وَنزل فِي حفرته الْفضل بن عَبَّاس

ص: 496

وَأُسَامَة بن زيد وَلما دفن إِبْرَاهِيم رش على قَبره وَأعلم بعلامة قَالَ وَهُوَ أول قبر رش وروى ابْن سعد عَن رجل من آل عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه إِن رَسُول الله

حِين دفن إِبْرَاهِيم قَالَ هَل من أحد يَأْتِي بقربة فَأتى رجل من الْأَنْصَار بقربة مَاء فَقَالَ عليه الصلاة والسلام رشها على قبر إِبْرَاهِيم وروى ابْن مَاجَه عَن ابْن اعباس رضي الله عنهما قَالَ لما مَاتَ إِبْرَاهِيم قَالَ رَسُول الله

إِن لَهُ مُرْضِعَة فِي الْجنَّة وَلَو عَاشَ لَكَانَ صديقا نَبيا وَلَو عَاشَ لتعتقت أَخْوَاله القبط وَمَا اسْترق قبْطِي قطّ وروى الْعَلامَة مُحَمَّد بن يُوسُف الشَّامي فِي سيرته اشْتهر على الْأَلْسِنَة أَنه عليه الصلاة والسلام لقن ابْنه إِبْرَاهِيم بعد الدّفن قَالَ قل الله رَبِّي ورسولي أبي وَهَذَا شَيْء لم يُوجد فِي كتب الحَدِيث وَإِنَّمَا ذكره الْمُتَوَلِي فِي تتمته بِلَفْظ روى أَن النَّبِي

لما دفن إِبْرَاهِيم قَالَ قل الله رَبِّي ورسولي أبي وَالْإِسْلَام ديني فَقيل يَا رَسُول الله أَنْت تلقنه فَمن يلقننا فَأنْزل الله {يثبت الله الَّذين آمنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} إِبْرَاهِيم 27 الْآيَة والأستاذ أَبُو بكر بن فورك فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالنظامي وروى ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا أَن رَسُول الله

قَالَ إِذا ملكتم القبط فَأحْسنُوا إِلَيْهِم فَإِن لَهُم ذمَّة وَإِن لَهُم رحما وَعَن ابْن

ص: 497

كَعْب بن مَالك إِن رَسُول الله

قَالَ اسْتَوْصُوا بالقبط خيرا فَإِن لَهُم ذمَّة ورحماً وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أم سَلمَة رضي الله عنها إِن رَسُول الله

قَالَ الله الله فِي قبط مصر فَإِنَّكُم ستظهرون عَلَيْهِم فَيَكُونُوا لكم عدَّة وأعواناً فِي سَبِيل الله وَأما السيدة زَيْنَب بنت رَسُول الله

فَلَا خلاف انها اكبر بَنَاته

إِنَّمَا الْخلاف فِيهَا وَفِي الْقَاسِم أَيهمَا ولد أَولا قَالَ ابْن إِسْحَاق سَمِعت عبد الله بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي يَقُول ولدت زَيْنَب بنت رَسُول الله

فِي سنة ثَلَاثِينَ من مولده عليه الصلاة والسلام وَأدْركت الْإِسْلَام وَهَاجَرت وَكَانَ رَسُول الله

محباً فِيهَا وَتَزَوجهَا ابْن خَالَتهَا أَبُو الْعَاصِ واسْمه لَقِيط على الْأَكْثَر وَقيل هشم وَقيل مهشم بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس بن عبد منَاف أمه هَالة بنت خويلد فَلِذَا كَانَ ابْن خَالَة زَيْنَب روى عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كَانَ أَبُو الْعَاصِ من رجال مَكَّة الْمَعْدُودين مَالا وتجارة وَأَمَانَة فَقَالَت خَدِيجَة لرَسُول الله

زوجه وَكَانَ عليه الصلاة والسلام لَا يُخَالِفهَا وَذَلِكَ قبل أَن ينزل عَلَيْهِ فَزَوجهُ زَيْنَب رضي الله عنها فَلَمَّا أكْرم الله نبيه بنبوته آمَنت خَدِيجَة وبناتها فَلَمَّا نَادَى رَسُول الله

قُريْشًا بِأَمْر الله تَعَالَى وَدينه أَتَوا أَبَا الْعَاصِ بن الرّبيع هَذَا فَقَالُوا فَارق صَاحبَتك وَنحن نُزَوِّجك بِأَيّ امْرَأَة شِئْت فَقَالَ لَا وَالله لَا أُفَارِق صَاحِبَتي وَمَا يسرني أَن لي بهَا أفضل امْرَأَة من قُرَيْش وَفِي الْخَمِيس عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كَانَ الْإِسْلَام فرق بَين زَيْنَب وَبَين أبي الْعَاصِ إِلَّا أَن رَسُول الله

لَا يقدر أَن يفرق بَينهمَا وَكَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ بِمَكَّة قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام فِي سيرته بعد أَن ذكر مثل مَا تقدم فأقامت مَعَه على إسْلَامهَا وَهُوَ على شركه حَتَّى هَاجر رَسُول الله

فَلَمَّا سَارَتْ

ص: 498

قُرَيْش إِلَى بدر سَار فيهم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع فأصيب فِي الْأُسَارَى يَوْم بدر فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْد رَسُول الله

قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عباد عَن عَائِشَة قَالَت لما بعث أهل مَكَّة فِي فدَاء أَسْرَاهُم بعثت زَيْنَب بنت رَسُول الله

فِي فدَاء زَوجهَا أبي الْعَاصِ بِمَال وَبعثت فِيهِ بقلادة لَهَا كَانَت خَدِيجَة أدخلتها بهَا على أبي الْعَاصِ حِين بنى بهَا قَالَت فَلَمَّا رَآهَا رَسُول الله

رق لَهَا رقة شَدِيدَة وَقَالَ إِن رَأَيْتُمْ أَن تطلقوا لَهَا أَسِيرهَا وتردوا عَلَيْهَا قلادتها فافعلوا قَالُوا نعم يَا رَسُول الله فأطلقوه وردوا عَلَيْهَا الَّذِي كَانَ لَهَا وَكَانَ رَسُول الله

قد أَخذ عَلَيْهِ الْعَهْد أَو هُوَ وعد رَسُول الله

يَوْم ذَلِك أَن يخلي سَبِيل زَيْنَب إِلَيْهِ أَو كَانَ شَرط ذَلِك عَلَيْهِ فِي إِطْلَاقه وَلم يظْهر ذَلِك مِنْهُ وَلَا من رَسُول الله

فَيعلم مَا هُوَ إِلَّا أَنه لما خرج أَبُو الْعَاصِ إِلَى مَكَّة وخلى سَبيله بعث رَسُول الله

زيد بن حَارِثَة ورجلا من الاعصار فَقَالَ كونا بِبَطن يأجج حَتَّى تمر بكما زَيْنَب فتصحباها حَتَّى تأتياني بهَا فَخَرَجَا إِلَى مكانهما ذَلِك بعد بدر بِشَهْر أَو شيعه فَلَمَّا قدم أَبُو الْعَاصِ مَكَّة أمرهَا باللحوق بأبيها فخجرت تجهز قَالَ قَالَ ابْن إِسْحَاق فَحَدثني عبد الله بن أبي بكر قَالَ حدثت عَن زَيْنَب انها قَالَت بَيْنَمَا أَنا أتجهز بِمَكَّة للحوق بِأبي لقيتني هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة زَوْجَة أبي

ص: 499

سُفْيَان بن حَرْب فَقَالَت يَا بنة مُحَمَّد ألم يبلغنِي أَنَّك تريدين اللحوق بأبيك قَالَت فَقلت مَا أردْت ذَلِك قَالَت هِنْد أَي ابْنة عَم لَا تفعلي إِن كَانَت لَك حَاجَة بمتاع مِمَّا يرفق بك فِي سفرك أَو بِمَا تصلين بِهِ إِلَى أَبِيك فَإِن عِنْدِي حَاجَتك فَلَا تضطني مني فَإِنَّهُ لَا يدْخل بَين النِّسَاء مَا بَين الرِّجَال قَالَت وَالله مَا أَرَاهَا قَالَت ذَلِك إِلَّا لتفعل قَالَت وَلَكِنِّي خفتها فأنكرت أَن أكون أُرِيد ذَلِك وتجهزت فَلَمَّا فرغت من جهازها قدم لَهَا حموها كنَانَة بن الرّبيع أَخُو زَوجهَا لَقِيط بن الرّبيع المكنى أَبَا لعاص بَعِيرًا فركبته وَأخذ قوسه وكنانته ثمَّ خرج بهَا نَهَارا يَقُود بهَا وَهِي فِي هودج لَهَا وتحدث بذلك رجال من قُرَيْش فَأخذُوا فِي طلبَهَا حَتَّى أدركوها بِذِي طوى فَكَانَ أول من سبق إِلَيْهَا هَبَّار بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد بن عبد الْعُزَّى الفِهري فروعها بِالرُّمْحِ وَهِي فِي هودجها وَقيل نخس بَعِيرهَا فقمص بهَا فَسَقَطت على صَخْرَة وَكَانَت الْمَرْأَة حَامِلا فِيمَا يَزْعمُونَ فَلَمَّا ريعت طرحت مَا فِي بَطنهَا وبرك حموها على رُكْبَتَيْهِ ونثر كِنَانَته ثمَّ قَالَ وَالله لَا يدنو مِنْهَا رجل إِلَى وضعت فِيهِ سَهْما فتكركر النَّاس عَنهُ وأتى أَبُو سُفْيَان فِي حلَّة من قُرَيْش فَقَالَ أَيهَا الرجل كف عَنَّا نبلك حَتَّى نكلمك فَكف فَأقبل أَبُو سُفْيَان حَتَّى وقف عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّك لم تصب خرجت بِالْمَرْأَةِ على رُءُوس النَّاس عَلَانيَة وَقد عرفت مُصِيبَتنَا ونكبتنا بِمَا دخل علينا من مُحَمَّد فيظن النَّاس إِذْ أخرجت بنته عَلَانيَة على رُءُوس النَّاس من بَين أظهرنَا أَن ذَلِك على ذل أَصْحَابنَا من مُصِيبَتنَا الَّتِي كَانَت وَأَن ذَلِك بِنَا ضعف ووهن ولعمري مَا لنا بحبسها عَن أَبِيهَا من حَاجَة وَمَا لنا فِي ذَلِك من ثورة وَلَكِن ارْجع بِالْمَرْأَةِ حَتَّى إِذا هدأت الْأَصْوَات وتحدثت النَّاس أَن قد رددناها فسلها سرا وألحقها بأبيها فَرجع بهَا كنَانَة فاستخبر فِيهَا بَنو هَاشم وَبَنُو أُميَّة فَقَالَت بَنو أُميَّة نَحن أَحَق بهَا

ص: 500

لكَونهَا تَحت ابْن عمهم أبي الْعَاصِ فَكَانَت عِنْد هِنْد بنت عتبَة بن الرّبيع فَكَانَت هِنْد تَقول لَهَا هَذَا فِي سَبَب أَبِيك قَالَ فأقامت ليَالِي حَتَّى إِذا هدأت الْأَصْوَات خرج بهَا لَيْلًا حَتَّى أسلمها إِلَى زيد بن حَارِثَة وَصَاحبه فَقدما بهَا على رَسُول الله

وَكَانَ رَسُول الله

لما أرسل زيد بن حَارِثَة وَصَاحبه قَالَ لزيد خُذ خَاتمِي فأعطها فَانْطَلق زيد فَلم يزل يتلطف حَتَّى لَقِي رَاعيا فَقَالَ لمن ترعى قَالَ لأبي الْعَاصِ فَقَالَ لمن هَذِه الْغنم قَالَ لِزَيْنَب بنت مُحَمَّد فَسَار مَعَه شَيْئا ثمَّ قَالَ هَل لَك إِن أَعطيتك شَيْئا فتعطيها إِيَّاه وَلَا تذكره لأحد قَالَ نعم فَأعْطَاهُ الْخَاتم فَانْطَلق الرَّاعِي فَأدْخل الْغنم وَأَعْطَاهَا الْخَاتم فعرفته فَقَالَت من أَعْطَاك هَذَا قَالَ رجل قلت فَأَيْنَ تركته قَالَ بمَكَان كَذَا فَسَكَتَتْ حَتَّى إِذا جَاءَ اللَّيْل أخْبرت زَوجهَا فتجهزت فَأخْرج بهَا أَخَاهُ كنَانَة بن الرّبيع حَتَّى أسلمها إِلَى زيد وَصَاحبه كَمَا تقدم فَلَمَّا جَاءَتْهُ قَالَ لَهَا زيد ارْكَبِي بَين يَدي على بَعِيري فَقَالَت لَا وَلَكِن اركب أَنْت بَين يَدي فَركب وَركبت خَلفه حَتَّى أَتَت الْمَدِينَة قَالَ عُرْوَة فَكَانَ رَسُول الله

يَقُول هِيَ أفضل بَنَاتِي أُصِيبَت فيّ فَبلغ ذَلِك عَليّ بن الْحُسَيْن فَانْطَلق إِلَى عُرْوَة فَقَالَ مَا حَدِيث بَلغنِي عَنْك تحدثه تنقص بِهِ حق فَاطِمَة قَالَ عُرْوَة مَا أحب أَن لي بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَأَنِّي أنتقص فَاطِمَة حَقًا هُوَ لَهَا وَإِنَّمَا بعد فلك عليّ أَلا أحدث بِهِ أخرجه الدولابي قَالَ ابْن هِشَام قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَة أَخُو بني سَالم بن عَوْف فِي الَّذِي كَانَ من أَمر زَيْنَب // (من الطَّوِيل) //

(أَتَانِي الّذي لَا تقدر النّاس قدره

لِزَيْنَب فيهم من عقوقٍ ومأثم)

(وإخراجها لم يخز فِيهِ محمّدٌ

على مأقط وبيننا عطر منشم)

(وَأمسى أَبُو سُفْيَان من حلف ضمضمٍ

وَمن حربنا فِي رغم أنفٍ ومندم)

ص: 501

(قرنّا ابْنه عمرا وَمولى يَمِينه

بِذِي حلقٍ جلد الصّلاصل مُحكم)

(فأقسمت لَا تنفكّ منّا كتائبٌ

سراة خَمِيس فِي لهام مسوّم)

(نروع قُرَيْش الْكفْر حتّى نعلّها

بخاطمةٍ فَوق الأُنوف بميسم)

(تنزلهم أكناف نجدٍ ونخلةٍ

وَإِن يتهموا بِالْخَيْلِ والرّجل نُتهم)

(مدى الدّهر حتّى لَا يعوج سربنا

ونلحقهم آثَار عادٍ وجرهم)

(ويندم قومٌ لم يطيعوا محمّداً

على أمره وأيّ حِين تندّم)

(فأبلغ أَبَا سُفْيَان إمّا لَقيته

لَئِن أَنْت لم تخلص سجوداً وتسلم)

(فأبشر بخزيٍ فِي الْحَيَاة معجّلٍ

وسربال نارٍ خَالِدا فِي جهنّم)

وَقَوله قرنا ابْنه عمرا وَمولى يَمِينه يُرِيد بِهِ عقبَة بن عبد الْحَارِث بن الْحَضْرَمِيّ لِأَنَّهُ أسر يَوْم بدر هُوَ وَعَمْرو بن أبي سُفْيَان بن حَرْب لِأَن حلف الْحَضْرَمِيّ وَذَوِيهِ كَانَ إِلَى حَرْب بن أُميَّة وَمن بعده إِلَى أبي سُفْيَان بن حَرْب وَلما انْصَرف الَّذين خَرجُوا إِلَى زَيْنَب ليردوها إِلَى مَكَّة عِنْد خُرُوجهَا أول مرّة مَعَ كنَانَة بن الرّبيع لقيتهم هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة فَقَالَت لَهُم // (من الطَّوِيل) //

(أَفِي السم أعياراً جفَاء وغلظةً

وَفِي الْحَرْب أشباه النّساء العوارك)

وَقَالَ كنَانَة بن الرّبيع الْمَذْكُور فِي أَمر زَيْنَب // (من الطَّوِيل) //

(عجبت لهبّارٍ وأوباشٍ قومه

يُرِيدُونَ إخفاري ببنت محمّد)

(وَلست أُبالي مَا حييت فديدهم

وَمَا استجمعت قبضا يَدي بالمهنّد)

قَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن أبي إِسْحَاق الدوسي عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ بعث رَسُول الله

سَرِيَّة أَنا فِيهَا فَقَالَ لنا إِن ظفرتم بهبار بن الْأسود وَالرجل الَّذِي سبق مَعَه إِلَى زَيْنَب قَالَ ابْن هِشَام وَقد سمى ابْن إِسْحَاق الرجل بِعَيْنِه فَقَالَ هُوَ نَافِع بن عبد قيس فحرقوهما بالنَّار قَالَ فَلَمَّا كَانَ الْغَد بعث الينا رَسُول الله

ص: 502

فَقَالَ إِنِّي كنت أَمرتكُم بتحريق هذَيْن الرجلَيْن إِن اخذتموها ثمَّ رَأَيْت أَنه لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يعذب بالنَّار إِلَّا الله فَإِن ظفرتم بهما فاقتلوهما قَالَ ابْن إِسْحَاق فَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكَّة واقامت زَيْنَب عِنْد رَسُول الله

حَتَّى فرق بَينهمَا بِالْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى إِذا كَانَ قبيل الْفَتْح خرج أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إِلَى الشَّام وَكَانَ رجلا مَأْمُونا بِمَال لَهُ وأموال لرجال من قُرَيْش أبضعوها مَعَه فَلَمَّا خرج من تِجَارَته وَأَقْبل قَافِلًا لَقيته سَرِيَّة لرَسُول الله

فَأَصَابُوا مَا مَعَه وأعجزهم هرباً فَلَمَّا قدمت السّريَّة بِمَا أَصَابُوا من مَاله أقبل أَبُو الْعَاصِ تَحت اللَّيْل حَتَّى دخل على زَيْنَب بنت رَسُول الله

زَوجته فَاسْتَجَارَ بهَا فَأَجَارَتْهُ وَجَاء فِي طلب مَاله فَلَمَّا خرج عليه الصلاة والسلام إِلَى صَلَاة الصُّبْح كَمَا حَدثنِي بِهِ يزِيد ابْن رُومَان فَكبر وَكبر النَّاس مَعَه حَتَّى صرخت زَيْنَب من صف النِّسَاء أَيهَا النَّاس إِنِّي قد أجرت أَبَا الْعَاصِ بن الرّبيع قَالَ فَلَمَّا سلم عليه الصلاة والسلام من الصَّلَاة أقبل فَقَالَ أَيهَا النَّاس هَل سَمِعْتُمْ مَا سَمِعت قَالُوا نعم قَالَ أما وَالله الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا علمت بِشَيْء حَتَّى سَمِعت مَا سَمِعْتُمْ إِنَّه يجير على الْمُسلمين أَدْنَاهُم ثمَّ انْصَرف عليه الصلاة والسلام فَدخل على ابْنَته فَقَالَ أَي بنية أكرمي مثواه وَلَا يخلص إِلَيْك فَإنَّك لَا تحلين لَهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر أَن رَسُول الله

بعث إِلَى السّريَّة الَّتِي أَصَابَت مَال أبي الْعَاصِ فَقَالَ لَهُم إِن هَذَا الرجل منا حَيْثُ علمْتُم وَقد أصبْتُم لَهُ مَالا فَإِن تحسنوا وتردوا عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَإنَّا نحب ذَلِك وَإِن أَبَيْتُم فَهُوَ فىء الله الَّذِي أَفَاء لكم فَأنْتم أَحَق بِهِ قَالُوا يَا رَسُول الله بل نرده عَلَيْهِ قَالَ فَردُّوهُ عَلَيْهِ حَتَّى إِن الرجل ليَأْتِي بالدلو وَيَأْتِي الآخر بالشنة والإدواة حَتَّى إِن أحدهم ليَأْتِي بالشظاظ حَتَّى ردوا عَلَيْهِ مَاله بأسره

ص: 503

لَا يفقد مِنْهُ شَيْئا ثمَّ احْتمل إِلَى مَكَّة فَأدى إِلَى كل ذِي مَال من قُرَيْش مَاله وَمَا كَانَ أبضع مَعَه ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش هَل بَقِي لأحد مِنْكُم عِنْدِي مَال لم يَأْخُذهُ قَالُوا لَا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفياً كَرِيمًا قَالَ إِنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وَللَّه مَا مَنَعَنِي من الْإِسْلَام عِنْده إِلَّا تخوفي أَن تظنوا أَنِّي إِنَّمَا أردْت أَن آكل اموالكم فَلَمَّا اداها الله سُبْحَانَهُ إِلَيْكُم وفرغت مِنْهَا أسلمت ثمَّ خرج حَتَّى قدم على رَسُول الله

قَالَ ابْن إِسْحَاق فَحَدثني دَاوُد بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ رد النَّبِي

إِلَيْهِ زَيْنَب على النِّكَاح الأول لم يحدث شَيْئا بعد سِتّ سِنِين قَالَ ابْن هِشَام وحَدثني أَبُو عُبَيْدَة أَن أَبَا الْعَاصِ بن الرّبيع لما قدم من الشَّام وَمَعَهُ أَمْوَال الْمُشْركين قيل لَهُ هَل لَك أَن تسلم وَتَأْخُذ هَذِه الْأَمْوَال فانما هِيَ أَمْوَال الْمُشْركين فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ بئْسَمَا أبدأ بِهِ إسلامي أَن أخون أمانتي قَالَ فِي الْمَوَاهِب ردهَا لَهُ عليه الصلاة والسلام بِالنِّكَاحِ الأول بعد سنتَيْن وَقيل بعد سِتّ سِنِين وَقيل قبل انْقِضَاء الْعدة فِيمَا ذكره ابْن عقبَة وَفِي حَدِيث

ص: 504

عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده ردهَا لَهُ بِنِكَاح جَدِيد سنة سبع من الْهِجْرَة مَاتَت زَيْنَب بنت رَسُول الله

فِي أول سنة ثَمَان من الْهِجْرَة فغسلتها أم أَيمن وَسَوْدَة بنت زَمعَة وَأم سَلمَة وَصلى عَلَيْهَا عليه الصلاة والسلام وَنزل فِي قبرها وَمَعَهُ أَبُو الْعَاصِ وَجعل لَهَا نعشاً فَكَانَت أول من اتخذ لَهَا ذَلِك وَعَن أبي عمر لما دفن عليه الصلاة والسلام ابْنَته زَيْنَب جلس عِنْد الْقَبْر فتربد وَجهه ثمَّ سرى عَنهُ فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ ذكرت ابْنَتي زَيْنَب وضعفها وَعَذَاب الْقَبْر فدعوت الله فَفرج عَنْهَا وَايْم الله لقد ضمت ضمة سَمعهَا مَا بَين الْخَافِقين أخرجه سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وروى الطَّبَرَانِيّ عَن رجال الصَّحِيح عَن عُرْوَة ابْن الزبير أَن زَيْنَب لم تزل وجعة مِمَّا وَقع من الْإِسْقَاط بِسَبَب فعل هَبَّار بن الْأسود حَتَّى مَاتَت فَكَانُوا يرَوْنَ أَنَّهَا شهيدة ولدت زَيْنَب من أبي الْعَاصِ غُلَاما يُقَال لَهُ عَليّ توفّي وَقد ناهز الْحلم وَكَانَ رَدِيف رَسُول الله

على نَاقَته يَوْم الْفَتْح وَمَات فِي حَيَاته عليه الصلاة والسلام وَولدت لَهُ جَارِيَة يُقَال لَهَا أُمَامَة أُخْت عَليّ الْمَذْكُور تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب بعد موت السيدة فَاطِمَة بِوَصِيَّة مِنْهَا وَلم تَلد لَهُ وَقيل ولدت لَهُ مُحَمَّدًا وَعَلِيهِ كَثِيرُونَ وَقتل عَنْهَا وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يحب أُمَامَة هَذِه وَكَانَ يحملهَا على عَاتِقه فِي

ص: 505

الصَّلَاة فَإِذا ركع وَضعهَا وَإِذا رفع رَأسه من السُّجُود أَعَادَهَا وروى الإِمَام أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت وَأهْدى لرَسُول الله

قلادة من جزع معلمات بِالذَّهَب ونساؤه مجتمعات فِي بَيت كُلهنَّ وأمامة بنت أبي الْعَاصِ جَارِيَة تلعب فِي جَانب الْبَيْت بِالتُّرَابِ فَقَالَ رَسُول الله

كَيفَ تَرين هَذِه فَنَظَرْنَا إِلَيْهَا فَقُلْنَا يَا رَسُول الله مَا رَأينَا أحسن من هَذِه قطّ وَلَا أعجب فَقَالَ ارددنها إِلَيّ فولله لأضعنها فِي رَقَبَة أحب أهل الْبَيْت إِلَيّ قَالَت عَائِشَة فأظلمت عَليّ الأَرْض بيني وَبَينه خشيَة أَن يَضَعهَا فِي رَقَبَة غَيْرِي مِنْهُنَّ وَلَا اراهن لَا أصابهن مثل الَّذِي أصابني ووجمنا جَمِيعًا سكُوتًا فَأقبل بهَا حَتَّى وَضعهَا فِي رَقَبَة أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ فسرى عَنَّا وَكَانَ تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب كَمَا تقدم من الزبير بن الْعَوام لِأَنَّهُ كَانَ أَبوهَا أَبُو الْعَاصِ أوصى بهَا إِلَى الزبير فَكَانَ وَصِيّه عَلَيْهَا فَزَوجهَا بعلي رضي الله عنهما فَلَمَّا قتل عَليّ رضي الله عنه وكرم وَجهه تزَوجهَا الْمُغيرَة بن نَوْفَل بن الْحَارِث ابْن عبد الْمطلب وَكَانَ عَليّ قد أمره بذلك بعده لِأَنَّهُ خَافَ أَن يَتَزَوَّجهَا مُعَاوِيَة وَولدت لَهُ يحيى وَبِه كَانَ يكنى وَقيل لم تَلد فَلَا عقب لِزَيْنَب وَمَاتَتْ عِنْده سنة خمسين من الْهِجْرَة روى أَن عليا رضي الله عنه قَالَ لَهَا حِين حَضرته الْوَفَاة إِنِّي لَا

ص: 506

آمن أَن يخطبك مُعَاوِيَة فَإِن كَانَ لَك فِي الرِّجَال حَاجَة فقد رضيت لَك الْمُغيرَة بن نَوْفَل عشيراً فَلَمَّا انْقَضتْ عدتهَا كتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان يَأْمُرهُ أَن يخطبها ويبذل لَهَا مائَة ألف دِينَار فَلَمَّا خطبهَا أرْسلت إِلَى الْمُغيرَة بن نَوْفَل إِن هَذَا تَعْنِي مُعَاوِيَة أرسل يخطبني فَإِن كَانَ لَك بِنَا حَاجَة فَأقبل وخطبها إِلَى الْحُسَيْن بن عَليّ فَزَوجهَا مِنْهُ خرج ذَلِك أَبُو عمر وَذكر الدولابي أَن عليا لما أُصِيب وَأرْسل مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان يخطبها لَهُ قَالَ لَهَا الْمُغيرَة اجعلي أَمرك إِلَيّ فَأَنا خير لَك مِنْهُ فَفعلت فَدَعَا رجَالًا فَقَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قد تَزَوَّجتهَا وأصدقتها كَذَا وَكَذَا وعاش بعد زَيْنَب زَوجهَا أَبُو الْعَاصِ وَتزَوج بنت سعيد بن الْعَاصِ إِلَى أَن هلك بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة عُثْمَان وَأوصى إِلَى الزبير بن الْعَوام كَمَا تقدم رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ ذكر السيدة رقية بنت رَسُول الله

ولدت لرَسُول الله

وعمره ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وسماها رقية وَأسْلمت حِين أسلمت أمهَا خَدِيجَة وبايعته حِين بَايعه النِّسَاء قَالَ قَتَادَة بن دعامة وَمصْعَب بن الزبير فِيمَا رَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة عَنْهَا كَانَت رقية تَحت عتبَة بن أبي لَهب وَأم كُلْثُوم تَحت عتيبة فَلَمَّا نزلت سُورَة تبت قَالَ لَهما أَبوهُمَا رَأْسِي من رأسكما حرَام إِن لم تفارقا ابْنَتي مُحَمَّد ففارقاهما وَلم يَكُونَا قد دخلا بهما كَرَامَة من الله لَهما وَهَوَانًا لأبي أبي لَهب فَتزَوج رقية عُثْمَان بن عَفَّان وَهَاجَر بهَا الهجرتين إِلَى الْحَبَشَة وَالْمَدينَة وَتوفيت عِنْده وَكَانَ زواجه بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَه الدولابي وَالَّذِي ذكره غَيره أَنه كَانَ بعد إِسْلَامه وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَتَت قُرَيْش عتبَة بن أبي لَهب فَقَالُوا طلق ابْنة مُحَمَّد وَنحن نُزَوِّجك أَي امْرَأَة شِئْت فَقَالَ إِن زَوَّجْتُمُونِي ابْنة أبان بن سعيد بن الْعَاصِ فارقتها فَزَوجُوهُ ففارقها وَقد تقدم فِي ذكر الْأَعْمَام كَيْفيَّة هجرتهَا مَعَ زَوجهَا عُثْمَان

ص: 507

إِلَى الْحَبَشَة وسؤال النَّبِي

عَنْهَا الْمَرْأَة من قُرَيْش كَيفَ رأتها وَقَوله عليه الصلاة والسلام صحبهما الله إِن كَانَ عُثْمَان لأوّل من هَاجر إِلَى الله بأَهْله بعد لوط وَكَانَت رقية ذَات جمال رائع فَكَانَ يُقَال أحسن زوج رَآهُ إِنْسَان مَعَ زَوجهَا قَالَ مُحَمَّد بن قدامَة روينَا أَن فتيَان أهل الْحَبَشَة كَانُوا يعرضون لرقية ينظرُونَ إِلَيْهَا ويتجبون من جمَالهَا فآذاها ذَلِك فدعَتْ عَلَيْهِم فهلكوا جَمِيعًا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله

إِن الله أوحى إِلَيّ أَن أزوج كَرِيمَتي عُثْمَان بن عَفَّان خرجه الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه قَالَ مُصعب الزبيرِي توفيت رقية عِنْد عُثْمَان بِالْمَدِينَةِ وَالنَّبِيّ

فِي غَزْوَة بدر الْكُبْرَى وتخلف عُثْمَان بِسَبَب مَرضهَا عَن غَزْوَة بدر فَلم يشدها وَكَانَ تخلفه بِأَمْر رَسُول الله

وَضرب لَهُ بسهمه وأجره عَن ابْن شهَاب إِن مَرضهَا هُوَ أَنه اصابتهما الحصبة فمرضت وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة وَجَاء بشيره

إِلَى الْمَدِينَة بنصرة بدر وَهُوَ زيد بن حَارِثَة وَعُثْمَان قَائِم على قبر رقية قد نفض هُوَ وَمن مَعَه أَيْديهم من دَفنهَا وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما لما عزي عليه الصلاة والسلام برقية قَالَ الْحَمد لله دفن الْبَنَات من المكرمات ولدت رقية لعُثْمَان ولدا بِالْحَبَشَةِ سَمَّاهُ عبد الله قَالَ مُصعب بلغ سِتّ سِنِين وَقيل سنتَيْن فنقره فِي عينه ديك فورم وَجهه وَمرض فَمَاتَ وَصلى عَلَيْهِ رَسُول الله

وَنزل أَبوهُ عُثْمَان فِي حفرته وَقيل إِنَّه مَاتَ وَهُوَ رَضِيع وَقَالَ قَتَادَة لم

ص: 508

تَلد رقية لعُثْمَان شَيْئا وغلطوه وَالْأول أصح كَمَا تقدم رضي الله عنهما ذكر السيدة أم كُلْثُوم رضي الله عنها هِيَ أكبر من فَاطِمَة سَمَّاهَا عليه الصلاة والسلام أم كُلْثُوم وَلم يعرف لَهَا اسْم إِنَّمَا تعرف بكنيتها أسلمت حِين أسلم أخواتها وبايعت مَعَهُنَّ وَهَاجَرت حِين هَاجر رَسُول الله

فَلَمَّا توفيت رقية تزَوجهَا عُثْمَان بن عَفَّان فِي ربيع الأول سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة وَبنى بهَا فِي جمادي الْآخِرَة وروى ابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله

أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تزوج عُثْمَان أم كُلْثُوم على مثل صدَاق رقية وعَلى مثل صحبتهَا وَقد تقدم قبل هَذَا أَنَّهَا كَانَت تَحت عتيبة بن أبي لَهب ثمَّ فَارقهَا قبل دُخُوله بهَا فخلف عَلَيْهَا عُثْمَان بن عَفَّان بعد موت أُخْتهَا رقية وَعَن قَتَادَة أَن عتيبة فَارق أم كُلْثُوم ثمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِي

فَقَالَ كفرت بِدينِك وَفَارَقت ابْنَتك لَا تحبني وَلَا أحبك ثمَّ سَطَا عَلَيْهِ وشق قَمِيصه وتفل فَرجع التفل فِي وَجه التافل فَاحْتَرَقَ مَكَانَهُ فِي وَجه وَكَانَ خَارِجا إِلَى الشَّام تَاجِرًا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك فَأَكله السَّبع والقصة قد

ص: 509

تقدّمت فِي ذكر أَعْمَامه عليه الصلاة والسلام بِمَا أغْنى عَن الْإِعَادَة هُنَا قَالَ فِي الْخَمِيس رُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ أم عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه من رقية بنت رَسُول الله

وآمت حَفْصَة بنت عمر من زَوجهَا خُنَيْس بن حذافة السَّهْمِي فَمر عُثْمَان بعمر رضي الله عنهما فَقَالَ عمر لَهُ هَل لَك فِي حَفْصَة فَلم يجب فَذكر ذَلِك لرَسُول الله

فَقَالَ

هَل أدلك على خير من ذَلِك أَتزوّج أَنا حَفْصَة وأزوج عُثْمَان خيرا مِنْهَا أم كُلْثُوم خرجه أَبُو عمر ثمَّ قَالَ حَدِيث صَحِيح وَإِنَّمَا كَانَ امْتنَاع عُثْمَان رضي الله عنه لِأَنَّهُ سمع أَنه عليه الصلاة والسلام يذكر حَفْصَة وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كَانَ رَسُول الله

يَقُول أَتَانِي جِبْرِيل فَأمرنِي أَن أزوج عُثْمَان ابْنَتي وَقَالَت عَائِشَة فِي ذَلِك كن لما لَا ترجو أَرْجَى مِنْك لما ترجو فَإِن مُوسَى عليه الصلاة والسلام خرج يلْتَمس نَارا فَرجع بِالنُّبُوَّةِ خرجه إِلَى الْحسن أَبُو نعيم الْبَصْرِيّ قلت عقد هَذَا الْأَثر عَن عَائِشَة بعض الأدباء شعرًا فِي أَبْيَات أَرْبَعَة هِيَ قَوْله // (من الْخَفِيف) //

(كُن لما لَا يُرْجَى من الأمرى أَرْجَى

مِنْك يَوْمًا لما لَهُ أَنْت راجي)

(إنّ مُوسَى مضى ليقبس نَارا

من شهابٍ يلوح وَاللَّيْل داجي)

(فانثنى رَاجعا وَقد كلم الله

وناجاه وَهُوَ خير مناجي)

(وَكَذَا الكرب حِين يشْتَد بِالْمَرْءِ

فأدنى لسرعة الإنفراج)

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ عُثْمَان لما مَاتَت امْرَأَتي رقية بنت رَسُول الله

بَكَيْت بكاء شَدِيدا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام مَا يبكيك قلت أبْكِي على انْقِطَاع صهري مِنْك قَالَ فَهَذَا جِبْرِيل يَأْمُرنِي بِأَمْر الله أَن أزَوجك أُخْتهَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن عِنْدِي مائَة بنت يمتن وَاحِدَة بعد وَاحِدَة زَوجتك أُخْرَى حَتَّى لَا يقبى بعد الْمِائَة شَيْء هَذَا جبرل أَخْبرنِي أَن الله يَأْمُرنِي أَن أزَوجك أُخْتهَا وَأَن أجعَل صَدَاقهَا مثل صدَاق أُخْتهَا أخرجه الفضائلي الرَّازِيّ

ص: 510

مَاتَت أم كُلْثُوم سنة تسع من الْهِجْرَة وَصلى عَلَيْهَا ابوها

وغسلتها أَسمَاء بنت عُمَيْس وَصفِيَّة بنت عبد الْمطلب وَشهِدت أم عَطِيَّة غسلهَا فروت قَوْله عليه الصلاة والسلام اغسليها ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا أَو أَكثر من ذَلِك إِن رأيتن ذَلِك بِمَاء وَسدر واجعلن فِي الْآخِرَة كافوراً أَو شَيْئا من كافور فَإِذا فرغتن آذنني فَلَمَّا فَرغْنَا آذناه فَألْقى إِلَيْنَا حقوه وَقَالَ أشعرنها إِيَّاه قَالَت ومشطناها ثَلَاثَة قُرُون وألقيناها خلفهَا وعنها أَنه

قَالَ ابدأن بميامنها ومواضع السُّجُود مِنْهَا وَعَن ليلى بنت قائف الثقفية قَالَت كنت مِمَّن غسل أم كُلْثُوم فَكَانَ أول مَا أَعْطَانَا عليه الصلاة والسلام الحقو ثمَّ الدرْع ثمَّ الْخمار ثمَّ الملحفة ثمَّ أدرجت فِي الثَّوْب الآخر قَالَت وَرَسُول الله

جَالس على الْبَاب مَعَه كفنها فناولنا ثوبا ثوبا خرجه الدولابي وَعَن أنس شَهِدنَا مدفن بنت رَسُول الله

أم كُلْثُوم وَرَسُول الله

جَالس على شَفير الْقَبْر فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تدمعان فَقَالَ هَل فِيكُم من أحد لم يقارف اللَّيْلَة أَهله فَقَالَ أَبُو طَلْحَة أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ انْزِلْ فِي قبرها فَنزل خرجه

ص: 511

البُخَارِيّ وروى أَنه نزل فِي حفرتها عَليّ وَالْفضل بن عَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد وَأَن أَبَا طَلْحَة استأذنه عليه الصلاة والسلام فِي النُّزُول مَعَهم فَأذن لَهُ ذكره أَبُو عمر وَلَا تضَاد بَين هَذَا وَمَا قبله الْمخْرج فِي البُخَارِيّ إِذْ يجوز أَن يكون اسْتَأْذن أَولا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام ذَلِك ليثبت لأبي طَلْحَة مُوجب اخْتِصَاصه بالنزول وَقد رويت هَذِه الْقِصَّة فِي رقية وَهُوَ وهم فَإِن النَّبِي

لم يكن حَال دفن رقية حَاضرا بل كَانَ فِي غَزْوَة بدر كَمَا تقدم وَإِنَّمَا كَانَ حَاضرا فِي وَفَاة هَذِه أم كُلْثُوم ودفنها قَالَ السُّهيْلي فِي شرح سيرة ابْن هِشَام مَا الْحِكْمَة فِي قَول النَّبِي

لما دفن ابْنَته أم كُلْثُوم أَيّكُم لم يقارف اللَّيْلَة أَهله فَقَالَ أَبُو طَلْحَة أَنا وَقد كَانَ عُثْمَان احق بذلك مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ بَعْلهَا قَالَ ابْن بطال أَرَادَ النَّبِي

أَن يحرم عُثْمَان النُّزُول فِي قبرها وَقد كَانَ أَحَق النَّاس بذلك لِأَنَّهُ كَانَ بَعْلهَا وفقد مِنْهُم علقاً لَا عوض لَهُ لِأَنَّهُ حِين قَالَ النَّبِي

أَيّكُم لم يقارف اللَّيْلَة أَهله سكت عُثْمَان وَلم يقل أَنا لِأَنَّهُ كَانَ قد قارف لَيْلَة مَاتَت بعض نِسَائِهِ وَلم يشْغلهُ الْهم بالمصيبة وَانْقِطَاع صهره من النَّبِي

عَن المقارفة فَحرم بذلك مَا كَانَ حَقًا لَهُ وَكَانَ أولى بِهِ من أبي طَلْحَة وَغَيره وَهَذَا بَين فِي معنى الحَدِيث وَلَعَلَّه عليه الصلاة والسلام قد كَانَ علم ذَلِك بِالْوَحْي فَلم يقل لَهُ شَيْئا لِأَنَّهُ فعل فعلا حَلَالا غير أَن الْمُصِيبَة لم تبلغ مِنْهُ مبلغا يشْغلهُ حَتَّى حرم مَا حرم من ذَلِك بتعريض غير تَصْرِيح وَلم يكن لعُثْمَان رضي الله عنه من أم كُلْثُوم شَيْء من الْوَلَد رضي الله عنها ذكر السيدة فَاطِمَة الزهراء بنت رَسُول الله

قَالَ فِي الصفوة ولدت فَاطِمَة وقريش تبني الْكَعْبَة قبل النُّبُوَّة بِخمْس سِنِين وَهِي أَصْغَر بَنَاته

وَولدت الْحسن وَلها إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة بعد الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَقَالَ أَبُو عمر

ص: 512

ولدت فَاطِمَة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من مولده عليه الصلاة والسلام وَهُوَ مُغَاير لما تقدم من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق من أَن أَوْلَاده عليه الصلاة والسلام كلهم ولدُوا قبل النُّبُوَّة إِلَّا إِبْرَاهِيم بالِاتِّفَاقِ وَإِلَّا عبد الله على قَول ادّعى قَائِله أَن ذَلِك سَبَب تلقيبه بالطيب الطَّاهِر روى مَرْفُوعا إِنَّمَا سميت فَاطِمَة لِأَن الله تَعَالَى قد فطمها وذريتها من النَّار أخرجه الْحَافِظ الدِّمَشْقِي وروى النَّسَائِيّ لِأَن الله فطمها ومحبيها من النَّار وَسميت بتولاً والبتل الْقطع لانقطاعها عَن نسَاء زمانها فضلا وديناً وحسناً وَقيل لانقطاعها عَن الدُّنْيَا إِلَى الله سبحانه وتعالى وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير وَعَن أبي جَعْفَر قَالَ دخل الْعَبَّاس على عَليّ وَفَاطِمَة رضي الله عنهم وَأَحَدهمَا يَقُول للْآخر أَيّنَا أكبر فَقَالَ الْعَبَّاس ولدت أَنْت يَا عَليّ قبل بِنَاء قُرَيْش الْبَيْت بسنوات وَولدت أَنْت يَا فَاطِمَة وقريش تبني الْبَيْت وَرَسُول الله

ابْن خمس وَثَلَاثِينَ سنة قبل النُّبُوَّة بِخمْس سِنِين أخرجه الدولابي وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يحب فَاطِمَة حبا شَدِيدا فَتزوّجت بعلي رضي الله عنه فِي السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة وَقيل بعد أحد وَقيل بعد بنائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة

ص: 513

وَالسَّلَام بعائشة بأَرْبعَة أشهر وَنصف وَكَانَ العقد فِي رَجَب وَقيل فِي رَمَضَان وَقيل تزوج بهَا فِي صفر من السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة وَبنى بهَا فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ سنّهَا حَال تَزْوِيجهَا خمس عشرَة سنة وَخَمْسَة أشهر وَنصف وَسن عَليّ رضي الله عنه إِحْدَى وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَقيل غير ذَلِك وَلم يتَزَوَّج عَلَيْهَا عَليّ رضي الله عنه حَتَّى مَاتَت عَن أنس رضي الله عنه قَالَ جَاءَ أَبُو بكر ثمَّ عمر يخطبان فَاطِمَة إِلَى النَّبِي

فَسكت وَلم يرجع إِلَيْهِمَا شَيْئا فَانْطَلقَا إِلَى عَليّ يأمرانه بِطَلَب ذَلِك قَالَ عَليّ فنبهاني لأمر فَقُمْت أجر رِدَائي كَذَا فِي الْمَوَاهِب وَفِي سيرة الشَّامي روى الطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي خَيْثَمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من طَرِيق يحيى بن يعلى الْأَسْلَمِيّ وَالْبَزَّار من طَرِيق مُحَمَّد بن ثَابت بن أسلم وهما ضعيفان عَن أنس بن مَالك وَابْن أبي خَيْثَمَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ ابْن ثَابت إِن عمر ابْن الْخطاب أَتَى أَبَا بكر فَقَالَ مَا يمنعك أَن تتَزَوَّج فَاطِمَة بنت مُحَمَّد رَسُول الله

قَالَ لَا يزوجني قَالَ إِذا لم يزوجك فَمن يُزَوّج إِنَّك من أكْرم النَّاس عَلَيْهِ وأقدمهم فِي الْإِسْلَام قَالَ فَانْطَلق أَبُو بكر إِلَى بَيت عَائِشَة فَقَالَ يَا عَائِشَة إِذا رَأَيْت من رَسُول الله

طيب نفس وإقبالاً عَلَيْك فاذكري لَهُ أَنِّي ذكرت فَاطِمَة فَلَعَلَّ الله عز وجل أَن ييسرها لي قَالَ فجَاء رَسُول الله

فرأت مِنْهُ طيب نفس وإقبالاً فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن أَبَا بكر ذكر فَاطِمَة وامرني إِن اذْكُرْهَا فَقَالَ

حَتَّى ينزل الْقَضَاء فَرجع إِلَيْهَا أَبُو بكر فَقَالَت يَا أبتاه وددت أَنِّي لم أذكر لَهُ الَّذِي ذكرت وَقَالَ يحيى إِن أَبَا بكر رضي الله عنه جَاءَ إِلَى رَسُول الله

فَقَالَ يَا رَسُول الله لقد عرفت مني صحبتي وتقدمي فِي الْإِسْلَام وَأَنِّي وَأَنِّي فَقَالَ عليه الصلاة والسلام وَمَا ذَاك قَالَ تزَوجنِي فَاطِمَة فَسكت عَنهُ أَو قَالَ فَأَعْرض عَنهُ فَرجع أَبُو بكر إِلَى عمر فَقَالَ هَلَكت وأهلكت قَالَ عمر رضي الله عنه وَمَا ذَاك قَالَ

ص: 514

أَبُو بكر خطبت فَاطِمَة إِلَى رَسُول الله

فَأَعْرض عني وَقَالَ ابْن ثَابت فَانْطَلق عمر إِلَى حَفْصَة ابْنَته فَقَالَ لَهَا إِذا رَأَيْت من رَسُول الله اقبالا عَلَيْك فاذكري لَهُ إِنِّي قد ذكرت فَاطِمَة لَعَلَّ الله أَن ييسرها إِلَيّ فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله

إِلَى حَفْصَة قَالَت حَفْصَة وجدت مِنْهُ إقبالاً وَطيب نفس فَذكرت لَهُ أَن عمر يذكر فَاطِمَة رضي الله عنها فَقَالَ حَتَّى ينزل الْقَضَاء وَقَالَ ابْن ثَابت فَأتى عمر رَسُول الله

فَقعدَ بَين يَدَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله قد علمت مني صحبتي وَقدمي فِي الْإِسْلَام وَأَنِّي وَأَنِّي قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ تزَوجنِي فَاطِمَة فَأَعْرض عَنهُ فَرجع عمر إِلَى أبي بكر فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر إِنَّه ينْتَظر أَمر الله تَعَالَى فِيهَا فَانْطَلق عمر إِلَى عَليّ رضي الله عنه وَقَالَ يحيى بن يعلى إِن أَبَا بكر وَعمر قَالَا انْطلق بِنَا إِلَى عَليّ حَتَّى نأمره أَن يطْلب مِنْهُ مثل الَّذِي طلبنا فَقَالَ عَليّ فأتياني وَأَنا فِي سَبِيل فَقَالَا ابْنة عمك تخْطب فنبهاني لأمر فَقُمْت أجر رِدَائي طرف على عَاتِقي وطرف آخر فِي الأَرْض حَتَّى أتيت رَسُول الله

وَقَالَ بن ثَابت وَلم يكن لعَلي مثل عَائِشَة وَلَا مثل حَفْصَة فلقى رَسُول الله

فَقَالَ إِنِّي أُرِيد أَن أَتزوّج فَاطِمَة قَالَ فافعل قَالَ مَا عِنْدِي إِلَّا دِرْعِي الخطمية الحَدِيث وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما عِنْد الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق يحيى بن الْعَلَاء

ص: 515

قَالَ كَانَت فَاطِمَة لرَسُول الله

فَلَا يذكرهَا أحد إِلَّا صد عَنْهَا حَتَّى يئسوا مِنْهَا فلقى سعد بن معَاذ عليا رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ إِنِّي وَالله مَا أرى رَسُول الله

يحسبها إِلَّا عَلَيْك فَقَالَ لَهُ عَليّ هَل ترى ذَلِك مَا أَنا بِأحد الرجلَيْن مَا أَنا بِصَاحِب دنيا يلْتَمس مَا عِنْدِي وَقد علم مَالِي بَيْضَاء وَلَا صفراء وَمَا أَنا بالكافر الَّذِي يترفق بهَا عَن دينه يَعْنِي يتألفه إِنِّي لأوّل من أسلم فَقَالَ لَهُ سعد بن معَاذ إِنِّي أعزم عَلَيْك لتقر بهَا عَيْني فَإِن لي فِي ذَلِك فَرحا قَالَ عَليّ رضي الله عنه أَقُول مَاذَا قَالَ سعد تَقول جِئْت خاطباً إِلَى الله وَرَسُوله فَاطِمَة بنت مُحَمَّد فَانْطَلق عَليّ رضي الله عنه فَعرض للنَّبِي

وَهُوَ ثقيل حضر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله

كَانَ لَك حَاجَة يَا عَليّ قَالَ أجل جِئْت خاطباً إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى رَسُوله بنت مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ مرْحَبًا كلمة ضَعِيفَة فَرجع عَليّ إِلَى سعد فَقَالَ لَهُ قد فعلت الَّذِي أَمرتنِي بِهِ فَلم يزدْ على أَن مرحب بِي كلمة ضَعِيفَة فَقَالَ سعد انكحك رَسُول الله

وَفِي حَدِيث بُرَيْدَة عِنْد الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِرِجَال ثِقَات غالبهم رجال الصَّحِيح وَالنَّسَائِيّ والدولابي أَن نَفرا من الْأَنْصَار قَالُوا لعَلي لَو خطبت فَاطِمَة بنت رَسُول الله

وَفِي لفظ لَو كَانَت عنْدك فَاطِمَة فَدخل عَليّ على النَّبِي

فَقَالَ رَسُول الله

مَا حَاجَة ابْن أبي طَالب فَقَالَ يَا رَسُول الله ذكرت فَاطِمَة فَقَالَ رَسُول الله

مرْحَبًا وسهلا لم يزده عَلَيْهِمَا فَخرج على أُولَئِكَ الرَّهْط من الْأَنْصَار وهم ينتظرونه فَقَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ لَا أَدْرِي غير أَنه قَالَ لي مرْحَبًا وَأهلا قَالُوا يَكْفِيك من رَسُول الله

إِحْدَاهمَا أَعْطَاك الْأَهْل والرحب وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فَقَالَ سعد أنكحك وَالَّذِي بَعثه بِالْحَقِّ إِنَّه لَا خلف وَلَا كذب عِنْده أعزم عَلَيْك لتأتينه غَدا فَتَقول يَا رَسُول الله مَتى تبنيني بأهلي

ص: 516

فَقَالَ عَليّ هَذِه أَشد من الأولى أَولا أَقُول يَا رَسُول الله حَاجَتي قَالَ سعد قل كَمَا أَمرتك فَانْطَلق عَليّ فَقَالَ يَا رَسُول الله مَتى تبنيني بأهلي قَالَ اللَّيْلَة إِذا شَاءَ الله قَالَ فِي التَّنْقِيح روى عَن عَليّ نَفسه أَنه قَالَ قَالَت لي مولاتي هَل علمت أَن فَاطِمَة خطبت إِلَى رَسُول الله

قلت لَا قَالَت خطبت فَمَا يمنعك إِن تَأتي رَسُول الله

فيزوجك قلت مَا عِنْدِي شَيْء أَتزوّج بِهِ قَالَت فَإنَّك إِن جِئْته يزوجك فَمَا زَالَت ترغبني حَتَّى دخلت عَلَيْهِ عليه الصلاة والسلام وَكَانَت لَهُ عليه الصلاة والسلام جلالة وهيبة فَلَمَّا قعدت بَين يَدَيْهِ أفحمت فوَاللَّه مَا قدرت أَتكَلّم فَقَالَ مَا جَاءَ بك أَلَك حَاجَة فَسكت فَقَالَ لَعَلَّك جِئْت تخْطب فَاطِمَة قلت نعم قَالَ فَهَل لَك عنْدك شَيْء تستحلها بِهِ فَقلت لَا وَالله فَقَالَ مَا فعلت بالدرع الَّتِي أسلحتكها فَقلت عِنْدِي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا الحطمة مَا ثمنهَا إِلَّا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم قَالَ قد زَوجتك بهَا فَابْعَثْ إِلَيْنَا بهَا فَإِن كَانَت لصداق بنت رَسُول الله

أخرجه ابْن إِسْحَاق وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ مِمَّا أصبت يَوْم بدر شارفا واعطاني رَسُول الله

شارفاً أُخْرَى فَكنت آتِي عَلَيْهِمَا بالآجر فأبيعه وأجمعه لأدفع مَا يتَحَصَّل من ثمن ذَلِك فِي مهر فَاطِمَة رضي الله عنها فكانتا معلقتين بالفناء وَكَانَ حَمْزَة رضي الله عنه فِي حجرَة قَرِيبا مِنْهُمَا فِي شرب من الْأَنْصَار يشربون الْخمر قبل تَحْرِيمهَا وقينتان تغنيانهم فَقَالَتَا فِي غنائهما هَذِه الأبيات // (من الوافر) //

(أَلا يَا حمز للشُّرف النّواء

وهنّ معقّلاتٌ بالفناء)

ص: 517

(ضع السكين فِي اللبات مِنْهَا

وخضبن حَمْزَة بالدّماء)

(وعجّل من أطايبها لشربٍ

قديداً من طبيخٍ أَو شواء)

فَلَمَّا سمع حَمْزَة اخْتَرَطَ سَيْفه وَخرج إِلَى الشارفين فشق بطنهما واخرج من اكبادهما ثمَّ اجتب اسمنتهما وأتى بذلك عَليّ رضي الله عنه فَأَتَانِي الْخَبَر فَأتيت فَلَمَّا رأيتهما لم أملك عَيْني فَدخلت إِلَى النَّبِي

وَعِنْده رجال من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَأَخْبَرته فَقَامَ يجر رِدَاءَهُ وَقَامُوا مَعَه حَتَّى دخل على حَمْزَة وَهُوَ ثمل وَعَيناهُ جمرتان فَوقف على رَأسه وَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي فعلته يَا حَمْزَة فَصَعدَ حَمْزَة النّظر فِي النَّبِي

وَصَوَّبَهُ ثمَّ قَالَ إِن أَنْتُم يَا بني عبد الْمطلب إِلَّا عبيد أبي فَرجع عَنهُ

وَمَشى الْقَهْقَرِي حَتَّى خرج قلت لم يكن بكاء عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حرصاً مِنْهُ على الدُّنْيَا حاشاه من ذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ حزن لتوهم فَوَات مَا هما وَسِيلَة فِي تَحْصِيله من تزَوجه بفاطمة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلذَا قَالَ رضي الله عنه للنَّبِي

حِين قَالَ هَل عنْدك شَيْء تستحلها بِهِ قَالَ لَا وَالله هَذَا والشرف جمع شَارف وَهِي النَّاقة الشَّابَّة والنواء بِكَسْر النُّون مُشَدّدَة جمع ناوية وَهِي السمينة الممتلئة شحماً والني بِالْفَتْح الشَّحْم قَالَ أَبُو الطّيب فِي وصفهَا // (من الْكَامِل) //

(فتبيت تُسئد مسئداً فِي نيّها

إسآدها فِي المهمه الإنضاء)

وَهَذَا الْبَيْت مِمَّا تَدور فِيهِ أفهام الروَاة وَلَا يشفى دَاء مَعْنَاهُ إِلَّا أطباء النُّحَاة وَالله أعلم وَقَالَ يحيى بن يعلى فَقَالَ رَسُول الله

مَا عنْدك يَا عَليّ فَقَالَ فرسي وبدني ودرعي يَعْنِي الحطمة فَقَالَ عليه الصلاة والسلام أما فرسك فَلَا بُد لَك مِنْهُ وَأما بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وَثَمَانِينَ درهما فَأتيت بهَا رَسُول الله

فوضعها فِي حجره فَقبض مِنْهَا قَبْضَة فَقَالَ أَي بِلَال ابتع لنا بهَا طيبا وَالْبَاقِي ادفعه

ص: 518

إِلَى أم أَيمن وَقَالَ يكون فِيمَا يصلح الْمَرْأَة وزجها رَسُول الله

قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي تلقيحه قَالَ انس بن مَالك خَادِم رَسُول الله

ثمَّ دَعَاني النَّبِي

فَقَالَ لي يَا أنس اخْرُج فَادع لي أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وطحلة الزبير وعدة من الْأَنْصَار قَالَ أنس فدعوتهم فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْده وَأخذُوا مجَالِسهمْ وَكَانَ عَليّ غَائِبا فِي حَاجَة للنَّبِي

فَقَالَ النَّبِي

خاطباً خطْبَة العقد الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته المعبود بقدرته المطاع سُلْطَانه المرهوب من عَذَابه وسطوته النَّافِذ أمره فِي سمائه وأرضه الَّذِي خلق الْخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بِدِينِهِ واكرمهم بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد

إِن الله سُبْحَانَهُ وتبارك اسْمه وتعالت عَظمته جعل الْمُصَاهَرَة نسبا لَا حَقًا وأمداً مفترضاً أوشج بِهِ الْأَرْحَام وألزم الْأَنَام فَقَالَ عز من قَائِل {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} الْفرْقَان 54 فَأمر الله تَعَالَى يجْرِي إِلَى قَضَائِهِ وقضاؤه إِلَى قدره وَلكُل قَضَاء قدر وَلكُل قدر أجل وَلكُل أجل كتاب {يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثّبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكتاب} الرَّعْد 39 إِن الله تَعَالَى أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة بنت خَدِيجَة من عَليّ ابْن أبي طَالب فَاشْهَدُوا أَنِّي قد زَوجته على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة إِن رَضِي عَليّ بذلك ثمَّ دَعَا عليه الصلاة والسلام بطبق من بسر فَوضع بَين ايدينا ثمَّ قَالَ انتبهوا فانتبهنا فَبينا نَحن ننتهب إِذْ دخل عَليّ رضي الله عنه فَتَبَسَّمَ رَسُول الله

فِي وَجهه ثمَّ قَالَ إِن الله أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة بنت مُحَمَّد على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة إِن رضيت فَقَالَ عَليّ قد رضيت بذلك يَا رَسُول الله قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَالْعقد لعَلي وَهُوَ غَائِب مَحْمُول على أَنه كَانَ لَهُ وَكيل حَاضر أَو على أَنه لم يرد بِهِ العقد بل إِظْهَار ذَلِك ثمَّ عقد مَعَه لما حضر أَو على تَخْصِيصه بذلك جمعا بَينه وَبَين مَا ورد مِمَّا يدل على اشْتِرَاط الْقبُول على الْفَوْر قلت لَا حَاجَة إِلَى هَذَا الْحمل إِذْ قد صرح فِي الحَدِيث بِأَن النَّبِي

اعاد

ص: 519

الْإِيجَاب عِنْد حُضُور عَليّ رضي الله عنه بقوله إِن الله زَوجك فَاطِمَة بنت مُحَمَّد إِلَى آخِره وَوَقع الْقبُول من عَليّ على الْفَوْر وَهُوَ مَا ذكره صَاحب الْمَوَاهِب فِي الْحمل الثَّانِي وَالله أعلم ثمَّ أَمرهم أَن يجهزوها فَجعل لَهَا شريط مشرط ووسادة من أَدَم حشوها لِيف وروى الإِمَام أَحْمد فِي المناقب عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ جهز رَسُول الله

فَاطِمَة فِي خميلة وقربة ووسادة من أَدَم حشوها لِيف وروى أَبُو بكر بن فَارس عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ وَكَانَ فرَاش عَليّ وَفَاطِمَة لَيْلَة عرسهما إهَاب كَبْش وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مُسلم بن خَالِد الزنْجِي حَدثنِي جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ حَضَرنَا عرس عَليّ بن أبي طَالب على فَاطِمَة بنت رَسُول الله

فَمَا رَأينَا عرساً أحسن مِنْهُ هيأ لنا رَسُول الله

زبيباً وَتَمْرًا فأكلنا وروى عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس بِسَنَد ضَعِيف قَالَت دخلت فَاطِمَة بنت رَسُول الله

على درع ممشق بمغرة وَنصف قطيفة بَيْضَاء وقدح وَأَن كَانَت تستر بكم درعها وَمَا لَهَا خمار رضي الله عنها وَقَالَت يَعْنِي أَسمَاء اعطاني رَسُول الله

آصعاً من تمر وَمن شعير فَقَالَ إِذا دخلن عَلَيْك نسَاء الْأَنْصَار فأطعميهن مِنْهُ وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عون بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس أَيْضا قَالَت أهديت جدتك فَاطِمَة إِلَى جدك عَليّ رضي الله عنه فَمَا كَانَ حَشْو فراشهما

ص: 520

ووسادتهما إِلَّا لِيف وَلَقَد أولم عَلَيْهَا فَمَا كَانَت وَلِيمَة فِي ذَلِك الزَّمَان أفضل من وليمته رهن درعه عِنْد يَهُودِيّ بِشَطْر من شعير وَرَوَاهُ الدولابي عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس كَانَ وليمتها آصعاً من شعير وتمر وحيس وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فَدَعَا رَسُول الله

بِلَالًا فَقَالَ يَا بِلَال اني قد زوجت ابْنَتي ابْن عمي وَأَنا أحب أَن يكون من سنة أمتى إطْعَام الطَّعَام عِنْد النِّكَاح فَخذ شَاة وَأَرْبَعَة أَمْدَاد أَو خَمْسَة فَاجْعَلْ لي قَصْعَة لعَلي أَدْعُو عَلَيْهَا الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَإِذا فرغت مِنْهَا فَآذِنِّي بهَا فَانْطَلق فَفعل لما أمره بِهِ ثمَّ أَتَاهُ بالقصعة فوضعها بَين يَدَيْهِ فطعن رَسُول الله

فِي رَأسهَا ثمَّ قَالَ أَدخل على النَّاس دفْعَة دفْعَة فَجعل النَّاس يردون كلما فرغت دفْعَة وَردت أُخْرَى حَتَّى فرغ النَّاس ثمَّ مد رَسُول الله

يَده إِلَى مَا فضل مِنْهَا فتفل فِيهِ وبرك وَقَالَ يَا بِلَال احملها إِلَى أمهاتك وَقل لَهُنَّ يأكلن مِنْهَا ويطعمن من يعتريهن وَعند الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح فِي حَدِيث أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت لما أهديت فَاطِمَة إِلَى عَليّ رضي الله عنهما لم تَجِد فِي بَيته إِلَّا رملاً مَبْسُوطا أَي سَعَفًا مرمولاً منسوجاً ووسادة حشوها لِيف وجرة وكوزاً فَجَاءَت السيدة فَاطِمَة مَعَ أم أَيمن وَقَعَدت فِي جَانب الْبَيْت وَأم أَيمن فِي جَانب وَأرْسل عليه الصلاة والسلام لعَلي لَا تقرب أهلك حَتَّى آتِيك فجَاء عليه الصلاة والسلام فَقَالَ هَهُنَا أخي فَقَالَت أم أَيمن أَخُوك وَقد زَوجته ابْنَتك قَالَ إِنَّه أخي فَدخل رَسُول الله

الْبَيْت فَقَالَ لفاطمة ائْتِنِي بِمَاء فَقَامَتْ إِلَى قَعْب فِي الْبَيْت فَأَتَت فِيهِ بِمَاء فَأَخذه رَسُول الله

وَمَج فِيهِ ثمَّ قَالَ لَهَا تقدمي فتقدمت فنضح بَين ثدييها ورأسها وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم ثمَّ قَالَ رَسُول الله

ائْتُونِي بِمَاء فَعمِلت الَّذِي يُرِيد فملأت الْقَعْب مَاء فَأَخذه وَمَج فِيهِ وصنع بعلي مثل مَا صنع بفاطمة ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ بَارك فيهمَا وَبَارك لَهما فِي ابنائهما وَفِي

ص: 521

وَفِي لفظ بَارك لَهما فِي نسلهما ثمَّ قَالَ ادخل بأهلك فباسم الله وَالْبركَة وَفِي رِوَايَة فَدَعَا بِإِنَاء فَسمى ثمَّ قَالَ فِيهِ مَا شَاءَ أَن يَقُول ثمَّ مسح صدر عَليّ وَوَجهه بِهِ ثمَّ دَعَا فَاطِمَة فَقَامَتْ إِلَيْهِ تعثر فِي مرْطهَا من الْحيَاء فنضح عَلَيْهَا من ذَلِك الما ثمَّ قَالَ لَهَا أما إِنِّي لم آل إِن انكحتك احب أهل أَهلِي إِلَيّ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ بَارك إِلَى آخر مَا تقدم وَأورد الضياء الْمَقْدِسِي فِي صَحِيحه قَالَ قَالَت أَسمَاء بنت عُمَيْس رأى رَسُول الله

سواداً من وَرَاء السّتْر أَو من وَرَاء الْبَاب فَقَالَ من هَذَا قلت أَسمَاء قَالَ أَسمَاء بنت عُمَيْس قلت نعم يَا رَسُول الله جِئْت كَرَامَة لرَسُول الله

إِن الفتاة يبْنى بهَا اللَّيْلَة وَلَا بُد لَهَا من امْرَأَة تكون قَرِيبا مِنْهَا إِن عرضت لَهَا حَاجَة أفضت بهَا إِلَيْهَا قَالَت أَسمَاء فَدَعَا لي بِدُعَاء إِنَّه لأوثق عَمَلي عِنْدِي ثمَّ قَالَ لعَلي دُونك أهلك ثمَّ خرج فَمَا زَالَ يدعوا لَهما حَتَّى تواره فِي حجره تَنْبِيه تقدم أَن عليا رضي الله عنه أصدقهَا درعاً وَأَنه بَاعَ الدرْع وَأصْدقهَا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم قَالَ أَبُو جَعْفَر يشبه أَن يكون العقد وَقع على الدرْع كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث عَليّ رضي الله عنه وَبعث بهَا عَليّ ثمَّ ردهَا رَسُول الله

ليبيعها فباعاها وَأَتَاهُ بِثمنِهَا من غير أَن يكون بَين الْحَدِيثين تضَاد وَقد ذهب إِلَى مَدْلُول كل وَاحِد من الْحَدِيثين قَائِل فَقَالَ بَعضهم كَانَ مهرهَا رضي الله عنها الدرْع وَلم يكن هُنَاكَ بَيْضَاء وَلَا صفراء وَقَالَ بَعضهم كَانَ مهرهَا رضي الله عنها أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِينَ درهما أَو مِثْقَالا من فضَّة تَنْبِيه آخر قد تضمن حَدِيث ابْن عَبَّاس وَحَدِيث عَليّ رضي الله عنهما وَحَدِيث أنس أَن الَّذِي حثه على تَزْوِيج فَاطِمَة متضاد وَلَا تضَاد بَينهمَا لاحْتِمَال أَن تكون مولاته حثته أَولا ثمَّ أَبُو بكر وَعمر أَو بِالْعَكْسِ ثمَّ خرج لذَلِك فَلَقِيَهُ الْأَنْصَار فحثوه

ص: 522

على ذَلِك من غير أَن يكون أحدهم علم بِالْآخرِ تَنْبِيه آخر يحْتَمل أَن تُرِيدُ أَسمَاء بِمَا روته فِي حَدِيثهَا عَن وليمته رضي الله عنه مَا قَامَ بِهِ هُوَ نَفسه غير مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْصَار من الحيس وَالتَّمْر جمعا بَين الْحَدِيثين وَأَن يكون رَسُول الله

دفع لَهَا مَعَ ذَلِك الآصع من التَّمْر وَالشعِير وَأَن يكون مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْصَار وَلِيمَة الرِّجَال وَمَا دَفعه لَهَا وَلِيمَة النِّسَاء كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيثهَا وَالله أعلم روى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ دخل رَسُول الله

بَيت فَاطِمَة وَعلي عِنْدهَا وهما يضحكان فَلَمَّا رأياه سكتا فَقَالَ لَهما رَسُول الله

مَا لَكمَا كنتما تضحكان فَلَمَّا رأيتماني سكتما فبادرت فَاطِمَة فَقَالَت بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ هَذَا أَنا أحب إِلَى رَسُول الله مِنْك فَقلت بل أَنا أحب إِلَى رَسُول الله مِنْك فَتَبَسَّمَ رَسُول الله

وَقَالَ أَنْت ابْنَتي وَلَك رقة الْوَلَد وَعلي أعز عَليّ مِنْك وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَغوِيّ عَن أُسَامَة بن زيد إِن رَسُول الله

قَالَ أحب أَهلِي إِلَيّ فَاطِمَة وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ يَا رَسُول الله أَيّنَا أحب إِلَيْك أَنا أم فَاطِمَة فَقَالَ عليه الصلاة والسلام فَاطِمَة أحب إِلَيّ مِنْك وَأَنت أعز عَليّ مِنْهَا وروى الطَّبَرَانِيّ وَابْن السّني وَأَبُو سعد النَّيْسَابُورِي فِي

ص: 523

شرف النُّبُوَّة عَن عَليّ رضي الله عنه ان رَسُول الله

قَالَ لفاطمة إِن الله يغْضب لغضبك ويرضى لرضاك وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس رضي الله عنها قَالَت خطبني عَليّ رضي الله عنه فَبلغ ذَلِك فَاطِمَة بنت رَسُول الله

فَأَتَت رَسُول الله

فَقَالَت إِن أَسمَاء متزوجة عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ مَا كَانَ لَهَا أَن تؤذي الله وَرَسُوله وَعَن ابْن عَبَّاس والمسور بن مخرمَة رضي الله عنهم أَن عَليّ بن أبي طَالب خطب بنت أبي جهل وَعِنْده فَاطِمَة بنت رَسُول الله

فَلَمَّا سَمِعت ذَلِك أَتَت النَّبِي

فَقَالَت إِن قَوْمك يتحدثون أَنَّك لَا تغْضب لبناتك وَهَذَا عَليّ ناكح ابْنة أبي جهل فَصَعدَ

الْمِنْبَر وَقَالَ أما بعد فَإِنِّي لست أحرم حَلَالا وَلَا أحلل حَرَامًا وَلَكِن إِن كنت متزوجها فَرد علينا بنتنا وَالله لَا تَجْتَمِع بنت رَسُول الله وَبنت عَدو الله عِنْد رجل وَاحِد أبدا زَاد الْمسور فِي رِوَايَته إِن بني هَاشم وَبني الْمُغيرَة استأذنوني فِي أَن ينحكوا ابنتهم عَليّ بن أبي طَالب فَلَا آذن لَهُم إِلَّا أَن يحب ابْن أبي طَالب أَن يُطلق ابْنَتي ويتزوج ابنتهم فَإِنَّمَا ابْنَتي بضعَة مني يريبني مَا رابها وَيُؤْذِينِي مَا آذاها أخرجه الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْنَة أبي جهل هَذِه اسْمهَا جوَيْرِية أسلمت وبايعت تزَوجهَا عتاب بن أسيد ثمَّ أبان بن سعيد بن الْعَاصِ

ص: 524

قلت أَخْبرنِي الثِّقَة أَنه حضر مجْلِس الإِمَام المرحوم الْمُقَدّس السَّيِّد الشريف الإِمَام الْحق والقائم الصدْق أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم الإِمَام الدَّاعِي بقطر الْيمن كأسلافه الطاهرين نور الله ضريحه وَجعل الرَّحِيق الْمَخْتُوم غبوقه وصبوحه وَكَانَ يقريء من حَدِيث رَسُول الله

صَحِيح البُخَارِيّ والمجلس غاص بالسادة الْعلمَاء والقادة الْفُضَلَاء وَكَانَ إِلَى جنبه الْعَلامَة المستغنى عَن التَّعْرِيف والعلامة مجمع بحري الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول منبع نهري الْفُرُوع وَالْأُصُول مَوْلَانَا وَشَيخنَا الْفَقِيه صَالح ابْن المرحوم الْمهْدي عرف بالمقبلي فَقَرَأَ القاريء قِطْعَة من هَذَا الحَدِيث كَمَا هُوَ شَأْن البُخَارِيّ فِي اقتطاعه بعض الحَدِيث شَوَاهِد لأبواب يترجم لَهَا هِيَ قَوْله فَاطِمَة بضعَة مني إِلَى آخِره فَبين لَهُ المرحوم الإِمَام الْمَعْنى من ذَلِك فَإِذا بشخص من الْحَاضِرين هُوَ القاريء عينه قَالَ يَا مَوْلَانَا أَيْن عمر بن الْخطاب عَن هَذَا الحَدِيث وَقد أغضبها وآذاها فَقَالَ الإِمَام رحمه الله مَا أغضبها وَلَا آذاها عمر وَلَكِن هَذَا وَالله وأشباهه من أكاذيب الروافض على عمر رضي الله عنه ثمَّ الْتفت الإِمَام إِلَى الْفَقِيه صَالح وَقَالَ مَا تَقولُونَ فَقَالَ الْفَقِيه هَذَا الحَدِيث لَهُ أول وَهُوَ وَارِد عَنهُ عليه الصلاة والسلام بِسَبَب وقصة وَأورد الحَدِيث وقصته هَذِه الْمَذْكُورَة فرحم الله من سلف وَأبقى لنا الْفَقِيه فَهُوَ خير خلف انْتهى وروى الإِمَام أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ثَوْبَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله

إِذا سَافر آخر عَهده إتْيَان فَاطِمَة وَأول من يدْخل عَلَيْهِ إِذا قدم فَاطِمَة وروى أَبُو عمر عَن أبي ثَعْلَبَة كَانَ عليه الصلاة والسلام إِذا قدم من سفر أَو غز بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَتَى فَاطِمَة رضي الله عنها ثمَّ أَتَى أَزوَاجه وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت مَا رَأَيْت أحدا أشبه سمتاً وَلَا هَديا وَلَا حَدِيثا برَسُول الله

فِي قِيَامهَا وقعودها من فَاطِمَة وروى ابْن حبَان عَنْهَا أَيْضا مَا رَأَيْت أحدا أشبه كلَاما

ص: 525

برَسُول الله

من فَاطِمَة رضي الله عنها إِذْ دخل

عَلَيْهَا قَامَت إِلَيْهِ فقبلته وَأخذت بِيَدِهِ وأجلسته مَكَانهَا فَدخلت عَلَيْهِ فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ فَأسر إِلَيْهَا فَبَكَتْ ثمَّ أسر إِلَيْهَا فَضَحكت فَقلت كنت أَحسب أَن هَذِه الْمَرْأَة فضلى على النِّسَاء فَإِذا هِيَ امْرَأَة مِنْهُنَّ بَينا هِيَ تبْكي إِذْ هِيَ تضحك فَلَمَّا توفّي رَسُول الله

سَأَلتهَا عَن ذَلِك فَقَالَت أسر إِلَى أَنه ميت فَبَكَيْت ثمَّ أسر إِلَى أَنِّي أول أَهله لُحُوقا بِهِ فَضَحكت وروى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله

قَالَ إِن ملكا فِي السَّمَاء لم يكن زارني فَاسْتَأْذن ربه فِي زيارتي فبشرني وَأَخْبرنِي أَن فَاطِمَة سيدة نسَاء أمتِي وروى عَن عَائِشَة رضي الله عنها مَا رَأَيْت أفضل من فَاطِمَة غير أَبِيهَا وروى أَبُو يعلى بِرِجَال الصَّحِيح عَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت مَا رَأَيْت أحدا كَانَ أصدق لهجة من فَاطِمَة رضي الله عنها إِلَّا أَن يكون والدها وروى أَبُو يعلى بِرِجَال الصَّحِيح وَابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ قلت لأمي فَاطِمَة بنت أَسد أكفي فَاطِمَة بنت مُحَمَّد سِقَايَة المَاء والذهاب فِي الْحَاجة وتكفيك خدمَة الدَّاخِل الطَّحْن والعجن وروى الطَّبَرَانِيّ عَن عمرَان ابْن الْحصين رضي الله عنه قَالَ اني جَالس عِنْد رَسُول الله

إِذْ اقبلت فَاطِمَة فَقَامَتْ بحذاء النَّبِي

فَقَالَ لَهَا رَسُول الله

ادني يَا فَاطِمَة فدنت دنوة ثمَّ قَالَ ادني يَا فَاطِمَة فدنت دنوة ثمَّ قَالَ ادني يَا فَاطِمَة فدنت حَتَّى قَامَت بَين

ص: 526

يَدَيْهِ قَالَ عمرَان فَرَأَيْت صفرَة قد ظَهرت على وَجههَا وَذهب الدَّم فَبسط رَسُول الله

بَين أَصَابِعه ثمَّ وضع كَفه بَين ترائبها وَرفع رَأسه فَقَالَ اللَّهُمَّ مشبع الجوعة وقاضي الْحَاجة وَرَافِع الضيقة لَا تجع فَاطِمَة بنت مُحَمَّد قَالَ عمرَان فَرَأَيْت صفرَة الْجُوع قد ذهبت عَن وَجههَا وَظهر الدَّم ثمَّ سَأَلتهَا بعد ذَلِك فَقَالَت مَا جعت بعد ذَلِك وروى الإِمَام أَحْمد بِسَنَد جيد عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ لفاطمة رضي الله عنها ذَات يَوْم لقد سنوت حَتَّى اشتكيت صَدْرِي وَقد جَاءَ أَبَاك سبي فاذهبي فاستخدميه فَقَالَت وَأَنا وَالله لقد طحنت حَتَّى مجلت يَدي فَأَتَت رَسُول الله

فَقَالَ مَا جَاءَ بك أَي بنية قَالَت جِئْت لأسلم عَلَيْك فاستحيت أَن تسأله وَرجعت فَقَالَ لَهَا عَليّ مَا فعلت قَالَت استحييت أَن اسأله فَأتيَا جَمِيعًا رَسُول الله

لله فَقَالَ عَليّ يَا رَسُول الله لقد سنوت حَتَّى اشتكيت صَدْرِي وَقَالَت فَاطِمَة يَا رَسُول الله لقد طحنت حَتَّى مجلت يَدي وَقد جَاءَك الله بسبي وسعة فأخدمنا فَقَالَ وَالله لَا أُعْطِيكُم وأدع أهل الصّفة تطوى بطونهم من الْجُوع لَا أجد مَا أنْفق عَلَيْهِم فَرَجَعَا فأتاهما رَسُول الله

وَقد دخلا فِي قطيفتهما إِذا غطيت رءوسهما تكشف أقدامهما وَإِذا غطيت أقدامهما تكشف رءوسهما فَقَالَ مَكَانكُمَا ثمَّ قَالَ أَلا أخبركما بِخَير مِمَّا سألتما قَالَا بلَى قَالَ كَلِمَات علمنيهن جِبْرِيل قَالَ تسبحان دبر كل صَلَاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا فَإِذا أويتما إِلَى فراشكما فسبحا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ واحمدا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وكبرا أَرْبعا وَثَلَاثِينَ وروى الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى قَالَت إِن رَسُول الله

ص: 527

اتاهما فَقَالَ أَيْن ابناي يَعْنِي حسنا وَحسَيْنا قَالَت أصحبنا وَلَيْسَ فِي بيتنا شَيْء يذوقه ذائق فَقَالَ عَليّ أذهب بهما فَإِنِّي أَخَاف أَن يبكيا عَلَيْك وَلَيْسَ عنْدك شَيْء فَأَخذهُمَا فَذهب بهما إِلَى فلَان الْيَهُودِيّ فَتوجه إِلَيْهِ رَسُول الله

فوجدهما فِي مربد بَين أَيْدِيهِمَا فضل من تمر فَقَالَ رَسُول الله

إِلَّا تقلت ابْني قبل أَن يشْتَد الْحر قَالَ عَليّ أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ فِي بيتنا شَيْء فَلَو جَلَست يَا رَسُول الله حَتَّى أجمع لفاطمة تَمرا فَكَانَ يجمع لَهَا بِعَمَلِهِ فِي كل دلو يمتحه تَمْرَة فَجَلَسَ رَسُول الله

حَتَّى اجْتمع لفاطمة شَيْء من التَّمْر فَجعله عَليّ فِي حجزته ثمَّ أقبل فَحمل النَّبِي

أَحدهمَا وَحمل عَليّ الآخر حَتَّى أَقبلَا بهما وروى الإِمَام أَحْمد عَن أنس رضي الله عنه أَن بِلَالًا رضي الله عنه أَبْطَأَ عَن صَلَاة الصُّبْح فَقَالَ لَهُ رَسُول الله

مَا حَسبك قَالَ مَرَرْت بفاطمة وَهِي تطحن وَالصَّبِيّ يبكي فَقلت إِن شِئْت كفيتك الرَّحَى وكفيتني الصَّبِي وَإِن شِئْت كفيتك الصَّبِي وكفيتني الرَّحَى فَقَالَت أَنا أرْفق بِابْني مِنْك فَذَاك الَّذِي حَبَسَنِي وروى الْبَزَّار وَتَمام فِي فؤائده وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي والعقيلي وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود وَابْن شاهين وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق آخر عَنهُ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِسَنَد رجال ثِقَات عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رَسُول الله

قَالَ فَاطِمَة أحصنت فرجهَا فَحَرمهَا الله عز وجل وذريتها على النَّار زَاد

ص: 528

الْعقيلِيّ قَالَ أَبُو كريب هَذَا لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن وَلمن أطَاع الله مِنْهُم وَفِي لفظ إِن الله عز وجل غير معذبك وَلَا ولدك وروى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ أَن الإِمَام عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هَذَا خَاص بالْحسنِ وَالْحُسَيْن قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد الشَّامي الصَّوَاب أَن هَذَا الحَدِيث سَنَده قريب من الْحسن وَالْحكم عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ غلط وروى تَمام وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ رضي الله عنه وَأَبُو بكر الشَّافِعِي عَن أبي هُرَيْرَة وَتَمام عَن أبي أَيُّوب وَأَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان والخطيب عَن عَائِشَة والأزدي عَن أبي سعيد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بأسانيد ضَعِيفَة إِذا انْضَمَّ بَعْضهَا إِلَى بعض أَفَادَ قُوَّة إِن رَسُول الله

قَالَ

ص: 529

إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد من بطْنَان الْعَرْش يَا أَيهَا النَّاس وَفِي لفظ يأهل الْجمع غضوا أبصاركم ونكسوا رءوسكم حَتَّى تجوز فَاطِمَة بنت مُحَمَّد

إِلَى الْجنَّة وَفِي لفظ حَتَّى تمر على الصِّرَاط فتمر وَعَلَيْهَا ريطتان خضراوان ذكر اولادهما رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وعنهم قَالَ اللَّيْث بن سعد رَحمَه الله تَعَالَى تزوج عَليّ فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَولدت لَهُ حسنا وَحسَيْنا ومحسناً بميم مَضْمُومَة فحاء مُهْملَة فسين مُشَدّدَة مَكْسُورَة وَزَيْنَب وَأم كُلْثُوم ورقية وَقَالَ مَاتَت صَغِيرَة دون الْبلُوغ وَسَيَأْتِي ذكر الْحسن فِي خِلَافَته وَذكر الْحُسَيْن فِي خلَافَة يزِيد بن معاوي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما محسن فَمَاتَ صَغِيرا وَكلهمْ ولدُوا قبل وَفَاته عليه الصلاة والسلام وَتَزَوَّجت زَيْنَب بنت فَاطِمَة ابْن عَمها عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَمَاتَتْ عِنْده وَقد ولدت لَهُ عليا وعوناً وجعفراً وعباساً وَأم كُلْثُوم قَالَ الشَّامي فِي سيرته أَوْلَاد زَيْنَب الْمَذْكُورَة من عبد الله بن جَعْفَر موجودون بِكَثْرَة الْعقب مِنْهُ فِي عَليّ وَأُخْته أم كُلْثُوم ابْني عبد الله بن جَعْفَر وَيُقَال لمن ينْسب لهَؤُلَاء جعفري وَلَا ريب أَن لهَؤُلَاء شرفاً وَتكلم عَلَيْهِم من عشرَة أوجه الأول أَنهم من آل النَّبِي وَأهل بَيته بِالْإِجْمَاع لِأَن آله هم الْمُؤْمِنُونَ من بني هَاشم وَالْمطلب الثَّانِي أَنهم من وَلَده وَذريته بِالْإِجْمَاع الثَّالِث أَنهم يشاركون الْحسن وَالْحُسَيْن وينسبون إِلَى النَّبِي

وَفرق بَين من يُسمى ولد النَّبِي وَبَين من ينْسب إِلَيْهِ الرَّابِع هَل يُطلق عَلَيْهِم أَشْرَاف وَالْجَوَاب الشّرف على اصْطِلَاح أهل مصر يُطلق على أَنْوَاع عَام لجَمِيع أهل بَيت وخاص بالذرية فَيدْخل فِي الأول الزينبيون وَالثَّانِي وَهُوَ أخص مِنْهُ شرف النِّسْبَة وَهُوَ مُخْتَصّ بالْحسنِ وَالْحُسَيْن الْخَامِس تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة بِالْإِجْمَاع لِأَن بني جَعْفَر من الْآل السَّادِس يسْتَحقُّونَ سهم ذَوي الْقُرْبَى بِالْإِجْمَاع

ص: 530

السَّابِع يسْتَحقُّونَ من وقف بركَة الْحَبَش بِالْإِجْمَاع لِأَن نصفهَا وقف على الْأَشْرَاف وهم أَوْلَاد الْحسن وَالْحُسَيْن وَنِصْفهَا على الطالبيين وهم ذُرِّيَّة عَليّ أبي طَالب مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَإِخْوَته جَعْفَر بن أبي طَالب وذرية عقيل بن أبي طَالب وَثَبت هَذَا الْوَقْف على هَذَا الْوَجْه عِنْد قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن يُوسُف السنجاري ثَانِي عشر ربيع الآخر سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة ثمَّ اتَّصل ثُبُوته عِنْد شيخ الْإِسْلَام الْعِزّ بن عبد السَّلَام فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ اتَّصل ثُبُوته عِنْد قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة ذكر ذَلِك ابْن المتوج فِي كِتَابه إيقاظ المتأمل الثَّامِن هَل يلبسُونَ الْعَلامَة الخضراء الْجَواب لَا يمْنَع مِنْهَا من أرادها من شرِيف أَو غَيره يَعْنِي من الْمَذْكُورين وَلَا يُؤمر بهَا من تَركهَا من شرِيف أَو غَيره لِأَنَّهَا إِنَّمَا حدثت سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة بِأَمْر الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حسن ابْن مُحَمَّد بن قلاوون ملك مصر أقْصَى مَا يكون أَنه أحدث التميز بهَا لهَؤُلَاء من ذُرِّيَّة الْحسن وَالْحُسَيْن عَن غَيرهم وَقد يسْتَأْنس لاختصاصها بهم لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} الْأَحْزَاب 59 فقد اسْتدلَّ بهَا بعض الْعلمَاء على تَخْصِيص أهل الْعلم بلباس يختصون بِهِ من تَطْوِيل وإدارة طيلسان وَنَحْو ذَلِك ليعرفوا فيجلوا تكريماً للْعلم ويسألوا ويمتثل قَوْلهم إِذْ عظم الْهَيْئَة لَهُ دخل أَي دخل وَهَذَا وَجه حسن وَالله أعلم التَّاسِع هَل يدْخلُونَ فِي الْوَصِيَّة على الْأَشْرَاف أم لَا الْعَاشِر هَل يدْخلُونَ فِي الْوَقْف على الْأَشْرَاف أم لَا الْجَواب إِن وجد من الْمُوصي والواقف نَص يَقْتَضِي دُخُولهمْ أَو خُرُوجهمْ اتبع وَإِلَّا فقاعدة الْفِقْه أَن الْوَصِيَّة وَالْوَقْف ينزلان على عرف الْبَلَد وَعرف مصر من عهد الْخُلَفَاء الفاطميين إِلَى الْآن أَن الْأَشْرَاف لقب لكل حسني وحسيني فَلَا يدْخلُونَ على مُقْتَضى هَذَا الْعرف وَإِنَّمَا دخلُوا فِي وقف بركَة الْحَبَش لِأَن واقفها نَص على أَن نصفهَا على الْأَشْرَاف وَنِصْفهَا على الطالبيين وَلم يكن لرَسُول الله

عقب إِلَّا من ابْنَته فَاطِمَة رضي الله عنها فانتشر نَسْله الشريف مِنْهَا من جِهَة السبطين وَالْحسن وَالْحُسَيْن فَقَط وَيُقَال للمنسوب لأولهما

ص: 531

حسني ولثانيهما حسيني وَقد يضم للحسيني من يكون من ذُرِّيَّة إِسْحَاق بن جَعْفَر الصَّادِق ابْن مُحَمَّد الباقر ابْن عَليّ زين العابدين ابْن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الإسحاقي فَيُقَال الْحُسَيْنِي الإسحاقي وَإِن إِسْحَاق هَذَا هُوَ زوج السيدة نفيسة بنت الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ وَيُقَال بنت زيد بن الْحسن فالحسن أَخُوهَا لَا أَبوهَا وَالْأَكْثَرُونَ على الأول ولد لَهُ مِنْهَا الْقَاسِم وَأم كُلْثُوم وَلم يعقب وَأما الجعافرة المنسوبون إِلَى عبد الله بن جَعْفَر فَلهم أَيْضا شرف لكنه يتَفَاوَت فَمن كَانَ مِنْهُم من زَيْنَب بنت فَاطِمَة الزهراء رضي الله عنها فَهُوَ الشّرف وَمن كَانَ من وَلَده من غَيرهَا مَعَ كَون من كَانَ من زَيْنَب لَا يوازون شرف المنسوبين لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن لمزيد شرفهما وَكَذَا يُوصف العباسيون بالشرف لشرف بني هَاشم قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي الألقاب وَقد لقب بِهِ يَعْنِي الشّرف كل عباسي بِبَغْدَاد وعلوي بِمصْر وَفِي شُيُوخ ابْن الرّفْعَة شخص يُقَال لَهُ الشريف العباسي وَأما أم كُلْثُوم فَتَزَوجهَا عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَكَانَت صَغِيرَة دون الْبلُوغ حَال خطبتها روى أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه جَاءَ إِلَى عَليّ رضي الله عنه وكرم وَجهه فِي عدَّة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يخْطب ابْنَته أم كُلْثُوم فَقَالَ أما وَالله مَا بِي من توق إِلَى شَهْوَة وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله

يَقُول كل نسب وَسبب وصهر مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا نسبي وسببي وصهري فَأَحْبَبْت أَن أَخذ بمصاهرة رَسُول الله

فَقَالَ لَهُ عَليّ رضي الله عنه إِنَّهَا صَغِيرَة فَقَالَ قد قبلت فَزَوجهُ بهَا فأرسلها عَليّ رضي الله عنه ذَات يَوْم إِلَى عمر رضي الله عنه بطقيفة فَقَالَت لَهُ يَقُول لَك أبي انْظُر إِلَى هَذِه القطيفة فَلَمَّا أَقبلت إِلَى عمر وأخبرته بِمَا قَالَ لَهَا أَبوهَا وأرته القطيفة قَالَ عمر قولي لأَبِيك قد رَأينَا وَقَبلنَا ثمَّ إِنَّه لمس سَاقهَا فنهرته وَأَتَتْ إِلَى أَبِيهَا غَضبى وَقَالَت أرسلتني إِلَى شيخ مَجْنُون لمس ساقي وَالله لَوْلَا أَنه أَمِير الْمُؤمنِينَ لهشمت أَنفه فَقَالَ لَهَا إِنَّه زَوجك فقد زَوجتك إِيَّاه وَأرْسل لَهَا عمر أَرْبَعِينَ ألفا مهْرا وَبنى بهَا رضي الله عنه وَقتل عَنْهَا بعد أَن ولدت لَهُ زيدا الْأَكْبَر ورقية فَأَما زيد الْأَكْبَر فَعَاشَ إِلَى أَن ارتحل فَرمى فِي حنين بِحجر مَاتَ بِهِ

ص: 532

أَصَابَهُ بِهِ خَالِد بن أسلم مولى أَبِيه عمر بن الْخطاب رضي الله عنه خطأ وَلم يتْرك عقباً كَذَا فِي الْجمع الْغَرِيب وَأما رقية فَتَزَوجهَا إِبْرَاهِيم بن نعيم النحام وَمَاتَتْ عِنْده وَلَيْسَ لَهَا عقب قَالَ فِي وَسِيلَة الْمَآل قَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي وَالِدي إِسْحَاق حَدثنِي بشار عَن الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط قَالَ لما تأيمت أم كُلْثُوم من عمر بن الْخطاب دخل عَلَيْهَا أَخَوَاهَا الْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَا لَهَا أَنْت كَمَا عرفت بنت سيدة نسَاء الْعَالمين وَإنَّك وَالله إِن أمكنت عليا لينكحنك بعض أبنائه وَإِن أردْت أَن تصبي بِنَفْسِك مَالا عَظِيما لتصبينه فوَاللَّه مَا قاما حَتَّى دخل عَليّ رضي الله عنه عَليّ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ ذكر مَنْزِلَتهمْ من رَسُول الله

فَقَالُوا صدقت رَحِمك الله وجزاك عَنَّا خيرا ثمَّ قَالَ أَي بنية إِن الله قد جعل أَمرك بِيَدِك فَأَنا أحب أَن تجعليه بيَدي فَقَالَت أَي أَبَت إِنِّي وَالله امْرَأَة أَرغب فِيمَا ترغب فِيهِ النِّسَاء وَأحب أَن أُصِيب مَا تصيب النِّسَاء من الدُّنْيَا وَإِنِّي أُرِيد أَن أنظر فِي أَمر نَفسِي فَقَالَ لَا وَالله يَا بِنْتي مَا هَذَا من رَأْيك مَا هُوَ إِلَّا رَأْي هذَيْن ثمَّ قَامَ فَقَالَ وَالله لَا أكلم أحدا مِنْهُمَا أَو تفعلين فأخذا بثيابه وَقَالا اجْلِسْ يَا أَبَت فوَاللَّه مَا على هجرتك من صَبر اجعلي أَمرك بِيَدِهِ فَقَالَت قد جعلت فَقَالَ قد زَوجتك من عون بن جَعْفَر يَعْنِي ابْن أَخِيه وَإنَّهُ لغلام ثمَّ رَجَعَ عَليّ رضي الله عنه إِلَى بَيته وَبعث إِلَيْهَا بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم وَبعث إِلَى ابْن أَخِيه عون فَأدْخلهَا عَلَيْهِ قَالَ رَاوِيه الْحسن بن الْحسن فوَاللَّه مَا سَمِعت بِمثل عشق مِنْهَا لَهُ مُنْذُ خلقني الله عز وجل فَهَلَك عَنْهَا فَزَوجهَا والدها عَليّ رضي الله عنه من أخي عون بن جَعْفَر مُحَمَّد بن جَعْفَر فَولدت لَهُ جَارِيَة مَاتَت صَغِيرَة ثمَّ هلك عَنْهَا ثمَّ زَوجهَا من أخيهما عبد الله بن جَعْفَر فَمَاتَتْ عِنْده وَلم تَلد لَهُ شَيْئا فَلَا عقب لَهَا

ص: 533

وَكَانَ مَوتهَا هِيَ وَوَلدهَا من عمر الْمُسَمّى زيدا الْأَكْبَر الْمَقْتُول خطأ بيد خَالِد بن أسلم مولى زَوجهَا عمر رضي الله عنه فِي وَقت وَاحِد وَصلى عَلَيْهِمَا ابْن عمر قدمه الْحسن بن عَليّ وَكَانَ فيهمَا سنتَانِ احداهما عدم تَوْرِيث احداهما من الآخر وَالْأُخْرَى تَقْدِيم زيد على أمه مِمَّا يَلِي الإِمَام حَكَاهُ أَبُو عمر قلت لَا يشكل على قَوْله صلى عَلَيْهِمَا مَا تقدم من أَن زيدا رمى فِي حنين خطأ لجَوَاز تَأَخّر مَوته بِهِ إِلَى وَقت موت أمه وَالله أعلم رَأَيْت فِي تَارِيخ ابْن السُّبْكِيّ فِي حوادث سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة قَالَ استهلت والخليفة الْمُطِيع لله العباسي وَالسُّلْطَان معز الدولة أَحْمد بن بويه الديلمي وعملت الروافض فِي يَوْم عَاشُورَاء بدعتهم الشعناء وداهيتهم الصلعاء من تغليق الدكاكين وَتَعْلِيق المسوح السود ونثر النتن فِي الْأَسْوَاق والجيف وَخُرُوج النِّسَاء حاسرات على وجوههن وصدورهن يَنحن على الْحُسَيْن وَلما كَانَ ثَالِث عشر ربيع الأول توفّي معز الدولة بعلة الذرب وَصَارَ لَا يثبت فِي معدته شَيْء بِالْكُلِّيَّةِ وَلما أحس بِالْمَوْتِ أظهر التَّوْبَة عَن سبّ الشَّيْخَيْنِ وأناب إِلَى الله عز وجل ورد كثيرا من الْمَظَالِم وَتصدق بِكَثِير من أَمْوَاله وَأعْتق خلقا كثيرا من مماليكه وعهد إِلَى ابْنه بختيار عز الدولة بن معز الدولة وَسَببه أَنه كَانَ قد اجْتمع بعض الْعلمَاء فَكَلمهُ فِي السّنة والترضي وَأخْبرهُ أَن عليا زوج ابْنَته أم كُلْثُوم من عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فَقَالَ وَالله مَا سَمِعت بِهَذَا قطّ وَرجع إِلَى السّنة والترضي ومتابعة الْأمة بذلك ذكر وَفَاة فَاطِمَة رضي الله عنها روى بأسانيد أَحدهَا رجال أَحدهمَا رجال الصَّحِيح عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت توفيت فَاطِمَة بعد رَسُول الله

بِسِتَّة أشهر لَيْلَة الثُّلَاثَاء لثلاث خلون من رَمَضَان سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة ودفنها عَليّ بن أبي طَالب لَيْلًا وروى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح إِلَّا أَن جعفراً لم يدْرك الْقِصَّة فَفِيهِ انْقِطَاع عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ رضي الله عنهم قَالَ مكثت فَاطِمَة بعد رَسُول الله

ثَلَاثَة أشهر وَمَا رؤيت ضاحكة بعد رَسُول الله

إِلَّا أَنهم

ص: 534

امتروا فِي طرف نابها وروى الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل مُنْقَطِعًا لِأَن عبد الله لم يدْرك الْقِصَّة أَن فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لما حضرتها الْوَفَاة أمرت عليا فَوضع لَهَا فاغتسلت وتطهرت ودعت بِثِيَاب أكفانها ثِيَاب غِلَاظ خشن فلبستها ومست من حنوط ثمَّ أمرت عليا أَلا تكشف إِذا قبضت وَأَن تدرج كَمَا هِيَ وروى الإِمَام أَحْمد بِسَنَد فِيهِ من لَا يعرف عَن أم سَلمَة قَالَت اشتكت فَاطِمَة بنت رَسُول الله

شكواها الَّتِي قبضت فِيهَا فَكنت أمرضها فَأَصْبَحت يَوْمًا كأمثل مَا رَأَيْتهَا فِي شكواها قَالَت وَخرج على بعض حَاجَة فَقَالَت يَا أمه اسكبي لي غسلا فَسَكَبت لَهَا غسلا فاغتسلت كأحسن مَا رَأَيْتهَا تَغْتَسِل ثمَّ قَالَت يَا أمه أَعْطِنِي ثِيَابِي الجدد فأعطيتها فَلبِست ثمَّ قَالَت يَا أمه قدمي فرشي وسط الْبَيْت فَفعلت فاضطجعت واستقبلت الْقبْلَة وَجعلت يَدهَا تَحت خدها ثمَّ قَالَت يَا أمه إِنِّي مَقْبُوضَة الْآن وَقد تطهرت فَلَا يكشفني أحد فقبضت مَكَانهَا فجَاء عَليّ فَأَخْبَرته بِالَّذِي قَالَت وَبِالَّذِي أَمرتنِي فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه وَالله لَا يكشفنها أحد فاحتملها فدفنها بغسلها ذَلِك وَلم يكشفها وَلَا غسلهَا أحد وروى أَبُو نعيم عَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله

أَنَّهَا قَالَت لأسماء بنت عُمَيْس يَا أَسمَاء إِنِّي قد استقبحت هَذَا الَّذِي يصنع بِالنسَاء يطْرَح على الْمَرْأَة الثَّوْب فيصفها قَالَت أَسمَاء يَا بنة رَسُول الله أَلا أريك شَيْئا رَأَيْته بِالْحَبَشَةِ فدعَتْ بجريد رطب فحتته ثمَّ ألقيت عَلَيْهِ ثوبا فَقَالَت فَاطِمَة مَا أحسن هَذَا وأجمله تعرف بِهِ الْمَرْأَة من الرجل فَإِذا أَنا مت فغسليني أَنْت وَعلي وَلَا يدْخل عَليّ أحد ثمَّ اصنعي بِي هَكَذَا فَلَمَّا توفيت صنع بهَا مَا أمرت بِهِ بعد أَن غسلتها أَسمَاء وَعلي

ص: 535

وروى أَنَّهَا لما توفيت رضي الله عنها جَاءَت عَائِشَة رَضِي الله عنهعا تُرِيدُ أَن تدخل على غسلهَا فَقَالَت لَهَا أَسمَاء لَا تدخلي فَرَجَعت إِلَى أَبِيهَا أبي بكر فشكت إِلَيْهِ وَقَالَت إِن هَذِه الخثعمية تَعْنِي أَسمَاء بنت عُمَيْس تحول بيني وَبَين بنت رَسُول الله

وتمنع النِّسَاء أَن يدخلن على بنت رَسُول الله

وَجعلت لَهَا مثل هودج الْعَرُوس فَقَالَت أَسمَاء أَمرتنِي أَلا يدْخل عَلَيْهَا أحد وأريتها هَذَا الَّذِي صَنعته وَهِي حَيَّة فأمرتني أَن أصنع ذَلِك لَهَا فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه اصنعى مَا أَمرتك بِهِ ثمَّ انصرفت قلت حَدِيث أَسمَاء هَذَا مضاد لحَدِيث أم سَلمَة وَفِيه من لَا يعرف كَمَا ذكره الْأَئِمَّة النقاد وَالله أعلم وَتوفيت وسنها ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة كَذَا فِي الصفوة وَفِي ذخائر العقبى تسع وَعِشْرُونَ سنة وَقَالَ عبد الله بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب ابْنة ثَلَاثِينَ سنة وَقَالَ الْكَلْبِيّ ابْنة خمس وَثَلَاثِينَ سنة ومنشأ هَذَا الِاخْتِلَاف الِاخْتِلَاف فِي مولدها هَل كَانَ قبل النُّبُوَّة أَو بعْدهَا وَقد علمت أَن الْأَصَح من مولدها أَنه كَانَ قبل النُّبُوَّة بِخمْس سِنِين حَال بِنَاء قُرَيْش الْكَعْبَة وسنه عليه الصلاة والسلام إِذْ ذَاك خمس وَثَلَاثُونَ سنة وَمَاتَتْ سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة فِي رَمَضَان كَمَا تقدم فَتكون سنّهَا حِين ذَلِك تسعا وَعشْرين على مَا ذكره صَاحب الذَّخَائِر العقبى وَعَن مَالك عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ مَاتَت فَاطِمَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء فحضرها أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَلَمَّا وضعت ليُصَلِّي عَلَيْهَا قَالَ عَليّ تقدم يَا أَبَا بكر قَالَ أَبُو بكر وَأَنت شَاهد يَا أَبَا الْحسن قَالَ نعم تقدم فوَاللَّه لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا غَيْرك فصلى عَلَيْهَا أَبُو بكر ودفنت لَيْلًا أخرجه الْبَصْرِيّ وَابْن السمان فِي الْمُوَافقَة وَهَذَا مُغَاير لما جَاءَ فِي الصَّحِيح إِن عليا لما يُبَايع أَبَا بكر حَتَّى مَاتَت فَاطِمَة وجريان هَذَا مَعَ عدم الْمُبَايعَة يبعد فِي الظَّاهِر وَالْغَالِب وَإِن جَازَ أَن يَكُونُوا لما سمعُوا بموتها حضروها فاتفق ذَلِك ثمَّ بَايع بعده كَذَا فِي الرياض النضرة

ص: 536

وَأما مَوضِع قبرها رضي الله عنها فَذكره الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر أَن الْحسن لما توفّي دفن إِلَى جَانب أمه فَاطِمَة بنت رَسُول الله

وقبر الْحسن مَعْرُوف بِجنب قبر الْعَبَّاس وَيذكر لفاطمة ثمَّة قبر فَتكون على هَذَا مَعَ الْحسن فِي قبَّة الْعَبَّاس فَيَنْبَغِي أَن يسلم عَلَيْهَا هُنَالك وروى أَن أَبَا الْعَبَّاس المرسي كَانَ إِذا زار البقيع وقف أَمَام قبَّة الْعَبَّاس وَسلم على فَاطِمَة رضي الله عنها وَيذكر أَنه كشف لَهُ عَن قبرها ثمَّة وَعَن عبد الرَّحْمَن بن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَنه كَانَ يَقُول قبر فَاطِمَة بَيتهَا الَّذِي أدخلهُ عمر بن عبد الْعَزِيز فِي الْمَسْجِد مروياتها فِي كتب الْأَحَادِيث ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا الْمُتَّفق عَلَيْهِ مِنْهَا وَاحِد وَالْبَاقِي فِي سَائِر الْكتب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا

ص: 537