المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: أسباب اكتساب حسن الخلق - سوء الخلق

[محمد بن إبراهيم الحمد]

الفصل: ‌الفصل الثاني: أسباب اكتساب حسن الخلق

‌الفصل الثاني: أسباب اكتساب حسن الخلق

لا ريب أن أثقل ما على الطبيعة البشرية تغير الأخلاق التي طبعت عليها النفس، إلا أن ذلك ليس متعذرا ولا مستحيلا ـ كما مر.

بل إن هناك أسبابا عديدة، ووسائل متنوعة يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق.

1ـ سلامة العقيدة:

فشأن العقيدة عظيم، وأمرها جلل؛ فالسلوك ـ في الغالب ـ ثمرة لما يحمله الإنسان من فكر، وما يعتقده من معتقد، وما يدين به من دين.

والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خلل في المعتقد.

ثم إن العقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا؛ فإذا صحت العقيدة حسنت الأخلاق تبعا لذلك؛ فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق من صدق، وكرم، وحلم، وشجاعة، ونحو ذلك.

كما أنها تردعه وتزمه عن مساوئ الأخلاق من كذب، وشح، وطيش، وجهل ونحوها.

ص: 91

قال الغزالي رحمه الله:"آداب الظواهر عنوان آداب البواطن، وحركات الجوارح ثمرات الخواطر، والأعمال نتيجة الأخلاق، والآداب رشح المعارف، وسرائر القلوب هي مغارس الأفعال ومنابعها، وأنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزينها، وتجليها، وتبدل بالمحاسن مكارهها ومساويها.

ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه، ومن لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهية لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية"1.

فإذا كان الأمر كذلك فما أجدر المسلم أن يحرص كل الحرص على سلامة عقيدته وصفائها من كل شائبة تشوبها، وما أحرى بالمخلصين أن يقدموا أمر العقيدة على كل شيء؛ لأن الناس إذا صحت عقائدهم زكت نفوسهم، واستقامت أخلاقهم تبعا لذلك.

2ـ الدعاء:

فالدعاء باب عظيم، فإذا فتح للعبد تتابعت عليه الخيرات، وانهالت عليه البركات.

فمن رغب بالتحلي بمكارم الأخلاق، ورغب بالخلي من مساوئ الأخلاق ـ فليلجأ إلى ربه، وليرفع إليه أكف الضراعة؛ ليرزقه حسن الخلق، ويصرفه عنه سيئه؛ فالدعاء مفيد في هذا الباب وغيره، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الضراعة إلى ربه يسأله أن يرزقه حسن الخلق، وكان يقول في دعاء الاستفتاح: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني

1 إحياء علوم الدين2/357.

ص: 92

سيئها؛ لا يصرف عني سيئها إلا أنت" 1.

وكان من دعائه: "اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأهواء، والأعمال، والأدواء"2.

وكان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرم، والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات"3.

3ـ المجاهدة:

فالمجاهدة تنفع كثيرا في هذا الباب؛ ذلك أن الخق الحسن نوع من الهداية يحصل عليه المرء بالمجاهدة.

قال عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] .

فمن جاهد نفسه على التحلي بالفضائل، وجاهدها على التخلي من الرذائل حصل له خير كثير، واندفع عنه شر مستطير؛ فالأخلاق ـ كما مر ـ منها ما هو غريزي فطري، ومنها ما هو اكتسابي يأتي بالدربة والممارسة.

والمجاهدة لا تعني أن يجاهد المرء نفسه مرة أو مرتين أو أكثر،

1 رواه مسلم1/535 771 من حديث علي رضي الله عنه.

2 أخرجه الحاكم1/532 من حديث عم زياد بن علاقة، وصححه، ووافقه الذهبي.

3 رواه البخاري7/159، الدعوات، باب التعوذ من فتنة المحيا والممات، ومسلم 2706 الذكر والدعاء، باب التعوذ من العجز والكسل.

ص: 93

بل تعني أن يجاهد نفسه حتى يموت؛ ذلك أن المجاهدة عبادة، والله تبارك وتعالى يقول:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر99] .

4ـ المحاسبة:

وذلك بنقد النفس إذا ارتكبت أخلاقا ذميمة، وحملها على ألا تعود إلى تلك الأخلاق مرة أخرى، مع أخذها بمبدأ الثواب إذا أحسنت، وأخذها بمبدأ العقاب إذا توانت وقصرت.

فإذا أحسنت أراحها، وأجمها، وأرسلها على سجيتها بعض الوقت في المباح.

وإذا أساءت وقصرت أخذها بالحزم والجد، وحرمها من بعض ما تريد.

على أنه لا يحسن المبالغة في محاسبة النفس؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى انقباضها وانكماشها.

قال ابن المقفع: "ليحسن تعاهدك نفسك بما تكون به للخير أهلا؛ فإنك إن فعلت ذلك أتاك الخير يطلبك كما يطلب الماء السيل إلى الحدورة"12.

5ـ التفكير في الآثار المترتبة على حسن الخلق:

فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عواقبها ـ من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتمثلها، والسعي إليها.

فكلما تصعبت النفس فذكرها تلك الآثار، وما تجني بالصبر

1 الحدورة: المنخفض من الأرض.

2 الأدب الصغير والكبير ص 90.

ص: 94

من جميل الثمار؛ فإنها حينئذ تلين، وتنقاد طائعة منشرحة؛ فإن المرء إذا رغب في مكارم الأخلاق، وأدرك أنها أولى ما اكتسبته النفوس، وأجل غنيمة غنمها الموفقون ـ سهل عليه نيلها واكتسابها1.

6ـ النظر في عواقب سوء الخلق:

وذلك بتأمل ما يجلبه سوء الخلق من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، وينبعث إلى محاسنها.

7ـ الحذر من اليأس من إصلاح النفس:

فهناك من إذا ابتلي بمساوئ الأخلاق ظن أن ذلك الأمر ضربة لازب لا تزول، وأنه وصمة عار لا تنمحي.

وهناك من إذا حاول التخلص من عيوبه مرة أو أكثر فلم يفلح ـ أيس من إصلاح نفسه، وترك المحاولة إلى غير رجعة.

وهذا الأمر لا يحسن بالمسلم، ولا يليق به أبدا؛ فلا ينبغي له أن يرضى لنفسه بالدون، وأن يترك رياضة نفسه؛ زعما منه أن تبدل الحال من المحال.

بل ينبغي له أن يقوي إرادته، ويشحذ عزيمته، وأن يسعى لتكمل نفسه، وأن يجد في تلافي عيوبه؛ فكم من الناس من تبدلت حاله، وسمت نفسه، وقلت عيوبه بسبب دربته، ومجاهدته، وسعيه، وجده، ومغالبته لطبعه.

1 انظر: الفتاوى السعدية لابن سعدي، ص461.

ص: 95

قال ابن المقفع: "وعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين، وفي الأخلاق، وفي الآداب، فيجمع ذلك كله في صدره، أو في كتاب، ثم يكثر عرضه على نفسه، ويكلفها إصلاحه، ويوظف ذلك عليها توظيفا من إصلاح الخلة أو الخلتين في اليوم، أو الجمعة، أو الشهر.

فكلما أصلح شيئا محاه، وكلما نظر إلى محو استبشر، وكلما نظر إلى ثابت أكتأب"1.

يقول الإمام ابن حزم رحمه الله متحدثا عن تجربته مع نفسه، وعن محاولاته في التخلص من عيوبه، وعن النتائج التي حصل عليها من جراء ذلك، يقول: "كانت في عيوب، فلم أزل بالرياضة، واطلاعي على ما قالت الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ والأفاضل من الحكماء المتأخرين والمتقدمين في الأخلاق وآداب النفس، أعاني مداوتها، حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنّه.

وتمام العدل، ورياضة النفس، والتصرف بالأمور ـ هو الإقرار بها؛ ليتعظ بذلك متعظ يوما إن شاء الله.

فمنها2 كلف في الرضاء، وإفراط في الغضب، فلم أزل أداوي ذلك حتى وقفت عند ترك إظهار الغضب جملة بالكلام، والفعل، والتخبط، وامتنعت مما لا يحل من الانتصار، وتحملت من

1 الأدب الصغير والأدب الكبير، ص54.

2 يعني عيوبه.

ص: 96

ذلك ثقلا شديدا، وصبرت على مضض مؤلم كان ربما أمرضني، وأعجزني ذلك في الرضا، وكأني سامت نفسي؛ لأنها تمثلت أن ترك ذلك لؤم.

ومنها دعاية غالبة، فالذي قدرت عليه منها إمساكي عما يغضب الممازح، وسامحت نفسي فيها؛ إذ رأيت أن تركها من الانغلاق، ومضاهيا للكبر.

ومنها عجب شديد، فناظر عقلي نفسي بما يعرفه من عيوبها حتى ذهب ذلك كله، ولم يبق له ـ والحمد لله ـ أثر، بل كلفت نفسي احتقار قدرها جملة، واستعمال التواضع.

ومنها حركات كانت تولدها غرارة الصبا، وضعف في الإغضاء، فقصرت نفسي على تركها فذهبت.

ومنها محبة في بعد الصيت والغلبة، فالذي وقفت عليه في معاناة هذا الداء الإمساك فيه عما لا يحل في الديانة، والله المستعان على الباقي"1.

وقال ـ أيضا ـ "ومنها إفراط في الأنفة بغّضتْ إلي نكاح الحرم بكل وجه، وصعبت ذلك في طبيعتي، وكأني توقفت عن مغالبة هذا الإفراط الذي أعرف قبحه لعوارض اعترضت علي والله المستعان.

ومنها عيبان قد سترهما الله ـ تعالى ـ وأعان على مقاومتهما، وأعان بلطفه عليهما، فذهب إحداهما البتة ـ والحمد لله ـ وكأن

1 الأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم، ص 33ـ 34.

ص: 97

السعادة كان موكلة بي، فإذا لاح منه طالع قصدت طمسه، وطاولني الثاني منهما، فكان إذا ثار منه مدوده1 نبضت عروقه، فيكاد يظهر، ثم يسر الله قدعه بضروب من لطفه حتى أخلد.

ومنها حقد مفرط، قدرت بعون الله ـ تعالى ـ على طيه وستره، وغلبته على إظهار جميع نتائجه، وأما قطعه البتة فلم أقدر عليه، وأعجزني أن أصادق من عادني عداوة صحيحة أبدا"2.

8ـ علو الهمة:

فعلو الهمة يستلزم الجد، والإباء، ونشدان المعالي، وتطلاب الكمال، والترفع عند الدنايا، والصغائر، ومحقرات الأمور.

والهمة العالية لا تزال بصاحبها تضربه بسياط اللوم والتأنيب، وتزجره عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل حتى ترفعه من أدنى دركات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد.

قال ابن القيم رحمه الله: "فمن علت همته، وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل، ومن دنت همته، وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل"3.

وقال رحمه الله: "فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها، وأفضلها، وأحمدها عاقبة.

والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات، وتقع عليها كما يقع

1 مدوده: جمع مد وهو كثرة الماء.

2 الأخلاق والسير، ص 34.

3 الفوائد لابن القيم، ص 211.

ص: 98

الذباب على الأقذار؛ فالنفوس العلية لا ترضى بالظلم، ولا بالفواحش، ولا بالسرقة ولا بالخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجل.

والنفوس المهيمنة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك"1.

فإذا توفر المرء على اقتناء الفضائل، وألزم نفسه على التخلق بالمحاسن، ولم يرض من منقبة إلا بأعلاها، ولم يقف عند فضيلة إلا وطلب الزيادة عليها، واجتهد فيما يحسن سياسة نفسه عاجلا، ويبقي لها الذكر الجميل آجلا ـ لم يلبث أن يبلغ الغاية من التمام، ويرتقي إلى النهاية من الكمال، فيحوز السعادة الإنسانية، والرئاسة الحقيقية، ويبقى له حسن الثناء مؤبدا، وجميل الذكر مخلدا"2.

9ـ الصبر:

فالصبر من الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها الخلق الحسن؛ فالصبر يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، والأناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة3.

وقل من جد في أمر تطلبه

واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

10ـ العفة:

فهي تحمل على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل، وتحمل على الحياء وهو رأس كل خير، وتمنع من الفحشاء، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة4.

1 الفوائد، ص 266.

2 انظر تهذيب الأخلاق للجاحظ، ص 61.

3 تهذيب مدارج السالكين2/294.

4 تهذيب مدارج السالكين2/294.

ص: 99

11ـ الشجاعة:

فهي تحمل على عزة النفس، وإباءة الضيم، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى الذي هو شجاعة النفس، وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته.

وهي تحمل صاحبها على كظم الغيظ، والحلم؛ فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنانها، ويكبحها بلجامها عن النزق والطيش1.

12ـ العدل:

فهو يحمل على اعتدال الأخلاق، وتوسطها بين الإفراط والتفريط؛ فيحمل على خلق الجود الذي هو توسط بين البخل والإسراف، وعلى خلق التواضع الذي هو توسط بين الذلة والقحة، وعلى خلق الشجاعة الذي هو توسط بين الجبن والتهور، وعلى خلق الحلم الذي هو توسط بين الغضب والمهانة وسقوط النفس2.

13ـ تكلف البشر والطلاقة، وتجنب العبوس والتقطيب:

قال ابن حبان رحمه الله "البشاشة إدام العلماء، وسجية الحكماء؛ لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي"3.

1 انظر: مدارج السالكين 3/394.

2 انظر: مدارج السالكين 3/394.

3 روضة العقلاء، ص 75.

ص: 100

وقال الشاعر:

ألق بالبشر من لقيت من النا

س جميعا ولاقه بالطلاقه

تجن منهم جنى ثمار فخذها

طيبا طعمه لذيذ المذاقه1.

قال أبو جعفر المنصور: "إن أحببت أن يكثر الثناء الجميل عليك من الناس بغير نائل ـ فالقهم ببشر حسن"2.

"قيل للعتابي: إنك تلقى الناس كلهم بالبشر!

قال: دفع ضغينة بأيسر مؤونة، واكتساب إخوان بأيسر مبذول"3.

وقال محمد بن حازم:

وما اكتسب المحامد حامدوها

بمثل البشر والوجه الطليق4.

وقال آخر:

أخو البشر محبوب على حسن بشره

ولن يعدم البغضاء من كان عابسا5.

وقال آخر:

البشر يكسب أهله

صدق المودة والمحبة

والتيه يستدعي لصا

حبه المذمة والمسبة6

1 روضة العقلاء، ص76.

2 عين الأدب والسياسة لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل، ص 154.

3 بهجة المجالس2/665.

4 بهجة المجالس2/598.

5 روضة العقلاء، ص 75.

6 عين الأدب والسياسة، ص 153.

ص: 101

وقال ابن عقيل الحنبلي رحمه الله "البشر مؤنس للعقول، ومن دواعي القبول، والعبوس ضده"1.

بل إن تبسم الرجل في وجه أخيه المسلم صدقة يثاب عليها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة"2.

وقال عليه الصلاة والسلام "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"3.

وإذا كان الأمر كذلك فأجدر بالعاقل ألا يرى إلا هشا باشا متهللا متطلقا.

فإن كان ذلك سجية في المرء وطبعا ـ فليحمد الله، وليتعاهد هذه الخصلة الحميدة من نفسه.

وإلا فليجاهد نفسه على تكلف البشر والطلاقة، وعلى تجنب العبوس والتقطيب جملة؛ حتى تألفه ذلك نفسه، وتأنس به أنس الرضيع بثدي أمه.

وحينئذ ترق حواشيه، وتلين عريكته، ويؤنس في حديثه، ويرغب في مجلسه.

1 كتاب الفنون لابن عقيل 2/635.

2 أخرجه الترمذي 956 باب ما جاء في صنائع المعروف وقال: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني في الصحيحة 272 وصحيح الجامع2905.

3 رواه مسلم2626.

ص: 102

14ـ التغاضي والتغافل:

فالتغاضي والتغافل من أخلاق الأكابر والعظماء وهو مما يعين على استبقاء المودة واستجلابها، وعلى وأد العداوة وإخلاد المباغضة.

ثم إنه دليل على سمو النفس، وشفافيتها، وهو مما يرفع المنزلة، ويعلي المكانة.

قال ابن الأثير متحدثا عن صلاح الدين الأيوبي: "وكان رحمه الله حليما حسن الأخلاق، ومتواضعا، صبورا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره، ولا يعلمه بذلك، ولا يتغير عليه.

وبلغني أنه كان جالسا وعنده جماعة، وفرمى بعض المماليك بعضا بسرموز1فأخطأته، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته، ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه؛ ليتغافل عنها"2.

وكان الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله كثير التغاضي عن كثير من الأمور في حق نفسه، وحينما يسأل عن ذلك كان يقول:

ليس الغبي بسيد في قومه

لكن سيد قومه المتغابي3

1 سرموز: لم أجد لهذه الكلمة معنى؛ فما أدري أهي مصحفة، وأصلها بقشر موز؟ أم هي كلمة أعجمية؟ لا أدري.

2 الكامل في التاريخ9/225.

3 انظر: ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي للشيخ عبد الرحمن السديس، ص 205ـ206.

ص: 103

قال ابن حبان رحمه الله: "من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقع لما يأتون من المحبوب كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة، والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء"1.

قال ابن المقفع: "إن من إرب2 الأريب دفن إربه ما استطاع، حتى يعرف بالمسامحة في الخليقة، والاستقامة على الطريقة"3.

قال الشاعر:

أغمض عيني عن صديقي كأنني

لديه بما يأتي من القبح جاهل

وما بي جهل غير أن خليقتي

تطيق احتمال الكره فيما أحاول4.

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

أغمض عيني عن أمور كثيرة

وإني على ترك الغموض قدير

وما من عمى أغضي ولكن لربما

تعامى وأغضى المرء وهو بصير

وأسكت عن أشياء لو شئت قلتها

وليس علينا في المقال أمير

أصبر نفسي باجتهادي وطاقتي

وإني بأخلاق الجميع خبير5

15ـ الحلم:

فالحلم من أشرف الأخلاق، وأحقها بذوي الألباب؛ لما فيه

1 روضة العقلاء، ص 72.

2 الإرب: العقل والدهاء.

3 الأدب الصغير والأدب الكبير، ص 147.

4 روضة العقلاء، ص 73.

5 ديوان الإمام علي، ص106.

ص: 104

من سلامة العرض، وراحة الجسد، واجتلاب والحمد.

وحد الحلم ضبط النفس عند هيجان الغضب.

وليس من شرط الحلم ألا يغضب الحليم، وإنما إذا ثار به الغضب عند هجوم دواعيه كف سورته بحزمه، وأطفأ ثائرته بحلمه1.

فإذا اتصف المرء بالحلم كثر محبوه، وقل شانئوه، وعلت منزلته، ووفرت كرامته.

هذا وستتضح بعض معالم الحلم في الفقرات الآتية إن شاء الله.

16ـ الإعراض عن الجاهلين:

فمن أعرض عن الجاهلين حمى عرضه، وأراح نفسه، وسلم من سماع ما يؤذيه.

قال عز وجل {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] .

فبالإعراض عن الجاهلين يحفظ الرجل على نفسه عزتها؛ إذ يرفعها عن الطائفة التي تلذ المهاترة والإقذاع.

قال بعض الشعراء:

إني لأعرض عن أشياء أسمعها

حتى يقول رجال إن بي حمقا

أخشى جواب سفيه لا حياء له

فسل وظن أناس أنه صدقا2.

1 انظر: أدب الدنيا والدين، ص 252، 257.

2 عيون الأخبار1/284.

ص: 105

والعرب تقول: "إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر"1.

"وروي أن رجلا نال من عمر بن عبد العزيز، فلم يجبه، فقيل له: ما يمنعك منه؟

قال: التقي ملجم"2.

17ـ الترفع عن السباب:

فذلك من شرف النفس، وعلو الهمة، كما قالت الحكماء:

"شرف النفس أن تحمل المكاره كما تحمل المكاره"3.

"قال رجل من قريش: ما أظن معاوية أغضبه شيء قط.

فقال بعضهم: إن ذكرت أمه غضب.

فقال مالك بن أسماء المنى القرشي: أنا أغضبه إن جعلتم لي جعلا4ففعلوا، فأتاه في الموسم، فقاله له: يا أمير المؤمنين إن عينيك لتشبهان عيني أمك.

قال: نعم كانتا عينين طالما أعجبتا أبا سفيان! ثم دعا مولاه شقران فقال له: أعدد لأسماء المنى دية ابنها؛ فإني قد قتلته وهو لا يدري.

1 الأمثال لأبي عبيد، ص159.

2 الكتاب الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز الخليفة الخائف الخاشع، لأبي حفص عمر بن محمد الخضر المعروف بالملا تحقيق الشيخ د. محمد صدقي البورنو 2/424.

3 أدب الدنيا والدين، ص 252ـ253.

4 الجعل: هو الأجر على الشيء فعلا أو قولا. انظر: لسان العرب11/111.

ص: 106

فرجع وأخذ الجعل، فقيل له: إن أتيت عمر بن الزبير فقل1 له مثل ما قلت لمعاوية أعطيناك كذا وكذا.

فأتاه فقال له ذلك، فأمر بضربه حتى مات.

فبلغ معاوية، فقال: أنا والله قتلته، وبعث إلى أمه بديته، وأنشأ يقول:

ألا قل لأسماء المنى أم مالك

فإن لعمر الله أهلكت مالكا2.

"وروي أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة خرج ليلة في السحر إلى المسجد ومعه حرسي، فمرا برجل نائم على الطريق، فعثر به، فقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا، فهمّ الحرسي به، فقال عمر: مه، فإنه سألني: أمجنون أنت؟ فقلت: لا"3.

"وقيل: وجاء رجل إلى الأحنف بن قيس فلطم وجهه، فقال: بسم الله، يا بن أخي ما دعاك إلى هذا؟

قال: آليت4أن ألطم سيد العرب من بني تميم.

قال: فبر بيمينك، فما أنا بسيدها، سيدها حارثة بن قدامة.

فذهب الرجل فلطم حارثة، فقام إليه حارثة بالسيف فقطع يمينه.

1 لعل الصواب: فقلت.

2 المحاسن والمساوئ، ص579.

3 الكتاب الجامع 2/425.

4 آليت: يعني حلفت وأقسمت، والألية: الحلف.

ص: 107

فبلغ ذلك الأحنف، فقال: أنا والله قعطتها"1.

قال الأصمعي: "بلغني أن رجلا قال لآخر: والله لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا.

فقال الآخر: لكنك إن قلت عشرا لم تسمع واحدة! "2.

"وشتم رجل الحسن وأربى عليه، فقال له: أما أنت فما أبقيت شيئا، وما يعلم الله أكثر"3.

وقال الشافعي رحمه الله:

إذا سبني نذل تزايدت رفعة

وما العيب إلا أن أكون مساببه

ولو لم تكن نفسي علي عزيزة

لمكنتها من كل نذل تحاربه4

وقال آخر:

ولست مشاتما أحدا؛ لأني

رأيت الشتم من عي الرجال

إذا جعل اللئيم أباه نصبا

لشاتمه فديت أبي بمالي5.

18ـ الاستهانة بالمسيء:

وذلك ضرب من ضروب الأنفة والعزة، ومن مستحسن الكبر والإعجاب.

"حكي عن مصعب بن الزبير أنه لما ولي العراق جلس يوما

1 المحاسن والمساويء، ص 579.

2 عيون الأخبار1/285.

3 عيون الأخبار1/287.

4 ديوان الشافعي، ص 90.

5 بهجة المجالس2/437.

ص: 108

لعطاء الجند، وأمر مناديه، فنادى: أين عمرو بن جرموز ـ وهو الذي قتل أباه الزبير ـ فقيل له: أيها الأمير، إنه قد تباعد في الأرض.

فقال: أو يظن الجاهل أني أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمنا؛ ليأخذ عطاءه موفرا.

فعد الناس ذلك من مستحسن الكبر"1.

ومثل ذلك قول بعض الزعماء في شعره:

أو كلما طن الذباب طردته

إن الذباب إذا علي كريم2.

"وأكثر رجل من سب الأحنف وهو لا يجيبه، فقال ـ يعني الساب ـ: والله ما منعه من جوابي إلا هواني عليه"3.

وفي مثله يقول الشاعر:

نجا بك لؤمك منجى الذباب

حمته مقاذيره أن ينالا4

"وشتم رجل الأحنف، وجعل يتبعه حتى بلغ حيه، فقال الأحنف: يا هذا إن كان بقي في نفسك شيء فهاته، وانصرف؛ لا يسمعك بعض سفهائنا، فتلقى ما تكره"5.

وقيل للشعبي: فلان يتنقصك ويشتمك، فتمثل الشعبي بقول كثير:

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزة من أعراضنا ما استحلت

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا ولا مقلية إن تقلت6

1 أدب الدنيا والدين، ص 253.

2 أدب الدنيا والدين، ص 253.

3 أدب الدنيا والدين، ص 253.

4 أدب الدنيا والدين، ص 253.

5 عيون الأخبار1/287.

6 بهجة المجالس2/436.

ص: 109

"وأسمع رجل ابن هبيرة فأعرض عنه، فقال: إياك أعني، فقال له: وعنك أعرض"1.

19ـ نسيان الأذية:

وذلك بأن تنسى أذية من نالك بسوء؛ ليصفو قلبك له، ولا تستوحش منه2؛ فمن تذكر إساءة إخوانه لم تصف له مودتهم، ومن تذكر إساءة الناس إليه لم يطب له العيش معهم؛ فانس ما استطعت النسيان"3.

20ـ العفو والصفح ومقابلة الإساءة بالاحسان:

فهذا سبب لعلو المنزلة، ورفعة الدرجة، وفيه من الطمأنينة، والسكينة، والحلاوة، وشرف النفس، وعزها، وترفها عن تشفيها بالانتقام ـ ما ليس شيء في المقابلة والانتقام4.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: "وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا"5.

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "أحب الأمور إلى الله ثلاثة: العفو عند المقدرة، والقصد في الجدة، والرفق بالعبدة"6.

"وعن داود بن الزبرقان قال: قال أيوب: لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان: العفة عما في أيدي الناس، والتجاوز عنهم"7.

1 أدب الدنيا والدين، ص253.

2 انظر: مدارج السالكين2/328.

3 انظر: هكذا علمتني الحياة للسباعي1/45.

4 انظر: مدارج السالكين2/303.

5 رواه مسلم4/2001، رقم2588 عن أبي هريرة.

6 روضة العقلاء، ص 131.

7 روضة العقلاء، ص 131.

ص: 110

وقال الشافعي رحمه الله:

لما عفوت ولم أحقد على أحد

أرحت نفسي من ظلم العداوات1.

ومن جميل ما يذكر في هذا قول المقنع الكندي:

وإن الذي بيني وبين بني أبي

وبين بني عمي لمختلف جدا

إذا قدحوا لي نار حرب بزندهم

قدحت لهم في كل مكرمة زندا

وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم

وليس رئيس القوم من يحمل الحقد2.

وقال محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:

وإني لأكسو الخل حلة سندس

إذا ما كساني من ثياب حِداده3.

وعن عبد الملك أو قيس بن عبد الملك قال: "قام عمر بن عبد العزيز إلى قائلته، وعرض له رجل بيده طومار4، فظن القوم أنه يريد أمير المؤمنين، فخاف أن يحبس دونه، فرماه بالطومار، فالتفت عمر، فوقع في وجهه فشجه.

قال: فنظرت إلى الدماء تسيل على وجهه وهو قائم في الشمس، فلم يبرح حتى قرأ الطومار، وأمر له بحاجته، وخلى سبيله"5.

1 ديوان الشافعي، ص 82.

2 روضة العقلاء، ص 173ـ174، وانظر: بهجة المجالس2/784ـ785.

3 رحلة الحج إلى بيت الحرام بقلم محمد الأمين الشنقيطي، ص 217.

4 الطومار: صحيفة مطوية.

5 الكتاب الجامع 2/423ـ424.

ص: 111

وقال ابن القيم رحمه الله متحدثا عن حسن الخلق والعفو، والإحسان إلى من أساء: "وما رأيت أحدا أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه ـ

وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه.

وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم.

وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له ـ فنهرني، وتنكر لي، واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله، فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام.

فسروا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه"1.

فإذا كان الأمر كذلك فإنه يجدر بالعاقل ـ كما قال ابن حبان ـ "توطين نفسه على لزوم العفو عن الناس كافة، وترك الخروج لمجازاة الإساءة؛ إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسن من الإحسان، ولا سبب لنماء الإساءة وتهييجها أشد من الاستعمال بمثلها"2.

وقد يظن ظان أن العفو عن المسيء، والإحسان إليه مع القدرة عليه ـ موجب للذلة والمهانة، وأنه قد يجر إلى تطاول السفهاء.

وهذا خطأ؛ ذلك أن العفو والحلم لا يشتبه بالذلة بحال؛ فإن

1 مدارج السالكين2/328ـ329.

2 روضة العقلاء، ص131.

ص: 112

الذلة احتمال الأذى على وجه يذهب بالكرامة.

أما الحلم فهو إغضاء الرجل عن المكروه، حيث يزيده الإغضاء في أعين الناس رفعة ومهابة.

سياسة الحلم لا بطش يكدرها

فهو المهيب ولا تخشى بوادره1.

فالعفو إسقاط حقك جودا، وكرما، وإحسانا مع قدرتك على الانتقام، فتؤثر الترك؛ رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق.

بخلاف الذل؛ فإن صاحبه يترك الانتقام عجزا، وخوفا، ومهانة نفس، فهذا غير محمود، بل لعل المنتقم بالحق أحسن حالا منه2.

21ـ السخاء:

فالسخاء محبة ومحمدة، كما أن البخل مذمة ومبغضة، فالسخاء يجلب المودة، وينفي العداوة، ويكسب الذكر الجميل، ويخفي العيوب والمساوئ.

وإن كثرت عيوبك في البرايا

وسرك أن يكون لها غطاء

تستر بالسخاء فكل عيب

يغيطه كما قيل السخاء3.

فإذا ما اتصف الإنسان بالسخاء زكت نفسه، ولانت عريكته، وقاده ذلك إلى أن يترقى في مكارم الأخلاق ومدارج الفضيلة؛ فالسخي قريب من كل خير وبر.

ولهذا كان الأكابر يبادرون إلى تلك الخلة، ويحرصون كل

1 انظر رسائل الإصلاح1/186.

2 انظر: الروح لابن القيم، ص359.

3 ديوان الشافعي، ص16.

ص: 113

الحرص على اكتسابها، ويوصون غيرهم بأن يتحلى بها.

قال ابن عباس رضي الله عنهما "ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه من المشي إلي؛ إرادة التسليم علي.

أما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله.

قيل: من هو؟

قال: رجل نزل به أمر، فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلا لحاجته فأنزلها بي"1.

وله رضي الله عنه شعر في هذا المعنى يقول فيه:

إذا طارقات لهمّ ضاجعت الفتى

وأعمل فكر الليل والليل عاكر

وباكرني في حاجة لم يجد بها

سواي ولا من نكبة الدهر ناصر

فرجت بمالي همه من مقامه

وزايله همّ طروق مسامر

وكان له فضل علي بظنه

بي الخير إني للذي ظن شاكر2

قال الرافعي رحمه الله:

"فمن ألزم نفسه الجود والإنفاق راضها رياضة عملية كرياضة العضل بأثقال الحديد، ومعاناة القوة في الصراع ونحوه.

أما الشح فلا يناقض تلك الطبيعة، ولكنه يدعها جامدة مستعصية، لا تلين، ولا تستجيب، ولا تتيسر"3.

1 عيون الأخبار4/176.

2 العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق القيرواني1/37.

3 وحي القلم للرافعي3/14.

ص: 114

ومما تحسن الإشارة إليه أن السخاء سخاءان؛ سخاوة نفس الرجل بما في يديه، وسخاوته عما في أيدي الناس.

وتركه ما في أيدي الناس أمحض في التكرم، وأبرأ من الدنس، وأنزه من العيب.

فإن هو جمعهما، فبذل وعف فقد استكمل الجود والكرم1.

22ـ نسيان المعروف والإحسان إلى الناس:

وهذه مرتبة عالية، ومنزلة رفيعة، وهي أن تنسى ما يصدر منك من إحسان، حتى كأنه لم يصدر2.

فمن أراد أن يرتقي في حسن الخلق فلينس ما قدم من إحسان ومعروف؛ حتى يسلم من المنة والترفع على الناس، ولأجل أن يتأهل لنيل مكارم أخرى أرفع وأرفع.

قال ابن المقفع: "إذا كانت لك عند أحد صنيعة، أو كان لك عليه طول ـ فالتمس إحياء ذلك بإماتته، وتعظيمه بالتصغير له، ولا تقتصرن في قلة المن به على أن تقول: لا أذكره، ولا أصغي بسمعي إلى من يذكره؛ فإن هذا قد يستحيي منه بعض من لا يوصف بعقل ولا كرم.

ولكن احذر أن يكون في مجالستك إياه، وما تكلمه به، أو تستعينه عليه، أو تجاريه فيه ـ شيء من الاستطالة؛ فإن الاستطالة تهدم الصنيعة، وتكدر المعروف"3.

1 انظر: الأدب الصغير والأدب الكبير، ص144، وانظر: تفصيل الحديث عن السخاء في الهمة العالية للكاتب، ط2 يصدر قريبا ـ إن شاء الله.

2 انظر: مدارج السالكين2/328.

3 الأدب الصغير والأدب الكبير، ص141ـ 142.

ص: 115

23ـ الرضا بالقليل من الناس، وترك مطالبتهم بالمثل:

وذلك بأن يأخذ منهم ما سهل عليهم، وطوعت له به أنفسهم سماحة واختيارا، وألا يحملهم على العنت والمشقة1.

قال ـ تعالى ـ {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] .

قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في هذه الآية: "أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس"2.

وقال مجاهد: "يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخسيس، مثل قبول الأعذار، والعفو، والمساهمة وترك الاستقصاء في البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم"3.

قال المقنع الكندي واصفا حاله مع قومه:

وأعطيهم مالي إذا كنت واجدا

وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا4.

وقال الآخر:

خذ العفو واصفح عن أمور كثيرة

ودع كدر الأخلاق واعمد لما صفا5.

"ولما قدم حاتم الأصم إلى أحمد بن حنبل قال له: أحمد بعد بشاشته به: أخبرني كيف التخلص إلى السلامة؟

فقال له حاتم: بثلاثة أشياء.

1 انظر: مدارج السالكين2/290.

2 مدارج السالكين2/290.

3 مدارج السالكين2/290.

4 روضة العقلاء، ص174.

5 عين الأدب والسياسة، ص276.

ص: 116

فقال أحمد: ما هي؟

قال: تعطيهم مالك ولا تأخذ مالهم، وتقضي حقوقهم ولا تطالبهم بقضاء حقوقك، وتصبر على أذاهم ولا تؤذهم.

فقال أحمد: إنها لصعبة!.

قال حاتم: وليتك تسلم"1.

قال الرافعي رحمه الله "إن السعادة الإنسانية الصحيحة في العطاء دون الأخذ، وإن الزائفة هي الأخذ دون العطاء، وذلك آخر ما انتهت إليه فلسفة الأخلاق"2.

24ـ احتساب الأجر عند الله عز وجل:

فهذا الأمر من أعظم ما يعين على اكتساب الأخلاق الفاضلة، فهو مما يعين على الصبر، والمجاهدة، وتحمل أذى الناس؛ فإذا أيقن المسلم أن الله عز وجل سيجزيه على حسن خلقه ومجاهدته لنفسه ـ فإنه سيحرص على اكتساب محاسن الأخلاق، وسيهون عليه ما يلقاه في ذلك السبيل.

25ـ تجنب الغضب:

لأن الغضب جمرة تتقد في القلب، وتدعو إلى السطوة والانتقام والتشفي.

فإذا ما ضبط الإنسان نفسه عند الغضب، وكبح جماحها عند

1 عين الأدب والسياسة، ص 155ـ 156.

2 وحي القلم 3/13.

ص: 117

اشتداد سورته ـ فإن يحفظ على نفسه عزتها وكرامتها، وينأى بها عن ذل الاعتذار، ومغبة الندم، ومذمة الانتقام.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل فقال: يا رسول الله، أوصني، فقال: "لا تغضب"، ثم ردد مرارا، قال: "لا تغضب" 1.

قال الماوردي: "فينبغي لذي اللب السوي، والحزم القوي أن يتلقى قوة الغضب بحلمه فيصدها، ويقابل دواعي شرته بحزمه فيردها؛ ليحظى بأجل الخبرة2، ويسعد بحميد العاقبة"3.

هذا ولتسكين الغضب إذا ثارت ثائرته أسباب عديدة منها4.

أـ ذكر الله عز وجل:

فإن ذلك يدعوه إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه، ويأخذ بندبه، فعند ذلك يزول الغضب قال ـ تعالى ـ:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:24] .

"قال عكرمة: يعني إذا غضبت"5.

ب ـ أن ينتقل عن الحالة التي هو فيها إلى حالة غيرها:

فإن الغضب يزول بتغير الأحوال، والتنقل من حال إلى حال.

1 رواه البخاري 7/99، عن أبي هريرة.

2 هكذا وردت في الكتاب ولعل الصواب: الخيرة.

3 أدب الدنيا والدين، ص 258.

4 انظر: أدب الدنيا والدين، ص 258ـ 260، وجامع العلوم والحكم لابن 1/364، وبهجة قلوب الأبرار لابن سعدي ص 234ـ 235.

5 أدب الدنيا والدين، ص 258.

ص: 118

جـ ـ تذكر الآثار السيئة المترتبة على الغضب.

د ـ تذكر ثواب العفو، وجزاء الصفح.

فيقهر بذلك نفسه على الغضب؛ رغبة في الجزاء والثواب، وحذرا من استحقاق الذم والعقاب.

هـ ـ تذكر انعطاف القلوب عليه، وميل النفوس إليه:

فذلك يبعثه إلى التألف، والعفو.

وـ توطين النفس على ما يصيب من أذى الخلق:

سواء من الأذى الفعلي أو القلي، فإذا وفق العبد لذلك، وورد عليه وارد الغضب احتمله بحسن خلقه، وتلقاه بحلمه وصبره، ومعرفته بحسن عواقبه.

ز ـ ألا ينفذ غضبه بعد أن يغضب:

فإن الغضب ـ غالبا ـ لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده، ولكنه يتمكن من ترك تنفيذه، فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه من الأقوال، والأفعال المحرمة التي يقتضيها الغضب، فمتى منع نفسه من فعل آثار الغضب الضارة فكأنه في الحقيقة لم يغضب، وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية، والقوة القلبية.

"عن أبي عبلة قال: غضب عمر بن عبد العزيز يوما غضبا شديدا على رجل فأمر به، فأحضر، وجرد، وشد في الحبال، وجيء بالسياط.

فقال: خلوا سبيله، أما أني لولا أن أكون غضبانا لسؤتك.

ص: 119

وتلا: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ} [آل عمران: 134]1.

26ـ تجنب الجدال:

لأن الجدال يذكي العداوة، ويورث الشقاق، ويقود إلى الكذب، ويدعو إلى التشفي من الآخرين.

فإذا تجنبه المرء سلم من اللجاج، وحافظ على صفاء قلبه، وأمن من كشف عيوبه، وإطلاق لسانه في بذئ الألفاظ، وساقط القول.

ثم إن اضطر إلى الجدال فليكن جدالا هادئا يراد به الوصول إلى الحق، وليكن بالتي هي أحسن وأرفق.

قال ـ تعالى ـ {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .

أما إذا لجّ الخصم في الجدال، وعلا صوته في المجلس فإن السكوت أولى، وإن أفضل طريقة لكسب الجدال ـ حينئذ ـ هي تركه.

قال عليه الصلاة والسلام: "أنا زعيم ببيت في ربض2الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه"3.

1 الكتاب الجامع2/423.

2 ربض الجنة: أدناها.

3 رواه أبوداود 4800 من حديث أبي أمامة الباهلي، وصححه النووي في رياض الصالحين، ص 301، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/911 رقم 4015.

ص: 120

27ـ التواصي بحسن الخلق:

وذلك ببث فضائل حسن الخلق، وبالتحذير من مساوئ الأخلاق، وبنصح المبتلين بسوء الخلق، وبتشجيع حسني الأخلاق.

فحسن الخلق من الحق، والله تبارك وتعالى يقول:{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] .

28ـ قبول النصح الهادف، والنقد البناء:

فهذا مما يعين على اكتساب الأخلاق الفاضلة، ومما يبعث على التخلي عن الأخلاق الساقطة.

فعلى من نصح أن يتقبل النصح، وأن يأخذ به؛ حتى يكمل سؤدده، وتتم مروءته، ويتناهى فضله.

بل ينبغي لمتطلب الكمال ـ خصوصا إذا كان رأسا مطاعا ـ أن يتقدم إلى خواصه، وثقاته، ومن كان يسكن إلى عقله من خدمه وحاشيته ـ فيأمرهم أن يتفقدوا عيوبه ونقائصه، ويطلعوه عليها، ويعلموه بها؛ فهذا مما يبعثه التنزه من العيوب، والتطهر من دنسها.

بل ينبغي له أن يتلقى من يهدي إليه شيئا من عيوبه بالبشر والقبول، ويظهر له الفرح والسرور بما أطلعه عليه.

بل المستحسن أن يجيز الذي يوقفه على عيوبه أكثر مما يجيز المادح على المدح والثناء الجميل، ويشكر من ينبهه على نفصه، ويتحمل لومته بفعل؛ فإنه إذا لزم هذه الطريقة، وعرف بها ـ أسرع أصحابه وخواصه إلى تنبيهه على عيوبه.

وإذا نبه على ما فيه من النقص أنف منه، واستشعر أن أولئك

ص: 121

سيعيّرونه به، ويصغرونه من أجله؛ فيلزمه حينئذ أن يأخذ نفسه بالتنزه من العيوب، ويقهرها على التخلص منها1؛ فإصلاح النفس لا يتم بتجاهل عيوبها، ولا بإلقاء الستار عليها2.

29ـ قيام المرء بما يسند إليه من عمل على أتم وجه:

حتى يسلم بذلك من التوبيخ، والتقريع، ومن ذل الاعتذار، ومن تكدر النفس، واعتلال الأخلاق.

30ـ التسليم بالخطأ إذا وقع، والحذر من تسويغه:

فذلك آية حسن الخلق، وعنوان علو الهمة، ثم إن فيه سلامة من الكذب، ومن الشقاق؛ فالتسليم بالخطأ فضيلة ترفع من قدر صاحبها.

31ـ لزوم الرفق:

فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه كما قال عليه الصلاة والسلام وقال "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"3.

وقال: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله".

"فمن أعطي الرفق والخلق فقد أعطي الخير كله والراحة، وحسن حاله في دنياه وآخرته.

1 انظر: تهذيب الأخلاق للجاحظ، ص60-61.

2 انظر: أقوال مأثورة، ص 455.

3 رواه مسلم2594 عن عائشة.

4 رواه البخاري 7/80 ومسلم "2165"عن عائشة.

ص: 122

ومن حرم الرفق والخلق كان ذلك سبيلا إلى شر وبلية إلا من عصمه الله"1.

32ـ لزوم التواضع:

فالتواضع ـ في حقيقته ـ هو بذل الاحترام، والعطف، والمجاملة لمن يستحق ذلك2.

فالتواضع دليل على كبر النفس، وعلو الهمة، وهو سبيل لاكتساب المعالي، والترقي في الكمالات، فهو خلق يرفع من قدر صاحبه، ويكسبه رضا أهل الفضل ومودتهم، ويبعثه على الاستفادة من كل أحد، وينأى به عن الكبر والتعالي.

33ـ استعمال المداراة:

فالناس خلقوا للاجتماع لا للعزلة، وللتعارف لا للتناكر، وللتعاون لا لينفرد كل واحد بمرافق حياته.

وللإنسان عوارض نفسه كالحب، والبغض، والرضا، والغضب، والاستحسان والاستهجان.

فلو سار على أن يكاشف الناس بكل ما يعرض له من هذه الشؤون في كل وقت وعلى أي حال ـ لاختل الاجتماع، ولم يحصل التعارف، وانقبضت الأيدي عن التعاون.

فكان من حكمة الله في خلقه أن هيأ الإنسان لأدب يتحامى به

1 أقوال مأثورة، ص 220 عن الحلية3/186.

2 انظر: رسائل الإصلاح1/127.

ص: 123

ما يحدث تقاطعا، أو يدعو إلى تخاذل، ذلك الأدب هو المداراة1.

فالمداراة مما يزرع المودة والألفة، ويجمع الآراء المشتبة، والقلوب المتنافرة.

"والمداراة ترجع إلى حسن اللقاء، ولين الكلام، وتجنب ما يشعر ببغض أو غضب، أو استنكار إلا في أحوال يكون الإشعار به خيرا من كتمانه.

فمن المداراة أن يجمعك بالرجل يضمر لك العداوة مجلس، فتقابله بوجه طلق، وتقضيه حق التحية، وترفق به في الخطاب"2.

قال أحد الحكماء:

وأمنحه مالي وودي ونصرتي

وإن كان محني الضلوع على بغضي

وقال الشافعي رحمه الله:

إني أحيي عدوي عند رؤيته

لأدفع الشر عن بالتحيات

وأظهر البشر للإنسان أبغضه

كأنه قد حشا قلبي محبات3.

بل إن المداراة قد تبلغ إلى إطفاء العداوة، وقلبها إلى صداقة.

فما أحوج المرء إلى هذه الخصلة الحميدة، خصوصا مع من لابد له من معاشرته، أو ممن يتوقع الأذى منه.

قال ابن الحنفية: "ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لم

1 انظر: رسائل الإصلاح1/131.

2 رسائل الإصلاح1/131.

3 ديوان الشافعي، ص 28 جمع الزعبي

ص: 124

يجد من معاشرته بدا حتى يأتيه الله منه بالفرج أو المخرج"1.

وقال العتابي: "المداراة سياسة لطيفة، لا يستغني عنها ملك ولا سوقة، يجتلبون بها المنافع، ويدفعون بها المضار، فمن كثرت مداراته كان في ذمة الحمد والسلامة"2.

وقال بعضهم: "ينبغي للعاقل أن يداري زمانه مداراة السابح في الماء الجاري"3.

وقال الحسن: "حسن السؤال نصف العلم، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة"4.

وقال ابن حبان: "من التمس رضا جميع الناس التمس ما لا يدرك، ولكن يقصد العاقل رضا من لا يجد من معاشرته بدا، وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها، أو استقباح أشياء كان يستحسنها ما لم يكن مأثما؛ فإن ذلك من المداراة، وما أكثر من دارى فلم يسلم، فكيف توجد السلامة لمن لا يداري؟ "5.

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

يقول لك العقل الذي زين الورى

إذا أنت لم تقدر عدوا فداره6.

1 روضة العقلاء، ص 70.

2 عين الأدب والسياسة ص 154.

3 عين الأدب والسياسة، ص 154.

4 عيون الأخبار3/22.

5 روضة العقلاء، ص 71ـ 72.

6 ديوان الإمام علي، ص106.

ص: 125

هذا وسيأتي مزيد حديث عن المداراة فيما بعد؛ حتى تتضح معالمها أكثر وأكثر.

34ـ لزوم الصدق:

فإن للصدق آثارا حميدة، وعوائد عديدة، فالصدق حسنة تنساق بصاحبها إلى الحسنات، فهو دليل على حسن السير، ونقاء السريرة، وسمو الهمة، ورجحان العقل.

فبالصدق يشرف قدر المرء، وتعلو منزلته، ويصفو باله، ويطيب عيشه؛ فهو ينجي صاحبه من رجس الكذب، ووخز الضمير، وذل الاعتذار، ويحميه من إساءة الناس إليه، ونزع الثقة منه، كما أنه يكسبه عزة وشجاعة، وثقة في النفس، فيظل موفور الكرامة، عزيز النفس، مهيب الجناب.

ولا يمكن أن يستقيم لأحد سؤدد، ولا تعلو له مكانة، ولا يحرز قبولا في القلوب، ما لم يرزق لسان صدق.

ثم إن الصدق يهدي إلى البر، وحسن الخلق من جملة ذلك البر1.

قال بعض البلغاء: "الصادق مصان خليل، والكاذب مهان ذليل"2.

1 انظر رسائل الإصلاح2/101ـ102، والكذب مظاهره ـ علاجه، للكاتب ص 33ـ 38.

2 أدب الدنيا والدين، ص 261.

ص: 126

وقال بعض الشعراء:

وإذا الأمور تزاوجت

فالصدق أكرمها نتاجا

والصدق يعقد فوق رأ

س حليفه بالصدق تاجا

والصدق يقدح زنده

في كل ناحية سراجا1.

وقال الآخر:

كم من حسيب كريم كان ذا شرف

قد شانه الكذب وسط الحي إن عمدا

وآخر كان صعلوكا فشرفه

صدق الحديث وقول جانب الفندا

فصار هذا شريفا فوق صاحبه

وصار هذا وضيعا تحته أبدا2.

35ـ تجنب كثرة اللوم والتعنيف على من أساء:

فلا يحسن بالعاقل أن يسرف في لوم من أساء، خصوصا إذا كان المسيء جاهلا، أو كان ممن يندر وقوع الإساءة منه؛ فكثرة اللوم مدعاة للغضب، وغلظ الطبع ثم إنها موجبة للعداوة، ومجلبة لسماع ما يؤذي.

قال البحتري:

متى أحرجت ذا كرم تخطى

إليك ببعض أخلاق اللئيم3.

وقال الآخر:

فدع العتاب؛ فرب شر

ر هاج أوله العتاب4.

1 روضة العقلاء، ص 53ـ54.

2 روضة العقلاء، ص 55.

3 ديوان البحتري2/177.

4 عيون الأخبار 3/29.

ص: 127

وإذا كان الصفح عن الزلات من أفضل خصال الحمد ـ فإن أحق الناس بأن تتغاضى عن هفواتهم، وتتجنب لومهم وتعنيفهم ـ رجال عرفت منهم المودة، ولم يقم لديك شاهد على أنهم صرفوا قلوبهم عنها.

فلو أخذت تعنف من إخوانك كل من صدرت منه هفوة لم تلبث أن تفقدهم جميعا، ولم يبق لك على ظهر الأرض صديق غير نفسك التي بين جنبيك.

والحاصل أن ما يصدر من الصديق إن كان من قبيل العثرة التي تقع في حال غفلة، أو كان خطأ في اجتهاد في الرأي ـ فذلك موضع الصفح والتجاوز، ولا ينبغي أن يكون له في نقص الصداقة أثر كثير أو قليل.

وأما إن كان عن زهد في الصحبة، أو انصرافا عن الصداقة فلك أن تزهد به، وتقطع النظر عن صداقته، وهذا موضع الاستشهاد بمثل قول الكميت:

وما أنا بالنكس الدنيء ولا الذي

إذا صد عني ذو المودة يقرب

ولكنه إن دام دمت وإن يكن

له مذهب عني فلي فيه مذهب

ألا إن خير الود ود تطوعت

له النفس لا ود أتى وهو متعب

والفرق بين عثرة قد تصدر من ذي صداقة وبين جفاء لا يكون إلا من زاهد في الصداقة ـ يرجع فيه الرجل إلى الدلائل التي لا يبقى معها ريب.

والتفريط في جانب الصديق ليس بالأمر الذي يستهان به؛ فلا

ص: 128

ينبغي الإقدام عليه دون أن تقوم على قصده لقطع المودة بينة واضحة؛ ذلك أن المرء لا يخلو ـ وهو معرض للغفلة والخطأ ـ أن يخل بشيء من واجبات الصداقة.

فإن كنت على ثقة من صفاء مودة صديقك ـ أقمت له من نفسك عذرا، وسرت في معاملته على أحسن ما تقتضيه الصداقة.

فإذا حام في قلبك شبهة أن يكون هذا الإخلال ناشئا عن التهاون بحق الصداقة ـ فهذا موضع العتاب؛ فالعتاب يستدعي جوابا، فإن اشتمل الجواب على عذر أو اعتراف بالتقصير ـ فاقبل العذر، وقابل التقصير بصفاء خاطر، وسماحة نفس.

وعلى هذا الوجه يحمل قول الشاعر:

أعاتب ذا المودة من صديق

إذا ما رابني منه اغتراب

إذا ذهب العتاب فليس ود

ويبقى الود ما بقي العتاب1.

ومما يدلك على أن صداقة صاحبك قد نبتت في صدر سليم أن يجد في نفسه ما يدعوه إلى عتابك، حتى إذا لقيته بقلبك النقي وجبينك الطلق ـ ذهب كل ما في نفسه، ولم يجد للعتاب داعيا.

كما قال أحدهم:

أزور محمدا وإذا التقينا

تكلمت الضمائر في الصدور

فأرجع لم ألمه ولم يلمني

وقد رضي الضمير عن الضمير2.

1 بهجة المجالس2/738.

2 عيون الأخبار3/26.

ص: 129

فإن أكثر صاحبك من الإجحاف بحق الصداقة، ولم تجد له في هذا الإجحاف الكثير عذرا يزيل من نفسك الارتياب في صدق موته ـ فذلك موضع قول القائل:

أقلل عتاب من استربت بوده

ليست تنال مودة بعتاب1.

36ـ تجنب الوقيعة في الناس:

فالوقيعة في الناس، والتعرض لعيوبهم ومغامزهم مما يورث العداوة، ويشوش على القلب، فتسوء الأخلاق تبعا لذلك.

بل إن ذلك مدعاة لأن يبحث الناس عن معايب ذلك الشخص.

من دعا الناس إلى ذمه

ذموه بالحق وبالباطل2.

قالت أعرابية توصي ولدها: "إياك والتعرض للعيوب؛ فتتخذ غرضا، وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام.

وقلما اعتورت السهام غرضا حتى يهي ما اشتد من قوته"3.

وقال الأحنف رضي الله عنه:"من أسرع في الناس فيما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون"4.

1 انظر: رسائل الإصلاح2/15ـ16 لمجمد الخضر حسين ففيه تفصيل رائع لهذا الأمر؛ وانظر صفة الصفوة لابن الجوزي2/167ـ168، ففيه كلام جميل للشافعي حول هذا المعنى.

2 بهجة المجالس2/579.

3 الأمالي 2/81، وانظر: أقوال مأثورة وكلمات جميلة للصباغ، ص 141.

4 سير أعلام النبلاء4/93.

ص: 130

37ـ أن يضع المرء نفسه موضع خصمه:

فهذا يدعو لالتماس المعاذير، والكف عن إنفاذ الغضب، والبعد عن إساءة الظن.

فالواحد منا ـ على سبيل المثال ـ ينزعج كثيرا إذا كان خلفه في السيارة شخص يطلق الأبواق، ونحن قد نقع موقعه ونفعل ما فعله، إما حرصا على اللحاق بموعد مهم، أو أن يكون مع بعضنا مريض، أو نحو ذلك.

فإذا وضعنا أنفسنا موضع الخصم وجدنا ما يسوغ فعله، فنقصر بذلك عن الإساءة والجهل، ونحتفظ بهدوئنا وحلمنا.

قال ابن المقفع: "أعدل السير أن تقيس الناس بنفسك؛ فلا تأتي إليهم إلا ما ترضى أن يؤتى إليك"1.

قال ابن حزم رحمه الله: "من أراد الانصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه؛ فإنه يلوح له وجه تعسفه"2.

وقال الخطابي رحمه الله:

ارض للناس جميعا

مثل ما ترضى لنفسك

إنما الناس جميعا

كلهم أبناء جنسك

فلهم نفس كنفسك

ولهم حسن كحسك3

1 الأدب الصغير والأدب الكبير، ص73.

2 الأخلاق والسير، ص80.

3 أقوال مأثورة، ص456.

ص: 131

38ـ أن يتخذ الناس مرآة لنفسه:

فهذا مما يحسن بالمرء فعله، والأخذ به، "فكل ما كرهه، ونفر عنه من قول، أو فعل، أو خلق ـ فليتجنبه، وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله"1.

قال الشاعر:

إذا أعجبتك خصال امرئ

فكنه تكن مثل ما يعجبك

فليس على المجد والمكرمات

إذا جئتها حاجب يحجبك2

39ـ مصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق الفاضلة:

فهذا الأمر من أعظم ما يربي على مكارم الأخلاق، وعلى رسوخها في النفس؛ فالمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديد التأثر بمن يصاحبه.

والصداقة الشريفة تشبه سائر الفضائل من حيث رسوخها في النفس، وإيتاؤها ثمرا طيبا في كل حين؛ فهي توجد من الجبان شجاعة، ومن البخيل سخاء.

فالجبان قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يخوض في خطر ليحمي صديقه من نكبة.

والبخيل قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يبذل جانبا من ماله؛ لإنقاذ صديقه من شدة.

1 مدارج السالكين2/335.

2 عين الأدب والسياسة، ص 119.

ص: 132

فالصداقة المتينة لا تحل في نفس إلا هذبت أخلاقها الذميمة.

فالمتكبر تنزل به الصداقة إلى أن يتواضع لأصدقائه، وسريع الغضب تضع الصداقة في نفسه شيئا من كظم الغيظ، فيجلس إلى أصدقائه في حلم وأناة، وربما اعتاد التواضع والحلم، فيصير بعد ذلك متواضعا حليما1.

فإذا ما وفق المرء لصحبة الأجلاء العقلاء من ذوي الدين والمروءة فإن ذلك من علامات توفيقه وهدايته.

فإذا كان الأمر كذلك فما أحرى بذي اللب أن يبحث عن إخوان الثقات؛ حتى يعينوه على كل خير، ويقصروه عن كل شر.

قال ابن حزم: "من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة، والبر، والصدق، وكرم العشيرة، والصبر، والوفاء، والأمانة، والحلم، وصفاء الضمائر، وصحة المودة.

ومن طلب الجاه، والمال واللذات لم يساير إلا أمثال الكلاب الكلبة2، والثعالب الخلبة3، ولم يرافق في تلك الطريق إلا كل عدو المعتقد، وخبيث الطبيعة"4.

1 انظر: رسائل الإصلاح2/8.

2 الكلبة: التي أصيبت بداء الكلب هو السعار.

3 الخلبة: الخادعة.

4 الأخلاق والسير، ص24، 25.

ص: 133

40ـ الاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءات:

فإذا اختلف المرء إلى هؤلاء، وأكثر من لقائهم وزيارتهم ـ ولو لم يصاحبهم باستمرار ـ تخلق بأخلاقهم، وقبس من سمتهم ودلهم.

يروى أن الأحنف بن قيس قال: "كنا نختلف إلى قيس بن عاصم نتعلم منه الحلم كما نتعلم الفقه"1.

ولا يلزم أن يكون هؤلاء الذين يختلف إليهم من أهل العلم، بل قد يوجد من العوام من جبل على كريم الخلال وحميد الخصال.

قال ابن حزم: "وقد رأيت من غمار العامة من يجري في الاعتدال وحميد الأخلاق إلى ما لا يتقدمه فيه حكيم عالم رائض لنفسه، ولكنه قليل جدا"2.

41ـ وبالجملة أن ينتفع الإنسان بكل من خالطه وصاحبه:

فصاحب البصيرة النافذة، والهمة العالية، "ينتفع بكل من خالطه وصاحبه، من كامل، وناقص، وسيء الخلق وحسنه، وعديم المروءة، وغزيرها.

وكثير من الناس يتعلم المروءة ومكارم الأخلاق من الموصوفين بأضدادها، كما روي عن بعض الأكابر أنه كان له مملوك سيء الخلق، فظ، غليظ، لا يناسبه.

فسئل عن ذلك فقال: أدرس عليه مكارم الأخلاق.

1 العفو والاعتذار لأبي الحسن محمد بن عمران المعروف بابن الرقام البصري تحقيق د. عبد القدوس أبو صالح، ص 513، 514.

2 الأخلاق والسير، ص25.

ص: 134

وهذا يكون بمعرفة مكارم الأخلاق في ضد أخلاقه، ويكون بتمرين النفس على مصاحبته، ومعاشرته، والصبر عليه"1.

قال ابن حزم: " ولكل شيء فائدة، ولقد انتفعت بمحك أهل الجهل منفعة عظيمة، وهي أنه توقد طبعي، واحتدم خاطري، وحمي فكري، وتهيج نشاطي فكان ذلك سببا إلى تواليف لي عظيمة.

ولولا استثارتهم نشاطي، واقتداحهم كامني ـ ما انبعثت لتلك التواليف"2.

بل إن كثيرا من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أمورا تنفعه في معاشه، وأخلاقه، وصناعته، وحربه، وحزمه، وصبره.

قيل لرجل: من علمك البكور في حوائجك أول النهار لا تخل به؟ قال: من علم الطير تغدو خماصا كل بكرة في طلب أقواتها على قربها وبعدها، لا تسأم ذلك ولا تخاف ما يعرض لها في الجو والأرض.

وقيل لآخر: من علمك السكون، والتحفظ، والتماوت حتى تظفر بإربك، فإذا ظفرت به وثبت وثوب الأسد على فريسته؟

قال: الذي علم الهرة أن ترصد جحر الفأرة، فلا تتحرك، ولا تتلوي، ولا تختلج، حتى كأنها ميتة، حتى إذا برزت الفأرة وثبت عليها كالأسد.

وقيل لآخر: من علمك حسن الإيثار والبذل والسماحة؟ قال:

1 مدارج السالكين2/335.

2 الأخلاق والسير، ص48.

ص: 135

من علم الديك يصادف الحبة في الأرض، وهو يحتاج إليها ولا يأكلها، بل يستدعي الدجاج، ويطلبهن طلبا حثيثا حتى تجيء الواحدة منهن، فتلتقطها وهو مسرور بذلك، طيب النفس به.

وإذا وضعت له الحب الكثير فرقه ههنا، وههنا، وإن لم يكن له دجاج؛ لأن طبعه قد ألف البذل والجود، فهو يرى أنه من اللؤم أن يستبد وحده بالطعام! 1.

42ـ توطين النفس على الاعتدال حال السراء والضراء:

فلقد مر بنا أن من أسباب سوء الخلق ـ الغنى، والمرض، والكبر، والولاية، والعزل.

ولهذا فإنه يحسن بالعاقل الذي يروم نيل المعالي، واكتساب الفضائل أن يوطن نفسه على الاعتدال حال السراء والضراء؛ لأن من أدب صاحب المروءة أن يقف موقف الاعتدال في حالي الضراء والسراء.

ولست بمفراح إذا الدهر سرني

ولا جازع من صرفه المتقلب2.

ومن هنا نرى أن صاحب المروءة لا تطيش به الولاية في زهو، ولا ينزل به العزل في حسرة، ولا يحمله الغنى على الأشر والبطر، ولا ينحط به الفقر إلى الذلة والخنوع3.

1 انظر ذلك مفصلا في شفاء العليل لابن القيم، ص 147ـ164.

2 عيون الأخبار1/276، و281.

3 انظر: رسائل الإصلاح10/210.

ص: 136

قال الحكيم العربي:

خلقان لا أرضى اختلافهما

تيه الغنى ومذلة الفقر

فإذا غنيت فلا تكن بطرا

وإذا افتقرت فته على الدهر

واصبر فلست بواجد خلقا

أدنى إلى فرج من الصبر1.

وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:

كلا بلوت فلا النعماء تبطرني

ولا تخشعت من لأوائها جزعا2.

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " أصبحت والسراء والضراء مطيتان على بابي، لا أبالي على أيهما ركبت"3.

وبهذا تستقيم أخلاق المرء، وتعتدل أفعاله وأحواله، فيسلم بذلك من التقلب واختلاف الأخلاق4.

43ـ معرفة أحوال الناس ومراعاة عقولهم، ومعاملتهم بمقتضى ذلك:

فهذا الأمر دليل على جودة النظر في سياسة الأمور، وعلى حسن التصرف في تقدير وسائل الخير، وهو مما يعين على اكتساب الأخلاق الرفيعة، وعلى استبقاء المودة في قلوب الناس.

فالرجل العاقل الحكيم الحازم يحكم هذا الأمر، وينتفع به عند لقائه بالطبقات المختلفة، فتراه، "يزن عقول من يلاقونه، ويحس ما

1 عيون الأخبار1/238.

2 مع الرعيل الأول لمحب الدين الخطيب، ص174.

3 الكتاب الجامع2/437.

4 انظر تفصيل ذلك في الهمة العالية للكاتب ط2.

ص: 137

تكن صدورهم، وتنزع إليه نفوسهم، فيصاحب الناس، ويشهد مجالسهم، وهو على بصيرة مما وراء ألسنتهم من عقول، وسرائر، وعواطف.

فيتيسر له أن يسايرهم إلا أن ينحرفوا عن الرشد، ويتحامى ما يؤلمهم إلا أن يتألموا من صوت الحق.

ومراعاة عقول الناس وطباعهم ونزعاتهم فيما لا يقعد حقا، ولا يقيم باطلا ـ مظهر من مظاهر الإنسانية المهذبة"1.

وكما أن هذا الأمر عائد إلى الألمعية ـ وهي في أصلها موهبة إلهية ـ فهو كذلك يأتي بالدربة، والممارسة، وتدبر سير أعاظم الرجال، والنظر في مجاري الحوادث باعتبار، فهذا مما يقوي هذه الخصلة، ويرفع من شأنها.

44ـ المحافظة على الصلاة:

فهو سبب عظيم لحسن الخلق، وطلاقة الوجه، وطيب النفس، وسموها، وترفعها عن الدنايا.

كما أنها في مقابل ذلك تنهى عن الفحشاء والمنكر.

وسوء الخلق من جملة ما تنهى عن الصلاة.

ثم إنها سبب لعلاج أدواء النفس الكثيرة كالبخل، والشح، والحسد، والهلع، والجزع، وغيرها.

45ـ الصيام:

فبالصيام تزكو النفس، ويستقيم السلوك، وتنشأ الأخلاق

1 رسائل الإصلاح1/95.

ص: 138

الرفيعة من رحمة، وكرم، وبر، وصلة، وبشاشة، وطلاقة، ونحو ذلك.

وبالصيام تعلو الهمة، وتقوى الإرادة، ويتحقق الاطمئنان.

فهذه الأمور وغيرها من أعظم ما يعين على اكتساب حسن الخلق.

46ـ قراءة القرآن بتدبر وتعقل:

فهو كتاب الهدى والنور، وهو كتاب الأخلاق الأول، وهو الذي يهدي للتي هي أقوم، وحسن الخلق من جملة ما يهدي إليه القرآن الكريم.

اقرأ على سبيل المثال سورة الإسراء، أو سورة النور، أو سورة الحجرات أو غيرها ـ تجد من الوصايا العظيمة الجامعة التي لا توجد في أي كتاب آخر، والتي لو أخذت بها البشرية لتغير مسارها، ولاستنارت سبلها، ولعاشت عيشة الهناءة والعز.

بل إن آية واحدة في القرآن جمعت مكارم الأخلاق، وهي قوله تعالى:{خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] .

ثم إن القرآن يدفع النفوس إلى الكمالات، ويملؤها بعظم الهمة. "وإذا رأينا من بعض قرائه همما ضيئلة، ونفوسا خاملة فلأنهم لم يتدبروا آياته ولم يتفقهوا في حكمه"1.

1 رسائل الإصلاح 2/88.

ص: 139

47ـ تزكية النفس بالطاعة:

وبالجملة فإن تزكية النفس بطاعة الله عز وجل من أعظم ما يكسب الأخلاق الفاضلة إن لم يكن أعظمه.

قال ـ تعالى ـ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] .

وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] .

48ـ لزوم الحياء:

فالحياء خلق سَني، يبعث على فعل الجميل وترك القبيح.

فإذا تحلى المرء به انبعث إلى الفضائل، وأقصر عن الرذائل.

والحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير، والحياء خلق الإسلام، وهو شعبة من شعب الإيمان.

قال عليه الصلاة والسلام: "الحياء لا يأتي إلا بخير"1.

وقال: "إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء"2.

وقال: "الحياء شعبة من شعب الإيمان"3.

وقال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ـ إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"4.

قال ابن حبان: "فالواجب على العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل

1 رواه البخاري7/100، ومسلم1/64 برقم37 عن عمران بن حصين.

2 رواه ابن ماجة عن أنس 4181 وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع 2149.

3 رواه البخاري1/8، ومسلم1/63 برقم35 عن أبي هريرة.

4 رواه البخاري7/100، من حديث أبي مسعود.

ص: 140

العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل، وبذر الشر"1.

قال الأصمعي: "سمعت أعرابيا يقول: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه"2.

49ـ إفشاء السلام:

فالسلام مدعاة للمحبة، ومجلبة للمودة، فإذا ما أفشى الناس السلام توادوا، وتحابوا، وإذا توادوا وتحابوا زكت نفوسهم، وزالت الوحشة فيما بينهم، فتحسن أخلاقهم تبعا لذلك.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"3.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن مما يصفي لك ودّ أخيك أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس"4.

50ـ إدامة النظر في السير النبوية:

فالسيرة النبوية تضع بين يدي قارئها أعظم صورة عرفتها الإنسانية، وأكمل هدي وخلق في حياة البشرية.

1 روضة العقلاء، ص 56.

2 الآداب الشرعية لابن مفلح2/228.

3 رواه مسلم54، وأخرجه أبو داود5193، والترمذي 2688 عن أبي هريرة.

4 بهجة المجالس2/663.

ص: 141

قال ابن حزم رحمه الله: "من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها ـ فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الاتساء به بمنه آمين"1.

51ـ النظر في سير الصحابة الكرام رضي الله عنهم:

فهم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، وهم الذين ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، وسمته، وخلقه.

فالنظر في سيرهم، والاطلاع على أحوالهم ـ يبعث على التآسي بهم، والاهتداء بهديهم.

52ـ قراءة سيرة أهل الفضل والحلم:

فإن قراءة سيرهم، والنظر في تراجمهم مما يحرك العزيمة على اكتساب المعالي ومكارم الأخلاق؛ ذلك أن حياة أولئك تتمثل أمام القارئ، وتوحي إليه بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم.

وكثيرا ما بعث الناس إلى محاسن الأخلاق حكاية قرؤوها عن رجل فاضل، أو حادثة رويت عنه.

53ـ قراءة كتب الشمائل والكتب في الأخلاق:

فإنها تنبه الإنسان على مكارم الأخلاق، وتذكره بفضائلها، وتعينه على اكتسابها.

1 الأخلاق والسير، ص24.

ص: 142

كما أنها تحذره من مساوئ الأخلاق، وتبين له سوء عواقبها، وطرق التخلص منها.

قال علي بن عبد الرحمن بن هذيل: "اعلم أن الحكايات والأخبار سلوة للنفس، وآداب نافعة للرئيس والمرؤوس، والقلوب ترتاح إليها من شجونها، والآذان تصغي لسماع طرفها وفنونها، والوحيد يأنس بمطالعتها، والجليس ينبسط بمذاكرتها ومحاضرتها، والطباع تجم بها من مللها، ويذهب عنها قلة نشاطها وكثرة كسلها"1.

وقال عمر رضي الله عنه: "عليكم بطرائف الأخبار؛ فإنها من علم الملوك والسادة، وبها تنال المنزلة والحظوة منهم"2.

وقال بعض ملوك الهند لبنيه: "أكثروا من النظر في الكتب، وازدادوا كل يوم حرفا؛ فإن ثلاثة لا يستوحشون في غربة: الفقيه العالم، والبطل الشجاع، والحلو للسان الكثير مخارج الرأي"3.

وقيل للمأمون: "ما ألذّ الأشياء؟ قال: التنزه في عقول الناس. يعني قراءة أقوالهم"4.

والكتب في هذا الباب كثيرة جدا ومنها:

أـ كتاب الشمائل المحمدية للترمذي

ب ـ كتب الأدب من الصحاح والسنن

جـ ـ أدب الدنيا والدين للماوردي.

دـ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان.

1 عين الأدب والسياسة، ص158.

2 عين الأدب والسياسة، ص158.

3 عين الأدب والسياسة، ص158.

4 عين الأدب والسياسة، ص158.

ص: 143

هـ بهجة المجالس وأنس المجالس، وشحذ الذاهن والهاجس لابن عبد البر.

وـ عيون الأخبار لابن قتيبة.

زـ الأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم.

ح ـ الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح.

ط ـ عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل.

ي ـ جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب للقاسمي.

ك ـ رسائل الإصلاح لمحمد الخضر حسين.

54ـ الاطلاع على الحكم المأثورة:

فالحكم أقوال مأثورة، وكلمات موجزة مؤثرة، تشتمل على رأي سديد، وحكم صائب، وقول ناتج عن تجربة، وخبرة، ودراية بالأمور ومجرياتها.

والحكم لا تصدر في الغالب إلا من عاقل حكيم، قد حنكته التجارب، وعركته الأيام، ووسمته بميسمها.

والحكم لها الأثر البالغ في النفوس؛ فهي تغري بالفضائل، وتبين معالمها، وترشد إلى المكارم والمعالي، وتدعو إلى اكتسابها، وتعين على التحلي بها.

ذلك أن الحكم وليدة التعقل، وثمرة التجربة، وعصارة الفكر1.

والحكمة توجد في الشعر والنثر على حد سواء.

1 انظر: الأدب العربي وتاريخه د. عبد العزيز الفيصل، ص 27، و 68ـ69، و169.

ص: 144

ولقد ورد عن الأسلاف من الحكم الجامعة، والوصايا النافعة ما يتعذر جمعه واستقصاؤه.

وفيما يلي ذكر لشيء من ذلك زيادة على ما ذكر في تضاعيف هذا الكتاب.

1-

قالت عائشة رضي الله عنها: "خلال المكارم عشر تكون في الرجل ولا تكون في أبيه ولا في ابنه، وقد تكون في العبد ولا تكون في سيده، يقسمها الله لمن أحب: صدق الحديث، ومداراة الناس، وصلة الرحم، وحفظ الأمانة، والتذمم للجار، وإعطاء السائل، والمكافأة بالصنائع، وقرى الضيف، والوفاء بالعهد، ورأسهن الحياء"1.

2-

قال الحسن رحمه الله: "مكارم الأخلاق للمؤمن قوة في لين، وحزم في دين، وإيمان في يقين، وحرص على العلم، واقتصاد في النفقة، وبذل في السعة، وقناعة في الفاقة، ورحمة للمجهود، وإعطاء في حق، وبر في استقامة"2.

3-

قال مصقلة بن هبيرة الشيباني: "سمعت صعصة بن صوحان وقد سأله ابن عباس: ما السؤدد فيكم؟

قال: إطعام الطعام، ولين الكلام، وبذل النوال، وكف المرء نفسه عن السؤال، والتودد للصغير والكبير، وأن يكون الناس عندك في الحق شرعا3"4.

1 بهجة المجالس2/601ـ602.

2 بهجة المجالس2/601.

3 شرعا: سواء.

4 بهجة المجالس2/602.

ص: 145

4 -

قال أبو عمرو بن العلاء: "كان أهل الجاهلية لا يسودون إلا من كانت فيه ست خصال، وتمامها في الإسلام سابعة: السخاء، والنجدة، والصبر، والحلم، والبيان، والحسب، وفي الإسلام زيادة العفاف"1.

5 -

وقال الشاعر أبو العميثل يمدح عبد الله بن طاهر، ويوصي مصعب بن عبد الله بن طاهر أن يسير على نول أبيه:

يا من يحاول أن تكون خلاله

حج الحجيج إليه فاقبل أودع

إن كنت تطمع أن تحل محله

في المجد والشرف الأشم الأرفع

فاصدق وعف وبر وارفق واتئد

واحلم ودار وكاف واصبر واشجع

والطف ولِن وتأنّ وانصر واحتمل

واحزم وجدّ وحام واحمل وادفع

هذا الطريق إلى المكارم مهيعا

فاسلك فقد أبصرت قصد المهيع2

قال علي بن عبد الرحمن بن هذيل عن هذه الأبيات:

"وقد جمعت هذه الأبيات خلال المكارم، وموجبات السؤدد، وتفاريق المروءة"3.

6ـ وقيل لقيس بن عاصم: "بم سوّدك قومك؟

قال: بكف الأذى، وبذل الندى، ونصرى المولى"4.

1 بهجة المجالس 2/603ـ604، وروضة العقلاء، ص274 وعين الأدب والسياسة، ص 113.

2 بهجة المجالس2/615، وعين الأدب والسياسة، ص115.

3 عين الأدب والسياسة، ص115.

4 عين الأدب والسياسة، ص 113.

ص: 146

7-

وقيل في وصف المكارم:

إن المكارم أخلاق مطهرة

فالعقل أولها والدين ثانيها

والعلم ثالثها والحلم رابعها

والصبر خامسها والصدق سادسها

والشكر سابعها والجود ثامنها

والرفق تاسعها واللين عاشرها1

8-

وقيل في صف المروءة: "المروءة إنصاف الرجل من هو دونه، والسمو إلى من هو فوقه، والجزاء بما أوتي إليه"2.

9-

وقيل: "مروءة الرجل صدق لسانه، واحتمال عثرات جيرانه، وبذل المعروف لأهل زمانه، وكفه الأذى عن أباعده وجيرانه"3.

10-

وقيل: "المروءة إذا أعطيت شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا قدرت غفرت، وإذا وعدت أنجزت"4.

11-

وقيل: "المروءة حسن العشرة، وحفظ الفرج واللسان، وترك المرء ما يعاب

به"5.

12-

قال حكيم لحكيم: "ما السؤدد؟ فقال: اصطناع العشيرة، واحتمال الجريرة.

قال: فما الشرف؟

قال: كف الأذى، وبذل الندى.

قال: فما الثناء؟

قال: استعمال الأدب، ورعاية الحسب.

قال: فما المجد؟

1 عين الأدب والسياسة، ص 103.

2 عين الأدب والسياسة، ص 231.

3 عين الأدب والسياسة، ص158.

4 عين الأدب والسياسة، ص158.

5 عين الأدب والسياسة، ص158.

ص: 147

قال: احتمال المغارم، وابتناء المكارم.

قال: فما المروءة؟

قال: عرفان الحق، وتعاهد الصنيعة.

وقال: فما السماحة؟

فقال: حب السائل، وبذل النائل.

قال: فما الكرم؟

فقال: صدق الإخاء في الشدة والرخاء"1.

55ـ معرفة الأمثال السائرة:

فالأمثال أقوال موجزة، تشبه حالا مشاهدة منظورة بأحوال سابقة، والذي يجمع بين الحال السابقة والحال القائمة هو المماثلة.

هذا وللأمثال أثر في النفوس، وسيرورة في الناس؛ فهي تبعث على العمل، وتقوّم السلوك، وتضيء السبل، وتهدي في معترك الحياة.

وذلك بسبب ما تتضمنه من توجيه أو تنبيه أو تعليم؛ فالعاقل يسترشد إذا سمع المثل، والغافل يتذكر بالمثل ما مضى من حوادث التاريخ، وهكذا

وللأمثال أهداف تربوية وخلقية بما تدعو إليه من قيم نبيلة، ومثل عليا، وبما ترسمه للمرء في حياته من أنواع السلوك الحميد، والاحتياط للأمور، وحسن التصرف فيها، وبما تنهى عنه من السلوك السيء، والتصرفات الشائنة.

1 عين الأدب والسياسة، ص 105.

ص: 148

ذلك أن الأمثال خفيفة الظل، سريعة الحفظ، تمزج الهزل بالجد، وتشير إلى ما تريد بطرف خفي، فتعالج كثيرا من الأمور بكلام يسير يصل إلى أعماق النفس.

وما من موقف يمر به الإنسان في حياته إلا ويجد من الأمثال ما يعبر عنه، ويهون عليه بلاءه، أو يخفف من غلوائه، أو يوجهه الوجهة الصحيحة التي تقوم سلوكه، فتحببه في الجميل، وتنفرده من القبيح1.

قال علي بن عبد الرحمن بن هذيل: "وليس يكمل أدب المرء حتى يعرف المثل السائر، والبيت النادر، وما يحكى عن أهل العصور من الأخبار العجيبة، وما وقع لهم من الألفاظ البليغة، والمعاني الغريبة.

ففي ذلك العلم بالأمور، والعقل المكتسب، والأدب الصادر عن ذي المروءة والحسب"2.

وهذا وعند العرب رصيد ضخم من الأمثال لا يحويه كتاب، ولا يستوفيه مصنف.

ومما ورد عنهم من الأمثال مما يعين على مكارم الأخلاق ما يلي:

1-

إياك وأن يضرب لسانك عنقك

أي إياك أن تلفظ بما فيه هلاكك3.

1 انظر: معجم الأمثال العربية د. محمود صيني، وناصف عبد العزيز ومصطفى سليمان، ص ع ـ ف من المقدمة، والأدب العربي د. عبد العزيز الفيصل، ص 27و 168.

2 عين الأدب والسياسة، ص 159.

3 الأمثال لأبي عبيد، ص 41، ومجمع الأمثال للميداني1/88.

ص: 149

2-

إياك وما يعتذر منه.

أي لا ترتكب أمرا تحتاج فيه إلى الاعتذار1.

3-

تعجيل العقباب سفه.

أي أن الحليم لا يعجل بالعقوبة2

4ـ خير الناس هذا النمط الأوسط.

يعني بين المقصر والغالي3.

5ـ تقطع أعناق الرجال المطامع.

يضرب في ذم الجشع4.

6ـ الخطأ زاد العجول.

يعني قل من عجل في أمر إلا أخطأ قصد السبيل5.

7ـ خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع6.

8 ـ ضرب وجه الأمر وعينه.

يضرب لمن يداور الأمور، ويقلبها ظهرا لبطن؛ من حسن التدبير7.

1 الأمثال، ص 64، ومجمع الأمثال1/73.

2 مجمع الأمثال1/218.

3 مجمع الأمثال1/432.

4 مجمع الأمثال1/251، والمستقصى من أمثال العرب للزمخشري2/30.

5 مجمع الأمثال1/432.

6 مجمع الأمثال1/431.

7 مجمع الأمثال2/262.

ص: 150

9ـ المشاورة قبل المثاورة1.

10ـ المداراة ملاك قوام المعاشرة، وملاك المعاشرة2.

11ـ سبك من بلّغك السب.

أي من واجهك بما قفاك به غيره فهو الشاتم3.

12ـ إذا أراد أحدكم أمرا فعليه بالتؤدة4.

13ـ إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون5.

14ـ الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة لقرناء السوء6.

15ـ إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر7.

16ـ ليس من العدل سرعة العذل8.

هذا ما تيسر جمعه وتقييده من الأسباب والأمور المعينة على اكتساب حسن الخلق.

1 مجمع الأمثال3/292.

2 مجمع الأمثال3/292.

3 المستقصى2/115.

4 الأمثال، ص233.

5 الأمثال، ص237.

6 الأمثال، ص 202.

7 الأمثال، ص159.

8 الأمثال، ص267.

ص: 151