المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكل ذلك محرم ممنوع شرعًا، لا يسيغه مذهب.   وقد روى عقبة - سهم إبليس وقوسه

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: وكل ذلك محرم ممنوع شرعًا، لا يسيغه مذهب.   وقد روى عقبة

وكل ذلك محرم ممنوع شرعًا، لا يسيغه مذهب.

وقد روى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو؟ فقال عليه السلام: "‌

‌الحمو الموت

" وروي فيه أنه قال: "الحمو القبر".

قال العلماء: أراد بالحمو ههنا أخا الزوج.

فانظر كيف كان بالغ في الزجر عن التسامح في نظر أخي الزوج إلى امرأة أخيه، حتى آثر الموت في القبر عليه ومن سد الأبواب التي تؤدي إلى النظر وما وراءه أنه لا يجوز الدخول على من غاب عنها زوجها، وإن كان قد وكله بأمرها أو نفقتها، فضلا عن من هو أجنبي منه ومنها (1).

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يكفر من كفر ممن مضى إلا من قبل النساء، وكفر من بقى من قبل النساء (2).

والإسلام عندما حرم النظر إلى ما لا يحل فإنه أيضا سد جميع الوسائل التي تفضي إلى تحريك الشهوة والوقوع في الحرام حتى ولو كان بالوصف أو بالتشبيه، لأن الأذن تعشق قبل العين أحيانا.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها"(3).

(1) أحكام النظر: 38.

(2)

أحكام النظر: 15.

(3)

رواه البخاري بلفظ لا تباشر المرأة المرأة فتعنتها لزوجها كأنه ينظر إليها. فتح الباري (9/ 338).

ص: 30

فانظر رحمك الله كيف نهى عن وصف المرأة المرأة لزوجها صفة امرأة أجنبية؛ لئلا تسمو همته إليها، لأن الوصف يقوم مقام النظر، كل ذلك احتياط وزجر عن النظر ما يدانيه.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العين بالنظر، وزنى اللسان النطق، زنى اليدين اللمس، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه"(1).

فسمى النظر إلى غير المحارم، والحديث معهن ولمسهن أجزاء من الزنى الحقيقي، الذي يصدق إلى تحقيقه الفرج، ويصدقه في وجوب الحد في الدنيا، واستحقاق النار في الأخرى.

وفي الحديث الآخر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس".

معناه: أن النظر من الرجل إلى المرأة، أو المرأة إلى الرجل سهم يرمي به العدو إلى النفس والقلب، فقد يهلكها دنيا وأخرى، كالسهم، المسموم؛ لأنه يجرح الظاهر بحده، ويفسد الباطن بسمه.

وأما الخطوات: فحفظها بأن لا ينقل قدمه إلا فيما يرجو ثوابه فإن لم يكن في خطاه مزيد ثواب فالقعود عنها خير له ويمكنه أن يستخرج من كل مباح يخطو إليه قربة ينويها لله، فتقع

(1) رواه البخاري دون قوله: وزنى اليدين اللمس.

ص: 31

خطاه قربة.

ولما كانت العثرة عثرتين: عثرة الرجل، وعثرة اللسان جاءت إحداهما قرينة الأخرى في قوله تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63].

فوصفهم بالاستقامة في لفظاتهم وخطواتهم، كما جمع بين اللحظات والخطوات في قوله تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19](1).

كتب ابن السماك الواعظ إلى أخ له: أما بعد، أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتاك ورقيبك في علانيتك فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك وليكثر منه وجلك والسلام (2).

أيها الشاب:

دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلا، فإن لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب

(1) الجواب الكافي: 174.

(2)

جامع العلوم والحكم 161.

ص: 32

عليك الانتقال عنها (1).

ولا تنس أن كل ذلك في صحائفك التي ستنشر لك وتراها يوم القيامة إن خيرا فخيرا وإن شرًّا فشر.

نموت ونبلى غير أن ذنوبنا

إذا نحن متنا لا تموت ولا تبلى (2)

أخي الحبيب:

التقوى ثلاث مراتب:

إحداها: حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات.

الثانية: حميتها عن المكروهات.

الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يغني.

فالأولى تعطي العبد حياته، والثانية تفيده صحته وقوته، والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته (3).

واعلم أن باب الخير مفتوح وكذلك باب الشر، فجاهد نفسك وخذها بقوة تستقم أمورك ويصلح حالك وتفوز في العاجلة والآجلة.

من خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره، ومن خلقه للنار لم تزل هداياها تأتيه من الشهوات (4).

عليك أيها الشاب بنصيحة اجتهد في تطبيقها وسترى أنها

(1) الفوائد: 46.

(2)

البداية والنهاية (10/ 263).

(3)

الفوائد (46).

(4)

الفوائد (46).

ص: 33

ستثمر في قلبك حلاوة وخيرا.

عن أبي روح عن أنس قال: إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك (1).

وماذا يضرك لو أغمضت عينيك وصرفت بصرك طاعة لله ولرسوله؟ إنها أسهل من النظرة الثانية وما بعدها ثم الحساب والجزاء.

وفي غض البصر عدة فوائد:

أحدها: تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره، دامت حسرته، فأضر شيء على القلب إرسال البصر، فإنه يريه ما يشتد طلبه، ولا صبر له عنه، ولا وصول له إليه.

الفائدة الثانية: أنه يورث القلب نورًا وإشراقًا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه.

الفائدة الثالثة: أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، وإذا استنار القلب، صحت الفراسة.

الفائدة الرابعة: أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب.

الفائدة الخامسة: أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة.

(1) الورع لابن أبي الدنيا (66).

ص: 34

الفائدة السادسة: أنه يورث القلب سرورًا وفرحة وانشراحًا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، وذلك لقهره عدوه بمخالفته، وحبس شهوته لله، وفيها مسرة نفسه الأمارة بالسوء، أعاضه الله سبحانه مسرة ولذة أكمل منها.

الفائدة السابعة: أنه يخلص القلب من أسر الشهوة، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه.

الفائدة الثامنة: أنه يسد عنه بابًا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل، وتحريم الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول، فمتى هتك الحجاب، ضري على المحظور، ولم تقف نفسه منه عند غاية فإن النفس في هذا الباب لا تقنع بغاية تقف عندها، وذلك أن لذتها في الشيء الجديد.

الفائدة التاسعة: أنه يقوي عقله، ويزيده ويثبته فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب فإن خاصة العقل ملاحظة العواقب ومرسل النظر لو علم ما تجني عواقب نظره عليه، لما أطلق بصره.

الفائدة العاشرة: أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق.

فالنظر كأس من خمر، والعشق هو سكر ذلك الشراب، وسكر العشق أعظم من سكر الخمر، فإن سكران الخمر يفيق،

ص: 35