المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا - مفهوم الطبقة في " السير " وغيره من مؤلفات الذهبي - سير أعلام النبلاء - ط الرسالة - المقدمة

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌الذهبي وكتابه سير أعلام النبلاء

- ‌الفصل الأول: حياة الذهبي ومنزلته العلمية

- ‌أولا - بيئة الذهبي ونشأته

- ‌ثانيا - بدء عنايته بطلب العلم

- ‌ثالثا - رحلاته في طلب العلم

- ‌رابعا - طبيعة دراساته

- ‌خامسا - صلاته الشخصية وأثرها في تكوينه الفكري

- ‌سادسا - نشاطه العلمي ومناصبه التدريسية

- ‌سابعا - منزلة الذهبي العلمية

- ‌ثامنا - وفاته وأولاده

- ‌تاسعا - آثار الذهبي

- ‌الفصل الثاني: سير أعلام النبلاء منهجه وأهميته

- ‌أولا - عنوان الكتاب وتأليفه:

- ‌ثانيا - نطاق الكتاب وعدد مجلداته:

- ‌ثالثا - ترتيب الكتاب:

- ‌رابعا - مفهوم الطبقة في " السير " وغيره من مؤلفات الذهبي

- ‌خامسا - طبيعة تراجم " السير " وأسس انتقائها:

- ‌سادسا - صياغة تراجم " السير " وعناصرها:

- ‌سابعا - المنهج النقدي:

- ‌1 - نقد المترجمين:

- ‌2- نقد الأحاديث والروايات:

- ‌3 - التعصب والإنصاف في النقد:

- ‌ثامنا أهمية كتاب السير:

- ‌أهميته في دارسة المجتمع:

- ‌هذا التحقيق:

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وصف النسخ

الفصل: ‌رابعا - مفهوم الطبقة في " السير " وغيره من مؤلفات الذهبي

لكن الدراسات الحديثة (1) أظهرت أن كثيرا من المؤلفين المتقدمين كابن سعد، وخليفة بن خياط، ومسلم بن الحجاج وغيرهم لم يستعملوا " الطبقة " باعتبارها وحدة زمنية ثابتة، كما لم يستعملوها بمعنى " الجيل " أيضا ففي الوقت الذي عد فيه خليفة بن خياط الصحابة طبقة واحدة عدهم ابن سعد عدة طبقات استنادا إلى سابقتهم في الإسلام.

أما طبقات التابعين ومن بعدهم، فقائم عند خليفة وابن سعد على اعتبار اللقيا بين الصحابة والتابعين، فكبار التابعين هم الذين رووا عن كبار الصحابة ذوي السابقة والفضل، وهم الطبقة الأولى من التابعين، أما التابعون الذين رووا عن صغار الصحابة ولم يلتقوا بكبارهم لعدم لحاقهم بهم، فيكونون طبقة ثالثة أو رابعة، وكذلك فإن من روى عن سعيد بن المسيب مثلا وغيرهم من كبار التابعين فإنهم يكونون الطبقة الأولى من أتباع التابعين.

‌رابعا - مفهوم الطبقة في " السير " وغيره من مؤلفات الذهبي

نظم الإمام الذهبي مجموعة من كتابه على الطبقات إضافة إلى " السير " منها: " تذكرة الحفاظ "(2) ، و " معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار (3) "، و " المعين في طبقات المحدثين "(4)" و " المجرد في أسماء رجال كتاب سنن الإمام أبي عبد الله بن ماجة سوى من أخرج له منهم في أحد

(1) أنظر دراسة صديقنا العزيز العالم الفاضل الدكتور أكرم العمري لأسس تنظيم طبقات خليفة وابن سعد في كتابه الماتع " بحوث في تاريخ السنة المشرفة " ص: 184 فما بعد (الطبعة الثانية) .

(2)

مطبوع منتشر مشهور.

(3)

نشرته دار الكتب الحديثة بالقاهرة سنة 1969 باعتناء رجل جاهل يدعى سيد جاد الحق، وهي نشرة رديئة جدا يكثر فيها التصحيف والتحريف السقط وعندي منه نسخة مصورة نفيسة.

(4)

عندي من الكتاب نسخة مصورة عن فيض الله.

ص: 99

الصحيحين (1) ، و " طبقات الشيوخ "(2) ، وقد وصلت إلينا جميع هذه الكتب خلا الكتاب الأخير.

وتشير دراستنا لهذه الكتب أن الذهبي لم يراع إيجاد تقسيم واحد في عدد الطبقات بين هذه الكتب، ولا راعى التناسق في عدد المترجمين بين طبقة وأخرى في الكتاب الواحد، كما لم يلتزم بوحدة زمنية ثابتة للطبقة في جميع كتبه فيما عدا " تاريخ الإسلام " الذي لا يدخل في هذا التنظيم كما سيأتي بيانه.

1-

عدد الطبقات: فقد قسم الذهبي كتابه " تذكرة الحفاظ " على إحدى وعشرين طبقة (3) ، وقسم " معرفة القراء " على سبع عشرة طبقة، بينما جعل " سير أعلام النبلاء " في أربعين طبقة تقريبا مع أن الكتب الثلاثة المذكورة تناولت نطاقا زمنيا واحدا يمتد من الصحابة إلى عصره الذي عاش فيه.

2-

عدد المترجمين: ونجد اختلافا كبيرا جدا في أعداد المذكورين في الطبقات في الكتاب الواحد، ففي " تذكرة الحفاظ " مثلا نجد أن أعداد المترجمين في الإحدى والعشرين طبقة تتضمن الأعداد الآتية حسب تسلل الطبقات: 23، 42، 30، 58، 78، 81، 106، 130، 106، 117، 77، 79، 74، 31، 46، 18، 25، 26، 12، 10، 8، وهكذا نجدها تتراوح بين ثمانية أشخاص ومئة وسبعة عشر شخصا.

وهذا الذي ذكرته عن " التذكرة " ينطبق على " السير " أيضا فإن عدد تراجم الطبقة الثلاثين مثلا بلغ (77) ترجمة بينما بلغ عدد تراجم الطبقة التي تليها (130) ترجمة، وهلم جرا.

(1) عندي منه نسخة مصورة عن الظاهرية.

(2)

ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 876 ولا أعرف له نسخة.

(3)

وقال في الطبقة الثالثة عشرة: " وقد سميت منهم بضعة وسبعين إماما وقسمت الطبقة طبقتين أولا هما ثمانية وأربعون والثانية خمسة وعشرون نفسا "

ص: 100

3-

الوحدة الزمنية: ولم يراع الذهبي وحدة زمنية ثابتة في كتبه التي نظمها على الطبقات، وهو بذلك لم يدخل سني وفيات المترجمين باعتباره بشكل دقيق حيث نجدها متداخلة بين طبقة وأخرى من جهة، كما نلاحظ في الوقت نفسه تباينا كبيرا جدا في المدة الزمنية التي تستغرقها كل طبقة من الطبقات.

ففي " تذكرة الحفاظ " مثلا نجد أن وفيات المترجمين في الطبقة الأولى تمتد من سنة 13 هـ وهي سنة وفاة الصديق - إلى سنة 93 هـ وهي السنة التي توفي فيها أنس بن مالك، وهذا يعني أن مدتها ثمانون سنة.

أما التابعون فقد جعلهم في " التذكرة " ثلاث طبقات: كبار التابعين وتمتد وفيات أصحابها من سنة 62 وهي سنة وفاة علقمة بن قيس النخعي إلى سنة 107 هـ وهي سنة وفاة رجاء العطاردي في ترجيح الذهبي، فتكون مدتها (45) سنة.

ثم الطبقة الوسطى منهم وتمتد وفيات المترجمين فيها من سنة 93 هـ إلى سنة 117 هـ، فتكو مدتها (24) سنة.

ثم طبقة ثالثة من التابعين تمتد وفيات أصحابها من سنة 113 هـ إلى سنة 151، فمدتها (38) سنة.

أما الطبقة الخامسة فتمتد من 144 هـ إلى سنة 180 هـ، فهي (36) سنة وهلم جرا.

وهذا الذي ذكرته عن التباين في مدد الطبقات الأولى من " التذكرة " ينطبق على الطبقات المتأخرة أيضا، فالطبقة العشرون تمتد من سنة 667 إلى سنة 708، فتكون مدتها (41) سنة أما الحادية والعشرون وهي آخر الطبقات فتمتد من سنة 672 هـ إلى سنة 742 هـ سنة وفاة الحافظ المزي فتكون مدتها (70) سنة.

وهذا الذي أبنته من الخلف في مدة الطبقات في " التذكرة " والتباين الشديد نجده أيضا في " سير أعلام النبلاء "، فقد بلغت مدة الطبقة الثلاثين

ص: 101

من السير (19) سنة تمتد من سنة 568 هـ سنة وفاة خوارزم شاه إلى سنة 587 هـ سنة وفاة ابن مغاور الشاطبي وامتدت وفيات المترجمين في الطبقة الحادية والثلاثين من سنة 575 هـ سنة وفاة ابن عياد الأندلسي إلى سنة 601 هـ وهي سنة وفاة الارتاحي، فتكون مدتها (26) سنة.

أما الطبقة الخامسة والثلاثون فلم تتجاوز تسع سنوات حيث أن جميع وفيات المذكورين فيها تمتد من سنة 651 إلى سنة 660 (1) .

أما كتابه " المعين في طبقات المحدثين " فقد جعل الذهبي الطبقات الأولى فيه تتخذ أسماء المشهورين فيها نحو قوله مثلا " طبقة الزهري وقتادة "(2) ، و " طبقة الأعمش وأبي حنيفة (3) " و " طبقة ابن المديني وأحمد (4) " ونحو ذلك.

ثم غير هذه الطريقة حينما وصل إلى مطلع القرن الثالث الهجري، فصار يستعمل السنوات التقريبية في الطبقة نحو قوله:" الطبقة الذين بقوا بعد الثلاث مئة وإلى حدود العشرين والثلاث مئة (5) " و " طبقة من الثلاثين وإلى ما بعد الخمسين وخمس مئة (6) "، وهلم جرا.

وقد تبين لنا من دراسة هذه الوحدات الزمنية التي ذكرها أن الطبقة قد تكون في هذا الكتاب في حدود عشرين سنة (7) ، أو خمس وعشرين (8) ، أو

(1) استثنينا من ذلك ما ذكره الذهبي من تأخر وفاة المنصور ابن المعز أيبك إلى سنة (700) تقريبا وقد بينا أنه إنما ذكره بسبب توليه السلطنة بين 657 655 حسب (نسختي المصورة) .

(2)

المعين، الورقة: 7 (3) نفسه، الورقة: 8 (4) نفسه، الورقة: 14 (5) نفسه، الورقة: 19 (6) نفسه، الورقة: 32

(7)

نفسه، الورقة: 21، 32 (8) نفسه، الورقة 22، 24

ص: 102

ثلاثين سنة (1)) .

أما كتابه " المجرد في أسماء رجال كتاب سنن الإمام أبي عبد الله بن ماجة " فقد جعله في ثماني طبقات اتخذت كل طبقة أسماء أعلام فيما عدا طبقة الصحابة (2)، فالطبقات السبع الباقية هي: طبقة زمن الأعمش وابن عون (3) ، وطبقة الزهري وأيوب (4) ،، وطبقة ابن المسيب ومسروق (5) ، وطبقة الحسن وعطاء (6) ، وطبقة عفان وعبد الرزاق (7) ، وطبقة علي ابن المديني وأحمد بن حنبل (8) ، وطبقة البخاري ومن تبقى (9) ، ويلاحظ أن هذه الطبقات لم تراع التناسق الزمني أيضا.

ولكن الذهبي جعل الطبقة عشر سنوات في كتابه العظيم " تاريخ الإسلام " فتألف كتابه من سبعين طبقة، فهل يعني هذا أنه وضع تحديدا زمنيا واضحا للطبقة مخالفا طريقته في كتبه الأخرى؟ علما أن عمله هذا لم يسبقه فيه أحد فيما نعلم.

وقد أدى عمل الذهبي هذا إلى دفع بعض الباحثين المعنيين بعلم التاريخ إلى القول: بأنه خالف الأقدمين، بل خالف نهجه هو في كتبه الأخرى (10) .

على أن دراستنا الموسعة لكتاب " تاريخ الإسلام " قد أبانت أنه لم يقصد بالطبقة هنا غير " العقد "، وهو مفهوم يدل على وحدة

(1) نفسه، الورقة: 20، 21

(2)

المجرد، الورقة: 6 1

(3)

المجرد، الورقة: 8 - 12

(4)

المجرد، الورقة: 12 8

(5)

نفسه، الورقة: 13 12

(6)

نفسه، الورقة: 14 13

(7)

نفسه، الورقة: 14 - 15

(8)

نفسه، الورقة: 16 15

(9)

نفسه، الورقة 20 16

(10)

نظر: روزنثال: علم التاريخ: 121، والعمري: بحوث: 191

ص: 103

زمنية محددة قدرها عشر سنوات، وأنه إنما استخدم هذا المفهوم لحاجات تنظيمية صرفة جاءت في الأغلب من عدم توافر تواريخ وفيات المترجمين بصورة كاملة، كثرة الاختلاف فيها لا سيما في المئات الثلاث الأولى.

وقد أبانت دراستي أن هذا التنظيم لا علاقة له بأدب الطبقات بل من الأفضل أن يربط بأدب التنظيم على السنين (1) .

من كل الذي مر يتضح أن الذهبي استعمل الطبقة للدلالة على القوم المتشابهين من حيث اللقاء أي: في الشيوخ الذين أخذوا عنهم، ثم تقاربهم في السن من حيث المولد والوفاة تقاربا لا يتناقض مع اللقيا، وهو أمر يتيح تفاوتا في وفيات المترجمين من جهة، وتفاوتا في عدد الطبقات أيضا.

ولكن كيف نفسر هذا الاختلاف الكبير في تقسيم الطبقات عند مؤلف واحد مثل الذهبي.

بحيث جعل " معرفة القراء " في سبع عشرة طبقة.

بينما قسم " السير " إلى أربعين طبقة تقريبا؟ وجواب ذلك فيما نرى يعتمد بالدرجة الأولى على نوعية المذكورين في الكتاب الواحد، فإن كتابا مثل " التذكرة " ليس فيه غير كبار الحفاظ من الممكن أن ينظم بطبقات أقل من غيره نظرا لنوعية المذكورين فيه، وكلهم أو

معظمهم من ذوي الإسناد العالي، بحيث تتباعد المدة الزمنية بين طبقة وأخرى، فيقل عدد الطبقات، وهو أمر لا يناقض مبدأ اللقيا.

أما " السير " فنوعية المترجمين فيه تشمل كل رجال " التذكرة " تقريبا مضافا إليهم من هم أقل منهم مرتبة بحيث يضطر إلى زيادة عدد الطبقات.

وطبيعي أنه ليس من المفروض أن يكون كل أحد من طبقة ما قد التقى

(1) انظر تفاصيل موسعة في كتابي: الذهبي ومنهجه: 282 - 302.

ص: 104

بجميع رجال الطبقة السابقة مع إمكان التقائهم.

ومن أجل توضيح هذا الذي ذكرته عن نوعية المترجمين أشير إلى أنه من الممكن نظم جميع الرواة من الصحابة في طبقة واحدة، ولكن من الممكن تقسيم الصحابة إلى أكثر من طبقة حسب الرواية أيضا، لان الصحابي قد يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يروي عن الصحابي أيضا.

ومن الممكن إذا ذكرنا كبار التابعين أن نجعلهم طبقة واحدة، ولكن التوسع في ذكر التابعين يقضي من أجل الدقة تقسيمهم إلى أكثر من طبقة، فكبار التابعين إنما هم الذين رووا عن كبار الصحابة، وصغار التابعين هم الذين رووا عن صغار الصحابة، لعدم لحاقهم بكبار الصحابة، فضلا عن أن بعض التابعين لم يرو عن غير التابعين، وهو أمر يعرفه أهل العناية بهذا الفن الجليل.

وعليه فإن الذهبي لو أراد مثلا أن يؤلف كتابا في جميع القراء وليس في " الكبار " منهم لاضطره الأمر إلى زيادة عدد الطبقات، وهم جرا.

وبهذا يتضح أن كل مترجم إنما تتحدد طبقته حسب الكتاب المذكور فيه وأننا لا يمكن أن نجد توزيعا موحدا للمترجمين في جميع كتب الذهبي المرتبة على الطبقات فلا نستطيع القول: إن فلانا من أهل الطبقة الفلانية عند الذهبي، بل يصح القول: إنه من أهل الطبقة الفلانية في الكتاب الفلاني.

فإذا كان الأمر كذلك، فمن البداهة أن لا نجد تقسيما موحدا للطبقات عند المؤلفين المسلمين، فمكحول - مثلا - في الطبقة الثالثة من أهل الشام عند ابن سعد (1) ، بينما هو في الطبقة الثانية عند خليفة (2) ، وفي الطبقة الرابعة عند الذهبي في " التذكرة "(3) ، وهو من أهل الطبقة الخامسة عند ابن حجر في

(1) الطبقات: 7 / 453

(2)

طبقات خليفة: 310 (ط. العمري)

(3)

التذكرة: 1 / 107

ص: 105

" التقريب "(1) .

لقد اخترع المحدثون التنظيم على الطبقات لخدمة دراسة الحديث النبوي الشريف ومعرفة إسناد الحديث ونقده، فهو الذي يؤدي إلى معرفة فيما إذا كان الإسناد متصلا، أو ما في السند من إرسال (2) أو انقطاع (3) أو عضل (4) أو تدليس (5) ، أو اتفاق في الأسماء مع اختلاف في الطبقة (6) .

وكان نظام الطبقات على غاية من الأهمية في العصور الأولى التي لم يعتن المؤلفون فيها بضبط مواليد الرواة ووفياتهم إنما كانت تحدد طبقاتهم بمعرفة شيوخهم والرواة عنهم.

على أن من أكبر عيوب التنظيم على الطبقات صعوبة العثور على الترجمة لغير المتمرسين بهذا الفن تمرسا جيدا، فضلا عن عدم وجود تقسيم موحد للطبقة عند المؤلفين.

وحينما توفرت للمؤلفين مادة كافية لضبط تاريخ المواليد والوفيات ازداد عدد المؤلفين الذين ينظمون كتبهم الرجالية على الوفيات، أو على حروف المعجم.

وقد كان من جملة انتقادات أبي الحجاج المزي للحافظ عبد الغني المقدسي في تنظيمه لكتابه " الكمال في أسماء الرجال " أنه أفرد تراجم الصحابة عن بقية التراجم المذكورة في كتابه، قال: " وقد كان صاحب الكتاب رحمه الله ابتدأ بذكر الصحابة، أولا الرجال منهم والنساء على حدة، ثم ذكر من بعدهم على حدة، فرأينا ذكر الجميع

(1) التقريب: 2 / 273.

(2)

المرسل: ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

المنقطع: أن يسقط من السند رجل ليس بصحابي.

(4)

المعضل: ما سقط من إسناده اثنان أو أكثر على التوالي.

(5)

المدلس: هو الذي يروي عمن لقيه أحاديث لم يسمعها منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه سمعه منه.

(6)

وذلك كثير فيعرف الشخص من طبقته وشيوخه.

ص: 106

على نسق واحد أولى، لان الصحابي ربما روى عن صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيظنه من لا خبرة له تابعيا فيطلبه في أسماء التابعين فلا يجده، وربما روى التابعي حديثا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيظنه من لا خبرة له صحابيا فيطلبه في أسماء الصحابة فلا يجده، وربما تكرر ذكر الصحابي في أسماء الصحابة وفيمن بعدهم، وربما ذكر الصحابي الراوي عن غير النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصحابة، وربما ذكر التابعي المرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحابة، فإذا ذكر الجميع على نسق واحد، زال ذلك المحذور، وذكر في ترجمة كل إنسان منهم ما يكشف عن حاله إن كان صحابيا أو غير صحابي (1) "، لذلك رتب المزي الرجال في كتابه على حروف المعجم وصعد في الترتيب إلى آبائهم وأجدادهم، ثم رتب النساء على ذلك النسق أيضا (2) .

وفائدة التنظيم على الطبقات إنما تظهر في العصور الإسلامية الأولى كما ذكرت، وكلما مضى الزمن بالكتاب صرنا لا نشعر بوجود الطبقة شعورا واضحا، لذلك وجدنا في " سير أعلام النبلاء " نوعا من التسلسل الزمني في الأقسام التي تلت تلك الأعصر الأولى، فضلا عن وجود عدد ليس بالقليل من التراجم التي لا علاقة لأصحابها بالرواية أو العلم فضلا عن اللقيا، مثل الملوك والوزراء والخلفاء والسلاطين والأطباء والشعراء ونحوهم، ولكن مفهوم الذهبي للتاريخ، وتكوينه الفكري المتصل بالحديث والمحدثين جعله يتمسك بهذا التنظيم إلى آخر الكتاب بالرغم من عدم جدواه في القرون المتأخرة ودخول غير أهل الرواية في الكتاب.

(1) انظر المجلد الأول من تهذيب الكمال بتحقيقنا (منشورات مؤسسة الرسالة) .

(2)

وقد وجدنا العلماء المتأخرين يعنون بإعادة تنظيم كتب الطبقات على حروف المعجم كما فعل نور الدين الهيثمي في إعادة ترتيب " ثقات " ابن حبان، وغيره.

ص: 107

إن نظرة واحدة للتراجم المذكورة في المجلد الثالث عشر مثلا تشير إلى نوع من التسلسل في ذكر المترجمين حسب وفياتهم، وإن لم يكن ذلك بالدقة التي رتبت فيها الكتب المؤلفة على السنين.

وقد وجدنا الذهبي في " السير " كثيرا ما يجمع تراجم الأقرباء في مكان واحد، ولا سيما الإخوة والآباء والأبناء، وهو بعمله هذا إنما راعى الوحدة التاريخية، لكنه في الوقت نفسه كان على حساب " الطبقة " والزمان.

فحينما ترجم الذهبي لعاقل بن البكير أحد شهداء بدر أتبعه بتراجم إخوته الثلاثة: خالد بن البكير الذي استشهد يوم الرجيع سنة أربع، وإياس بن البكير المتوفى سنة 34 هـ، وعامر الذي استشهد يوم اليمامة.

وحينما ترجم لأبي جندل بن سهيل ترجم بعد ذلك لأخيه عبد الله بن سهيل، ثم لأبيهما سهيل بن عمرو، وحينما ترجم لأبي الحارث نوفل بن الحارث، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترجم أيضا لابنه الحارث بن نوفل، ثم لابن ابنه: عبد الله ابن الحارث بن نوفل، ثم لابن ابن ابنه: عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، وأتبعهم بعد ذلك بأخويه: سعيد بن الحارث وأبي سفيان بن الحارث، ثم ولد الأخير جعفر بن أبي سفيان بن الحارث.

وهذا الذي ذكرته عن الجمع بين الأقرباء وتجاوز الطبقة منهج سار عليه الذهبي في جميع الكتاب، وإن لم يلتزم به دائما، وقد وجدناه في الأقسام الأخيرة من كتابه يتبع هذا النهج، ففي الطبقة الثلاثين ترجم لأبي العلاء الهمذاني المتوفى سنة 569 هـ، ثم أتبعه بابنه محمد بن الحسن المتوفى سنة 605 وهو من أهل الطبقة التي بعدها.

وترجم لكمال الدين ابن الشهرزوري المتوفى سنة 572 هـ ذكر والده الملقب بالمرتضى المتوفى سنة 511 هـ وهو من أهل طبقة سابقة.

وترجم في الطبقة الثلاثين لقوام الدين أبي المحامد حماد

ص: 108