الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا التحقيق:
ومما يزيد في قيمة هذا الكتاب النفيس، ويعلي مكانته بين الكتب أن الله سبحانه قد يسر ظهوره بهيئة علمية رائعة، وصفة بارعة نافعة تسر كل محب للتراث، حريص عليه.
وهذا المجهود العلمي الجليل في أعسر فن من فنون التاريخ وهو فن التراجم لم يتحقق عبثا، فقد هيأ الله جل جلاله لتحقيق هذا الكتاب ونشره عوامل النجح كلها، إذ يسر له ناشرا فاضلا هو الأستاذ رضوان دعبول الذي وجد نفسه بحق صاحب رسالة في نشر العلم النافع من عيون التراث العربي الإسلامي.
وقد وجدت الرجل يبذل ماله ويسخر كل قدراته لهذا الغرض النبيل، ويركب الصعب والذلول، فيقدم على مشروع أقل ما يقال فيه: إنه أعجز جامعة الدول العربية التي أرادت نشر هذا الكتاب منذ ثلاثين عاما ولم تخرج منه غير نزر يسير شوهه التصحيف والتحريف وأقل قيمته ونفعه كثرة السقط حتى انعدمت فائدته أو كادت، فضلا عن توقفها عن إتمامه، وعجزها فيه.
وحين أزمع هذا الفاضل على تحقيق " السير " وفر له سبل التوفيق والنجاح على أحسن موفر بأن ندب إلى الاشتغال فيه عددا من المحققين البارعين الكفاة، أجزل لهم العطاة، وحفظ حقوقهم كافة، وهيأ لهم مستلزمات التحقيق الدقيق: من نسخ موثقة، ومصادر مكدسة في متناول أيديهم، فضلا عن بذل المال الوافر في الطباعة الأنيقة الدقيقة والورق الفاخر، والصناعة المتقنة.
ثم توج عمله، وركب جدة من الأمر بأن ندب لمراجعة الكتاب والإشراف على تحقيقه، وإصلاح ما قد يطرأ عليه من الغلط عالما برع
أصحابه في علمه، متأبها عن الشهرة، قديرا على تذليل الصعب، فطينا لإيضاح المبهم، كفيا بتيسير العسير، هو الأستاذ المحدث الشيخ شعيب الأرنؤوط.
وقد عرفت لهذا العالم القدير فضله الكبير على هذا السفر النفيس آثر ذي أثير حين اشترط أن يقام التحقيق على أفضل قواعده، لأنه وصاحبه، ليسا ممن يؤثرون العاجل ويذرون الآجل.
وشاهدته وهو يمسك أصل النسخة الخطية والمحقق يقرأ عليه عمله وهو لا يسهو ولا يغفل لحظة يبين المبهم، ويوضح الخفي، ويصرف الوقت الطويل الثمين في تدقيق لفظ، أو ضبط حركة، ويعيد ذلك ويبديه، ويعده أمانة وديانة، يشد به أزر المحققين، فضلا عن قيامه بتخريج جميع الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب وهي بليغة الكثرة وفق الأصول والقواعد المتبعة في علم المصطلح، وهو اليوم فارس هذا الميدان الخطير الذي ضرب آباطه ومغابنه، واستشف بواطنه.
ولست هنا في حال ذكر ما عليه تحقيق الكتاب من تجود في الصنعة، وبراعة وإتقان تمثلت في العناية الفائقة بتدقيق المقابلة، وتنظيم النص، ووضع النقط، والفواصل، والأقواس المتنوعة، وضبط كثير من الألفاظ التي يتعين ضبطها، والإشارة إلى مناجم الكتاب بمقابلة نصوصه وأخباره على الموارد التي استقى منها المؤلف، وتخريج التراجم على أمهات الكتب المعنية بها، وتخريج الأحاديث والآثار وبيان درجتها من الصحة والسقم، وغيره مما يطول ذكره وتعداده، فإن العمل الذي بين يدي القارئ هو المنبئ بكل ذلك [وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون] (التوبة: 105)
كتبه الدكتور بشار عواد معروف