المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا - سهم إبليس وقوسه

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا

التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا بشر (1).

عليك أخي المسلم: ب‌

‌ترك المعاصي

في السر وإلى هذا المعنى الإشارة في القرآن بقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} كان بعض السلف يقول لأصحابه: زهدنا الله وإياكم في الحرام زهد من قدر عليه في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه من خشيته أو كما قال.

وقال الشافعي: أعز الأشياء ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى أو يخاف (2).

ذكر أن أعرابيًّا قال: خرجت في بعض الليالي الظلم فإذا أنا بجارية كأنها علم فأردتها عن نفسها فقالت: ويلك أما كان لك زاجر من عقل إذا لم يكن ناهٍ من دين؟ فقلت: إنه والله ما يرانا إلا الكواكب، قالت: فأين مكوكبها (3).

واتق الله فتقوى الله ما

أورت قلب امرئ إلا وصل

وهناك الآن من يحاول إفساد المرأة بالنظر والمهاتفة .. أو عن طريق نشر الفساد بين نساء المسلمين .. رحم الله من كانوا قبلنا

كانوا يسعون لإعفاف المسلمة وسد جميع طرق الفساد حتى لا ترى إلا طريق الحق فتنقاد له وتعرض عن الشر وتبتعد عنه .. إنهم أهل إيمان وأصحاب قلوب حية يرون أن كل مسلمة لهم أخت وعليهم

(1) صيد الخاطر (513).

(2)

صفة الصفوة (3/ 132).

(3)

روضة المحبين (395).

ص: 45

واجب إعفافها وسترها.

جاءت امرأة عليها ثوب قد نفض من الصبغ فسألت حسان بن أبي سنان، فقال لشريكه هكذا وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى فذهب شريكه يزن درهمين قال: زن لها مائتين فقالوا: يا أبا عبد الله، كنت ترضى بذا، كذا وكذا من سائل، فقال: إني ذهبت في شيء لم تذهبوا فيه، إني رأيت بها بقية من الشباب، وخشيت أن تحملها الحاجة على بعض ما يكره (1).

أنعم به من مال يصون به عرض أخته المسلمة التي يرى فيها حاجة ويخشى عليها من الانحراف، كم من مسلمة يقوم بهذا العمل اليوم؟

كان بعض السلف يقول: أتراك ترحم من لم يقر عينيه بمعصيتك حتى علم أن لا عين تراه غيرك؟

وقال بعضهم: ابن آدم إن كنت حيث ركبت المعصية لم تصف لك من عين ناظرة إليك، فلما خلوت بالله وحده صفت لك معصيتك، ولم تستح منه حياءك من بعض خلقه، ما أنت إلا أحد رجلين: إن كنت ظننت أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت علمت أنه يراك فلم يمنعك منه ما منعك من أضعف خلقه لقد اجترأت (2).

قال مجرز أبو القاسم الجلاب: حدثني سعدان قال: أمر قوم

(1) حلية الأولياء (3/ 116).

(2)

جامع العلوم والحكم (161).

ص: 46

امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم فلعلها تفتنه (1) وجعلوا لها إن فعلت ذلك ألف درهم، فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها فراعه أمرها، فأقبلت عليه وهي سافرة، فقال لها الربيع: كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف بك لو قد سألك منكر ونكير؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشيا عليها، فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق (2).

وكان بالكوفة شاب متعبد لازم المسجد الجامع لا يكاد يفارقه وكان حسن الوجه حسن القامة حسن السمت، فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل فشغفت به وطال عليها ذلك، فلما كان ذات يوم وقفت له على الطريق وهو يريد المسجد فقالت يا فتى: اسمع مني كلمات أكلمك بها ثم اعمل ما شئت: فمضى ولم يكلمها، ثم وقفت له بعد ذلك على طريقه وهو يريد منزله فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها، فأطرق مليًّا وقال لها: هذا موقف تهمة وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعًا فقالت له: والله ما وقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك ولكن معاذ الله أن يتشوف

(1) هذا من فعل الفساق ولا يجوز.

(2)

كتاب التوابين (262).

ص: 47

العباد إلى مثل هذا مني، والذي حملني على أن لقيتك في مثل هذا الأمر بنفسي لمعرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير، وأنتم معاشر العباد على مثال القوارير أدنى شيء يعيبها.

وجملة ما أقول لك أن جوارحي كلها مشغولة بك، فالله الله في أمري وأمرك، فمضى الشاب إلى منزله وأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي، فأخذ قرطاسا وكتب كتابا ثم خرج من منزله وإذا بالمرأة واقفة في موضعها فألقى الكتاب إليها ورجع إلى مكانه، وكان فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، اعلمي أيتها المرأة أن الله عز وجل إذا عصاه العبد حلم وإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستره، فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبة تضيق لها السموات والأرض والجبال والشجر والدواب.

فمن ذا يطيق غضبه، فإن كان ما ذكرت باطلاً فإني أذكرك يوما تكون فيه السماء كالمهل، وتصير الجبال كالعهن، وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم، وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح غيري؟ وإن كان ما ذكرت حقًّا فإني أدلك على طبيب هدى يداوي الكلوم الممرضة والأوجاع المرفضة ذلك الله رب العالمين فاقصديه بصدق المسألة فإني مشغول عنك بقوله تعالى:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 18، 19].

ص: 48

فأين المهرب من هذه الآية، ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على الطريق فلما رآها من بعيد أراد الرجوع إلى منزله كيلا يراها فقالت: يا فتى لا ترجع فلا كان الملتقى بعد هذا اليوم أبدا إلا غدًا بين يدي الله تعالى، ثم بكت بكاء شديدًا وقالت: أسأل لك الله الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك، ثم إنها تبعته وقالت: أمنن عليَّ بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل عليها، فقال لها: أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكرك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60](1).

أيها الحبيب: الزم الجادة وعليك بتقوى الله والبعد عن محارمه فإن في ذلك صلاح قلبك وفلاح آخرتك .. ولا يكفي أن تقول نعم بل استقم كما أمرت وجاهد نفسك واحرص على حفظ نظرك من الحرام في كل مكان ولا تكن كمن يريد النجاة وهو مستمر على معصيته مقيم على ذنبه ..

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها

إن السفينة لا تجري على اليبس

قال شعبة: عن منصور، عن إبراهيم، كلم رجل من العباد امرأة فلم يزل بها حتى وضع يده على فخذها، فانطلق فوضع يده على النار حتى نشت «احترقت» (2).

(1) الإحياء (3/ 114).

(2)

روضة المحبين (397).

ص: 49