المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مدخل لقد أسبغ الله جل وعلا علينا نعما ظاهرة وباطنة لا - سهم إبليس وقوسه

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌مدخل لقد أسبغ الله جل وعلا علينا نعما ظاهرة وباطنة لا

‌مدخل

لقد أسبغ الله جل وعلا علينا نعما ظاهرة وباطنة لا تعد ولا تحصى ومن أعظم وأشرف تلك النعم نعمة البصر، قال تعالى:{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23].

ومن عظيم قدرها أن أبدل الله من سلب منه عينيه فصبر الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر، عوضته منها الجنة"(1).

ونعمة الصبر من أعظم النعم إذا استخدمها العبد في طاعة الله سبحانه، أما إذا كان خلاف ذلك، فإنها تكون سببا للحسرة في الدنيا، والعذاب في الآخرة، ولذا جاء الأمر الإلهي للمؤمنين كافة بغض البصر وحفظه قال الله جل وعلا {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}

[النور: 30، 31].

قال ابن كثير: وهذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرَّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعًا (2).

(1) رواه البخاري.

(2)

تفسير ابن كثير (6/ 43).

ص: 4

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} أي أطهر لقلوبهم وأتقى لدينهم كما قيل: من حفظ بصره أورثه الله نورًا في بصيرته، ويروى في قلبه (1).

وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ .... } .

هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات وغيرة منه لأزواجهن عباده المؤمنين، وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات (2).

وقال الشوكاني رحمه الله أيضا حول هذه الآية:

خص الإناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد لدخولهن تحت خطاب المؤمنين تغليبا كما في سائر الخطابات القرآنية (3).

ومن في قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} للتبعيض فكأنه خص بالحظر والتحريم نوعا من النظر وأطلق بعض النظر إلى ذوي المحارم، وما تدعو الحاجة إليه، ثم عطف على ذكر النساء مفردا لهن بالذكر مع أنهن يدخلن في عموم خطاب الشرع تبعا للرجال فقال:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} تأكيدا لزمن النظر، واحتياطا لصيانة الفرج

(1) تفسير ابن كثير (6/ 44).

(2)

تفسير ابن كثير (6/ 46).

(3)

فتح القدير (4/ 22).

ص: 5

عن الزنى والخطر، ولئلا يتوهم متوهم أن الأمر يختص بالرجال (1).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج، فإن الحوادث مبدؤها من البصر كما أن معظم النار من مستصغر الشرر تكون نظرة، ثم خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه: اللحظات والخطرات واللقطات والخطوات.

فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة، ويلازم الرباط على ثغورها فمنها يدخل عليه العدو فيجوس خلال الديار فيتبر ما علا تتبيرًا (2).

وقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته.

ولما كان إطلاق البصر سببًا لوقوع الهوى في القلب، أمر الشرع بغض البصر عما يخاف عواقبه، قال ابن القيم معلقًا على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:"كتب على ابن آدم حظه من الزنا .. "(3)

(1) أحكام النظر (18).

(2)

الجواب الكافي (179).

(3)

رواه البخاري ومسلم.

ص: 6