الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
تمهيد
…
الباب الثاني
علاج سوء الخلق
وتحته تمهيد وثلاثة فصول:
تمهيد: هل يمكن تغيير الأخلاق أو لا؟
الفصل الأول: حسن الخلق وفضائله
وتحته مبحثان:
المبحث الأول: تعريف حسن الخلق
المبحث الثاني: فضائل حسن الخلق
الفصل الثاني: أسباب حسن الخلق
الفصل الثالث: أمور تتعلق بالأخلاق
وتحته مبحثان:
المبحث الأول: بين المداراة والمداهنة
المبحث الثاني: مقتطفات من أخلاق النبوة
تمهيد هل يمكن تغيير الأخلاق أو لا؟
وبعد أن استبانت لنا بعض المعالم لسوء الخلق يحسن الوقوف ههنا حول سؤال يرد كثيرا مفاده: هل يمكن تغيير الأخلاق أم لا؟
والجواب عن ذلك قد اختلف فيه؛ فهناك من يرى أن الأخلاق ثابتة في الإنسان لا يمكن أن تتغير؛ لأنها غرائز فطر عليها، وطبائع جبل على التحلي بها؛ فلا يمكنه تغييرها، ولا يتصور فكاكه عنها.
وهناك من يرى أن تغيير الأخلاق وارد ممكن؛ فليس متعذا ولا مستحيلا، خلافا لمن رأى غير ذلك.
والرأي الثاني هو الصواب المقطوع فيه؛ ذلك أن الأخلاق على ضربين، فمنها ما هو غريزي فطري جبلي، ومنها ما هو اكتسابي يأتي بالدربة، والممارسة، والرياضة، والمجاهدة.
ولو كانت الأخلاق لا تتغير لبطلت الوصايا، والمواعظ، والتأديبات.
بل كيف ينكر هذا وتغيير خلق الحيوان البهيم ممكن؟ إذ أن البازي ينقل من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك عن التخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد.
وكل ذلك تغيير في الأخلاق.
فإذا كان هو الشأن مع الحيوان البهيم فأجدر بالإنسان أن يتغير خلقه، ويتبدل طبعه إلى حد الاعتدال، وذلك إن أخذ برياضة نفسه، وسياستها، وحملها على المكارم1.
وهذا الأمر هو الذي تسنده أدلة الشرع والواقع.
أما أدلة الشرع فكثيرة جدا، فهي تحث على التحلي بالفضائل، والتخلي من الرذائل.
ولو كان ذلك غير ممكن لما أمر به.
قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] .
وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] .
ففي هاتين الآيتين دليل على أن الأخلاق تتغير، وأن الطباع تتبدل؛ ذلك أن حسن الخلق من الفلاح، والفلاح ينال بالتزكية.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه"2.
1 انظر: إحياء علوم الدين3/55ـ56، وجوامع الآداب في أخلاق الأنجاب للقاسمي، ص4.
2 أخرجه الخطيب في تاريخه9/127.
قال المناوي في فيض القدير2/570 "قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف"انتهى.
ولم يبين وجه ضعفه؛ لأن فيه إسماعيل بن مجالد، وليس بمحمود".
ورمز لضعفه السيوطي في الجامع الصغير كما في فيض القدير، وقال الألباني في الصحيحة342:"إسناده حسن أو قريب من الحسن".
ففي هذا الحديث دليل على أن الأخلاق قابلة للتغيير؛ ذلك أن الحلم من الأخلاق بل هو سيدها، وهو مع ذلك ينال ويكتسب بالتحلم، والمجاهدة، وحمل النفس على ذلك.
لعمرك إن الحلم زين لأهله
…
وما الحلم إلا عادة وتحلم1
أما دلالة الواقع فنرى، ونسمع أن أناسا يتصفون بالشره، والنزق، وسوء الخلق.
وأخرجه الطبراني في الكبير19/395 رقم 929 من حديث معاوية رضي الله عنه بلفظ: "ياأيها الناس، إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما يخشى الله من عباده العلماء".
قال الهيثمي في المجمع1/128: "فيه راو لم يسم، وعتبة بن أبي حكيم وثقه أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن حبان، وضعفه جماعة".
وقال المناوي في فيض القدير2/570: "قال ابن حجر: إسناده حسن؛ لأن فيه مبهما، اعتضد لمجيئه من وجه آخر.
وروى البزار نحوا من حديث ابن مسعود موقوفا، ورواه أبو نعيم مرفوعا".
وأخرجه الطبراني في الأوسط3/320 رقم 2684 وأبو نعيم في الحلية5/174، والخطيب في تاريخه5/201، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه بلفظ: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه.
ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلا ـ ولا أقول لكم الجنة ـ من تكهن، أو استقسم، أو رده من سفر تطير".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا محمد بن الحسن".
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الثوري عن عبد الملك تفرد به محمد بن الحسن".
وقال الهيثمي في المجمع1/128: "فيه الحسن بن أبي يزيد، وهو كذاب".
1 أقوال مأثورة ص 440.
فإذا ما راض الواحد منهم نفسه، وساسها، وجاهدها، وأخذ بالأسباب المعينة على محاسن الأخلاق ـ تبدلت طباعه، وحسنت أخلاقه.
وخير دليل على ذلك ما كان من أمر الصحابة رضي الله عنهم قبل البعثة، فلقد كانوا كسائر كثير من العرب ممن يتصفون بالشدة، والقسوة، والغلظة.
فلما دخلوا في الإسلام، وخالطت بشاشة الإيمان قلوبهم ـ رقت طباعهم، وحسنت أخلاقهم.
بل إنهم أصبحوا مثالا يحتذى، ونهجا يقتفى، في الإيثار، والسماحة، والكرم، والحلم، ونحو ذلك من مكارم الأخلاق.
وبعد أن تبين أن الأخلاق قابلة للتغيير نصل إلى مربط الفرس، وبيت القصيد، ألا وهو علاج سوء الخلق؛ ذلك أن غالبية الناس لا يخفى عليهم سوء الخلق، ولا يجهلون ضرره وقبحه، بل يعلمون ذلك ويتمنون الخلاص منه إن كانوا متصفين به.
وإنما الذي يحتاجه أغلب الناس هو كيفية التخلي من سوء الخلق، والتحلي بحسن الخلق.
وهذا ما سيتبين ـ إن شاء الله ـ من خلال الصفحات التالية عند الحديث عن حسن الخلق من حيث تعريفه، وفضائله، وأسباب اكتسابه، والسبل المعينة على ذلك.
فالأشياء تتميز بضدها، والضد يظهر حسنه الضد.