الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي النفوس شهوة غالبة له فيصور ذلك لها فتقوم بها رحمة تمنع إقامة الحد، وهذا كله من ضعف الإيمان، وكمال الإيمان أن تقوم به قوة يقيم بها أمر الله ورحمة يرحم بها المحدود، فيكون موافقا لربه تعالى في أمره ورحمته.
الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر (1).
وأعقل الناس من لم يرتكب سببًا
…
حتى يفكر ما تجني عواقبه
كان وهيب بن الورد يقول: خلف الله على قدر قدرته عليك واستح منه على قدر قربه منك.
وقال له رجل عظني فقال له: اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك
أيها المسلم: تخشى رجال الحسبة والأمن وعامة الناس، ولا تخشى الله عز وجل وهو مطلع على خلوتك وسريرتك، لا يبلغ بك الجهل أن يكون الله أهون الناظرين إليك.
أخي الحبيب: هاك جواب لمن يبرر
النظرة الثانية
وأنها تطفئ لهب النظرة الأولى ..
سئل ابن قيم الجوزية:
ما تقول السادة العلماء في رجل نظر إلى امرأة نظرة فعلق
(1) الجواب الكافي (176).
حبها بقلبه واشتد عليه الأمر، فقالت له نفسه، هذا كله من أول نظرة فلو أعدت النظر إليها لرأيتها دون ما في نفسك فسلوت عنها، فهل يجوز له تعمد النظر ثانيًا لهذا المعنى؟
فكان الجواب: الحمد لله لا يجوز هذا لعشرة أوجه:
أحدها: أن الله سبحانه أمر بغض البصر ولم يجعل شفاء القلب فيما حرمه على العبد.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن نظرة الفجأة، وقد علم أنه يؤثر في القلب فأمر بمداواته بصرف البصر لا بتكرار النظر.
الثالث: أنه صرح بأن الأولى له وليست له الثانية، ومحال أن يكون داؤه مما له ودواؤه فيما ليس له.
الرابع: أن الظاهر قوة الأمر بالنظرة الثانية لا تناقصه، والتجربة شاهدة والظاهر أن الأمر كما رآه أول مرة فلا تحسن المخاطرة بالإعادة.
الخامس: أنه ربما رأى ما هو فوق الذي في نفسه فزاد عذابه.
السادس: أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية يقوم في ركائبه فيزين له ما ليس بحسن لتتم البلية.
السابع: أنه لا يعان على بليته إذا أعرض عن امتثال أوامر الشرع وتداوى بما حرمه عليه، بل هو جدير أن تتخلف عنه المعونة.
الثامن: أن النظرة الأولى سهم مسموم من سهام إبليس،
ومعلوم أن الثانية أشد سمًا فكيف يتداوى من السم بالسم.
التاسع: أن صاحب هذا المقام في مقام معاملة الحق عز وجل في ترك محبوب كما زعم، وهو يريد بالنظرة الثانية أن يتبين حال المنظور إليه، فإن لم يكن مرضيًا تركه، فإذا يكون تركه، لأنه لا يلائم غرضه لا لله تعالى، فأين معاملة الله سبحانه بترك المحبوب لأجله؟
العاشر: يتبين بضرب مثل مطابق للحال، وهو: أنك إذا ركبت فرسًٍا جديدًا فمالت بك إلى درب ضيق لا ينفذ ولا يمكنها أن تستدير فيه للخروج، فإذا همت بالدخول فيه فاكبحها لئلا تدخل، فإذا دخلت خطوة أو خطوتين فصح بها وردها إلى وراء عاجلا قبل أن يتمكن دخولها، فإن رددتها إلى ورائها سهل الأمر، وان توانيت حتى ولجت وسقتها داخلاً ثم قمت تجذبها بذنبها عسر عليك أو تعذر خروجها، فهل يقول عاقل: إن طريق تخليصها سوقها إلى داخل؟ فكذلك النظرة إذا أثرت في القلب، فإن عجل الحازم وحسم المادة من أولها سهل علاجه، وإن كرر النظر ونقب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب فارغ فنقشها فيه تمكنت المحبة، وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة فلا تزال شجرة الحب تنمى، حتى يفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به فيخرج بصاحبه إلى المحن ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن ويلقى القلب في التلف.
والسبب في هذا أن الناظر التذت عينه بأول نظرة فطلبت المعاودة، كأكل الطعام اللذيذ إذا تناول منه لقمة، ولو أنه غض أولاً لاستراح قلبه وسلم، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم:"النظرة سهم من سهام إبليس" فإن السهم شأنه أن يسري في القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم، فإن بادر واستفرغه وإلا قتله ولا بد.
قال المروذي: قلت لأحمد: الرجل ينظر إلى المملوكة قال: أخاف عليه الفتنة، كم نظرة قد ألقت في قلب صاحبها البلاء (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد أمر الله في كتابه بغض البصر، وهو نوعان: غض البصر عن العورة وغضها عن محل الشهوة، والثاني أشد من الأول.
وأما ما يجوز من النظر إلى الأجنبية لحاجة ما ففي، حالات:
منها: إذا أراد الرجل التزوج بامرأة فإنه يجوز له أن ينظر إلى وجهها وكفيها وما يدعو إلى نكاحها، لما روى جابر بن عبد الله، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا خطب أحدكم المرأة فاستطاع أن ينظر إلى ما يدعه إلى نكاحها، فليفعل"(2) يعني الوجه والكفين وهي مستترة، ولا يباح له النظر إلى جسمها، ولا شيء من عورتها بحال.
الحالة الأخرى: إذا أردت شراء جارية، فيجوز أن تنظر إلى
(1) أحكام النظر (10).
(2)
رواه أحمد وأبو داود.
ما دون السرة والركبة، ومواضع التقليب لأجل الشراء لا متمتعا بالنظر عبثا، فإن قصد التمتع بالنظر، وأظهر إرادة الشراء، كان عاصيا لمولاه، كاذبا في دعواه، كمن يظهر أخوة النسوان بناموس الزهد، وقصده التمتع بمعاشرتهن، فهو ملعون ممقوت عند الله، مارق عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحالة الأخرى: في المعاملة المفتقرة إلى الشهادة عليها، والتعريف لها، للرجوع بالعهدة، إلى غير ذلك مما تدعو إليه ضرورة المعاملة فينظر الشاهد إلى وجهها، لتحقيق الشهادة، لا ليتمتع بالمشاهدة، فإن قصد هذا فسق وعصى، وإن كان الأولى صيانتهن عن المعاملات المفضية إلى هذا النوع من تبذلهن، والتعرض لفتنتهن، والافتتان بسببهن.
ويجب على من نظر للحاجات المذكورة أن يتحفظ يقصر نظره على محل الضرورة، ولا يتعدى إلى التمتع فيقع في الخطر والتحريم والفتنة.
والحالة الأخرى: يجوز للطبيب أن ينظر من المرأة إلى المحل الذي تدعو الضرورة إلى نظر إليه لمداواة العلة.
كما أبيح النظر إلى العورة لوجوب الختان ضرورة.
وربما تسامح بعض الجهال من العوام في نظر الأخ إلى زوجة أخيه، والمرأة تنظر إلى زوج أختها، لا سيما إن اجتمعوا في منزل واحد، وربما خلا كل واحد من الأخوين بزوجة الأخرى في غيبته،