الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل قوله في ترجمة قايماز مولى المستنجد " كان سمحا كريما.
قليل الظلم " (1) ، وقوله في ابن غانية: " الأمير المجاهد " (2) ، وقوله في مجد الدين ابن الصاحب: " وكان قد تمرد وسفك الدماء وسب الصحابة وعزم على قلب الدولة فقصمه الله " (3) ، وقوله في الملك المظفر تقي الدين عمر صاحب حماة: " كان بطلا شجاعا مقداما جوادا ممدحا له مواقف مشهودة مع عمه السلطان صلاح الدين " (4) ، وغير ذلك كثير (5) .
أما العلماء فكان يراعي فيهم البراعة والمعرفة في العلم الذي تخصصوا فيه، ومن ذلك مثلا الشعراء، فإنه نظر إلى إبداعهم وجودة شعرهم فقومهم استنادا إلى ذلك (6) .
ثم كثيرا ما نجده يقوم بعض المترجمين بعد دراسة بعض كتبهم، ويبين قيمتها العلمية بين الكتب التي من بابتها.
2- نقد الأحاديث والروايات:
أكثر الإمام الذهبي من إيراد الأحاديث النبوية الشريفة في كتبه التاريخية وغيرها، ومنها كتابه " سير أعلام النبلاء ".
وقد عني دائما بالتعليق على هذه الأحاديث من حيث الإسناد والمتن ما استطاع إلى ذلك سبيلا، قال تلميذه
(1) السير: 21 / الترجمة: 20.
(2)
السير: 21 / الترجمة: 23.
(3)
السير: 21 / الترجمة: 79.
(4)
السير: 21 / الترجمة: 97.
(5)
انظر مثلا لا حصرا بعض تراجم المجلد الحادي والعشرين من السير: 11، 18، 25، 80، 100، 119..الخ.
(6)
انظر مثلا: 21 / التراجم: 14، 24، 63، 84، 85، 101، 102..الخ.
الصلاح الصفدي: " وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن أو ظلام إسناد، أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده "(1) .
وقد انتقد الإمام الذهبي الحافظين: أبا نعيم الأصبهاني والخطيب البغدادي، وذنبهما بروايتهما الموضوعات في كتبهما وسكوتهما عنها (2) .
ثم وجدنا الذهبي بعد ذلك يسحب هذا النقد الحديثي ويطبقه على الروايات التاريخية والأدبية ونحوها، وبذلك تحصلت في هذا الكتاب ثروة نقدية على غاية من الضخامة، ويلمسها كل من يطالع الكتاب، أو يتصفحه لا سيما في مجلداته الأولى.
وقد وجدنا الذهبي بعد ذلك لا يقتصر على أسلوب واحد في النقد، بل يتوسل بكل ممكن يوصله إلى الحقيقة، فنقد السند والمتن، واستعمل عقله في رد كثير من الروايات.
أ - نقد السند: ويكون هذا النقد عادة بتضعيف السند بسبب الكلام في أحد من رواته أو أكثر، أو تقويته استنادا إلى مقاييس المحدثين، ويحكم عليه وفقا لذلك ويستعمل التعبيرات الفنية الدالة على قولة الإسناد أو تقويته نحو قوله (3) .
" إسناده صالح "، و " إسناده جيد "، و " رواته ثقات "، و " له علة غير مؤثرة "، أو العبارات الدالة على ضعف الإسناد أو تضعيفه نحو قوله:" إسناده ليس بقوي "، و " في إسناده لين "، و " فيه انقطاع "، و " إسناده ضعيف "، و " إسناده
(1) الوافي: 2 / 163.
(2)
الميزان: 1 / 111.
(3)
أمثلة ذلك مبثوثة في جميع الكتاب ولم نر كثير فائدة في إيراد أماكن وجودها حيث يستطيع القارئ الوقوف على مئات من ذلك بمجرد تصفحه للكتاب.
واه "، و " إسناده مظلم "، وهلم جرا.
أو يبين سبب ضعف السند بتعيين أحد رواته أو ما يشبه ذلك نحو قوله في إسناد فيه داود بن عطاء " وداود ضعيف "(1)، وقوله عن سند فيه صهيب مولى العباس:" وصهيب لا أعرفه "(2)، وقوله:" الحسن مدلس لم يسمع من المغيرة "(3) .
ويؤدي هذا النقد إلى إصدار أحكام دقيقة تبين مرتبة الحديث يشير إليها الذهبي من مثل قوله: " صحيح "، أو " متفق عليه "، أو " هو في الصحيحين "، أو " صحيح غريب "، أو " حسن "، أو " غريب " أو " غريب جدا "، أو " منكر "، أو " موضوع " ونحو ذلك مما يعرفه أهل العناية بهذا الفن الجليل.
ومن أجل توثيق الأحاديث والروايات عني الذهبي بنقل الأسانيد التي وردت في المصادر التي نقل عنها، ولم يكتف بإيراد المصدر حسب، وهي طريقة تعينه على تقديم المصادر الأصلية التي اعتمدها المصدر الذي ينقل منه وتتيح له، وللقارئ، الفرصة لتقويم الحديث أو الخبر استنادا إلى ذلك الإسناد، ولعل المثال الآتي يوضح هذه المسألة، قال في ترجمة الزبير بن العوام (4) :" وقال الزبير بن بكار: حدثني أبو غزية محمد بن موسى، حدثنا عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر، قال:.."، وقوله:" الدولابي في " الذرية الطاهرة ": حدثنا الدقيقي، حدثنا يزيد، سمعت شريكا، عن الأسود بن قيس.."، فهو كان يستطيع أن يكتفي بالقول " وقال الزبير بن بكار " أو " الدولابي في الذرية
(1) السير: 2 / الترجمة: 11.
(2)
نفسه.
(3)
السير: 1 / الترجمة: 4 (بتحقيق العالم شعيب الأرناؤوط) .
(4)
السير: 1 / الترجمة: 3.
الطاهرة ".
وهذا منهج انتهجه في معظم أقسام كتابه وهو يدل على دقة ومنهج متميز وعقلية نقدية في غاية الرقي.
ثم وجدنا الذهبي بعد ذلك لا يكتفي بنقد السند في كثير من الأحاديث والروايات التي يوردها ويضعفها استنادا إلى ضعف في سندها، بل يحاول جاهدا إيراد ما يقوي هذا التضعيف من الأدلة التاريخية التي تتوافر له، من ذلك مثلا ما جاء في ترجمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (1) :" أبو الحسن المدائني، عن يزيد بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: دخل عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده عائشة وذلك قبل أن يضرب الحجاب فقال: من هذه الحميراء يا رسول الله..الحديث " حيث علق الذهبي بقوله: " هذا حديث مرسل، ويزيد متروك، وما أسلم عيينة إلا بعد نزول الحجاب "، ثم أفاض في نقد الحديث وكان يكفيه بعض من هذا لرد الحديث.
ب - نقد المتن: وهو الذي يقوم على نقد متن الرواية وتحليلها وعرضها على الوقائع التي هي أقوى منها، ومعارضتها بها، ودراسة لغة الخبر وغيرها، واستخدام جميع الوسائل المتاحة للناقد التي تثبت دعواه.
وقد عني الإمام الذهبي في هذا
النوع من النقد عناية بالغة في هذا الكتاب، فرد مئات الروايات وأبطلها بنقده المتين وأسلوبه العلمي المتزن الذي ينبئ عن غزارة علم ونبالة قصد، وقدرة فائقة، وسعة اطلاع.
فمن ذلك مثلا تعليقه على الخبر الذي يشير إلى أن العباس بن عبد المطلب أسلم قبل بدر وأنه طلب القدوم إلى المدينة وأن
(1) السير: 2 / الترجمة: 19.